قضايا

التسول الفكري

إذا سألت أحدهم ما هو مفهومك عن التسول ستكون الاجابة دون تردد  بأنّه طلب المال أو الطعام خاصةً في الشارع أو في غيرة من الأماكن الأخري هذا هو المفهوم الشائع للتسول بين البشر والنوع المنتشر والمعروف لدي أغلب الاشخاص . ولكن هنا أتحدث عن نوع أخر من التسول لا علاقة له بالطعام أو الشراب أو المال ولكن تسول علي حياة وأفكار الأخرين.

تعتبر ظاهرة التسول أو التدخل في شؤون الآخرين من الظواهر الاجتماعية والأخلاقية المنتشرة بين الناس، وهذه الظاهرة موجودة في جميع المجتمعات البشرية، ولكنها تختلف من مجتمع إلى آخر تبعاً للمستوى الثقافي والحضاري في هذا البلد أو ذاك، في بداية الأمر علينا أن نميز بين من يتدخل ليطمئن على أحوالنا وأننا بخير ويكون الغرض من تدخلة وسؤاله هو أن يرانا دائما في أفضل حال ويتمني لنا الأفضل دائما  وهذا غالبا يكون من قبل الأهل والأصدقاء  المقربين منا، وبين من يطرح اسئلة خاصة فقط ليعرف وضعنا وتفاصيل حياتنا دون ان تكون تلك المعلومة ذات فائدة أو بمعنى آخر تفاصيل لا تعنيه كالسؤال عن قيمة الراتب، وأين يصرف هذا المبلغ أو متي ستتزوج، لماذا لم تشتري سيارة،  هل توجد خلافات بين الزوج والزوجة،  وغيرها من التفاصيل.

 في هذه الحالة علينا أن نضع حداً لهذه الأسئلة لأنها تدخل في أمور خاصة، والإجابة عن تلك الأسئلة يفتح الباب للاستمرار بطرحها مما تجعل حياتنا خالية من الخصوصية. بالإضافة لصفة الفضول عند البعض التي تدفعهم لطرح تلك الأسئلة يصل الأمر بهم إلى عدم مراعاة مشاعر الآخرين وربما يثقلون كاهلهم ويزداد الحزن بسبب تلك الأسئلة، كسؤال الزوجة عن سبب عدم حملها بعد مرور سنة أو أكثر من الزواج، أو مراقبة تحركات الآخرين، والتفوه بملاحظات ساذجة أو معاتبة لاذعة لهم، إسداء المشورة، وتوجيه النصح حول الأنسب والأحسن والأقوى والأكثر إفادةً لنا، مثل: تقديم النصح حول اللباس الذي يليق بهم، وقصة الشعر التي تناسب وجههم، والطعام الذي يجب أن يأكلوه. واحيانا يصل الأمر إلي التصدي للآخرين، وإعلان الحرب عليهم في حال رفضهم للتدخل الذي يقومون به.

كثيرا ما ينتاب المرء الإحراج أو الامتعاض من سلوك المتسولين الباحثين عن أسرار الناس وانتهاك خصوصياتهم برغم معرفتهم بأنهم سيسببون لهم انكسارات نفسية وتضييق مساحة التحمل وذلك لتدخلهم بأدق التفاصيل الحياتية واليومية ولا يتوقف الأمر هنا فحسب بل من الممكن أن يتوسع ليصل إلى نقل الكلام الخاص بصورة أخرى أو تضخيمه لتحفيز عنصر التشويق والاثارة مما يسبب الفتنة أو غيرها من المشاكل الاجتماعية الأخرى..

إن المتتبع لتعاليم الدين الاسلامي  يلمس التأكيد على عدم التدخل في شؤون الآخرين ويعتبره من موارد حسن إسلام المرء كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مِن حُسنِ إسلامِ المَرءِ تَركُهُ ما لا يَعنيهِ»، فمن منا يرغب أن يتم اختراق أسوار حياته الشخصية والانقضاض ببراثن الفضول لتمزيق جسد الحياة، حتماً الإجابة ستكون لن نسمح بذلك.

فكل تفاصيل حياة الانسان هي من شأنه الخاص الذي لا يملك أحد الأذن في التسلل لها بأي شكل من الأشكال، ولعلنا في هذا الزمن نلاحظ مختلف أنواع التدخل والتعدي على تلك الدائرة الخاصة سواء عن طريق الكلمات اللفظية أو عبر الوسائل الالكترونية الحديثة التي قد أساء البعض استخدامها ليصل بها لمآربه الدنيئة من الابتزاز أو التنمر على الآخرين .

ولعل ابرز أسباب هذا الميل للتدخل السافر في خصوصيات الآخرين هو الفراغ الذي يعاني منه الكثير، وليس بالضرورة أن يكون الفراغ أي وجود وقت فائض عن الحاجة بل من الممكن أن يكون الشخص منشغلاً طوال الوقت في أعمال معينة، ولكنه يعاني من الفراغ الفكري أو الروحي فيسعى لتعبئته بأي طريقة كانت، وكذلك الشعور بالنقص الذي يسيطر على البعض حيث أن هذا الشعور يدفعه لملاحقة من حوله لاقتناص أي ثغرة من وجهة نظره لكي يعمل على تسقيطه أمام الآخرين، فينال جذب الانتباه ممن حوله، بالإضافة إلى عدم تحديد هدف للحياة يجعل الانسان يشعر بالضياع فيبحث عن أي قشة لتنقذه فتكون المتابعة والتلصص والتسول من أهم الأمور التي يشعر من خلالها بأنه يؤدي مهمة مميزة.

إن الفضوليين أمثالهم كثر في المجتمع ومما لا شك فيه أن لديهم اضطرابات نفسية واجتماعية وثقافية ربما يعانون من الإهمال أو شعور بالنقص العاطفي في الغالب لذا يجدون متعة بالغة في ذلك الفضول وفي الغالب  أنهم يجهلون الأثر السيء على الآخرين نتيجة تدخلهم في حياتهم بل يعتقدون أنهم يحسنون صنعا .

***

د/ محمود بكار عبد التواب

مدرس مساعد بقسم ادارة الأعمال – كلية التجارة- جامعة بني سويف

في المثقف اليوم