قضايا

والنجم إذا هوى.. ألاسقاط النجمي

"وَالنَّجمِ إذا هوى* ماضَلَّ صاحبكم ومَا غَوى* وماينطقُ عَنِ الهَوى* إنْ هوَإلاَّ وَحيٌ يوحَى.."

يعرف الاسقاط النجمي على إنه حالة الخروج من الجسد بهيئة نجمية تنفصل عن الجسد الفيزيائي، لها القدرة على السفر خارجه عبر الجسم الأثيري،  والفكرة موجودة منذ القدم وتعتبر أحد اشكال التأمل والأحلام الجلية.

ماهو الاسقاط النجمي وكيف يحدث؟

هل تعرضت مرة لهذه الحالة؟

أو قرأت عنها؟

أو سمعت من شخص مقرب لك عن رحلة إجتياز للزمان والمكان ولو لبضع ثوان؟

وهل يمكن للوعي أن يكون خارج الجسد؟

حقيقة الامر هو أشبه بكونك نائمًا في غرفتك وبطريقة ما استطعت "إسقاط وعيك" بالقرب من سقف الغرفة حينها تصبح قادرًا على رؤية جسدك المادي وهو نائم ! تلك هي باختصار شديد تجربة الاسقاط النجمي والتي تحدث مصادفة أومن خلال تمارين خاصة تؤهل ممارسها للقيام بالتجربة.

وقد اختلفت الآراء حول هذا الموضوع الذي اتخذ منعطفات شتى وأًلفت الكثير من المؤلفات حوله ومابين مصدق ومكذب تبقى التجربة محورا للنقاش، ذلك إن التجربة حدثت لآلاف الاشخاص وقد تحدثوا عنها بشكل مفصل ودقيق وهم يصفون كل شئ مهما كان بسيطًا وإن كان خطأ صغيرا أو حرفا على جدار، وهناك سببان لحدوث التجربة:

- الاول أن يكون الانسان قريبا من الموت عاش تجربة خروج الروح أو معتقدا بذلك.

- الثاني أن يكون لديه مراكزا نشطة مشحونة بالطاقة تنقل الطاقة الى الجسم الاثيري، وقد يكون مشحونا بها أصلا عن طريق الوراثة، وقد تحدث إذا كانت المادة الاثيرية أو الطاقية كبيرة جدا.

لقد تناولت التجربة بصورة خاصة الاشخاص الذين تعرضوا للحوادث أو السقوط والارتطام أوالصدمة أو في حالة العمليات الجراحية عند تعرضهم للتخدير العام أو في حالة الاعياء الكبير الذي يؤدي بطريقة أو باخرى الى انفصال الوعي، فالتجربة إذن لاتخص الجسم المادي بل الجسم الاثيري المتمثل بالروح، فهي تجربة روحانية في عالم الروح والاختبار يعتمد على تكون هيئة نجمية للشخص حاضرة ومفعلة –تعمل بكامل قوتها-  وهو مايعتمد أساسا على قوة الفكر مما جعلها تجربة روحانية بامتياز ترتقي بها الروح لتتوحد مع الكون وصولا للذات العليا.

وبحقيقة الامر ورغم اختلاف الباحثين في هذا المجال الذي يسعون الى الحصول على دليل علمي ملموس على مغادرة الوعي للجسد إذ لا يمكن للوعي أن يوجد خارج الدماغ إذا أخذنا بالاعتبار إن كل ما يتعلق بانشطة الدماغ الماورائية كالاحلام والتخاطر تتم بوجود الدماغ، لكن الحقيقة التي تفرض نفسها إن التجربة موجودة فعلا وكل من تعرض لها وصف الاحداث بطريقة متشابهة جدًا بعيدًا عن الالم مع الشعور بنوع من الغبطة والقدرة على اجتياز الحواجز والجدران والاسقف ورؤية كل التفاصيل الدقيقة التي تتم بعين طائر حاذق محلق ورؤية جميع الاشخاص سواء كانوا من العائلة أو الاصدقاء والمرور خلالهم، هذه التجربة التي يستطيع من مر بها أن يتذكرها بكل تفاصيلها فهل هناك أكثر من هذا الدليل؟

وقد تختلف التسميات أو تتداخل أو تتشابه فالاسقاط النجمي أو الخروج من الجسد أو تجارب الاقتراب من الموت تحمل نفس السمات وان أختلفت المسميات.

