قضايا

عندما يكون الدين نمطا للعزلة.. أو لماذا تنتهي المجتمعات المتدينة الى السلبية!؟

كل من زار مجتمعا يهيمن الدين فيه على السياسة والمجتمع يشعر أن الناس فيه كائنات حزينة غريبة مغتربة ويرى كآبة الناس بادية على وجوههم المتجهمة التي فارقتها الإبتسامة والمرح والسرور ومدنهم أيضا كئيبة فما أن يرخي الليل سدولة حتى تتحول إلى مدن أشباح!!!

لفهم هذا الأمر نستعين بآخر ما أوصلنا إليه الفهم الفلسفي لوجودنا الإنساني وعلاقته بالوجود الكلي.

تعلمنا الفلسفة إن الحرية جوهر كيان الإنسان وماهيته وبدون الحرية يتقهقر الكيان الماهوي للإنسان في تراتبية الوجود الى رتبة الحيوان بل إلى أدنى من ذلك حيث يتحول إلى كائن شرير أناني تتحجر عاطفته وتتصحر روحه فيصير كائنا غريبا مغتربا.

وليس هناك دليل أوضح وأجلى من الإنسان المسجون سجنا طويلا. وليس هناك سجن أطول ولا أشد من سجن الممنوعات والمحرمات وما يرتبط بها من عادات وتقاليد وأعراف في وعينا الاجتماعي والسياسي حيث أرست نسقاً ثقافياً قهرياً من خلال عملها على تحويل المجتمع إلى سلطة رقابية صارمة تتدخل بأدق تفاصيل حياة الناس حيث لا خصوصية فيها للفردية والإبداع الفردي. وعندما تطرد الحرية تأخذ معها وليدها الذي لايستطيع أن يعيش بدونها أنه الإبداع.

ومن سوء الحظ أن الإبداع في لغتنا يأتي متساوقا مع البدعة والبدعة في الدين- أي دين- ضلالة وكل ضلالة في النار لكن حراس العقيدة لايعارضون الإبداع حتى النهاية بعد أن يثبت جدواه وتعم فائدته.

فقد حرموا السيارة ثم صعدوا بأفخر السيارات وحرموا الطائرة ثم صارت لديهم طائرات خاصة وحرموا التلفزيون ثم دخل الى بيوتهم سرا ثم علنا وهكذا يحرمون ثم يركعون لما حرموه!!!  

ماهي الحرية؟

بأبسط تعريف للحرية نقول: هي قدرة الإنسان على الاختيار بين عدة بدائل متاحة بدون أرغام أو اكراه خارجي.

وبدون اكراه لايتعلق فعل الإرادة على رضا الغير أو رغباته ويصير (أريد) ولا (أريد) فعلا إراديا فرديا خالصا من أي تأثير.

وعلى الضد من هذا فإن العبودية هي العجز عن الاختيار أي تعليق الارادة الفردية على موافقة الغير السيد أو المالك أو المرجع أو الإمام.

ولو تأملنا قليلا في كفاح المتنورين من فلاسفة وعلماء ومفكرين لأمكن تلخيص كفاحهم بجملة واحدة هذه الجملة هي "توسيع مساحة الحرية أمام الإنسان ليرتقي بإنسانيته الى أسمى ممكن أخلاقي" اي التخلص من القيود والمعوقات التي تفرضها الطبيعة او يفرضها نظام العلاقات الاجتماعية على حركة الانسان الفرد لكي يبدع حياة تستحق أن تعاش لأن الهدف الحقيقي للحرية يتجلى أساسا في تحصيل المعرفة العلمية التي ترتقي بالإنسان إلى حياة أكثر سعادة.

ونحن ندرك أن الحرية حالها حال كل المفاهيم لها معاني مختلفة - بشرط الزمان والمكان- من فرد إلى آخر ومن مجتمع الى آخر ومن عصر الى آخر. وعلى نفس النسق فإن تصور كل شخص لحريته الخاصة يختلف كثيرا عن تصوره لحرية الاخرين لا سيما اولئك الذين يخضعون واقعيا او يمكن ان يخضعوا لسلطته.

ونجد أقرب مثال على هذا التفاوت في العلاقة بين:

1- الآباء والابناء.

2- العلماء وطلبتهم.

