قضايا

إدراج اللغة الإنجليزية في الابتدائي وتأثيرها على التحصيل العلمي.. رؤية تربوية نفسية

مما لا شك فيه أن التعليم المتعدد اللغات له تأثير إيجابي على المتعلمين وعلى عملية التعلم، فتعلم لغة أجنبية غير اللغة الأم توسع مدارك المتعلم وتجعله منفتحا على الثقافات العالمية ولكن المشكلة في أي مرحلة وفي أي سن ندرس اللغة الإنجليزية للتلاميذ؟ هنا ينبغي أن نرجع إلى الخبراء وأهل الاختصاص لدراسة الموضوع من كل جوانبه، لأن بعض أهل الاختصاص يرون بأن مزاحمة اللغات الأجنبية للغة الأم في سن قبل العاشرة يؤثر سلبا على عملية التعلم وهناك من اقترح الاكتفاء بالإنجليزية فقط في الابتدائي وتأخير الفرنسية إلى المتوسط والحقيقة أن هذا القرار الشجاع بإدراج اللغة الإنجليزية في المرحلة الإبتدائية يستدعي الإشادة وهو استشراف للمستقبل لما سيكون عليه التلميذ الجزائري بعد عقد أو عقدين من الزمن والأمر كما قلنا يتطلب التركيز والمتابعة والتكوين بل الاستعانة بالخبراء  لأن هناك دراسات كثيرة من أهل الاختصاص  سلطوا الأضواء على هذه القضية وإليكم بعضها: 

"وبحثت إحدى الدراسات القدرات اللغوية لدى طلاب الكليات اليابانيين ممن بدأوا دراسة اللغة الإنجليزية بين عمر 3-12 عاماً، فلم يكن لذلك التعلم المبكر إلا امتياز يسير، رغم أن الطلاب كانوا يقضون في التعلم أسبوعياً 6-8 ساعات على مدى 44 أسبوعًا في السنة، لمدة 6 سنوات (يأخذ طلاب المرحلة الابتدائية في إنجلترا ساعة تعليمية أسبوعياً).

"وحسب مشروع  بحثي أجري في برشلونة حول عامل العمر، استفادت كارمن مونيوس وفريقها البحثي من واقع التتابع السريع لتغيير الحكومة للأعمار التي يفترض عندها البدء بدراسة اللغة الإنجليزية في المدرسة، مما خلق تجربة طبيعية يتاح من خلالها المقارنة بين البادئين بتعلم اللغات الأخرى عند أعمار متفاوتة (8، 11، 14، 18 عاماً).

استطاعت الباحثة تتبع عدد كبير من الطلاب الذين تعلموا لمدد طويلة (تم اختبارهم بعد تلقيهم 200، 416، 726 ساعة من التدريب)، وقارنت بينهم وفق معايير عديدة، فتوصلت إلى أن الذين تلقوا تعليمهم في سن أكبر كانوا –باطراد– أسرع في التعلم وأكفأ رغم تساوي عدد الساعات التعليمية"

تشير نتائج الأبحاث إلى أن التعليم الثنائي أو متعدد اللغات القائم على اللغة الأم تعليم ذو تأثير إيجابي على التعلم وعلى نتائجه، وفى الوقت ذاته تركز نتائج الدراسات على أهمية التدريس باللغة الأم، ولا سيما في المرحلة الابتدائية حيث غيابها يؤثر بالسلب على نمو الطلاب اللغوي والعاطفي وولائهم للغتهم وثقافتهم، وهذا ما تؤكده كثير من الدراسات الأجنبية والعربية التي تلح على أن اللغة الأم هي الأساس في التعليم.

أفضل سن للبدء في تعلم لغة ثانية - بحسب ما يشير إليه خبراء التعليم - هي بين سن 10 - 12 سنة، فإذا تم البدء قبل ذلك فإن العملية التعليمية غالبا ما تكون بطيئة وغير مُجدية، وإتقان الطفل لأكثر من لغة يكسبه قدرات على التحليل والربط والقياس والاستنتاج والتفكير والتعبير عن المفاهيم بطريقة مختلفة يتقنها نتيجة تعلمه لغتين، وهذا ما لا يتوفر للتلميذ الذي يتعلم لغة واحدة."

يقول عالم اللغويات (نوعام شومسكي/Noam Chomsky): "إن البرامج التعليمية التي تتبنى أسلوب التعليم باللغة الأم ثم بلغة ثانية أجنبية فيما بعد قد أثبتت نجاحا ملحوظا في كثير من مناطق العالم، كما أنها حققت نتائج إيجابية مهمة سواء على الصعيد النفسي والاجتماعي والتربوي، وذلك لأنها تقلل من آثار الصدمة الثقافية التي يتعرض لها الطفل عند دخوله المدرسة، وتقوي إحساسه بقيمته الذاتية وشعوره بهويته، وترفع من إحساسه بإنجازه على المستوى الأكاديمي، كما أنها تساعده في توظيف القدرات والمهارات التي اكتسبها باللغة الأم في تعلم اللغة الثانية".

وقد يتساءل البعض هل إدراج الإنجليزية في الابتدائي  تحل المشاكل التي تعاني منها المدرسة الجزائرية وهل تساهم في رفع من مستوى التحصيل العلمي؟..

صراحة المشاكل التي تعاني منها المدرسة الجزائرية  هل نحصرها في تعلم لغة وكأن هذه اللغة الأجنبية مصباح علاء الدين السحري؟ فالعملية التربوية تحتاج إلى تغيير في المناهج والتكوين وتركيز الأسر على غرس قيم العلم والصدق والأمانة في أبنائهم فحشو العقول بالمعلومات فقط والتركيز على التعلميم الكمي وإهمال  النوعية والجودة ونحن نعلم أن الذين يسيرون ويديرون المجتمعات هم النخبة التي لا تتجاوز 2% ..ولكن في الختام هناك اهتمام جاد من أعلى المستويات في الدولة بعملية النهوض التربوي والفكري للجزائر الجديدة التي تتطلع لبناء دولة قوية بأبنائها المتعلمين تعلما ممتازا ومتحكمين في اللغات الأجنبية، حتى يستطيعوا التواصل مع شعوب العالم .

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

شدري معمر علي

 

في المثقف اليوم