قضايا

حرية.. اختلاف وتنوع

منذ أن وُجد الإنسان على الأرض ، كان وجوده مختلفا واستمر معه هذا الاختلاف إلى يومنا هذا.

إن الاختلاف سمة في البشر بها يتكاملون ويحدث التنوع الجميل الذي يزيد الوجود جاذبية ، يجذب الإنسان نحو البقاء ويحرك فيه الفضول لاكتشاف المختلف عنه غير الموجود فيه.

لكن هذا المختلف قد يشكل معضلة للكثيرين حتى من دعاة الحرية التي يبدو أن مفهومها غامض عند البعض ممن لا يعرف معناها؛ فهناك من يعتقد أن الحرية هي أن تكون حرا فيما هو حر فيه يعني حسب مفهومه ونظرته للأمور وهنا هو يحاول فرض نمط تفكير على الآخرين يسلبهم به حريتهم في تسيير حياتهم كما يشاؤون.

وهو ما حصل إثر الضجة التي أثارها عريس بزوجتين في يوم واحد نشر صوره على مواقع التواصل الاجتماعي فثار ضده مجتمع بحاله، فيهم من بداع ايديولوجي وفيهم من بداع تحرري وفي الحقيقة كلاهما يريدان فرض رؤية معينة من منظور شخصي، إنما الحقيقة التي تظهرها الصور أن الزوجتين في رضا تام تظهر عليهما علامات الرضا والسرور بمعنى أنه اختيار عن قناعة وليس فرضا فيما ذهب كثيرون إلى أن العروسين قد تكونان في ظروف قاهرة أجبرتهما على القبول وآخرون ربطوها بفرض ديني يطبقه الأطراف الثلاثة في حين أن التفسير بعيد كل البعد عن ذلك وليس موضوعنا لأنها حرية مكفولة لكل طرف ما لم يفرضوها على غيرهم.

بعد هذا يخرج المدافعون عن المرأة بطريقة خاطئة بالتباكي على حالها ليصوروا لنا دوما امرأة مغلوبة على أمرها ومقهورة وهم لا يعلمون بهذا أنهم بالتباكي يقللون من شأن المرأة ويضعونها في خانة البشر الضعيف الذي يحتاج دوما لمن يبكي حاله، تلك النوعية من البشر التي تذوب في الشكوى ولا تجد سبيلا آخر غير الاستكانة إلى فكرة تسكن الذهن وهي أن المرأة مظلومة ودوما بحاجة لمن يدافع عنها.

والحقيقة أن المرأة تمكنت منذ زمن من كسر الكثير من الحواجز واخترقت عالم الشغل من الوظائف العليا إلى أبسط المهن ، والواقع كذلك يقول أن النساء هن من يمسكن زمام الأمور في بيوتهن، صحيح أنها لم تأخذ حقوقها كاملة ولازال أمامها الكثير لكن ما وصلت إليه لا يمكن الاستهانة به خاصة بعد اكتساحها مجالات العلم والعمل.

في الحياة الشخصية للأفراد نلمس اختلافا وتنوعا يمكن أن نحلله لكننا لا نملك الحكم عليه بالسلب أو الايجاب لأنه يبقى حرية شخصية مادام تم اختياره عن وعي وقناعة، وهو الحال بالنسبة للزواج التعددي الذي يظنه الكثيرون موجودا فقط عند المسلمين بينما هو موجود عند المورمون في عدة دول من العالم أين شاهدنا وثائقيا لرجل بخمس زوجات وثلاث وعشرين طفلا وطفلة، ونحن هنا لا نشجع أو نؤيد تعدد الزوجات بقدر ما ندعم حرية الأفراد في عيش حياتهم بالطريقة التي يريدون مادام لم يفرضوها على أحد ولم يضروا بها العالم المحيط بهم.

إن الواقع يقول أننا نعاني من عقدة تمجيد الآخر على حساب ذوينا، هذا الآخر الذي يعيش اختلافه بكل حرية، فنجد لديه العلاقات المتعددة والزواج التعددي وغيرها من الحالات الاجتماعية غير العامة والتي يقابلها المواطنون هناك بلامبالاة نابعة عن ثقافة تقبل الاختلاف والتنوع بينما نقابلها بالهجوم والأحكام الجاهزة والتي تدل على أن الفرد عندنا وإن عرف معاني الحرية فهو يريد فرض حريته هو من منظوره الخاص على الآخرين ليصبح بذلك متعصبا لفكرة معينة دون أن يدري وهو يغفر للآخرين مهما فعلوا فقط لأنهم يعيشون في بلدان أكثر تقدما ولو نظر جيدا لوجدهم أفرادا بعيوب وايجابيات وليسوا المجتمع المثالي ، بل لو نظر جيدا لوجد في نفسه ما هو أفضل منهم ربما، خاصة الفرد المثقف الذي لا يزال يجلد ذاته ويمجد غيره مع أنه يستطيع التفكير أحسن منهم والعمل والاختراع والكتابة والابداع أفضل من كثير ممن يستميت في تمجيدهم والدليل أبناء بلداننا الناجحون في العالم الأكثر تقدما فقط لأنهم آمنوا بقدراتهم ولم يمجدوا غيرهم على حساب أنفسهم بل جعلوا الآخرين ينحنون احتراما لذكائهم وحكمتهم.

إن كثرة ما عانته المرأة في مجتمعنا قبل أن تنال بعض حقوقها جعل الكثير من المدافعين عنها يعتبرون حتى قراراتها الشخصية النابعة عن دراية ظلما في حقها بينما هي قرارات قد تكون لها بعدها وهدف محدد يريد الشخص الوصول إليه، والخطأ الذي وقع فيه الكثير من المثقفين خاصة هو إصدار حكم دون تبيان الأسباب ولو أن الحكم على حياة الأفراد الخاصة من نظرنا ليس من حق أحد.

إن هذا العالم في اختلافه وتنوعه جميل ولو كان الكل يتشابهون أو يتماثلون لأصبح الوجود مملا ولما كان لنا ما يثير طبيعتنا الفضولية لاكتشاف العالم المحيط بنا، هذا العالم الملىء بالناس في تنوعهم الجذاب الذي يثير اهتمام الباحثين في مجال علم النفس والاجتماع ليحللوا ظواهره وخلفياتها ومكنوناتها دون إصدار الأحكام.

***

لامية خلف الله/ كاتبة من شرق الجزائر

 

في المثقف اليوم