قضايا

واقعنا الاجتماعي والحرب الرقمية الناعمة

مراد غريبيبلحاظ المحتوى الرقمي في شبكات التواصل الاجتماعي على مستوى الجغرافية العربية، ومع التفكر بماهية التدين في افهام الجموع النشطة عبر هذه المنصات الاجتماعية التي باتت تعكس واقع الحياة العامة والخاصة للعرب والمسلمين، مما يؤشر لحالة براسيكولوجية خطيرة تمكنت من برمجة إنساننا العربي والمسلم، لا أقول المرأة أو الرجل أو الشباب أو المثقفين أو غيرهم، كلنا نعاني من الافتراضي الذي أصبح السواد الأعظم من بني جلدتنا يعبث عبره بصحته النفسية وأخلاقه الذاتية والاجتماعية، دون أن ننسى من ركب امواج التكنولوجيا لتدمير البيوت والعقائد والأوطان وإفساد العقول وتسقيط الأشخاص والعوائل والوجهاء، للأسف استخدامات وسائط التواصل الاجتماعي لدينا أصبحت مغشوشة وفتنوية ومفسدة للوعي العام لدى إنساننا ككل، وفي هذا الخصوص لا يمكنني الوقوف على كل النماذج المهددة لأمننا الثقافي والاجتماعي كعرب ومسلمين، مما يهدد هويتنا واخلاقنا وقيمنا ووعينا الديني الصحيح، حيث سأكتفي بالإشارة للنموذجين الطاغيين حاليا، حيث يعتبرهما الخبراء والمهتمين بأمور العرب والمسلمين الحضارية هما أساس البلاء العظيم الذي يتهدد اطفالنا وشبابنا ومجتمعاتنا، من قبيل، المثلية والنسوية المتضخمة وماهنالك من معضلات فكرية وفتاوى شاذة وطائفيات متناثرة احرقت كل آمال النهضة والوحدة والإصلاح والتجديد في ربوع وطننا العربي والاسلامي..

إنهما نموذج التدين المنحرف والإلحاد الجديد، هاذان النموذجان مع المثلية والنسوية المتطرفة  نالت اهتمامات بحثية كثيرة من قبل العديد من مفكري وعلماء الأمة من جل المذاهب والمشارب، حيث حذر كل واحد منهم من آثار تفشيها وتعاظمها وحصولها على شعبية واسعة بين أطياف مجتمعاتنا، فهناك من اهتم بالتدين المغشوش  وهناك من اهتم عنه بالإلحاد الناعم وغيرها من الظواهر التي تشترك في المدلول والمقاربة، وكل هذه الأوصاف السلبية التي ترتبط بالتدين تعكس ظاهرة مرضية عويصة تستمد حيويتها وفاعليتها من مرتكزات تراثية مشوهة تنتمي لما اسماه الأستاذ الغرباوي بمضمرات العقل التراثي أو العقل الفقهي، وأيضا مرتكزات ثقافية منحرفة تنتمي لحقل يعبر عنه البروفسور علي أسعد وطفة بالتخلف الثقافي والمؤكد في هذا الإطار أن ظاهرة التدين في أوجهها السلبية المريضة والخطيرة، الصاعدة والهابطة هي منجم التخلف والطائفية والتسقيط والعنصرية واحتكار الحقيقة وكل مهدد للمنظومة القيمية الإسلامية التي تمثل عمق الحضارة الانسانية الحقيقية التي لا تبخس الناس أشياءهم..

لقد اصبحت وسائط التواصل الاجتماعي سوق اهل التدين الفاسد والإلحاد المتغطرس، عبر لبس عباءة الفضيلة والأخلاق وبدلات الأمية العلمية والأكاديمية على صفحاتهم أو قنواتهم أو مجالسهم لاستقطاب جموع النساء والشباب وضعيفي الوعي الديني والثقافة العلمية، وبالتالي الوصول إلى أهدافهم التدميرية ومكاسبهم المتعددة الصور، وحصولهم على قوة اجتماعية مهددة للسلم والألفة، وانعكاس ذلك على مستوى القبول الاجتماعي أو التمرد الإجتماعي، لأن نسب المنقلبين عقائديا والمنفلتين اخلاقيا والمروجين للشذوذ والفساد والعصبيات وما هنالك من فئة الشباب، تبين ان غالبيتهم مروا بتجربة تدين ضمن أطر طائفية وكنتونات متطرفة أو منحرفة، والوباء للأسف أثر بشكل كبير على فئة النساء والبنات، في ظل واقع إجتماعي مأساوي، هنا نتوقف عند سؤال مهم:

لماذا بلغنا هذا المستوى المتدني والإنحرافي في استخدام وسائط التواصل الاجتماعي؟

لاريب أنه تحصيل حاصل ونتاج استقالات متعددة على صعد كثيرة وغياب ممنهج لمرتكزات الأمن الثقافي والوعي الاجتماعي، كلنا يدرك أنه منذ عقدين من الزمن تضاءلت مستويات الحوار والتواصل المؤسس على القيم والمبادئ والتطلعات الانسانية الراقية الناشدة للسلم والتنمية والتعمير والنهضة في الأسرة ومؤسسات المجتمع كلها، هناك عنف مترامي الاطراف بين الافراد والفئات والتنوعات، هناك تعصب وجمود على الذات والطائفة والقبيلة والحزب والفئة، هناك غش وكذب واحتيال ومكر وسوء ظنون على جميع محطات المجتمع من الهرم الى القاعدة، هناك تخلف تربوي وانحراف قيمي مسيطر على عدة مؤسسات أهلية مركزية في معادلة التنمية الإجتماعية، بلا مواربة هناك إفلاس معمق لواقعنا الاجتماعي فكرا وخطابا وموقفا، الدين بقداسته اصبح مهددا من جراء الأفهام الضيقة والتفسيرات المجتزأة لقيمه ومبادئه ومقاصد شريعته، في ظل هذا الواقع الذي تبلور وتضخم بسرعة الضوء من خلال وسائط التواصل والتكنولوجيات الحديثة، هذا التدين المغشوش والفاسد والملعون والإلحاد الخبيث والمغرور، هي من مصادر التخلف والعنف والإنحراف والفوضى، هي المهدد الأساسي لأن مجتمعاتنا بطبيعتها دينية ولا يزال صوت الدين مؤثرا فيها، وهنا تطفو على السطح اشكاليات ومشكلات دور علماء الدين والمثقفين والتربويين والنفسانيين والاجتماعيين والاقتصاديين والاعلاميين وخبراء التكنولوجيات الحديثة، لأن عالم الدين اليوم لا يمكنه تشخيص الأمور دون استشارات وحوارات ونقاشات مع أصحاب الاختصاص والمتابعين لهذه الظاهرة المرضية التي تبدأ من تمحيص المادة الدينية الصحيحة من السقيمة التي تسوق وملاحقة الفتاوى الشاذة والفتنوية الشيطانية وهدم مخططات أصحابها الذين يتطلعون من خلالها إلى التجهيل والتحريف والتخريب لمرتكزات الامن السوسيوثقافي لأوطاننا وأمتنا، هناك منطقة فراغ خطيرة تتسع بين العقول التجديدية الدينية والأكاديمية من جهة وإنساننا ومجتمعاتنا من جهة أخرى، فبدل البقاء حبيسي ادعاء الوعي والنباهة والتأثير وملكية حقيقة الواقع والتاريخ والمستقبل، لابد من التعاون الإبداعي عبر الحوار الصادق والتفاهم المتسامح، لأن عاصفة التخلف الجارف تهدد الجميع بلا استثناء، التراث لابد أن يمحص ومناهج دراسته تجدد وخطابه يواكب العصر، كما أن الثقافة العلمية لا يمكنها أن تحارب فهومات الدين على أنها حقيقة الدين، العنف المتبادل سيزيد الأفراد والمجتمعات انحدارا في منحدرات التخلف والجهل والفساد وتضيع الهويات في حروب الاستنزاف الثقافية التي أصبحت ساحاتها افتراضية تقتل الإبداع فينا مع كل منشور أو استفزاز مبرمج أو فتوى مارقة..

و عليه من الضروري التأكيد على النقاط التالية:

1- عمل كل المهتمين بمستقبل الأمة من علماء دين ومثقفين عبر الحوار وإبداع المقاربات والمشاريع التي من شأنها خلق أمن ثقافي سيبيراني يواجه بالمنطق والحجة والقيم والأخلاق وبالتي هي أحسن، جحافل التزوير والتشويه والتحريف وبرمجة العقول واغتيال الهمم لدى افرادنا وتطويعهم لجهات مشبوهة وفاسدة.

2- تفعيل برامج وصفحات ومنشورات ومنصات حوارية بلغة العلم والمعرفة  والحجة والبرهان حول شؤون السلم الأهلي والتفاعل الثقافي والتسامح الاجتماعي بمنطق التواصل الذي هو أساس الوسائط وليس القطيعة والعنف والتضليل والتسقيط .

- دعم الشباب في خلق وإبداع بدائل للوسائط الغربية التي على الرغم من أهميتها لكن تبقى منصات تجريب وتجسس وتخريب للوعي الجمعي وما هنالك من ثغرات تقنية وأخرى أمنية إجتماعية تستثمر في أسواق الفتن وخلط أوراق النهوض أي صناعة استقلال في مجال وسائط التواصل الاجتماعية..

4- ترشيد السلوكيات التواصلية عبر خلق صرامة قانونية لردع أي سلوك مخالف للسلم والتعاون والتسامح والتعايش  أو المقيد للحريات المسؤولة لتمكين آليات الحوار العلمي من الترسخ والتطور ما من شأنه خلق سحابة ثقافية تتصدى لكل الغيوم السوداء التي تكتسح واقعنا الاجتماعي من خلال الفضاءات الرقمية..

5- إرساء تقاليد الاعتراف بالآخر من خلال تفعيل القيم والمبادئ المشتركة وبعث نزعة أخلاقية إنسانية تؤمن بروز التعاون الإبداعي بين المثقف الليبرالي وعالم الدين المجدد لمواجهة طوفان يهدد أمتنا ككل بشتى تنوعاتها، مما سيردم منطقة الفراغ ويصفر مخططات الحرب الرقمية الناعمة للتدين المغشوش والإلحاد الجديد عبر وسائط التواصل الاجتماعي..

***

بقلم: أ. مراد غريبي

كاتب وباحث

في المثقف اليوم