3- الزعماء واتباعهم.

في هذه الامثلة الثلاثة يؤمن الطرف الاقوى- الاب أو العالم أو الزعيم- بأن حقه في حرية أوسع قائم على معرفة أوسع أو ميزة أرفع أو نسب أشرف.

أي بمعنى آخر قدرة أفضل على ادارة الخيارات الاضافية التي تتيحها الحرية.

هذا التفاوت المدعى هو المكون الرئيس لفكرة السلطة السياسية والاجتماعية.

وأخطر هذه الزعامات هي الزعامات الدينية حيث يعلن الزعيم أنه ممثل الله وظله في الأرض وبذلك يوحد بين إرادته وإرادة الله ولك أن تتصور هنا مدى التأثير السلبي على المجتمع لهذا التشبه بالإله والإنفصال عن الواقع الذي يتولد عنه حيث يصير المجتمع أيضا منفصل تماما عن وضعه الحقيقي كمجتمع إنساني لأن الفرد فيه غائب تماما وإرادته معطلة ما دام لا يحتكم لتفاصيل ومكونات هذا الواقع.

إذن على المستوى الحضاري سوف يكون عاجزا عن مواجهة كافة الصعوبات والتحديات التي تواجه الشعوب والمجتمعات فوعيه زائف لأنه وعي مقلوب فهو لا يرى في التحديات التي يفرضها عليه الواقع تحديات طبيعية ولذلك لا يستجيب استجابة عقلية لإيجاد حل ولايستخدم عقله ومهاراته وملكاته لمواجهة هذه التحديات ومحاولة تغييرها أو التغلب عليها بل سيضع كل هذا جانبا ويتجه لأقرب معبد أو مسجد أو كنيسة لكي يناجي آلهته و يتذلل ويتضرع إليها لترفع عنه التحدي “البلاء”.

وسيقف ممن ينتقد منهجه الخرافي موقف الضد فلا هو يعلم ولا يريد أن يتعلم فيلجأ لفرض حقيقته “المطلقة” على الآخرين بالقوة لأنهم قد حادوا عن طريق الهداية والإيمان الحق. وسيكون رد فعله بفرض ممارسة تلك الطقوس التعبدية على الآخرين ومن يرفض فهو كافر يستحق الموت.

وهذا ما يشكل لدى الإنسان المؤمن تلك القناعة الثابتة بمفهوم الإصطفاء حين تحوله الآلهة لأداة من أدوات فرض إرادتها على البشر وتأمره وتحرضه على تغيير المنكر بل تنجح في إقناعه بأن هذا التكليف هو من صميم الإيمان الذي لا يكتمل بدونه وهنا نجد الإنسان المتدين يتحول لرقيب على المجتمع الذي يسعى لتحويله إلى نسخة “قويمة” ترضي الآلهة حسب رؤيته الدينية.

وهنا سوف يصطدم مع عامل آخر يفرض نفسه بقوة داخل أي جماعة بشرية أيا كان شكلها وهو الإختلاف كمعطى أساسي لدى الإنسان ككائن حي.

فالبشر كلهم يسعون غريزيا نحو الإختلاف عن بعضهم البعض في عدة جوانب وهذا في حد ذاته رد فعل طبيعي على سلطة الدولة والمجتمع سواء كان ممثلا في العائلة أو القبيلة أو المدينة أو حتى البلد الذي يعيش فيه وأي محاولة لإلغاء هذا الحق في الإختلاف أو قمعه ومنعه وطرده من المشهد العام عادة ما تنتهي إلى مواجهات عنيفة وصدامات دموية قد تتطور بسرعة لتتحول لحروب وصراعات دامية ﻷن محاولة إلغاء حق الإختلاف هي قمع لحرية غريزية لدى البشر وعادة ما تكون النتيجة المباشرة مجتمعات مفككة يقاتل بعضها بعضا في إطار حروب أهلية طائفية أو دولا فاشلة وعاجزة عن التطور والإرتقاء لما هو أفضل على كافة المستويات سواء كانت حضارية أو إجتماعية أو سياسية أو إقتصادية لكونها منشغلة بصراعات تافهة تبحث عن مواطن الإختلاف وتحاول قمعها عوض البحث عن نقاط الإلتقاء التي توحد المجتمع في إتجاه يعود بالنفع الإيجابي على أفراده وبالتالي فهي مجتمعات متحجرة لا تنتج شيئا ذا قيمة وتكتفي بإستهلاك ما ينتجه الآخرون بينما تتقاتل لفرض رؤية طائفية بدائية غيبية وسخيفة على الجميع لأنها تؤمن ضمنيا بأن ما تريده الآلهة للبشر هو ما يصح بالضرورة وعلى الجميع الإمتثال له حتى بالقوة دون أن تأخذ بعين الإعتبار تلك الحقائق القاسية التي يفرضها واقع عالمي يتغير ويتطور بسرعة متزايدة كل يوم.

