قضايا

اللغة والهويّة

قد يكون موضوع اللغة وعلاقتها بالهويّة الوطنيّة أو القوميّة، من أهم المواضيع الفكريّة التي أحدثت جدلا صاخبا في ميادين الصراع بين المجموعات البشريّة والكيّانات الإثنيّة عبر مرّ التاريخ. ولعلّ من أهم الأسباب التي خلقت هذا الصراع الإثني واللغويّ، هجرات الإنسان المستمّرة، بحثا عن الأمن والثروة، ورحلات الاستكشاف لجغرافيّة القارات المجهولة والجزر النائيّة في أعالي البحار والمحيطات، وغزوات الغزاة الاستعماريين لإخضاع ساكنة البلاد المستَعمَرة (بفتح الميم الثانية) لسلطتهم وجبروتهم.

و حين نتحدّث عن هويّة أي شعب أو أيّة أمّة، تقفز إلى ساحة أذهاننا وبؤرة وعينا مسألة اللغة ووظيفتها التواصليّة بين الأفراد والمجتمعات. فقد خلق الله تعالى الناس شعوبا وقبائل، بألسنة مختلفة اللغّات، وأمرهم بالتواصل والتعارف في حدود تبادل المنافع الماديّة والمصالح المعنويّة والأخلاقيّة والفكريّة فيما بينهم. قال تعالى: " يا أيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقناكُم مِنْ ذَكَرٍ وأنْثىَ وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لتَعَارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَهِ أتْقَاكُم ْ إنَّ اللَهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " (الحجرات / 13).

فلكل كائن لغته الخاصة. فللبشر لغاتهم، وللحيوانات والطيور لغاتهم، كما للنبات لغاته، أي لم يخلق الله الطبيعة صمّاء، بكماء، عمياء، بل ركّب فيها من معجزاته السمع والبصر والنطق. ولنا في قصة النبيّ سيّدنا سليمان عليه السلام مع الهدهد والنملة خير شاهد على الإعجاز الربّاني، الذي وضعه وركبّه في أحسن صورة وأبلغ حكمة وأعظم دلالة. فقد أتاه الهدهد بخبر الملكة بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن ريان ملكة سبأ، وقصّ عليه ما رآه من ملكها العظيم. قال تعالى: " إنّي وجَدْتُ إمرأةً تملكهُمْ وأُوتِيتْ مِنْ كُلِّ شيْءٍ ولَهَا عرشٌ عظيمٌ " (سورة النمل / 23) وكذلك قصته مع النملة، حين سمع نملة تتكلّم وتحذّر قومها منه ومن جيشه الجرّار حين دخلوا وادي النمل. قال تعالى: " حتَّى إذا أَتَوا على وادِ النَّمْلِ قالت نمْلةٌ ٌيا أيّها النمْل ُ ادْخُلُوا مَسَاكنكُم لا يحطمنَّكم سليمانُ وجنودُه وهم لا يشعرون " (سورة النمل / 18).

بين اللغة والهويّة علاقة جدليّة وثيقة، وارتباط وشيج. فلا تكتمل صورة الهويّة بدون اللغة، ولا يمكن إقصاء اللغة من مكوّنات الهويّة الوطنيّة أو القوميّة. وكل محاولة للفصل بينهما هي ضرب من التخبّط في اللجاجة والعبث. قال شيخ البلغاء محمد البشير الإبراهيمي " لغةُ الأمة هي ترجمان أفكارها، وخزانة أسرارها.."(1).

