قضايا

عن الجهل المقدَّس والجهل المؤسَّس

ابتليت عقيدتنا الإسلامية السمحاء بالكثير مما شابها من مرويات كاذبة وملفقة؛ الهدف منها نيل الحظوة واكتساب الجاه والمال والتسلط من قبل البعض ممن نسميهم رجال الدين وهم بالأحرى ان نسميهم منتفعي وسماسرة الدين الذين استخدموه لتحقيق مآربهم ومنافعهم الشخصية البحتة ورسخوا مفاهيمهم لهذا الغرض ليس الاّ؛ ومن هذه المخاطر التي لازلنا نعاني منها هو التجهيل وتأسيسه ليكون لازمة ثابتة متصلة بأصول الدين وكنهه وثوابته.

فالجهل المقدس كما هو شائع ومنتشر انتشارا مهولاً في أوساطنا الاجتماعية وهو الذي يرتبط بمرويّات الدين الملفقة والمصطنعة من قبل المنتفعين وسماسرة الكسب الديني ومعتقدات الناس الساذجة، هو الذي يُحرم السؤال في أي شأن من شؤون العقائد بحجة أن السؤال يفضي للتشكيك بالدين، هو الذي يقول ليس عليك سوى السمع والطاعة، هو الذي يعزز المقولة البليدة الشائعة شعبيا : ارمِها برأس عالم واطلع منها سالم وعلى طريقة " سمعنا وآمنا وأطعنا ساكتين ".

والحصيلة الحالية التي تفاقمت في مجتمعنا بشكل مهول هي وجود إنسان سطحي ولكن بغطاء ودافع مقدس يمنع المساس به.

ووجود فرد يفكر في كل حياته اليومية وهموم عيشه المعتادة المضنية ولكن لا يفكر في معنى الدين والوجود ومنابع الحياة. والمحصلة هي أن يكون ذهنك خالي الوفاض من مغزى الحياة والوجود ولكن بضمير راضٍ مستكين وقانع بكل ما يقال غثّاً كان أم سمينا؛ وهماً أم تخيّلاً؛ خيالاً أم أضغاث حلُمٍ غير واقعي، بسبب زرع قناعات دينية لا تمت للفكر الديني المنطقي مما يشيع الجهل وتتسع الخرافة وتتفاقم الغيبيات .

أما الجهل المؤسَس، فهو مفهوم نحته الدكتور محمد أركون بمقولته الشائعة والشهيرة : ( كما أن الجهل المقدس مفهوم صكه " اوليفيه روا " :بشأن التربية والتعليم في تأسيس المعارف، حيث أن هذه الدائرة التربوية تؤسس الخرافة والبساطة والكبت وعدم التساؤل في ذهن الأطفال والناشئين، عن عمد أو غير عمد، وذلك لأن المقيمين عليها أساساً لم يتلقوا تعليماً علمياً حديثاً، موافقا للشروط الأكاديمية العالمية )

 ويقول أركون أيضا في إحدى لقاءاته : " هناك جهل وانعدام معرفة تأسيسي ينبع معنا منذ الصغر، منذ أول مؤسسة ننمو فيها وهي العائلة وانتهاءً بالثقافة والتعليم الساذج التلقيني في دول العالم الثالث ".

وإذاً فالفرق بين الجهل المقدس والجهل المؤسس، أن الجهل المؤسس هو البداية الحتمية لوصول الفاعلين الاجتماعيين لمرحلة الجهل المقدس، والجهل المقدس سيكون هنا أحد نواتج الجهل المؤسس وأحد مفرزات مفهوم (توسيع المقدس) واستغراقه لمعظم مفاصل الحياة، بحيث اعتدنا على رؤية زحف غير المقدس إلى خانة المقدس بشكل موسمي ومتكرر، أو كلما تعاظم بروح أحدهم العاطفة تجاه شيء ما، ادخله خانة الغيب وأسبغ عليه ما أُسبغ على المعاني الدينية.

يمكن أن تكون المجتمعات جاهلة ومتخلفة وهذا شيء خطير نسبيا.

لكن الاخطر والاكثر بلاءً ووبالاً أن ترى أن جهلها مقدساً يمنع المساس به واعتباره سماويا منسوبا الى ربّ الارباب، والويل كل الويل من يضع علامات استفهام وتعجب وتشكيك في مضامينه.

تلك هي الطامة الكبرى والبلايا والرزايا التي نعاني منها الان وفي المقبل القريب اذا لم نعمل على تشذيب عقائدنا من الخزعبلات والمرويات والأكاذيب والانصياع الى الجهل والجاهلين الذين يخدعوننا بجلبابهم الديني لكن عقولهم ملأى بجلباب المطامع والإحن لاستنزاف الناس ماليا وتوسعة الجهالة في عقولهم كي يسهل رعيتهم ويكونوا رعاةً يسوقون تابعيهم الى الجدب العقلي والقحل الفكري والتصحّر في أدمغة الرعية والرعاع معا.

***

جواد غلوم

 

في المثقف اليوم