قضايا

الذكورة والأنوثة البيولوجية والنفسية

لأننا في عصر يشيع فيه استخدام مصطلحات الذكورة والأنوثة النفسية، كما صار يشيع الحديث عما يُسمى بالنوع الثالث! ثم إنني لاحظت أن أغلب الناس لا يفهمون المقصود بهذه المصطلحات، ويكثرون الخلط بينها، رأيت أنه يلزم الإيضاح.

الذكورة والأنوثة البيولوجية

مبدئيًا ووفقًا للمبادئ الأولية في علم الأحياء، فنوع gender الإنسان يتحدد عن طريق كروموسوماته الجنسية منذ لحظة الإخصاب، إلى ذكر أو أنثى.

فإن كانت المادة الوراثية التي يحملها الإنسان في خلاياه تحتوي كروموسومين جنسيين متماثلين XX فالنوع البيولوجي أنثى.

وإن كانت المادة الوراثية التي يحملها الإنسان في خلاياه تحتوي كروموسومين جنسيين ‏مختلفين XY فالنوع البيولوجي ذكر.

ولا يوجد إنسان على ظهر الأرض تحتوي بعض خلاياه كروموسومين جنسيين متماثلين XX وبعضها كروموسومين متباينين XY ، وعليه فلا يوجد علميًا ما يُسمى بالنوع الثالث.

وحتى من يولدون بكروموسوم جنسي وحيد X، وهي الحالة الطبية المعروفة بمتلازمة تيرنر Turner syndrome، فإنهم ينمون بحيث يصبحن إناثًا، رغم عدم نمو جهاز تناسلي أنثوي مكتمل لهن.

لكن لا بد أن نعي أن جسم الإنسان الطبيعي (ذكرًا كان أم أنثى) يفرز كلا النوعين من الهرمونات (الذكرية والأنثوية).

والمفترض أن يتفق إفراز الغدد في الجسم ومحدده البيولوجي الكروموسومي ليكون نمو الجسم ومظهره سويًا؛ بمعنى أن تكون الهيمنة للهرمونات الذكرية في جسم الذكر الذي تحمل خلاياه كروموسومات جنسية XY، وأن تكون الهيمنة للهرمونات الأنثوية في جسم الأنثى الذي تحمل خلاياه كروموسومات XX.

وأي خلل في التناسب السليم بين الهرمونات وفقًا للمحدد الكروموسومي للنوع ينشأ عنه خلل في الجسم وظهور مظاهر جنسية ثانوية للنوع الآخر؛ كحدوث التثدي لدى بعض الرجال، أو زيادة سماكة شعر الجسم لدى بعض النساء.

وبعض حالات الخلل الهرموني يحدث بسبب تلقي أدوية أثناء الحمل.

والخلل الهرموني بوجه عام يمكن علاجه، ولا يعني بأي حال من الأحوال أن هناك ما يمكن أن يُسمى بالنوع الثالث!

ولكن إن كان الخلل الهرموني وأي عيب جسماني نتيجة له يمكن إصلاحه، فما يتعذر إصلاحه هو إحساس الفرد بهوية جنسية خاطئة، والتي يبدأ تشكلها عن طريق التربية في الأسرة منذ الصغر.

الذكورة والأنوثة النفسية

نأتي لـ مصطلح الذكورة والأنوثة النفسية؛ فهناك صفات نفسية تكون أكثر شيوعًا لدى الرجال، وصفات نفسية مقابلة تكون أكثر شيوعًا في النساء، أو فلنقل أنه هكذا يُفترض أن يكون الحال.

فالاهتمام بالنفس يقابله الاهتمام بالآخرين، والمنافسة تقابل التعاون، والشدة تقابل الرحمة، والحزم والثبات يقابل المرونة، والشجاعة والإقدام تقابل الخجل، واستخدام المنطق والتحليل يقابل الحدس.

وعلماء النفس يعدون الاستقلالية المادية والمعنوية صفة ذكورية، بينما يعتبرون الاعتمادية صفة أنثوية، ولكن هذا لا يعني أن كل الرجال استقلاليون وأن جميع النساء اعتماديات!

وفي عصرنا زادت أعداد النساء المستقلات؛ ربما كرد فعل طبيعي لتزايد أعداد الرجال الاعتماديين! وهذا ملحوظ وظاهر للعيان، فمن المنطقي أن تضطلع المرأة بمسئولية نفسها تمامًا عندما لا تجد رجلًا يُعتمد عليه، حتى وإن لم تكن ترغب في ذلك.

وكما أن جسم الإنسان الطبيعي يفرز كلا مجموعتي الهرمونات الجنسية، ولكن الفرق في التناسب بينهما، فلا يوجد إنسان على ظهر الأرض يتصف بصفات ذكورية فقط أو صفات أنثوية فقط، أيًا كان نوعه البيولوجي؛ فالذكر الطبيعي تتصف شخصيته بمزيج من الصفات الذكورية والصفات الأنثوية، وكذلك الأنثى الطبيعية.