و مازالت إشكالية العلاقة بين اللغة والهويّة، مطروحة بقوة وبحدّة لدى رهط من المثقفين والسياسيين المولعين بالفتن المميتة والمعارك التي لا طائل منها سوى زرع مشاعر الشكّ وإذكاء نار الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وهتك النسيج الاجتماعي، وزعزعة الاستقرار النفسي. هؤلاء الأدعياء، وجدوا من ينصّب لهم المنابر في الغرب، ووجدوا من يصفّق لهم، ويغدق عليهم بالثناء والمال. لماذا لا تُطرح المسألة اللغويّة في بلاد الغرب، وشعوبها من أكثر شعوب العالم اختلاطا واختلافا للسلالات بسبب الهجرات ؟ لماذا لا تثار هذه الإشكاليّة (اللغة والهويّة) في الولايات المتّحدة. وهي الدولة المتكوّنة من جنسيات أوربية وأسيويّة وإفريقيّة شتى ؟ لماذا لم يطالب الهنود الحمر بإحلال لغتهم محلّ اللغة الإنجليزيّة الوافدة من المملكة المتّحدة (إنجلترا وإيرلندا)؟ والأمر نفسه ينطبق على أوربا اللاتينيّة، الأثينيّة، الرومانيّة. فالأمريكي من أصول أوروبيّة وإفريقيّة يعتزّ بلغته الإنجليزيّة، بالرغم من أنه لا ينتمي لتراثها المادي والمعنوي، وجدّه الثالث أو الرابع مهاجر أوربيّ أو مهجّر إفريقي؟ وكذا الفرنسي والألماني والإيطالي والإسباني، كلّهم يفخرون بلغاتهم، ويبذلون الجهد الجهيد والمال الوفير من أجل سيادتها وشيوعها بين العالمين. وما يقال عن أوربا والولايات المتّحدة الأمريكيّة والغرب عموما، يقال أيضا عن العبريين في فلسطين المحتلّة. فقد سعت ما يسمّى ب(دولة إسرائيل) وحاولت بناء دولة على أسس الهويّة (الدين واللغة والتاريخ والميثولوجيا). فصار اليهودي في إسرائيل يفتخر بالعبريّة كلغة قوميّة، مخلّفا وراء ظهره لغة البلاد التي ولد فيها ونشأ، وتعلّم في مدارسها وجامعاتها، ثم هاجر منها إلى فلسطين، يدفعه في ذلك حلمٌ ورديٌّ بل وهمٌ مُغرٍ، وسرابٌ يملأ عينيه غشاوة كمقبل على حتفه بلا هوادة. لماذا لا ينشأ صراع لغويّ بين المهاجرين اليهود إلى فلسطين ؟ قال شيخ البيان محمد البشير الإبراهيمي: " فإذا حافظ الزنجي على رطانته، ولم يبغ بها بديلًا، وحافظ الصيني على زمزمته، فلم يرضَ عنها تحويلًا ؛ فالعربي أولى بذلك وأحقّ، لأن لغته تجمع من خصائص البيان ما لا يوجد جزء منه في لغة الزنج أو لغة الصين، ولأن لغته كانت - في وقت ما - لسانَ معارف البشر، وكانت - في زمن ما - ترجمانَ حضاراتهم، وكانت - في وقت ما - ناقلةَ فلسفات الشرق وفنونه إلى الغرب، وكانت - في وقت ما - هاديةَ العقل الغربيّ، الضالّ إلى موارد الحكمة في الشرق، وكانت - في جميع الأوقات - مستودَعَ آداب الشرق، وملتقى تياراته الفكرية، وما زالت صالحةً لذلك، لولا غبارٌ من الإهمال علاها وعاق من الأبناء قلاها، وضيمٌ من لغات الأقوياء المفروضة دخل عليها ؛ وهي قبل وبعدَ كلّ شيء حاضنةُ الإسلام، ودليله إلى العقول، ورائدُه إلى الأفكار، دخلتْ به إلى الهند والصين، وقطعتْ به البحارَ والفلوات.. " (2)

هؤلاء البشر، الذين ابتليت بهم أمّتنا من مشرقها إلى مغربها. مثلهم كمثل الحاطبين في حلكة ليل دامس. أو السائرين خبط عشواء في سبل لا قرار لها.

