قضايا

لماذا نتطرف؟!.. مدخل

كثيرا ما اتوقف عند حديث: ما من مسلم أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"

حديث يطرح فكرة كاشفة لأسلمة الذات، ومضمونه جدا خطير من جهة الولاء والانتماء وماهية الهوية الإسلامية، يبقى أنه كنص متوقف على مدى حاكميته الثقافية على المسلمين والتي تبرز الشرعية الهوياتية للإنسان المحسوب على الأمة الإسلامية ككيان حضاري له وزنه في التفاعل الحضاري المعاصر، هذا الحديث يثير حفيظة كل مسلم مشغول براهن أمته، حيث نتساءل: ماذا يعني لدى كل منا أسلمة الذات؟ هل نقوم بإعادة تقييم إسلامنا عبر الزمن والتطورات والأحداث والتحديات والرهانات؟ لماذا أسلمة الذات الواضحة قرآنيا أصبحت أشكل الإشكالات؟ أليس من الإسلام الرحمة بالذات والآخر والحياة؟

كثيرا ما نقرأ لماذا التكفير؟ لماذا الكراهية؟ لماذا الإلحاد؟ بإسم الدين، يكفر الآخر ويكره المخالف ويلحد التائه، والعجيب أننا لا نحاول سؤال الذات: هل إسلامنا متعدد بحيث نكفر بعضنا البعض ونكره الآخر حتى من يقول أنه مسلم!!!

من الأهمية بتفكر: إستعادة النظرة لوعينا للإسلام كهوية دينية ، لأن ما نراه مشكلة وتحدي في الاختلاف داخل دائرة الإسلام في وعيه لدى الإخوة في الدين هو واقعا مشكلة ثقافة دينية تضخمت وتوسعت آثارها الكارثية بسبب فقدان المنشط الايجابي للتنوع الثقافي حول القضايا الكبرى في حياتنا كمسلمين، إنه الحوار هذا العنوان الواسع والدقيق والمنهجي، الذي من شأنه حلحلة الغرور الذاتي والطائفي والتاريخي للعديد من المستغرقين في أخطر مهدد للهوية الاسلامية التطرف بإسم الاسلام، هنا أهم عقدة في حبل الخلافات الدينية..

كما سبق، نتساءل عن الكفر والكراهية والإلحاد كمباحث حول الآخر لكن سؤال لماذا نتطرف؟ حساس ومربك لأنه هو الذي يفضح النفاق الذاتي في التعامل مع لماذا نكفر؟ ولماذا نكره؟ ولماذا يلحدون؟

لماذا نتطرف؟

هذا سؤال واقعي بإمتياز، لأنه يفضح سوءاتتا  وينشر غسيلنا الوسخ منذ أزمنة بعيدة، إنه سؤال يفتح وعينا على عدة إشكالات مطموسة في الذاكرة والتاريخ والوطن والواقع، سؤال بتعبير آخر: لماذا تقسمون صكوك الاسلام؟ لماذا تهتمون بمسلمي اقليمكم دون باقي المسلمين ؟ لماذا ترفعوا شعار الرحمة بينكم وفتاوى  الردة على غيركم؟

أسئلة متنوعة لكنها تستمد مصداقيتها من لماذا التطرف؟ أين العدالة التي رسم معالمها وأسسها وأدواتها وأخلاقها وآفاقها القرآن الكريم، هل التطرف أقرب للتقوى أم العدل؟ وهلم جرا إشكاليات ثقافية بإمتياز، لأن مشكلة التطرف في المجال الإسلامي هي في الأساس انحراف ثقافي عن فهم ووعي وممارسة والتزام تعاليم ومضامين وتشريعات الإسلام كما نص عليها القرآن وسيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هذا النبي الأعظم عبر التاريخ الإنساني كله عظيم برحمته وهي صورة مستوحاة من بحر أخلاقه العظيمة، الإسلام جاء ليربينا على العبودية الحقة لله التي تحررنا من الذات والخلق كله، حتى ترتفع نفوسنا عن سفاسف الاوهام والأفهام، وتنطلق خاصية الوعي من توازن تربوي في الذات وليس اختلال هوياتي، سرعان ما يتحول إلى غرور وطغيان ثم ظلم وبئس المصير، لذلك نؤكد على محورية النظم الثقافي مصيرية للذات قبل المجتمع من خلال بصيرة "الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" الجهاد المعرفي والثقافي والمعنوي والسلوكي الأخلاقي على مستوى الذات، لأن القتال دفاعي أما الجهاد ملاحقة داخلية حيث الأهواء والغرور والطغيان والنفاق وما هنالك من جيوش وامراض ومؤامرات وتحديات تهدد هوية الإسلام فينا، بهذا الفهم نطل على عدة معطيات حول الزمن والعبادة والتمكين كما حددها القرآن في كل آيات التربية والأخلاق والتغيير..

***

أ. مراد غريبي

 

 

في المثقف اليوم