قضايا

الفلسفة الكلبية.. أصوات في مهب الريح

وأنا أبحث عن مراجع أثناء كتابة مقالي "عقل الفيلسوف" اكتشفت أن هناك نوعا من الفلسفة تسمى بالفلسفة الكلبية فاستغربت واندهشت وتساءلت ولماذا لا توجد مدرسة فلسفية باسم الحمار " الفلسفة الحمارية"؟ فالحمار يبذل من المجهودات ما لا يبذله الكلب، الذي يقضي وقتا طويلا في النوم فعدد ساعات نومه بين اثني عشر أو أربع عشرة ساعة أما الحمار المسكين ينام ثلاث ساعات فقط ..

وياليت أصحاب الفلسفة الكلبية ركزوا على إيجابيات الكلب الذي هو رمز للوفاء بل جعلوا من فلسفتهم التشاؤمية تمردا على التقاليد وعلى عادات المجتمع ورفضوا الدين والأخلاق أليست الكلاب بريئة من هؤلاء الفلاسفة(بني كلبون) بتعبيرنا الدارج؟ ولو كان للعرب نصيبا في هذه الفلسفة لغيروا مفاهيمها ومصطلحاتها لأن لهم تاريخ تقدير للكلاب فسموا بها أبناءهم وأطلقت على قبائلهم...

يقول الكاتب محمد عبد الرحمن : "من الاسماء المعروفة عند العرب قبل الإسلام، كلب وكليب وكلاب، وحملت قبائل ورجال لهم شأن عظيم في الجزيرة العربية، قبل ظهور الإسلام، مشتقات من أسماء الكلب: قبيلة أكلب بن ربيعة، قصي بن كلاب سيد قريش وجد النبي محمد، وكليب بن ربيعة سيد قومه قبيلة تغلب.

وقد سبق أن الجاحظ ذكر تسميتهم بالكلب لمعان جميلة فيه، ووافقه في ذلك أبو البقاء الدميري (ت 808هـ) -في كتابه "حياة الحيوان الكبرى" حين قال: "والكلب حيوان شديد الرياضة كثير الوفاء، وهو لا سبع ولا بهيمة، حتى كأنه من الخَلْق المركَّب؛ لأنه لو تم له طباع السبعية ما ألف الناس، ولو تم له طباع البهيمية ما أكل لحم الحيوان"(1).

فما هي الفلسفة الكلبية؟

"الكلبية أو الفلسفة التشاؤمية (بالإنجليزية: Cynicism)‏؛ هي مذهب فلسفي أسسه الفيلسوف أنتيستنيس في القرن الرابع ق.م. وهو أحد أتباع الفيلسوف اليوناني سقراط. والتشاؤميون أشبه بالكلبيين بعدم الثقة من وجود الخير في الطبيعة البشرية. ومن الذين كان لهم أثر بارز في فلسفة التشاؤم الفيلسوف الألماني شوبنهاور. وكان ديوجين واحدًا من أتباع أنتيستنيس المتحمسين، إذ اتبع الفلسفة الكلبية إلى درجة التطرف. ويقال أنه كان يعيش على أردأ أنواع الخبز، وينام في أحد الأحواض. وقد أنشأ زينون الفلسفة الرواقية، وهو مذهب كلبي ساد في أواخر القرن الرابع وبداية القرن الثالث ق.م. وقد الكلبية مجموع فلسفات اعتقد بها الكلبيون، رفض الكلبيون كافة التقاليد  سواء كانت باسم الدين، الأخلاق، أو كانت تتعلق باللباس، أو اللباقة أو غيرها من القيود الاجتماعية، وأيدوا عوضا عن ذلك السعي وراء أسلوب حياة لامادي وبسيط يهدف إلى الفضيلة. بتعبير آخر، الكلبية هي مذهب يقوم على مجاراة الطبيعة وعدم المبالاة بالعرف.."(2)

منشأ الاسم :

"وتشير بعض المراجع إلى أن الاسم كلبي نسبة إلى سينوسارغس، وهو اسم لمبنى في أثينا، التقى فيه الكلبيون لأول مرة. وتشير المراجع الأخرى إلى أن الاسم مستمدٌ من الكلمة اليونانية التي تعني كلب. وأنها إشارة إلى السلوك الفظ الذي يتصف به الكلبيون ونباحهم في وجه المجتمع الفاسد ليتخلى عن حماقاته. وفي الحديث العادي لدى الغربيين، يوصف الشخص الذي يسخر من الفكرة القائلة بوجود الخير في الطبيعة البشرية بأنه كلبي"(3)

فصرخة هؤلاء الفلاسفة ونباحهم في وجه المجتمع الذين يرونه من وجهة نظرهم أنه فاسد هي صرخة في واد غير ذي زرع ، لأن المجتمع يحتاج إلى مصلحين إيجابيين يدعمون الأخلاق والقيم يحرصون على غرس القيم لا أن يتمردوا على كل ما هو جميل من اخلاق و اعراف وتقاليد

وحتى في القرن التاسع عشر ،ومع  تغير مفهوم الكلبية لكنه بقي في دائرة التشاؤم وصار يعني السلبية الشديدة،وتجلت الكلبية في الإحباط وخيبة الأمل وفقدان الثقة تجاه المجتمع وكل النظم والسلطات ..

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

شدري معمر علي

 

في المثقف اليوم