قضايا

الأطفال هم براعم الحاضر وثمار المستقبل

الأطفال هم براعم الحاضر وثمار المستقبل وكيفما تكون تربيتهم وتعليمهم يكون مستقبلهم ومستقبل مجتمعاتهم. وتربية وتعليم الأطفال في عالم اليوم لا تقتصر على الآباء والأمهات بل هي عملية مستمرةيفترض أن تنهض بها المجتمعات والمؤسسات عبر تأسيس الروضات والمدارس والجامعات لاسيما فيعالمنا الراهن؛ عالم تحول السلطة؛ سلطة الأسرة والآباء والامهات والمدرسة والمجتمع والمربين ورجالالدين يزداد القلق على الأطفال التشتت والضياع في خضم السوشل ميديا والمؤثرات الخارجية التييصعب السيطرة عليها. فلم يعد الأبناء هم أولئك الذين يطيب لهم العيش في كنف العائلات ويتلقونالتعاليم والنصائح من أمهاتهم وآباءهم كل صباح ومساء بل صاروا يتفاعلوا مع العالم ويتأثروا بسيلمنهمر من المنبهات الإعلامية التواصلية الفضائية في ظل انشغال الآباء والأمهات عنهم بالجولاتومثيراتها. فالأسرة لم تعد مدرسة المشاعر الأولى في تنمية وتأهيل الأبناء كما كانت في جمهوريةأفلاطون بل ثمة تحول عميق في سلطتها. ففي عالم ثورة الإنترنت والسوشيال ميديا حيث أصبح الجوالالذي يحمله كل فرد بيده ليس مجرد وسيلة تواصل واتصال بل هو العالم كله في متناول اليد؛ مكتبةومعرفة واخبار واحداث وصور ورموز وتوجهات وثقافات وقيم ومواقف مثيرات من كل شكل ونوع والاطفالهم أشد الفئات انجذابا وتفاعلا معها فكيف السبيل إلى تقنينها وجعلها بنائية ايجابية خلاقة في عمليةالتنمية المستدامة؟ تنمية الذكاءات المتعددة في ذات الناشئة؟ (الذكاء الوجداني والذكاء المنطقيالرياضي والذكاء الاجتماعي والذكاء البصري والذكاء الايقاعي الموسيقي والذكاء اللغوي والذكاءالعضلي والذكاء الوجودي) ففي ذات كل إنسان طيف واسع من المواهب والقدرات المتعددة التيتستدعي التأهيل والتنمية. وتلك هي وظيفة الثقافة في بوصفها الراسمال الذي يبقى بعد نسيان كلشيءٍ! يعد التعليم أهم المؤسسات الحيوية المخولة بإعادة إنتاج المجتمعات وتمكينها وتطويرها بما تقومبه من وظيفة تكوّن الأجيال الجديدة بتربية وتنمية العقول ونقل الخبرة وحفظ المعرفة وتداولها، وذلكبحسب رؤية فلسفية مدركة أو مضمرة عن النخبة المعنية بأمر تسويس المجتمع وتدبيره. والمؤسسةالتربوية التعليمة هي تكوينية بالأساس، إذ تنهض بمهمة تصميم وتشكيل وتمكين النمط الثقافي المرغوبفي مجتمعٍ من المجتمعات.ففي عالم شديد الانكماش والتغيير والتفاعل تبقى الثقافة هي هدف التربيةوالتعليم الأخير إذ تتعين وظائفها في إعادة بناء المجتمع كله بما يجعله قادر على التكيف مع الحاضروإبداع المستقبل وتلك هي وظائف الثقافة الأساسية التي يمكن تحديدها في الآتي:

