قضايا

جائزة نوبل للآداب / لامية خلف الله

هي حكاية بدأت في السويد، مع مخترع، مهندس وكيميائي يدعى ألفريد نوبل (21 أكتوبر 1833- 10 ديسمبر 1896) .

حكاية اختراع، الديناميت، اختراع لم يغير مجرى التاريخ حسبما يقول الكثيرون لأن التاريخ على امتداده مليء بالحروب والموت والدمار منذ أن وجد الإنسان على سطح الأرض، لكنه اختراع زاد الحروب شراسة وزاد الإنسان وحشية وهمجية، حتى سُمي مخترعها بتاجر الموت وهو ما أثر في نفسيته كثيرا - حسبما يُروى عنه- مما جعله يهب 94% من ثروته لانشاء جائزة سميت باسمه حتى لا يخلد التاريخ اسمه كتاجر للموت خاصة بعد الاستعمال العسكري الواسع المطاف للديناميت في الحروب فأراد كتعويض للبشرية أن يقدم جائزة تشمل خمسة ميادين ممن يقدم أصحابها إفادة للبشرية في : الفيزياء، الكيمياء، الإقتصاد، الطب والأدب، ثم أُضيفت بعد ذلك جائزة نوبل السلام لتغدو أهم جائزة وأكثرها شهرة وأعمقها هدفا.

الآداب، نعم هي الآداب ولا غيرها، وُضعت إلى جانب العلوم الدقيقة والمعقدة والتي لا يعترف البعض بغيرها كعلوم، بعض ممن لا يدركون، ممن يتكلمون عن الآداب وكأنها شيء لا قيمة له، أو مجرد من فنتازيا لا معنى لها أو ترف زائد للتمتع به في أوقات الفراغ.

هل يبلغ عدم الادراك حدا لا نعرف معه أن الغوص في أعماق النفس البشرية يعد من أهم العلوم على الاطلاق، كيف لا وكل العلوم المادية ما هي إلا وسيلة لارضاء حاجات النفس الكامنة فينا والتي يحتكم عليها ميزان العالم بأسره، هذه النفس التي لأجل ارضاء غرورها ورغبتها الجامحة المتعطشة للسيطرة والتسلط اخترع الإنسان لأجلها مختلف الوسائل التي فاقت حدود الخيال، بل اخترقت هذا الخيال وتحكمت فيه، كيف لا وقد أنشأوا لأجلها معاهد علم النفس والاجتماع والعلوم العقلية وخصصوا لها ميزانيات ضخمة لتقتحم عالمنا الخاص وتدرسه عن قرب بالتحليل والتنقيب عن سر الأسرار حتى صارت تعرف عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا ونحن في كل هذا لازلنا نهزأ ممن يخوض في مكنوناتها بينما لم يشككوا يوما في أدبائهم ودرسوا عنهم وقرأوا لهم وبنوا لهم تماثيل وخلدوهم لأن لهم فضلا كبيرا في تسهيل تحليل مجتمعات سابقة وحتى التكهن بمستقبل مجتمعات في طور النشوء ولازلنا لا نرى إلا أمام أعيننا بينما يروننا من بعيد ويعرفوننا حق المعرفة.

الأديب يقول ما لا يستطيع عالم المادة اكتشافه، الأديب روح والروح لها وسيلتها الخاصة لمعرفة الغير حينما لم تكن هناك مخابر بحث، فكانت تعتمد على الاحساس والحدس وبعد النظر.

الأديب عقل، والعقل لا يحتاج دوما لفرضية وسؤال ولا لتجربة، بل هو ينطلق من التجربة، من الأخير، ليفسر ظواهر وسلوكات سابقة وقد يربطها بغيرها ليجد الجواب أو الدواء.

لا يوجد عالم نفس أو اجتماع عندهم إلا وقرأ لمارسيل بروست في بحثه عن الزمن المفقود وفلوبير الذي من خلال السيدة بوفاري قدم دراسة عن سيدات مررن عبر التاريخ لم يتجرأ الكثيرون عن الخوض في تجاربهن، ولدستويفسكي في كل كتاباته التي حلل فيها النفس في جميع حالاتها الغريبة والمعقدة وارنست همنجواي الذي غاص على غرار غيره في نفسية من عايشوا الحرب والسلم ومن تذوقوا الحياة بشغفها وألمها.

هي تلك الأعمال وحدها تحوي خليطا من المشاعر الإنسانية سيدها الألم، نعم هو الألم ولا غيره، من يجعلنا نكتب ونبدع، وقد أبدع الكثيرون في تصوير النفس البشرية في آهاتها الكثيرة وأفراحها القليلة، وهو ما جعل أعمالهم مادة دسمة تستهوي دارسي النفس والمجتمع الذي ما هو إلا انعكاس لها.

آني إرنو، الاحتلال، غيرة احتلت كيانها وعصفت به بعد أن اكتشفت أن صديقها السابق الذي تركته على علاقة بأخرى لتجتاحها مشاعر هي مزيج من الألم والغيرة والهوس حد الغوص في أعماق الصديقة الجديدة " الغريمة" والولوج إلى أدق حميمياتها بلغة بسيطة سلسة ودون تعقيدات ولا التواءات، كسرت بها النمط التقليدي المتعارف عليه في الروايات المؤهلة للفوز بالجوائز الأدبية من طول عدد الصفحات إلى الصور البديعية واللغة المعقدة والأسلوب الغامض والاثارة، عبرت بلغة بسيطة عن احتلال المشاعر الذي لن يفهمه من لم يعرف مكنونات النفس ولم يجرب الألم الذي وحده كفيل بالبناء: بناء العقل الحكيم الذي قد نختلف في معناه.

ثم ماذا؟ جدل كبير قائم وحبر غزير يسيل على صفحات الجرائد والمجلات يخفي وراءه نفسا تتوق للفوز بالجائزة، نفسا احتلتها مشاعر ممزوجة بالغيرة والهوس حد الغوص في نفسية آني إرنو لتغدو احتلالا نفسيا على غرار ما روته الكاتبة فللحب أشكال وأهداف وللاحتلال النفسي أسباب تتعدد بتعدد الغايات.

***

لامية خلف الله / كاتبة من شرق الجزائر

 

 

في المثقف اليوم