إن شخصا يدعي لنفسه الحق في التحكم في الآخر لأنه يرى في نفسه ظل الله في أرضه سوف يقود هذا المجتمع إلى الهلاك حتما.

من هذا نفهم إن كل دولة دينية تخشى من الحرية لما تتصوره فيها من زوال أو ضعف الضوابط الاجتماعية التي تحفظ القيم ومعايير السلوك الفردي التي تترجم في النهاية إلى خضوع سياسي يخدم أغراضهم السياسية. ولو لاحظتم فإن كثيرا من كتابات رجال الدين وخطبهم تتعمد المبالغة في التحذير من عواقب التحرر وتذكير القارئ والمستمع بأن الحرية قد جرت على العالم مفاسد اجتماعية واخلاقية.

بمعنى آخر ان الخوف من الحرية ومعارضتها كان ولا يزال يبرر على اساس الحاجة الى صيانة القيم الاخلاقية.

هذا الخوف ناشئ بطبيعة الحال عن حقيقة ان "الانضباط السلوكي" يمثل الهم الاكبر للمجتمع المتدين ولو كان التقدم العلمي - اي الارتقاء الانساني والحضاري- هو الهم الاكبر للمجتمع لكان الخوف من الحرية في المستوى الادنى او ربما كان منعدما.

ما ينبغي ان يقال في هذا الصدد هو ان حرمان المجتمع من الحرية لا يجعله فاضلا او نظيفا بل يزرع فيه بذور النفاق. وتدل تجارب التاريخ المعاصر على ان الناس قد نجحوا في توفير بدائل لما منعوا منه. ولقد شاهدت أيام وجودي في إيران في الثمانينات كيف إن الشباب الإيراني اتجهوا إلى شرب الحشيشة عندما غابت الخمور وكيف فشى اللواط بينهم عندما حرم الإختلاط بين الجنسين.

ومثل هذا سمعت من أكثر من صديق في السعودية حيث يذهبون إلى الصحراء بعيدا ليشربوا الخمور.

القمع والمنع القسري دائما يجعل الحريات الفردية والثقافية والاجتماعية تمارس في السر وهي تشكل اسلوب حياة متكامل لشريحة غير صغيرة في المجتمعات التي تطبق قوانين دينية متشددة.

وقيام مجتمع سري ليس هو المشكلة الوحيدة التي تترتب على تحديد الحريات الفردية والعامة. ان أخطر الاثار هو اغتراب الانسان.

ينتج عن الاغتراب واقعة سايكولوجية معقدة ولها تداعيات خطيرة هي:

- الاستسلام السلبي: الاستسلام السلبي يخلق في نفس الفرد عزوفا شديدا عن المساهمة في أي عمل اجتماعي مشترك ذو نفع اجتماعي عام حتى في المستويات الدنيا بإستثناء الممارسات الطقوسية التي ينتجها التخلف الطائفي والتي تنمو تدريجيا عبر تراكم الأسطورة المؤسسة حتى تخرج بالكامل عن حيز المعقول.

وعندما تنتهي حفلة اللامعقول يعود المغيبون إلى جحورهم حيث يصير كل فرد جزيرة مستقلة ومنعزلة عن الآخر لا يشارك في الفعل الاجتماعي العام ويعيش حياة بلا معنى مغترب وغريب مثلما كل من حوله مغترب وغريب حياة سلبية بالكامل تلفها العزلة كالكفن.

