قضايا

نقاش في نظرية العقد الإجتماعي

نبدا نقاشنا بوضع الأسئلة التي نجدها مهمة ومركزية  لنظرية العقد.

- بأي حق تحكم الحكومات أو الطغاة؟

 - قد يتم التحكم في الناس من خلال التهديدات ويخضعون للمراقبة بسبب الخوف، ولكن هل هذه ممارسة مشروعة للسلطة السياسية؟

- متى يكون من الصواب أن يغير الناس نظامًا سياسيًا قائما؟

- متى يكون من الصواب أن تسعى دولة ما إلى تغيير نظام في دولة أخرى، بدعوى ذلك لصالح شعبها (كما فعلت الولايات المتحدة في هجومها على نظام صدام حسين في العراق)؟

لا يمكنك الحصول على إجابات لهذه الأسئلة إلا بمجرد أن تقرر من قبل أي سلطة يمكن تشكيل حكومة بشكل صحيح.

والسؤال ذو الصلة هو السلطة التي يجب أن تتمتع بها الدولة على مواطنيها: لماذا يجب أن نطيع الحكومة وقوانينها؟

* هل نفعل ذلك على أساس أن الحكومة لها تفويض للحكم، لأن حزبها حصل على النصيب الأكبر من الأصوات؟

* هل نفعل ذلك على أساس أكثر براغماتية، وهو أنه إذا لم تكن قوانين الدولة موجودة وتحظى بالاحترام، فإن الدولة ستقع في حالة من الفوضى، مما يؤدي إلى الأذى المتبادل وانعدام الثقة؟

* أم أننا نطيع ببساطة على أساس أننا سوف نعاقب إذا لم نفعل ذلك؟

* وفي أي مرحلة نكون أحرارًا في رفض واستبدال تلك الحكومة إذا بدا أنها تتعارض مع رغباتنا؟

* هل يجب الحكم على الحكومة على أساس المنفعة - أي أنها تحقق أفضل نتيجة لأكبر عدد من الناس - حتى لو لم تحقق أفضل نتيجة بالنسبة لي كفرد؟

لكن بالطبع هناك فرق بين القوة والسلطة. يمكن لشخص إجبار شخص آخر على القيام بشيء من خلال التهديد باستخدام القوة ضده؛ لكن هذا لا يعني أن الشخص لديه "السلطة" للقيام بذلك. السلطة تعني شرعية متفق عليها. يكون القانون أو الإجراء مرخصًا سياسيًا إذا، وفقط إذا، كان يحظى بدعم حكومة قائمة بشكل شرعي، وتتمثل إحدى طرق تأسيس تلك الشرعية في بنائها على عقد متفق عليه بين الناس وحكامهم؛ وهي : العقد الاجتماعي.

العقود والمعضلات وألعاب الحرب

نشأت "حرب باردة" مع وجود الترسانات النووية المتعارضة للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في الخمسينيات من القرن الماضي  ضمنت فيها نظرية الردع النووي عدم قيام أي من الطرفين بمهاجمة الطرف الآخر على أساس أن لدى الطرف الآخر أسلحة كافية يمكن أن يرد بعواقب وخيمة. كان يُنظر إلى تهديد (التدمير المتبادل) على أنه طريقة لضمان عدم مهاجمة أي من الطرفين للآخر.

لكن التفكير وراء هذا النوع من الإستراتيجية جاء من نظرية الألعاب، وتُعرف إحدى أهم هذه الألعاب باسم "معضلة السجين".

الوضع:

تم القبض على سجينين وكلاهما متهم بارتكاب جريمتين - جريمة أقل منها ما يكفي من الأدلة لإثبات إدانتهما، وأخرى أكثر خطورة لا يمكن ضمان إدانتها إلا إذا وافق أحدهما على الاعتراف.

العرض (لكل سجين):

- إذا اعترف بارتكاب جريمة أكثر خطورة، فسيتلقى عقوبة مخففة للغاية، لكن المتهم الآخر سيقضي العقوبة القصوى.

- إذا اعترف كلاهما، فسوف يتلقى كل منهما عقوبة أقل من الحد الأقصى، ولكنها أكبر من العقوبة الخفيفة التي سيتلقاها أحدهم اذا اعترف بمفرده.