ولكن –وعلى العكس من الهرمونات- فوجود هيمنة شديدة متطرفة للصفات الذكورية أو الأنثوية في الشخصية ليس علامة على الشخصية السوية!

الإنسان السوي نفسيًا لا بد أن يوازن بين الصفات النفسية الذكورية والأنثوية في شخصيته. وهذا التوازن لا علاقة له بما يُشاع عن خشونة المرأة وتخليها عن أنوثتها ولا عن ضعف بعض الرجال في عصرنا.

فكونك ذكرًا لا يعني ألا تعرف التعاطف والحنان وإظهار الود تجاه من تحب، وكونك امرأة لا يعني أن تتعاطفي حتى مع مجرم يتم القصاص منه! أو أن تكوني حنونة لدرجة إفساد أبنائك!

ولعل أقرب حكمة عربية يمكن أن تُقال في هذا الصدد لكل إنسان: "لا تكن قاسيًا فتُكسر، ولا لينًا فتُعصر".

والملاحظ أن الرجل غير المتوازن نفسيًا، والذي تكون صفات شخصيته ذكورية شديدة التطرف يكون لئيمًا في التعامل مع المرأة، ولا يحترم الأنثى ولا الصفات الأنثوية مطلقًا.

تباين صفات الشخصية وفقًا للعوامل الاجتماعية

من خلال خبراتي الميدانية رصدت حالات كثيرة لأشخاص تكاد تختلف صفات شخصيتهم التي تسمهم في حياتهم المهنية اختلافًا كليًا عن الصفات التي يظهرونها كسمات في حياتهم الشخصية.

فيمكن أن نجد رجلًا شديد الصرامة وربما القسوة في حياته المهنية، وهو على النقيض من ذلك زوج وأب حنون، وقد يدلل أبناءه دلالًا مفسدًا. ويظهر هذا التباين أيضًا لدى النساء الناجحات مهنيًا.

ويمكن القول إن هذا التباين في تفعيل الصفات النفسية بحسب مواقف التفاعل الاجتماعي يظهر لدى نسبة كبيرة من البشر، ولكن درجته هي التي تختلف، فأغلب البشر يعتقدون أن تفعيل الصفات النفسية الذكورية يؤدي إلى النجاح المهني، بينما يكون تفعيل الصفات النفسية الأنثوية سببًا رئيسيًا للنجاح في الحياة الشخصية؛ فالرجل أيضًا بحاجة إلى تفعيل الصفات النفسية الأنثوية في علاقاته الشخصية بدرجة ما.

والمرأة التي تُفعِّل الصفات النفسية الذكورية بقوة في علاقتها الشخصية، تدفع الرجل دون وعي منه بأن يُفعِّل صفاته النفسية الأنثوية ربما إلى درجة الهيمنة، فيتعامل معها كطفل مع أمه –خاصة إن كان قد تربى على الاعتمادية-، فيلقي على زوجته جميع أعباء ومهام الأسرة، وعندها تشعر المرأة بعدم التوازن النفسي، وتبدأ في الشكوى والتذمر، وقد يصل الأمر إلى الطلاق. والحل أن تلزميه بلطف أن يكون رجلًا، وألا تسمحي بحدوث تبادل تام في الأدوار الاجتماعية.

وبوجه عام فإن من لا يستطيع خلق التوازن النفسي بين صفات الذكورة والأنوثة، ومعرفة متى تظهر كل صفة، وتجنب الهيمنة الدائمة لإحدى المجموعتين من الصفات، لا ينجحون في الحياة، وتكون لديهم دومًا مشاكل في التواصل الاجتماعي، وصعوبة في تحقيق أهدافهم المهنية أو الشخصية، وأحيانًا كليهما!

لكن الأكثر تعقيدًا أن بعض الصفات النفسية الذكورية قد تعاكس السلوك وفقًا للدور الاجتماعي الذكري! من ذلك أن ارتفاع الإحساس بالأنا (الايجو EGO) هو صفة ذكورية، وغالبًا ما تتسبب في ضعف سلوك المبادرة نحو الأنثى، وهو سلوك ذكري!

وقد رأيت حالات واضحة لذكور، بقدر النجاح الذي يحرزونه في تمثل الدور الذكري في الحياة المهنية، يكون لديهم فشل واضح في القيام بمتطلبات الدور الذكري في الحياة الشخصية، فيفشلون فيها لافتقادهم القدرة على المبادرة بسبب ارتفاع الايجو EGO، فيمكن أن تعجبه فتاة ويخشى التقدم لها حتى تتزوج بآخر!

***

د. منى زيتون

الجمعة 2 سبتمبر 2022

 

في المثقف اليوم