وهنالك فروعا عديدة للاسقاط النجمي أهمها:

- تجربة الخروج من الجسد: وتنقسم الى رحلة وعي داخلية ورحلة وعي خارجية، وهي انجراف الوعي نحو بيئة ذبذبة كثيفة، أما خارج الجسد أو الجسم الاثيري.

- الاحلام الجلية: وهي الاستيقاظ داخل الحلم واستقبال المظاهر الاثيرية(التحكم الذاتي بالحلم).

- التخاطر

- الرؤية عن بعد

 لقد تعرضت في أحد الايام للانزلاق والسقوط على رأسي من الخلف كنت في التاسعة عشر من العمر، كانت الصدمة شديدة أفقدتني الوعي لدقائق، لكني عشت التجربة بعمر كامل مر عليّ شريط حياتي من الطفولة المبكرة البعيدة جدًا ورأيت أحداثًا واشخاصا ومدنا وبيوتا حقيقية ومدارسا على مدار سني حياتي بشهورها وأيامها ورأيت حادثة موت أخي الكبير والحروب التي حدثت بالعراق وحتى صفارات الانذار سمعتها والصاروخ الذي سقط في باب المعظم عندما كنت في الجامعة، رأيت كل شئ حتى الحرف المكتوب على جدار البيت ومسمارا مندملا في جدار الغرفة، كنت أطفووالتصق في سقف الغرفة وكل شئ أمامي شفاف، كنت أعلم عدد الكتب في المكتبة بل والعناوين، وكنت أرى أهلي وهم يتجمعون حول جسدي أمي وأخواتي وهن يبكين وأحاول أن أعلمهن اني حية أرزق لكن دون جدوى أضع يدي على كتف أمي فتدخل يدي بجسمها، كنت أرى والدي بسيارته يأتي مسرعاً وأخوتي بانتظاره وأسمع وأرى سيارة الاسعاف والطبيب الذي كان يضغط بكل قوته لاعادة النبض حتى استفقت، وكان الامر جله تقريبا ربع ساعة رأيت من خلالها كل شئ حتى ماركة ساعة الطبيب "أورينت" التي كان يرتديها!!

لقد شرحت لأهلي بالتفصيل ماكان يحدث والكلمات التي تحدثوا بها وسألتهم عن الاشياء البعيدة التي رأيتها والتي حدثت فعلا في طفولتي المبكرة التي لم أذكرها وأنا واعية لانها بعيدة جدا وفي عمر مبكر، وتأكدت من المسمار المندمل على الجدار وبعض الخطوط والحروف في جدار البيت التي طليت أصلا!!

هذه التجربة كانت بالنسبة لي وأنا في عمر فتي أشبه بالحلم لاننا في الحلم نسمع ونرى ونشعر تماما كما في الواقع، وقد وصفها كل من مر بها بنفس الكيفية.

لقد عمد الكثير الى إجراء التجربة من خلال خطوات وتمارين كثيرة تعتمد على التأمل وعلوم الطاقة من خلال تفعيل عمل الشاكرات وتنظيف الهالة للدخول الى عالم الصفاء الروحي وتفعيل الرؤى التأملية، فهل نجحوا بذلك؟

ربما قد نجحوا بذلك والامر ليس هينا ويعتمد على قدرات طاقية هائلة تدخل تحت بند الروحانيات وهو مالجأ اليه بعض الصوفيين بعد أن مارسوا لفترات طويلة جلسات تأملية تعبدية خالصة أوصلتهم الى مرحلة الصفاء الروحي، وقبل كل شئ كان الرسول الكريم يمارس جلسات تأملية خالصة بغار حراء أتت أ’كلها بنزول الوحي، كما وهب الله أنبياءه ورسله الكثير من القدرات الخارقة والمعجزات.

