قضايا

ما أشبهنا بسيزيف!!

تعتبر أسطورة سيزيف من أشهر الأساطير الإغريقية.  كان "سيزيف" رجلا شديد الذكاء. بلغ به المكر أن خدع إله الموت "ثانتوس" حين طلب منه أن يجرب الأصفاد والأقفال التي كانت تكبل سيزيف بمناسبة معاقبته. ما إن جربها إله الموت حتى قام سيزيف بتكبيله وعاد إلى الحياة وعلق إله الموت في أصفاده.

هذا ما أغضب كبير الآلهة "زيوس" فأصدر ضد هذا الماكر حكما مضمونه أن يعيش حياة أبدية يقضيها في تكرار عمل غير مجدٍ.

ففي ما تمثل هذا العقاب؟

حكم على سيزيف أن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادى، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد، فأصبح بذلك سيزيف رمز العذاب الأبدي.

استعار " ألبير كامو" هذه الأسطورة اليونانية ليكتب عن نضال الفرد المستمر ضد عبثية الحياة.

ولد الكاتب ألبير كامو سنة 1913 بالجزائر، وتوفي سنة 1960.

نال عام 1957 جائزة نوبل للأدب وتوفي بعدها بثلاثة سنوات في حادث سيارة.

يعتبر ألبير كامو فيلسوف العبث، كما أن كتاباته تندرج تحت مسمى"الوجودية" والوجودية هي المدرسة الفلسفية التي تتخذ من الإنسان موضوعًا لها. ولئن رفض كامو هذا التصنيف، إلا أنه اهتم من خلال آثاره بالإنسان وبتيهه في البحث عن ذاته وعن أهمية المعنى في حياته.

في كتابه (أسطورة سيزيف) يتساءل كامو: "هل يمكن أن تحل بالإنسان حياة عبثية أكثر، من حياة عبثية كهذه؟ أوليست حيواتنا التي نحياها في هذا العالم تشبه إلى حد كبير هذا الشقاء الذي حُكم على سيزيف به؟".

ونحن نجاهد خلال يومنا يجد أغلبنا نفسه مسجونا في القيام بما تمليه العادة. و يحدث أن يشعر الواحد منا أن هذا الشقاء اليومي يخلو من أيّ معنى ليجد حاله شبيها بحال سيزيف، ما أن يصل بالصخرة إلى القمة حتى تتدحرج إل الأسفل ليعود في كل مرة إلى نقطة البداية.

بقول كامو أن إدراك هذه الحقيقة شيء نادر غير متاح لكافة الناس.

ونشاطره الرأي في ذلك لنلاحظ أنه من العسير أن يقتنع من تغيب عنه هذه العبثية، بوجودها..أن يستثار لديه السؤال..أن يجرأ على أن يحيد ولو لبعض الوقت عن الطريق التي توصله إلى المنزل ..أن يتأخر عن مواعيده القارة ليستنشق الهواء أو يتأمل رحابة السماء.

إن الرتابة التي جعلت من الإنسان مجرد آلة يسير في الطريق مع الناس فلا يبادل الابتسام بالابتسام ولا يهرع لمساعدة ضرير على عبور الطريق ولا يأبه لغريب يسترشد عن الاتجاه الصحيح..هذه الرتابة وهذه الاستكانة للمعتاد هي التي صيرت يوميات هذا الإنسان بلا معنى.

يقول كامو:" إنني أخرج من العبث بثلاث نتائج هي تمردي، حريتي وشغفي"

إن ما يجعل الإنسان، وهو يحمل الصخرة وهنا، إلى أعلى الجبل، لتتدحرج، فيعيد الكرة مرات ومرات، هو قدرته على أن يحيا هذه الحياة بالرغم كل ما يعرفه عنها وعن ماله فيها.. أن يتمرد على رتابتها وعناءه فيها فلا يرضى وهو يتابع مسيره أن يموت منتحرا وهو لا يزال على قيد الحياة.

***

درصاف بندحر - تونس

 

 

في المثقف اليوم