- إذا لم يعترف أي منهما، فسيتلقى العقوبة القصوى للجرائم الأقل خطورة. (أي أكثر مما لو اعترفت بمفرده بجريمة أكثر خطورة، ولكن أقل مما لو اعترفت بها).

افتراض هذه المعضلة هو أن كل سجين مهتم بنفسه وبالتالي لا يهتم بالحكم الذي سيحصل عليه الآخر. ماذا يجب ان يفعلو؟

المعضلة هنا تتعلق بالثقة. إذا اتفقوا على أن أيا منهما لن يعترف، فسيحصل كل منهما على عقوبة اقل. من ناحية أخرى، إذا اعترف أحدهم، ولم يعترف الآخر، فسيحصل على أخف عقوبة على حساب الآخر. لكن المشكلة هي أن كل طرف يعرف أن الآخر لديه نفس الاختيار. يمكن لكل منهما محاولة الحصول على الحد الأدنى من العقوبة على حساب الآخر.

إن السعي وراء المصلحة الذاتية ليس دائمًا أمرًا سهلاً. إذا كنت تعتقد أن الشخص الآخر سوف يفي بوعده، فيمكنك الغش في صفقتك، وبالتالي الحصول على ميزة. من ناحية أخرى، أنت تعلم أن الشخص الآخر سوف يفكر بنفس الطريقة، وبالتالي قد يميل بنفس القدر إلى خداعك. كيف تحل هذا؟

الثقة والعقود

قد يبدو أن أفضل الخيارات، في مواجهة النزاعات المحتملة وانعدام الثقة، هي عقد اتفاق معًا من أجل الحماية والدعم المتبادلين، أو إعطاء السلطة الكاملة لحاكم أو قاضٍ متفق عليه. كلاهما ينطوي على عقد: الأول بين مواطني الدولة، والثاني بين كل مواطن والحكومة أو الحاكم المختار.

فكرة العقد السياسي لها تاريخ طويل.، يطرح أفلاطون في محاورة كريتو حجة مفادها أنه باختيار العيش في أثينا وقبول حمايتها والمزايا التي تقدمها، يكون المرء ملزمًا في المقابل بطاعة قوانينها. لقد جادل سقراط بذلك ؛ إذا كان الشخص لا يريد الامتثال للقوانين في أثينا، فعليه أن يذهب ويعيش في مكان آخر.

لكن الاهتمام المتجدد بالعقد جاء لأنه، مع التفكير الجديد الذي ظهر في عصر النهضة، والاضطرابات في أوروبا الناجمة عن الإصلاح، ظهر مجتمع تم فيه التركيز بشكل متزايد على الفرد. وبدلاً من النظر إلى المجتمع على أنه كيان منحه الله للبشر يجب على الأفراد أن يتلاءموا معه، وبالتالي تحقيق غرضهم داخل الكل، كان هناك رأي مفاده أن الناس يجب أن يكونوا قادرين على الاجتماع معًا وتحمل مسؤوليتهم الخاصة عن القواعد السياسية التي يجب أن يعيش بموجبها.

وهكذا، تبلورت نظرية العقد في القرنين السابع عشر والثامن عشر في محاولة لإيجاد تبرير عقلاني للدولة القومية الحديثة، بناءً على موافقة الشعب. أرست هذه الفترة أسس الديمقراطية الحديثة والليبرالية  وبالتالي فهي تشكل أساس الفكر السياسي الحديث.

الأسئلة الرئيسية التي تطرح حول التمثيل والموافقة هي:

- هل هذه الحكومة تمثلني بشكل عادل؟

- كيف أعطي (أو أحجب) موافقتي على التصرف باسمي؟

- هل أعتبر أنني منحت موافقتي على النظام السياسي للأمة بمجرد ولادتي هناك؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، في أي مرحلة يتم سؤالي عن موافقتي؟

- ماذا لو كنت أنتمي إلى أقلية وتم اتخاذ جميع القرارات السياسية لصالح الأغلبية؟ هل يعني ذلك أنني لن أعامل أبدًا بعدالة (من وجهة نظري) في نظام ديمقراطي؟

يفضل معظم الناس اليوم شكلاً من أشكال الديمقراطية - أن يتفق الناس معًا على دعم الحكومة، بدلاً من فرض حكومة عليهم.

***

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

في المثقف اليوم