و أنا هنا لست بصدد الحديث عن الذين افتقدوا لغتهم الأم التي رضعوها من ثدي أمسهم المجيد وأصلهم التليد، وتشرّبت بها عواطفهم، وامتزجت بدمائهم، تحت ضغط محتلّ وغاز رهيب. ولا الذين طُويّت لغاتهم المحليّة - التي يسميّها علماء الاجتماع ورواد اللسانيّات والفقه اللغوي، (باللهجات المحليّة)، وأغلبها شفويّة غير مكتوبة ولا تمتلك قاموسا أو معجما يصون ألفاظها من خطر النسيان والضياع، ولا يحفظ وجودها، وليس لها سيّاقا نحويّا ولا صرفيّا ولا بيانيّا - طُويت أو اُستُبدلت بلغات المحتل الأجنبي كرها لا اختيارا، وتحت وطأة القوّة الغاشمة.

إنّ هؤلاء الذين سُلبت منهم لغتهم جبرا وقهرا، من حقّهم المجاهدة لاسترجاع ركنا أساسيّا من أركان هويّتهم الوطنيّة والقوميّة. تلك هي لغتهم الحاملة لتراثهم وتاريخ أجدادهم وعلومهم وآدابهم وعاداتهم وتقاليدهم وإبائهم وعزّة نفوسهم. لكنّني أعني بحديثي هذا، أولئك الذين شحذوا سكاكينهم للإجهاز على لغة الضاد، التي اختارها الله واسطة ومعراجا، ما بين الأرض والسماء، وأنزل بها القرآن الكريم الذي حفظه الله من الزيف والزوال، وسيحفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. تلك اللغة الخالدة بخلود الذكر الحكيم لن تمسّها يد الزوال مهما حاول المرجفون، واجتهد رواد النفاق الفكري، وبذلوا لذلك النفس والنفيس.

هذه الظاهرة الاجتماعيّة التي تحوّلت، مع مرور الزمن، إلى صراعات إثنيّة ودينيّة بين الأفراد والجماعات، على المنابر الثقافيّة والأكاديميّة، ألهب نارها المحتل الأجنبي في فترة الاحتلال البغيض، تطبيقا لفكرته الخبيثة (فرّق تسد).

ولم يشهد العالم العربي، قبل الغزو الصليبي، وقبل اتّساع البعثات الاستشراقيّة وتغلغلها بين طبقات المجتمع العربي، هذا الصراع بين مكوّنات المجتمعات العربيّة. بل كانت اللغة العربيّة، بصفتها لغة القرآن والحديث والأدب، سيّدة اللسان العربي في الحواضر والبوادي.

دخل علينا الغرب الصليبي بأفكاره المسمومة، وراح يجدّ في البحث الميثولوجي من خلال المنهج المجازي، اللغوي والفلسفي، وينقّب عن عناصر الفرقة والاختلاف، ويحاول إحياء النعرات القبليّة، الجاهليّة، والاحتفال باللهجات المحليّة واللغات الإقليميّة لضرب الوحدة اللغويّة، ومن ورائها الوحدة الدينيّة وعروتها الوثقى، وحبلها المتين، القرآن الكريم.

لا يوجد صراع بين اللغة والهويّة، لأن الأولى عنصر أساسيّ من الثانيّة. فالذين يطرحون مسألة اللغة، يهدفون إلى هدم بنيّة الهويّة، وبالمقابل، فإنّ الذين يجادلون في مسألة الهويّة، إنّما غرضهم المساس بعنصر والتشكّك في مشروعيّة وجوده.

يحاول الأعداء وعملاؤهم إثارة مسألة اللغة والهويّة في كل البلدان التي تنتمي جغرافيا إلى الجنوب، وجيوسياسيّا إلى العالم الثالث الذي ظهر فيه بصيص من أمل الانعتاق من التخلّف، والعالم الذي يحاول التحرّر من التبعيّة للغرب الصليبي. والهدف كما هو خفيّ على البعض وظاهر لدى البعض، هو عرقلة عجلة التنميّة، وإعاقة دواليب الحركيّة العلميّة والثقافية التنويريّة.

