قضايا

هكذا تكلم سيد القمني

يمكن أن نقول بدون شك إن الدكتور سيد القمني كان من أكثر المفكرين جرأة. ليس فقط في مصر بل على مستوى العالم العربي. كان من القلائل الذين اقتحموا أحد أضلاع الثالوث المحرم في مجتمعنا (الدين والجنس والسياسة)، فكان اشتغال دكتور القمني في مجال الفكر الديني والسياسي يعني دخوله للمنطقة المحظورة، وعلى الرغم من أن كتاباته تتميز بالطابع الأكاديمي إلا أنها لاقت قبولاً واسع من الشارع العربي، وقد سلك دكتور سيد القمني في مسيرته ثلاثة مسارات مختلفة إلا أنها تتقاطع جميعاً في مجال الفكر العلماني، فسنعرض بموجز سريع تلك المسارات وأهم المحطات فيها …

المسار الأول

نهج دكتور سيد القمني في ذلك المسار دراسة موسعة في جذور العقائد الإبراهيمية الثلاثة وعلاقتها بما قبلها من عقائد في الشرق الأدنى القديم أثرت عليها في عقائد وأساطيرها، ففي  كتابه (أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر  القديمة) يدرس تطور عقيدة البعث والخلود في مصر وتأثيرها الذي طال العديد من المناطق الأخرى كما في الإمبراطورية البطلمية والامبراطورية الرومانية وهو بدوره ما أدى في نهاية تطوره إلى انتقال تلك العقائد الى الفكر المسيحي، وفي كتابه (قصة الخلق) يورد لنا تطور قصة الخلق الإبراهيمية التي تعود في جذورها إلى الأساطير السومرية والبابلية، وإذا تحدثنا عن الأساطير وعلاقتها بالتراث الأبراهيمي فيجب ألا ننسى كتاب (الأسطورة والتراث) الذي يدرس فيه الجذور الأسطورية للعديد من العقائد الدينية كعقيدة الفداء و تطور فكرة إله الشر الذي أصبح في الفكر الابراهيمي إبليس أو الشيطان و تطور الفكر الديني من عبادة الآلهة الإناث إلى عبادة الإله الذكر، ولم يقف الأمر عند دراسة الميثولوجيا الدينية بل استكمل دكتور سيد القمني ذلك المسار بنظريات جديدة كلياً طرحها كما في (النبي إبراهيم والتاريخ المجهول) أو كما في موسوعته الكبرى (النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة) الذي أنتهى فيها إلى نتيجة مفادها أن اخناتون هو موسى وهو أوديب ذاته.

المسار الثاني

وفي ذلك المسار درس الواقع العربي قبيل ظهور الإسلام من خلال دراسة الوضع الاجتماعي والسياسي والديني لجزيرة العرب في ذلك الوقت ليذهب لنتيجة أن الإسلام كان تطور حتمي  لذلك الوضع الذي كان يتطلع إلى دولة توحد التشتت العربي تحت رايتها وهو ما كان ليحدث إلا بصيغة النبوة ويسطر لنا دكتور القمني ذلك  في (الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية )، وفي دراسة أخرى تستكمل الخط إلى نهايته بدأ فيها بدراسة تطور الإسلام والدولة الإسلامية التي أنشأها النبي محمد وحروب تلك الدولة و تأثير تلك الأحداث في تشكيل النص التأسيسي الأقدس لدى المسلمين القرآن ويخرج علينا بكتابه المثير في جزأين (حروب دولة الرسول)، وفي الأخير كان كتاب (النسخ في الوحي) وبالرغم من صغر حجمه إلا أنه تناول تطور النص القرآني وتبديل آيات بأخرى وسقوط آيات تماشياً مع الواقع ومتطلباته المتغيرة ..

المسار الثالث

تناول دكتور سيد القمني في ذلك المسار خطاب التيارات الإسلامية الراديكالية في العموم وتيار الإسلام السياسي على وجه الخصوص، وفي ذلك المسار استعراض نظريات تلك الجماعات وقام بمحاولة نقد عقلاني لها من عدة زوايا أبرزها التراث الإسلامي ذاته مع تقديم رؤية بديلة وجديدة لقراءة الموروث الإسلامي وهو ما كان في (أهل الدين والديمقراطية) (شكراً بن لادن) (صحوتنا لا بارك الله فيها) (الفاشيون والوطن) ( الدولة الإسلامية للخلف در) (انتكاسة المسلمين من الإسلام إلى الوثنية).

وبعد موجز مقتضب جداً في المشروع الفكري للدكتور سيد القمني يمكن أن نقول أن أهم ما تميز به الدكتور هو الشجاعة التي تفرد بها بين أبناء جيله فكان واحد من أجرأ المفكرين الناطقين باللغة العربية إن لم يكن أجرأهم مع تميزه بالطابع الأكاديمي الذي تغلب على كل كتاباته وهو من النادر جداً، وفي النهاية نقول أن بالجرأة والأكاديمية هكذا تحدث سيد القمني.

***

مصطفى عبد اللاه

 

في المثقف اليوم