قضايا

حوار مع جاري الملحد (7): دوران الارض ومركزية الشمس

بدأ صاحبي كعادته بالقول ان العلم الحديث أنهى الإيمان بكل ما جاءت به الديانات فقد نفى أغلب ما ورد في كتبها السماوية، وإستشهد باثبات العالم الإيطالي غاليليو Galileo أن الارض تدور حول محورها بعد ان كان  العالم يعتقد بأن الشمس هي التي تدور حول الارض وأن الارض ليست كروية.

 سألني: هل قرأت عن غاليليو وهل تعلم ما الثمن الذي دفعه مقابل إثبات برهانه العلمي العظيم للبشرية؟

أجبته: بالتأكيد. محاكمة غاليليو شهيرة ولا تزال في ذهني قرائتي لعبارته المقتضبة التي قالها بصوتٍ منخفض (مع ذلك فهي تدور) حينما قاده حراس المحكمة التي حكمت عليه بالسجن وهو يغادر قاعة المحكمة.

بقيّ جاري يحاول توجيه أسئلته عسى ان يكسب جولة بعدم تمكني من الاجابة على أحد أسئلته،

ولكنني بقيت أسايره في تلقي الأسئلة وكأنني في إمتحان،  إحتراماً لكبر سنه وقبل ذلك علميته العالية كونه باحث علمي وأكاديمي جامعي متقاعد.

أجبته: نعم هو إتُهمَ بالهرطقة في نظريته التي اثبت فيها مركزية الشمس.

قال: ممتاز. هو اثبت دوران الأرض والكواكب حول الشمس رغم ان هذا مخالف لتعاليم الكنيسة يومذاك. مضيفاً: ولمعلوماتك ففي القرن الرابع عشر طُرحت نظرية دوران الارض ومركزية الشمس في أوروبا. فقد توصل عالم من هذا البلد ( يقصد فرنسا) إسمه بيشوب نيكول دوران الأرض حول محورها. مع ذلك، وأعلن علماء اخرون أفكاراً حول مركزية الشمس للكون.

وعاد بعد حديثه هذا ليستفهم: هذا ما قاله العلم فماذا قالت الكتب السماوية ولاسيما القرآن عن ذلك؟

أجبته: سيدي كما تعلم انني لست متخصصاً بعلوم القرآن، ولكن هنالك عدة آيات تتحدث عن هذا الموضوع. من الممكن ان  اعطيك معناها وفحواها الآن وسأزودك بنص الآيات وأرقامها الواردة في القرآن، وأنت كنت قد أخبرتني بأن لديك نسخة مترجمة الى الفرنسية منه.

أومأ برأسه دلالة على الإيجاب.

فأضفت، توجد آية تقول:

(لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)

سأزودك برقم الآية مساء هذا اليوم برسالة عبر الهاتف لتقرأها بالفرنسية بدقة.

قال: وماذا تتضمن هذه الآية وهل لها علاقة بموضوع دوران الارض ومركزية الشمس؟

هذا النص يتحدث عن ثلاثة كواكب سماوية وهي: الأرض والشمس والقمر، ولعل مفردة (كلّ) تشمل الأرض والشمس والقمر، كل على حدة، أي ان كل واحد منها يسبح في فلكه (مداره). وهو نص يعبر بدقة عما توصل اليه العلم الحديث من خلال العلماء الذين ذكرتهم أعلاه وغيرهم.

هو تعبير دقيق جداً ويمثل الواقع الذي يعتقد به العلماء...

بل ان القرآن أثبت أن الارض تسبح في الكون خارج المجموعة الشمسية وليس شرطا ان تدور حول الشمس كما صحح العلم - في وقت لاحق بداية القرن السابع عشر- نموذج تركيب النظام الشمسي باكتشافه أن الشمس، لا الأرض هي مركزه.

وجدت جاري يصغي الى حديثي بانتباه ومتابعة كبيرين، ثم هّزَ برأسه وكأنه يقول لي: إسترسل فانني استمع اليك بدقة. ولكنه عاد ليسأل بسرعة واقتضاب: وهل جاء في القرآن إشارة الى كروية الارض؟

أجبته: نعم، لقد تناولت آية قرآنية هذا الامر، دعني أجدها لك اوأقرأها عليك من خلال جهاز الهاتف الآن. وكنت أحتفظ بعبارة (يغشي الليل النهار...) بحثت عنها في هاتفي النقال خلال ثوانٍ معدودات فوجدتها وقرأتها عليه " إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِى  ٱلّلَيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُۥ حَثِيثًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتٍ بِأَمْرِهِۦٓ أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ" ثم أردفت: ارجو ان لا يستغرق تفكيرك في الشطر الاول للآية لأنها تتحدث عن أيام الخلق وهو لايقع ضمن صميم حديثنا    وموضوعنا هذا، فأرجو ان نتجاوزه. قال: أكيد. أنا أتطلع للاجابة حول كروية الارض في القرآن.

فقلت له: إن معنى الشطر الثاني من الآية هو ان الله تعالى يقصد: {يُغْشِي اللَّيْلَ} المظلم الحالك {النَّهَارَ} المضي المنير، ليغطي بظلمة الليل مكان نور النهار على الأرض بالتدريج فيصير ليلاً، ويغطي بنور النهار مكان ظلمة الليل على الأرض  بالتدريج فيصير نهاراً، وهي دلالة واضحة لا تقبل الشك على كروية الأرض ودورانها حول محورها إزاء مركزية الشمس بشكل يومي كل 24 ساعة، ولو لم يحدث ذلك ما جرى التبادل المتواتر الذي تعيشه الخليقة للليل والنهار.

ظل جاري باهتا أمام حديثي هذا، ثم وجدته يريد ان يهرب مما ورد في القرآن سابق لما اثبته العلم الحديث بعدة قرون. فذهب الى القول: ولكن العلم اثبت ان ساعات النهار تتناقص بمرور الزمن فأصبح استخدام التوقيت العالمي المنسق temps universel coordonné - اختصاره بالفرنسية TUC وذلك باضافة ثواني كبيسة تعلن خلال فترات غير منتظمة لتعويض التباطىء في سرعة دوران الأرض حول نفسها بدلا من استخدام الثانية الموحدة المتعارف عليها.

قاطعت جاري لكي أخرجه من حرجه، فقلت له:

جاء في سورة من سور القرآن - لم يحضرني اسمها في حينه - حديث عن النجم الذي يسبح في فلکه نحو مستقر له معلوم، وعن الكون وما وراءه، ولأن جاري طالما كانت اجابته على استشهادي له بآية قرآنية بأنني اتحدث عن كتاب سماوي وهو لا ييؤمن بالأديان أصلاً، لذا استشهدت له بقول للمفكر الغربي والفيلسوف توماس كارليل، عندما وصف باعتقاد وايمان: « هذا القرآن صدى متفجر من قلب الكون نفسه ".

إستاذنت من جاري وتمنيت له ليلة سعيدة، وهو من جانبه شكرني على الحوار الذي وجدته قد اقتنع بأغلب ما جاء فيه.

***

وليد كاصد الزيدي

 

في المثقف اليوم