قضايا

علم الاقتصاد العراقي الجديد

تصريحات ومقترحات وحلول وتفسيرات غريبة تصدر عن اشخاص يقدمون انفسهم كخبراء ودكاترة اقتصاد عراقيين. افكار غريبة وغير معقولة!!، بعضهم يدعو الى تحويل الاقتصاد العراقي الى حقل تجارب ومختبر يتم فيه دراسة افكارهم العظيمة. يقترحون على الحكومة اعادة تجربة عدد من السياسات التي هجرها العالم الرأسمالي مثل الخروج المطلق للدولة من الحياة الاقتصادية وترك القرارات الاقتصادية للسوق وللقطاع الخاص في بلد تملك فيه الدولة ،بحكم الواقع التاريخي، كل موارد البلد من العملات الصعبة !!

هل يريدون ان تبيع الدولة القطاع النفطي وتفرض ضرائب على الشركات (مثلما اقترح احد السياسيين الاكراد بعد الاحتلال مباشرة)؟؟

وفي بلد يشيع فيه الفساد وكل انواع المخالفات المعروفة مالياً واقتصادياً؟

لدينا قطاع خاص يفتقر الى الخبرة المتراكمة والقدرة على ادارة الحياة الاقتصادية ، حتى عند افتراض نزاهة هؤلاء ووطنيتهم.. بسبب تهميشه التاريخي بحكم السياسات المركزية المتشددة تحت شعار بناء الاشتراكية..

البعض الآخر قال ان الحكومة تستطيع طبع كمية من الدنانير بمقدار مالديها من رصيد متراكم بالدولار (يقال انه قد بلغ حالياً ١١٥ مليار دولار).

لايعلم هؤلاء الاشخاص بان تلك الدولارات المتراكمة هي ادخارات لدورات دخلية سابقة وانها متولدة بالاساس من قطاع ريعي هو النفط الذي هو جزء من الناتج المحلي الاجمالي لكنه لايولد اية منتجات للاقتصاد الوطني ولاشباع حاجات السوق سوى كمية النفط التي تصفّى وتباع في السوق المحلية.

وان طباعة مبالغ مساوية لذلك الفائض المتراكم يعني انفاقاً حكومياً اكبر وبالتالي طلباً اكبر على الدولار لاغراض الاستيراد الذي سوف يرتفع بنسبة عالية لان البلد يستورد كل شيء تقريباً.. 

بذلك سوف يُستنزف ذلك الاحتياطي تماماً والذي يعتبر وجوده ضمانة لقدرة الدولة على تمويل استيراداتها عند توقف تدفقات النقد الاجنبي من الخارج.

لذلك يقال ان الدولة لديها مايكفي من احتياطيات النقد الاجنبي لتمويل استيراداتها لفترة معينة (من خلال مقارنة حجم الاحتياطيات مع حاجات الاستيرادات السنوية من النقد الاجنبي) وكلما زادت فترة التغطية زادت الثقة بالاقتصاد في التعاملات الدولية..

ومع مشاكل هذا الحل المقترح والساذج، الا انه لن يحل الأزمة لان الأزمة ناشئة عن القيود على تحويل الدولار وليس نتيجة لعدم توفر الدولار لدى الدولة.

بل ان الازمة سوف تتفاقم ويزداد تدهور سعر صرف الدينار بسبب اشتداد الطلب على الدولار مع بقاء نفس القيود على التحويل.

آخرين قالوا انه يمكن للعراق الخروج من دائرة الدولار الامريكي والذهاب الى التعامل باليوان الصيني او الروبل الروسي!!!! بدون الاكتراث بالعقبات السياسية والاقتصادية المترتبة على ذلك الإجراء.

مجموعة اخرى من مراهقي الاقتصاد يدعون، بقوة غير معهودة، الى جعل الاقتصاد العراقي يدار وفق منطق آدم سمث القديم والاعتماد على اليد الخفية لقوى السوق التي تتكفل بتعديل اوضاع الاقتصاد ودفعه ثانية نحو حالة التوازن !!

ولايعلمون ان العالم الرأسمالي العريق بكافة دوله قد تخلى عن فكرة اليد الخفية منذ أزمة الثلاثينيات (او كما تعرف بالكساد العظيم) حينما عجزت النظرية الكلاسيكية في الاقتصاد عن معالجة تلك الأزمة وعجزت اليد الخفية عن تقديم الحلول!

 مما اضطر الدول واولها الولايات المتحدة وبريطانيا، الى الأخذ بنظرية كينز التي تدعو الى تدخل الدولة عن طريق الإنفاق العام والمشاريع العامة لتحريك الاقتصاد، وهذا ماحصل بالفعل.

البعض يدافع بشكل يدعو الى الدهشة، عن فكرة طبع الدينار دون قيود من قبل الدولة لتمويل نفقاتها !!

بل ان احدهم كتب لي على الحساب الخاص يدافع عن تلك الفكرة القاتلة بحجة ان الكثير من الدول تطبع بما فيها الدول الكبرى. ويقول: ماهو الضير من طبع العملة؟؟ الكل يطبع. (وهو هنا يحمل نفس نظريات الاستاذ المرحوم حسين كامل صهر الرئيس صدام حسين الذي كان يطبع النقود بشكل لامركزي ويتبجح بأنه قد بنى الجسر ذو الطابقين باستخدام برميل حبر ولفافة كبيرة من الورق)! دون النظر الى العواقب الكارثية لسلوكه هذا. ودون ان يعرف ان الاقتصادي الامريكي الكبير ملتون فريدمان، قد دعى الى تعديل الدستور الامريكي ووضع مادة تحرّم على الحكومة طبع العملة تحت اي ظرف لانها تحطم رصانة السلطات النقدية وتدمر مصداقيتها امام العالم، اضافة الى اثاره الكارثية على الاقتصاد الوطني.

يبدو ان هنالك تراجعاً في مستوى الثقافة الاقتصادية في العراق وتراجعاً في التعامل مع الاقتصاد كعلم له اصول وقواعد صارمة بحيث انه اصبح من النادر ان تطلع على بحث رصين من بين كل ماينشر من كتابات..

ربما يعود هذا التراجع الى ظاهرة شراء الشهادات وتدني مستوى الدراسات العليا في البلد بشكل عام وليس مطلق  (جزء من هذا الانطباع الذي تكون لديَّ يعود الى مستوى افكار ومدارك بعض طلاب الدراسات العليا، ماجستير ودكتوراه، الذين يطلبون مني النصيحة والاستشارة من خلال الكتابة على حسابي الخاص).

***

د. صلاح حزام

في المثقف اليوم