قضايا

الفيلسوف عبد الرحمن بدوي وتبرؤه من الوجودية

عاش الفيلسوف عبد الرحمن بدوي عاكفا في محراب الفكر والفلسفة قارئا ومتأملا، بعيدا عن جذوره وهويته الإسلامية متتبعا للفلسفة الغربية دارسا لأعلامها وشارحا لها، لم كن له أسرة يعيش من أجلها حياته فلسفة وفكر وكتابة وعزلة.. ومضت سفينة العمر سريعة فينتبه عبد الرحمن بدوي إلى أن كل ما كتبه عن الفلسفة الوجودية يتبرأ منه ويتنصل من هذا التاريخ ويقترب من الله ويعود إلى جذوره وهوية أمته، في مراجعة مع الذات وفي الحوار الذي اجرته مجلة الحرس الوطني العدد 244 بتاريخ: 01- 10- 2002 م .ولنترككم مع هذا الحوار

- "هل تبرأت من كتاباتك السابقة عن (الوجودية) و(الزمن الوجودي) وعن كونك رائد الوجودية في الوطن العربي؟!!

- نعم.. أي عقل ناضج يفكر لا يثبت على حقيقة واحدة. ولكنه يتساءل ويستفسر ويطرح أسئلته في كل وقت، ويجدد نشاطه باستمرار ولهذا فأنا في الفترة الحالية أعيش مرحلة القرب من الله تعالى، والتخلي عن كل ما كتبت من قبل، من آراء تتصادم مع العقيدة والشريعة، ومع الأدب الملتزم بالحق والخير والجمال. فأنا الآن.. هضمت تراثنا الإسلامي قراءة وتذوقاً وتحليلاً وشرحاً، وبدا لي أنه لم يتأت لأمة من الأمم مثل هذا الكم الزاخر النفيس من العلم والأدب والفكر والفلسفة لأمة الضاد!!. كما أني قرأت الأدب والفلسفات الغربية في لغاتها الأم مثل الإنجليزية والفرنسية واللاتينية والألمانية والإيطالية، وأستطيع أن أقول إن العقل الأوروبي لم ينتج شيئاً يستحق الإشادة والحفاوة مثلما فعل العقل العربي!!. وتبين لي- في النهاية - الغي من الرشاد، والحق من الضلال.

- مشروعات قادمة، وماذا تنوي أن تقدم من مشاريع فكرية في المستقبل؟ وهل ستعود إلى باريس ثانية؟!!.

- مشاريعي الفكرية القادمة إن شاء الله.. تتجه وجهة فكرية أخرى، تميل إلى الأصالة بعد أن افتضحت "المعاصرة" وعَرَاها الجحود والتخلف والتعقيد.

وأنا من الباحثين عن أسس مرجعية للحضارة الإسلامية، وبصدد تأليف كتاب يكون مرجعياً لمعالم الحضارة في الإسلام، سماتها، أسماؤها، معالمها، اتجاهاتها، شخصياتها، أبرز علمائها.. إلخ. وهناك كتاب آخر عن الأدب والعقيدة دراسة في نماذج مختلفة. وغير ذلك من الموضوعات التي تمتاح من الأصالة وتتعمقها وتتشربها أصلاً ونبراساً وطريقاً لا مناص ولا محيد عنه. وربما أعود لباريس ثانية".

ويعترف بأن الحداثة قد افتضح أمرها وماتت في السبعينات لكن المثقفين العرب المستلبين أعادوا إحياءها على ترابهم فيجيب عن رأيه في الحداثة قائلا :

- "وما رأيك في الحداثة بعد أن افتضح أمرها، وثارت حولها القصص والحكايات بشأن التمويل والعلاقات المشبوهة مع المخابرات الغربية؟!!. 

- الحداثة ماتت في الغرب في السبعينات، لكننا أحييناها على ترابنا، وفي جامعاتنا ومعاهدنا، وفى منتدياتنا الفكرية والثقافية والأدبية. وعادينا من أجلها تراثنا العظيم، وشعرنا العمودي، وفكرنا القويم. وخضنا بسببها حروباً طاحنة واشتباكات فكرية لا طائل من ورائها!!.

ولم يفطن أدباؤنا ولا مفكرونا إلى حقيقتها وإلى أوزارها ومساوئها إلا بعد صدور هذا الكتاب (الحرب الباردة الثقافية).. دور المخابرات المركزية الأمريكية في الثقافة والفن" الذي أحدث صدمة قوية بالنسبة لهؤلاء المتغرّبين، فاقتنعوا أخيراً بما كنا نقوله من قبل!!. وحش العولمة.."

فما أحوج بعض مفكرينا وفلاسفتنا المستلبين حضاريا  الضالين عن طريق أمتهم السوي ان يقوموا بعملية جراحية فكرية عميقة للمسلمات الفكرية والإيديولوجية التي عاشوا من أجلها سنين طوال وأثبت الواقع بطلانها، وقد سبق عبد الرحمن بدوي المفكر الإسلامي محمد عمارة الذي كان منظرا لليسار مدة عشر سنين وفي فترة سجنه قام بمراجعة عميقة، فعاد إلى أحضان امته وثقافتها وهويتها فعاش منافحا عن الدين والهوية الحضارية للأمة حتى لقي ربه ..فرحمة الله عليه وعلى عبد الرحمن بدوي وغفر لهما عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

شدري معمر علي

 

 

في المثقف اليوم