1 -التهيؤ: كما هو الحال بالتربية البدنية التي تهتم ليس بتمرين عضو معين من أعضاء الجسمالإنساني بل بتمرين وتهيئة الجسم كله وإكسابه اللياقة اللازمة للنشاط والطاقة والحيوية والحركةوالاستدارة بمرونة ورشاقة.والثقافة بوصفها استراتيجية للتنمية العقلانية المستدامة، تمنح الأفراد القدرةعلى استعمال جميع المعارف والمهارات المكتسبة لمجابهة الأوضاع المختلفة وحل المشكلات الجديدة؛ أي(الذكاء العاطفي) إذ (هي ما يبقى بعد نسيان كل شيء) والثقافة بهذا المعنى هي تجسيد لمفهومالهابيتوس عند بيبر بورديو

بوصفها نسقا من الاستعدادات المُكتسبة بالتربية والممارسة الاجتماعية التي تحدد سلوك الفرد ونظرتهإلى نفسه وإلى الأخرين والحياة و الكون، وهو أشبه ما يكون بطبع الفرد أو بالعقلية التي تسود فيالجماعة، لتشكل منطق رؤيتها للكون والعالم. ووفقاً لهذا التصور، يعد «الهابيتوس» جوهر الشخصيةوالبنية الذهنية المولدة للسلوك والنظر والعمل، وهو في جوهره نتاج لعملية استبطان مستمرة ودائمةلشروط الحياة ومعطياتها عبر مختلف مراحل لوجود، بالنسبة للفرد والمجتمع.

2- الاستيعاب؛ بمعنى استخدام المعرفة وتجريبها ذاتيا؛ لأن المرء لا يستطيع أن يتصرف بمعرفة ما إلاعندما يستوعبها ويجسدها في لغته وذهنه وخبراته وتجاربه الاجتماعية. فكل معرفة غير مستوعبة منالفاعلين الاجتماعيين تظل بالنسبة لهم خارجية وغريبة ومستبعدة من حياتهم. فالمعرفة لا تتحول إلىثقافة إلا إذ توطنت في البنية الثقافية للمجتمع المتعين وصارت نسقًا أصيلًا في تفكيرهم وسلوكهم.

3- الشمول؛ بمعنى القدرة على الربط العميق بين المعارف المستوعبة والموضوعات والقضايا التي تبدومتباعدة، والنظر إليها برؤية كلية قادرة على الجمع بين أجزاءها في نسق فكري ثقافي منطقي واضحومقنع.

4- الحكم؛ بمعنى القدرة على التجرد والتجريد الذي يعني في العلم (الحلم) وفي الفن (الذوق) وفيالأخلاق (الضمير) وفي الحياة (الفهم) ذلك هو هدف وغاية كل تعليم وتعلم، فإذا كان التعليم يعلم المعرفةفإن التعلم يعلم الفهم وبدون أن يفهم الناس المعرفة التي يدعون امتلاكها تظل معرفتهم بلا قيمة ولاجدوى. والعلم هو أن تعرف كل شيء عن شيء محدد ومتخصص في علم من العلوم بينما الثقافة هيأن تفهم شيء عن كل شيء تعرفه وهذا هو كل ما يمكن انتظاره من الثقافة، وبدون هذا الـ(كل) لا وجودلشيء جدير بالقيمة والاعتبار. ولكي يتغير العالم، "يحتاج المرء إلى تغيير الطريقة التي يصنع بهاالعالم. هذه هي الرؤية والممارسة العملية التي يتم عبرها إنتاج وإعادة إنتاج المجتمع ثقافيا. تلك هيالفكرة التي تبادرت إلى ذهني وأنا أشاهد الأطفال في الروضة الجديدة التي تم تأسيسها في مدينةعدن باستلهام الخبرة الكندية عالية الجودة والتصميم وربما تكون تلك الروضة المباركة هي اللبنة الأولىالتي تم إنشاءها في اليمن كلها بموصفات الجودة العالمية . ولا غرابة في ذلك طالما ومن أسسها هومنهدس الطيران صالح عبد المحبشي ومدير ادارة مدرسة الصداقة العربية الصينية في كوانزو منذسنوات وهو صاحب المقولة الشهيرة (المدرسة في الغربة وطن) اطلقها شعارا لمدرسته في الصينالشعبية فيما يشبه التصادي مع عبارة فيلسوف قرطبة أبن رشد الذي قال: (العلم في الغربة وطنوالجهل في الوطن غربة) نعم عاد إلى الوطن محملا بالخبرة والتجربة ومسكون بالحلم والأمل فياستنهاض الحياة في مدينة عدن عبر نقل الخبرة وتطبيق التجربة الناجحة في مجال التعليم والتربيةوبذلك تكون الخبرة هي الثروة الحقيقية التي يجب أن تستفاد منها الأوطان الأصلية بعودة المغتربين منبلدان اغترابهم المختلفة. فمنذ عودته من الصين

