قضايا

حكاية التفاح والكمثرى

مادتي هذه عن اقتصاديات الزراعة الوطنية. الفلاح ومهنة الفلاحة وارتباطها باقتصاد الوطني للدول من الامور المهمة. سالني استاذي رحمه الله، المشرف على اطروحتى للدكتوراه عن سبب استمرار انتاج الفلاح للمحاصيل رغم ان كلفة الانتاج أغلى بكثير من المحاصيل المستوردة.

 في واقع الامر هناك اسباب عدده لاستمراره في الفلاحة والانتاج الزراعي. قد يكون الفلاح اميا ولا يوجد لديه اي مؤهلات في اختيار مهنة اخرى. وربما هو مجبر على الاستمرار بارتباطه بعقد ما او يعمل اجيرا عند اقطاعي (الأغا) يملك الارض. وربما هي المهنة الوحيده التي يجيدها. او يجب عليه اطعام افواه من ابناء عائلته يكفيه وعليه ان ينتج ما يشبع بطنة وبطن عياله. طبعا هناك عشرات الاسباب والاسباب لاستمراره في عمله وكل تلك الاجابات صحيحة على المستوى الشخصي. لكننا هنا نتحث عن وجود محاصيل منافسه استوردت من خارج الحدود. اذن يجب ان نفكر في مسار جديد. ماذا يعني وجود محاصيل رخيصة في الاسواق تنافس المحلي، الوطني. هل تكلفة انتاج المحصول الاجنبي اقل من المحلي. كلا بالتاكيد.. ما تسمى بسياسة الهيمنة الاقتصادية على الدول (استعمار اقتصادي) يشمل استراتيجية بعيدة المدى لتلك الدول للهيمنة على مقدرات الشعوب واستبعادها. قد تكون تلك سياسة مكلفة لهم ولكن ارباحها المستقبلية هائلة ومن كافة النواحي السياسية، الاقتصادية والبيئية.

الفلاحة هي اولى المهن العقلية اي يحتاج الى معرفة بالفصول، تخطيط واستمرارية التنفيذ. من حيث حراثة الحقل وتحضير الارض وربما تسميده ووقلع الشوائب والاعشاب المضرة. وهذا يحتاج الى جهد كبير وزمن والالات ومعدات. يحتاج كذلك الى البذور ونشرها في الحقول ثم سقيها بالماء. السقي يحتاج الى الماء والى نظام اروائي وقنوات تصريف ومبازل وربما الى انشاء سدود لخزن مياه المطر. الغلة تحتاج الى العناية بها في سايلوات انتظارا لتسويق المنتوج ومن ثم على الفلاح جني المحصول وخزنه او تسويقه. يصل المحصول الى (العلوة) سوق الجملة في هذا المكان يتجمع فيه التجار الصغار ليشتروا المحاصيل ثم يبيعونها للمستهلك. اي ان عملية الزراعة تاخذ وقتا وجهدا. بينما استيرادها تختصر العملية بالكامل وربما نحتاج الى العلوة وبائع الخضروات، فقط. لان تكلفة تأمين ايصال الغلة والمحصول تكون احيانا على البائع وحسب العقد المبرم، أحيانا.

الفلاحة قارئي الكريم، مهنة مقدسة رغم ان ابناء الحضارات العراقية القديمة كانوا يرون في مهنة الصيد شرفا ورفعة وفخرا لهم وبقى ذلك تراث لشعوب العراق لحد يومنا هذا.

4850 التفاح والكمثرى

حيث يحتقر ابناء الريف المهنة بصورة عامة ويمجدون الصيد. لن ادخل في تفاصيل الصراع التاريخي بين الفلاح والصياد او الراعي ، هابيل وقابيل وقبول الالهة لضحية احد الطرفين على الاخر مما ادى الى صراعهم المميت. الاكل يدخل ضمن الغرائز الانسانية وعلينا يجب ان ناكل خلال اليوم عدد من المرات. اما الصيد فهو يعتمد على حنكة الصياد وملائمة المكان والزمان مع وجود الضحية واحيانا يلعب الحظ دوره. الضحية قد يكون حيوانا بريا او من صيدا بحريا او نهريا. وهي اي الصيد مهنة الكسالى اللذين يريدون الضفر بالضحية بسرعة ودون جهد او انتظار. بينما على الفلاح ان يصبر عاما بعد عام واذا حل الجفاف جاء عليه بالمصائب. احيانا. هناك ايضا مهنة الراعي لكن دور الراعي هو حماية القطيع وتوجيهه الى اماكن وجود العشب والكلئ وبحماية القطيع من هجوم الوحوش. الفلاح يبقى هو من الاختيار الصعب كمهنة ويتركها المرء فور وجود البدائل. اما الصيد فقد تحول من مهنة الى مجرد هواية. ما اريد قوله ها هنا بان الفلاح العراقي ترك ارضه فور ما وجد البديل. وهذا حصل كذلك في الاقليم. حين غزت الاسواق المحاصيل المستوردة من ايران وتركيا وسوريا والرخيصة مقارنة باسعار المنتوج المحلي.

اعود الى جواب السؤال المطروح في البداية هذه المادة.

كل ما ورد من اجوبة على ألسؤال اعلاه صحيحة كما ذكرت. الا ان للدول اقتصاد وطني يساند استقلاليتهم كدولة حرة ذو سيادة ومستقلة. اي ان من مقتضيات الاقتصاد الوطني واستقلالية قرار البلاد استمرار الفلاح بالعمل والانتاج حتى لو كانت كلفة الانتاج باهضة. ان استمرار الفلاح في الانتاج حتى لو كان كلفة المحصول غاليا من مقتضات استقلالية الاقتصاد الوطني. ولذا على الدولة مؤازرة الفلاح ومساعدته ماديا عن طريق الموافقة على اعطاء قروض مناسبة بواسطة البنك الزراعي وعن طريق شراء محصوله او تزويده بالسماد والالات الزراعية، كذلك. اما المواطن فيقع عليه تشجيع المنتوج الوطني رغم كونه غاليا. وبترك وهجر شراء المستورد منه. وبذلك سنرى بمرور الزمن اختفاءه المحاصيل الاجنبية من الاسواق المحلية وانخفاضا في اسعار المنتوج المحلي. لانه وكما نعلم من طبيعة الخضروات والفواكة انها طازجة اي انها تتعفن مع مرور الزمن وبسرعة وليس قابلا للخزن لمدة طويلة. هذا ما لمسته في السويد فالموطن السويدي يدفع اصعافا ثمن المنتوج المحلي من لحوم وفواكه وخضراوت. وسالون دوما عن مصدر الفواكه ويجب كتابة مصدر الفاكهة والخضراوات على جميع المواد المعلبة.

 احدهم سيجيب قائلا:

 هناك خلط بين التفاح والكمثري، كما يقولون في السويد. وهذا لا يجوز لانه تخرج من التفاحة غازا يؤدي الى تعفن فاكهة الكمثري.

وهذا هو مربط الحديث (الحچي).

*** 

د. توفيق التونجي

في المثقف اليوم