إنّ إشغال المجتمع وإلهائه في الفتن الداخليّة، وإغراقه في جدال عقيم، لا طائل من ورائه، سلاح فتّاك اعتمده الغرب الصليبي، هدفه ضرب وحدة الأمة في الصميم وزلزلة تماسكها القويم. لا توجد سهام أخطر من السهام التي تصيب اللغة والهوية. فالغرب الاستعماري والامبريالي، ينظر إلينا بعين المنفعة الظرفيّة والبراغماتية الاقتصادية التي يجنيها من ورائها فقط. لا تهمه حقوق الإنسان ولا الحيوان ولا بؤسنا، ولا رفاهيتنا، ولا تخلّفنا، ولا وحدتنا، ولا علمنا، ولا جهلنا. هي زاوية واحدة فقط يبصرنا من خلالها، هي زاوية الموارد الطبيعية، الكامنة فوق أرضنا وفي بواطنها لا غير.

و ما أخطر الديمقراطيّة الغربيّة على المجتمعات الشرقيّة في المنطقة العربيّة، وعلى المجتمعات الإفريقيّة والأسيويّة التي ارتمت في أحضان من قهر شعوبها بالأمس القريب. فالديمقراطيّة، بمفهومها الغربي، خطرها مُحدق على النسيج الاجتماعي للبيئات الواقعة تحت نير الجهل والظلاميّة الفكريّة والعقائدية، المحكومة بالتقاليد الباليّة، المسيّرة بالخرافات والأساطير والغيبيّات المتافيزيقية المناقضة للعقل المنير وللمنطق السليم، الخاضعة للأفكار الميّتة والمميتة، القابلة لحكم المستبّد وسياسة الاستبداد. الديمقراطيّة الغربيّة في بلادنا ـ نحن أبناء الشرق ـ خطر محدق على الهويّة، وعلى اللغة، وعلى الحريّة الفرديّة والجماعيّة، وعلى الوحدة الشعبيّة والتماسك الاجتماعي، وعلى وحدة الشعور الوطني.

لهذا يحاول أعداء الأمّة الدخول إلى جسدها من بوابة العولمة الثقافيّة، وأعينهم ونواياهم الدفينة عازمة على تخريب الهويّة الوطنيّة من زاوية الطعن في مشروعيّة اللغة، والسعي إلى زعزعة قواعدها النحويّة والصرفيّة والأسلوبيّة، والترويج للهجات المحليّة والعشائريّة، كي تكون بديلا للغة العربيّة الجامعة. والنبش في الرميم لإثارة نار الحميّة الجاهليّة. لأن اللغة هي حجر الزاوية والقاعدة الصلبة في هرم الهويّة الوطنيّة.

والذين يحاربون اللغة العربيّة سرّا وجهرا، ليلا ونهارا. إنّما هدفهم هو زعزعة البناء الاجتماعي المتين لصالح لغة المحتل الذي طرده المجاهدون الأشاوس ودحروه إلى غير رجعة. وليعلم هؤلاء الأفّاكون والضالون والمضلّون، أن اللغة العربيّة لم تُفرض على أجدادهم فرضا، بل تعلّموها وتشرّبت بها قلوبهم قبل عقولهم حبّا في تعلّم مباديء دينهم الجديد ومن أجل أخراهم، لا من أجل دنياهم فقط. وهي اللغة الوحيدة في العالم التي تعلّمها، من تعلّمها من العجم، وأقبلوا عليها بشغف عظيم، لا مثيل له، وبروح إيمانيّة صادقة، وبقلوب ملؤها الحب واليقين. ومن باب التذكير - وليس من باب التكرار ومضغ الكلام، وإحياء الشعوبيّة - فإنّ اللغة العربيّة كانت سيّدة الحضارة الإنسانيّة في بغداد ومكّة والمدينة والقدس ودمشق والقاهرة والقيروان وبجاية وتلمسان والمحروسة وفاس ومراكش والأندلس، لمّا كان أهلها رواد علم نافع، وفكر شاسع وفلسفة حياة لا تشوبها شائبة، وأدب باهر وساحر، وصناعة مبتكرة، وعمران شامخ، ثابت كالأطواد. لقد كانت أوربا الغارقة في ظلمات القرون الوسطى ترسل طلابّها إلى قرطبة وغرناطة وإشبيليّة وفاس وبجاية ودمشق والقاهرة لتعلّم اللغة العربيّة وأصولها وأخذ علومها من أجل الاغتراف من كنوزها العلميّة والأدبيّة التي خلّفها العلماء المسلمين، والتي سُرق معظمها، ونُقلت إلى جامعات أوربا ومتاحفها، بل الأدهى من ذلك والأمرّ، أن الكثير العلوم ومبادئها ونظريّاتها وتطبيقاتها نُسبت إلى (علماء) أوروبيين، بينا هي في الأصل من نتاج العقل العربي والمسلم. ولو عدنا – مثلا - إلى علوم التاريخ والبصريّات والطبّ وعلم النفس والمكانيك (علم الحيّل)، والكيمياء والهندسة والجبر والفلك والضوئيّات واللسانياّت، وغيرها من العلوم، لاكتشفنا حجم السرقات الأوروبيّة لتراثنا النفيس، من علوم وأدب.

