قضايا

حول العملية التعليمية ودورها ومعوقاتها في ليبيا

بلا شك ولا ريب ولا جدال إن جودة العملية التعليمية هي أس الأسس في منظومة متكاملة لرقي وتقدم الأمم والشعوب، فكل الدول التي نهضت من درك التخلف والحروب والنزاعات إلى قمم النهضة الشاملة، إنما صعدت وإرتقت عبر سبل التعليم الحقيقي والفاعل، والأمثلة على ذلك كثيرة ؛ بدءا من الدول التي هزمت في الحرب العالمية الثانية كألمانيا واليابان، او تلك التي واجهت تحديات مصيرية كالولايات المتحدة الاميركية عندما تقدم عليها الاتحاد السوفييتي في غزو الفضاء في منتصف القرن الماضي، او تلك التي استقلت حديثا كسنغافورة وتايوان وماليزيا، او تلك التي اختارت طريق بناء قوة الدولة ومنعتها عن طريق تطوير مواردها البشرية كفنلندا والسويد والنرويج وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب افريقيا. ففي كل الحالات السابقة اجرت هذه الدول مراجعات نقدية لنظمها التعليمية واختطت طرقا ومنهجيات جديدة لتطويرها ..وأيضا فإن التفوق في تحديث وتجويد التعليم يساعد على إنتاج نظم سياسية متقدمة، وفق عملية سياسية شفافة تقوم على التداول السلمي للسلطة، حين تصبح مخرجات العملية التعليمية تفرز كوادر متفوقة وقيادية في شتى المجالات، وهي التي يناط بها تسيير كل المؤسسات وفق معايير الكفاءة والإستحقاق، بعيداً عن المحسوبية والواسطة والمحاصصة الطائفية والعشائرية والقبلية،وبطبيعة الحال ؛ فإن المنظومة السياسية لن تكون بمنأى عن هذه المعايير(الكفاءة والإستحقاق) في الدول المتقدمة، والأمر كذلك فإن نسب الفساد والمحسوبية تكون أقل بكثير جدا في هذه الدول عن غيرها من الدول، وبينها وبين الدول المتخلفة بون شاسع، حتى أن مؤسسات المجتمع المدني بها هي أكثر نشاطاً وفعالية وتأثير، وهي المناط بها مراقبة السلطة التنفيذية الحاكمة خصوصا، والحؤول دون تغولها وإستبدادها، ومراقبة التداول السلمي على السلطة، وكذلك تتبع إنجازاتها في المجالات كافة، وتعد دولة النرويج الدولة الرائدة في الشفافية، هي النموذج الأبرز لنجاح المجتمع المدني، وتطور البنية التعليمية ..

وعلى العكس والنقيض نجد الدول المتخلفة والنامية،وخاصة الدول الرخوة والفاشلة هي دول ذات بنية تعليمية وتربوية متهالكة، وعلى الأخص تلك التي تعصف بها النزاعات والحروب الأهلية، وتعد ليبيا حالياً هي إحدى هذه الدول، ويدل على ذلك خروجها من تقارير التقييم الدولية للعملية التعليمية، والتخبط في إتخاذ القرارات المتعلقة بالعملية التعليمية والتي يتصف بعضها بالعشوائية ..لولا بعض المبادرات الفردية والجماعية التي يقودها بعض الأشخاص الأكفاء وهم يحاولون إنقاذ مايمكن إنقاذه من العملية التعليمية، فينهضون بمؤسسات مناطقهم بقدر ما تسمح به الإمكانيات المتاحة مع ضمير مهني ووطني يوجههم في دروب الإجتهاد والكفاح، نضرب مثالا؛ على ذلك "جامعة سبها "في الجنوب الليبي بكوادرها وكلياتها العريقة، وماتحصده من نجاحات بتبوأها صدارة التقييم سنوياً على مستوى ليبيا ..

وبالتأكيد فإن مسيرة التعليم في بلد مثل ليبيا تتأثر سلباً أو إيجاباً وترتبط إرتباطا وثيقاً بحسن الإختيار أو الانتخاب أو التعيين والذي يجب أن يكون وفق معيار الكفاءة أولا وأخيرا للقيادات الوزارية والإدارية، رغم الإكراهات السياسية وظروف المرحلة الإنتقالية وتنازعاتها، هذه القيادات التي يلقى على عاتقها الاشراف على منظومة التعليم، والتي تبني على قراراتها وخياراتها(أي هذه القيادات) مصير العملية التعليمية،فإما أن تتقدم وترتقي بها،وبالتالي ينعكس الأمر على مصير الدولة برمتها بمخرجات ناجحة من نخب تقود عملية تقدم حقيقي على كافة الأصعدة وخاصة السياسية والاقتصادية، وإما أن تفشلها وتهوي بها بمخرجات فاشلة وتعطل عملية البناء وتتأخر بالدولة عن اللحاق بركب الدولة المتقدمة، بل وحتى مجرد الإقتراب من الدول النامية الآخذة في التطور .

***

د أبوبكر حليفة أبوبكر

كاتب وأكاديمي ليبي

 

في المثقف اليوم