آخذ يفكر في الطريقة الممكنة لخدمة الوطن وجعله جديرا بالعيش الكريم فكانت فكرة الروضة الكنديةهي الملهمة وعلى مدى ثلاث سنوات من البحث في أفضل التجارب الناجحة في التربية والتعليم والسفرإلى عدد من الدول العربية منها مصر والسودان والخليج والاطلاع على تجارب العديد من البلدان الرائدةفي هذا المجال استقر به الرأي على تأسيس أول روضة من نوعها في مدينة عدن إذ علمت أنها تستقبلالأطفال من ٣ إلى ٦ سنوات وقد تم اختيار موقعها بعناية فائقة وتجهيزها وتصميمها بأرقى معاييرالجودة العالمية ديكورا والوانا تشكل بيئة مناسبة جدا لتربية وتعليم الاطفال بادارة خبيرة ترأسهاالأستاذة القديرة رياء عبدالله فاضل مديرة المدرسة الدولية السابقه والاخصائية النفسية والاجتماعية فيالأسرة والطفل الدكتورة وفاء ام شهاب فضلا عدد من المربيات الخبيرات في تربية وتعليم الأطفالالمشود لهن بالكفاءة والتميز في مختلف التخصصات ويتم تدريس الأطفال باللغتين العربية والإنجليزيةبوسائل تعليمية حديثة مثل منهج مونتيسوري وبرنامج الخوارزمي الصغيرالدولي للذكاء العقلي وتوجدشاشات ذكية لعرض الرسائل التعليمية والترفيهية. في عدد من الفصول التعليمية مجهزة باحدثالوسائل وصولة انشطة وغرفة طعام وصولة استقبال مكيفة ومغطاة بأرضية بلاستيكية للحفاظ علىسلامة الأطفال كما توجد دورات مياه خاصة بالاطفال وساحة واسعة مفروشة بالعشب الصناعيومزودة بمختلف ادوات واجهزت الالعاب الحديثة فضلا عن وجود بوفية تقدم وجبات صحية بإشرافاخصائية تغذية معتمدة. لقد تم تصميم وتجهيز الروضة الكندية الأول في عدن بحسب منهج تنميةالذكاءات المتعددة إذ تهدف إلى تنمية وتأهيل القدرات المعرفية والاجتماعية واللغوية واكسابه الأساسياتفي الرياضيات والفن والكتابة اليدوية والحروف الأبجدية والقراءة وإيقاظ حب التعلم لدى الأطفالوتطوير عقولهم والعمل على توظيف المهارات البدنية الأساسية مثل التوازن والتنسيق ووعي الجسموالتخطيط الحركي. للطفل بما يسهم في نجاحه الأكاديمي والمهني لبقية حياته. أن وظيفة الروضةالحيوية هي تنمية وتأهيل الذكاءات المتعددة عند الأطفال (الذكاء الوجداني والذكاء المنطقي الرياضيوالذكاء الاجتماعي والذكاء البصري والذكاء الايقاعي الموسيقي والذكاء اللغوي والذكاء العضلي والذكاءالوجودي) هذا هو الطيف الواسع من المواهب والقدرات المتعددة التي تستدعي التأهيل والتنمية. وتلكهي الفلسفة التي تنطلق منها الروضة الكندية الدولية في كل بلدان العالم ففي الروضة يكون المستقبلأو لا يكون.

***

ا. د. قاسم المحبشي

في المثقف اليوم