لقد بذل المحتلّون الغزاة في الجزائر، وفي عموم المغرب العربي الكبير، إبّان الاحتلال البغيض، الجهد والمال، واحتالوا بأساليب السياسة والدين والإغراء والترهيب والترغيب، من أجل أن يضرموا نيران التفرقة والفتنة بين مكوّنات المجتمع المغاربي، وذلك بإثارة عنصر الإثنيّة والمسألة اللغويّة وعلاقتها بالهويّة المغاربيّة، التي امتزجت، منذ الفتح الإسلامي، وتفاعلت عناصرها العربيّة والأمازيغيّة وانصهرت في بوتقة الوحدة والائتلاف والتصاهر والاندماج والتجانس، لتنجب للعالمين إنسانا مغاربيّا بمعايير خَلقيّة مولّدة وجديدة، وصفات خُلقيّة ساميّة، وتسري في عروقه دماء أمازيغيّة أصيلة ممزوجة بدماء عربيّة صافيّة المورد. إنسانا مغاربيّا يحمل في تركيبته الجسميّة والنفسيّة العناصر الجينيّة المغاربيّة كلّها. جاء على لسان شيخ البيان محمد البشير الإبراهيمي قوله: " اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبةً ولا دخيلة، بل هي في دارها، وبين حماتها وأنصارها، وهي ممتدة الجذور مع الماضي، مشتدة الأواخي مع الحاضر، طويلة الأفنان في المستقبل، ممتدة مع الماضي لأنها دخلتْ هذا الوطن مع الإسلام على ألسنة الفاتحين ترحلَ برحيلهم وتقيم بإقامتهم. فلما أقام الإسلامُ بهذا الشمال الأفريقي إقامةَ الأبد وضربَ بجرانه فيه أقامتْ معه العربية لا تريم ولا تبرَح، ما دام الإسلام مقيمًا لا يتزحزح.. " (3) وقال أيضا: " من قال إن البربر دخلوا في الإسلام طوعًا فقد لزمه القول بأنهم قبلوا العربية عفوًا، لأنهما شيئان متلازمان حقيقة وواقعًا، لا يمكن الفصل بينهما، ومحاول الفصل بينهما، كمحاول الفصل بين الفرقدين" (4).

فلماذا، إذن، ينعق الناعقون ويتهافت المشكّكون على قذف اللغة العربيّة، واتّهامها بالقصور والعجز. ويروّجون لأكاذيب الإفك والبهتان، مفادها أنّ اللغة العربيّة، ليست لغة علم وأدب وحضارة؟ أليس ذلك من فرط جهلهم وسفاهتهم ؟ إنّهم يتكلّمون بألسنتهم، لا بعقولهم وأفئدتهم، ويروّجون لأفكار وعواطف أعدائهم. لأنّهم أضاعوا أفكارهم وباعوا ضمائرهم، وزيّفوا عواطفهم. أحبّوا لغة الأجنبيّ وثقافته وعاداته ومساوئه، وذلك هو العجب العجاب.

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

...............................

هامش:

(1) العدد 152 من جريدة «البصائر»، 23 أفريل سنة 1951

(2) العدد 152 من جريدة «البصائر»، 23 أفريل سنة 1951

(3، 4) العدد 41 من جريدة «البصائر»، 28 جوان سنة 1948

في المثقف اليوم