تعد العزلة - زمانية ومكانية، من أخطر موانع تطور العقل الإنساني وهي من العوامل الموضوعية الذي أدت سابقا وتؤدي حاليا الى تحجر العقل وسجنه في نسق ادراكي متدني لا يتفاعل مع ما حوله بشكل إيجابي فيظل خارج التاريخ بهوية منغلقة والهوية الإنسانية حالها حال أي علاقة اجتماعية تاريخية تتحدد من خلال الشرط التاريخي الفاعل في صياغة تفاصيلها الحاضرة وتطورها.

وهناك أيضا عامل ذاتي، كمانع من موانع تطور العقل الإنساني - يكمن في النسق المعرفي للدين ذاته فالدين كفاعل معرفي يتخذ شكل تمثلات وتصورات بدائية ملتبسة تحيل معرفيا الى متخيل وهمي يتخارج مع كل إدراك عقلي مبني على العلم والمنطق. فهو عالم امكانات محض كل شيء فيه قابل لأن يكون وجودا لأن وجوداته وجودات بلا شروط منطقية ولا يخضع لأي قانون من قوانين الإدراك العقلي.

ويعتبر الدين أحد أهم المرتكزات الأساسية في تشكيل الهوية وإدامة وجودها.

غير أن الدين هو ذاته - كمعطى تاريخي- يخضع إلى التغير والتغيير كلما أحدث الواقع التاريخي منعطفا على أساسه يتم تجاوز الأشكال التي يظهر هذا الدين من خلالها وهذا ما يجعل الهوية أيضا معطى يعاد بناؤه وفق خصوصيات المرحلة التاريخية ووفق أشكال تدخل الفاعل في تحديد معالم هذه الهوية والتي يكون لها أثر في أشكال وجود الإنسان وثقافته التي يتمثل العالم من خلالها.

هذان العاملان- العزلة ونسق الوهم- يؤكدان الفرضية العقلية التي تقول إن الفكر الإنساني وليد عوامل ومعطيات صاغها الوجود الإنساني. فالفكر الإنساني مرتبط وجوديا بتلك القوانين التي يحددها التاريخ ويفرضها على العقل الإنساني وهذا هو معنى قول شيخنا ماركس(طاب ثراه) أن الوجود هو الذي يحدد الوعي.

نستنتج من ذلك أنه ليس هناك خلود لفكرة معينة سواء كانت فكرة دينية أو اجتماعية فكل شيء يخضع لقانون التطور التاريخي وبناء على ذلك أيضا ليس هناك انتماء حقيقي لزمن مضى وانقضى فذلك الزمن حدث بشروط تاريخية وينتهي بشروط تاريخية ويظل الانتماء الحقيقي هو الانتماء لقانون التطور والترقي والتحول الجوهري في المضمون والوظيفة.

هذه هي محصلة الفهم النهائي لفلسفة التاريخ: (وجودك هو الذي يحدد وعيك).

يقول محمد أراكون: "لكي تتحرر من شيء ما ينبغي أن تكشف عن أصله أو جذره الأول- أي كيف تشكل و انبنى لأول مرة- ومن المعلوم إن الشيء يخفي أصله بكل الوسائل وذلك لكي يقدم نفسه بشكل طبيعي بدهي لا يقبل النقاش، ثم لكي يقدم نفسه وكأنه كان دائما موجودا هكذا، وسوف يظل موجودا إلى الأبد. بمعنى آخر فإنه يفعل كل شيء لكي يغطي على لحظة انبثاقه التاريخي، لكي يخفي تاريخيته. هذا ما تفعله كافة العقائد والتصورات الدوغمائية في جميع الأديان”. (1).

نعم جوهر خطاب الدين وشعاره(لا جديد تحت الشمس) فلحظة انبثاقه التاريخية هي نفسها لحظة نهاية التاريخ بالنسبة له ولذلك تجد المتدين مشدود إلى تلك اللحظة يريد استعادتها بكل ما يستطيع من قدرة وإلا يظل معذب الوجدان يشعر بالغربة ذاتا وموضوعا.