إن تجربة الاسقاط النجمي هي عيش الواقع لكن بجسم أثيري وبمحيط أثيري أو مايطلق عليه بعالم الروح"ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وماأوتيتم من العلم إلا قليلا".

نأتي الآن الى التفسير الديني لهذه التجربة والتي عارضها البعض بشدة، وبغض النظر عن تفسير المفسرين لننتهل من الآيات القرآنية تفسيرًا منطقيا يرضى به العقل والمنطق، لنتأمل الايات القرانية الآتية:

"وَالنَّجمِ إذا هوى*ماضَلَّ صاحبكم ومَا غَوى*وماينطقُ عَنِ الهَوى*إنْ هوَإلاَّ وَحيٌ يوحَى *علمه شديد القوى..)

هذه السورة التي فُسرت تفسيرات كثيرة اتفقت جلها على سقوط النجم والبعض قال إنها تعني سقوط الثريا لكن الحقيقة جلية كعين الشمس وهي تشير الى قسم الله جل وعلا بالنجم إذا هوى أي سقط ألا توافق هذه الآية بمعناها "الاسقاط النجمي" والسبب الذي وضعت فيه والآيات التي تلتها والتي تعبر بشكل قاطع على إن النبي محمد(ص) كان واعيا تماما وفي غاية الانتباه ولم يتلقى علمه الا من الله جلّ وعلا ولاينطق عن هوى نفسه بل كل شئ تم بأمر الله و بارادته و هو يتلقى علومه من الوحي مباشرة من لدن حكيم خبير"فأوحى إلى عبده ماأوحى*ماكذب الفؤاد مارآى*أفتمارونه على مايرى" وقد جاءت كلمة فؤاد والتي تعني العقل كما جاء في الاية الكريمة"واصبح فؤاد أم موسى فارغا" أي إنها فقدت ذاكرتها، فقد رأى النبي مارأى بعقله وليس هناك أدنى شك لتكذيبه.

أن تفسير الآيات وتسلسها واضحا جليا يشرح حالة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وقد رآى مارأى بفؤاده والمقصود بعقله وكل جوارحه "مازاغ البصر وماطغى*لقد رآى من آيات ربه الكبرى"

هذه الايات القرانية وترتيبها بهذا الشكل انما تدل دلالة واضحة على عروج الروح وإن تجربة الاسقاط النجمي موجودة فعلا"والنجم إذا هوى" وهو دليل صريح من القران الذي وضعه الله بين يدينا لنتدبر معانيه، وقد وردت الروح في مواضع عدة وجاءت بعدة معانٍ

قال الالوسي:"الظاهر عند المنصف ان السؤال كان عن حقيقة الروح الذي هو مدار البدن ومبدأ حياته، لان ذلك من أدق الامور التي لايسع أحدا إنكارها ويشرئب الجميع لمعرفتها وتتوافر دواعي العقلاء اليها وتكلّ الاذهان عنها".

والروح غيب من غيب الله لايدركه سواه ولقد أبدع الانسان في هذه الحياة، لكنه وقف حسيرا عاجزا أمام هذا السر- الروح- لايعرف ماهو ؟ ولا أين يذهب ولا كيف كان ؟ وماهي مادته ؟إلا مااخبرنا به العليم الخبير في التنزيل، والروح من أعظم مخلوقات الله شرفا وكرامة فقد كرمها غاية التكريم"فاذا سويته ونفخت فيه من روحي "

ومهما طال المقال لايتسع له المقام لان علم الروح استأثر به الله وحده"رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق".

ولنتأمل هذه الاية الكريمة أليست فيه دلالة واضحة بينة كعين الشمس على ان الله يلقي الروح على من يشاء كانذار له ليصحح مساره ويعود الى الصراط- سبحان الله- "لينذر يوم التلاق" إنذارا لليوم الآخر،  وهذا يتجلى بقصص الاقتراب من الموت التي وان أختلفت بشكلها لكنها تتشابه بجوهرهاالتي طالما أعادت أصحابها إلى الطريق القويم برسالة روحانية من الله جل وعلاّ لترك المعاصي والعودة الى الله"يهدي الله لنوره من يشاء".

***

مريم لطفي

في المثقف اليوم