على هذا نستطيع الآن أن نصف الدين (بالسلفية العقلية) كنسق مفهومي وفكري وهو في مواجهة دائمة مع التغير والتغيير. كهنة الدين يدركون هذا الحكم العقلي ويعرفون إن المستقبل ليس في صالحهم فلجؤا الى تطوير دفاعات علها تنجيهم من النهاية المحتمة ومن هذه الدفاعات ما يسمى بالتأويل وهو في الأصل عبارة عن ترقيع لما ينخرق من أركان الدين. والتأويل كتعريف هو: أخراج اللفظ من دلالته الحقيقية إلى دلالته المجازية. به أرادوا التغطية على التناقصات الفاضحة والواضحة في متبنياتهم الفكرية.

معتقدين بهذا أنهم قد وضعوا العصا في عجلات التطور الفكري لكنهم فشلوا فالعصا مهما كانت متينة تنكسر وتتشظى مكوناتها.

بعد اليأس من التأويل انتقلوا إلى التكفير والتقتيل ليسكتوا أفواه الأحرار والسكوت على الخطأ ليس من شيم الأحرار ودفع الأحرار ثمن حريتهم دما طاهرا.

الفكر الحر والحامل لروح التجدد قادر وبحسب طبيعة تكوينه والعوامل التي ولدته وهي المخزنة من التجربة البشرية الطويلة تاريخيا أن يفهم بصورة أكثر عمقا مشاكل عصره من عمق الرؤية ومن عدة زوايا ومسارات للواقع والبحث عن الإشكاليات التي تنتاب المجتمعات نتيجة استحقاقات التطور هذا بالطبع ليس قولا نظريا افتراضيا خاليا من حجة أو أثر حقيقي ولكنه من صميم طبيعة الفكر المتحرر من العزلة الفكرية أو الانتماء لمحدد أخر غير العقل والواقع وعلاقتهما الديالكتيكية.

عندما يتحرر الإنسان من علاقته بالمكان كهوية مقدسة- حيث يقدس الدين أمكنة معينة تظل تعمل كمحور لوجوده كالكعبة في الإسلام- وانتماء يصبح أكثر جرأة فيكتشف الأفق الممتد من حوله ويتعرف على مساحة أوسع من واقع جديد لم يألفها من قبل تحمل له الكثير من المعطيات الفكرية الجديدة وتساهم في جعله يتحرك بحرية أكبر تزداد في توسعها يوما بعد يوم.

عندها سيتضح له جملة من الحقائق منها:

1- أن الكون أكبر وأوسع بكثير من حدوده التي رسمها له الدين.

2- أن الدين موروث اجتماعي وتنشئة أسرية فلم يختر أحد دينه بمحض عقله وإرادته.

3- أن الإختلاف قانون كوني وطبيعة إنسانية وعليه لا يجب الخلاف على الإختلاف.

4- أن الخير والشر محض أوصاف للعلاقة الإنسانية فليس هناك خير مطلق وليس هناك شر مطلق وهذه هي طبيعة الإنسان فعندما يكون الحق إلى جانبه يقبل به وإذا كان ضده أوجد فيه ألف عيب.

5- أن المساواة بين الناس على كافة الصعد عسيرة غير متيسرة لإختلاف الاستعدادات الإنسانية والقدرات الذهنية ولذلك أكتفى الحكماء بالمساواة القانونية لتحقيق العدالة أمام القانون.

وبالعدالة الاجتماعية للتقليل من اختلاف الاستعدادات وتقليصها إلى أقل قدر ممكن نحو عدالة إنسانية فاضلة.

أعتقد إن من المناسب القول ختاما أن حملة الفكر النير وكل من يسلك سلوكا إنسانيا مستنيرا والمبشرين بما هو آت أن يدركوا حقيقة مهمة هي: أن الفكر وإن كان صالحا ليكون علامة لمرحلة تاريخية معينة أو محل تقدير وتفهم في فترة ما لكن ذلك ليس دليلا على بقائه فاعلا إلى الأبد لأن أي فكر مهما كان متينا محتاج لوقت كي يكشف التفصيلات الصالحة منه للتطور ويختبر قدراته على المعايشة الزمنية لمرحلة ما كما أن هذه الفترة تمثل له فترة حضانة للفكر القادم الذي سيطيح به كما أطاح هو بقواعد الفكر الذي سبقه وهذا هو مفهوم التداولية الفكرية.

***

سليم جواد الفهد

..............

1- محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم. ترجمة: هاشم صالح. دار الطليعة.بيروت، 2009. ط4 . ص 280.

 

في المثقف اليوم