قضايا

أكو فد واحد دليمي، أكو فد واحد عمارتلي، اكو فد واحد

المفهوم الشائع عن (التمييز العنصري) في ثقافتنا العراقية، والعربية ايضا، هو لون البشرة ما اذا كان أبيضا او اسودا. لكننا اذا اعتمدنا تعريف القانون الدولي للتميز العنصري فأنه يعني (أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل قائم ليس فقط على أساس العرق أو اللون أو النسب بل كل تمييز يستهدف تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي).. فان البلدان العربية تتصدر دول العالم في التمييز العنصري، وان العراق يتصدر البلدان العربية لأن فيه (12) تنوعا اجتماعيا ودينيا وطائفيا..

فاذا اخذنا بالمفهوم الحقيقي للعنصرية بأنها لا تقتصر على التحيز ضد لون او عرق فقط، بل ايضا تفضيل معتقد على آخر او عائلة على أخرى او نسب على نسب او مهنة على أخرى، فان الدراسات توكد على شيوعها في البلدان العربية بنسبة تزيد على 60%.. ما يعني ان أكثر من نصف شعوبنا العربية عنصريون وان كانوا بهذا الخلل او العقدة السيكولوجية لا يعلمون.

خذ العراقيين مثلا.. تجد ان كل العشائر العراقية مصابة بالتمييز العنصري، فعشيرة شمر تعتقد انها العشيرة الأفضل و.. و..، وعشيرة خفاجة تعتقد هي الكذا والكذا.. وآل عبيد والسواعد وبنو تميم.. وعدد ما شئت ولا تستثني قبيلة او عشيرة، ولا تستثني احدا من هذا التمييز حتى لو كان حاملا شهادة الدكتوراة من جامعة رصينة!

والعراقيون ينفردون (بنكات عنصرية) تسخر من الآخر بمضامين (التحقير والدونية والتخلف)، تبدأ هكذا:

اكو فد واحد دليمي، اكو فد واحد عمارتلي، اكو فد واحد مصلاوي، اكو فد واحد كردي.. مع ان الأمام علي يقول ( الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق).. ما يعني أن ألأمام علي أدرك هذا التمييز العنصري وحذر منه قبل اكثر من ألف سنة!.. في حين شاع في العراق بعد 2003 تمييز عنصري طائفي قاتل ابتكرنا له مصطلحا سيكولوجيا هو (الحول العقلي).. ويعني ان المصاب بهذا الحول يرى الايجابيات في طائفته ويغمض عينيه عن سلبياتها، ويرى السلبيات في الطائفة الاخرى ويغمض عينيه عن ايجابياتها.

ولقد نجم عن هذا التمييز (محسوبيات ومنسوبيات) بينها تعيين سفراء لا يصلحون موظفين في تلك السفارات التي تمثل واجهات لبلد كان موطن الحضارات. والأخطر انه نجم عن هذا التمييز العنصري ارتدادات اجتماعية قاتلة.. فلأن المصاب به اعتبر طائفته على حق وانها الحق، والطائفة الأخرى على باطل وانها الباطل، وان الطائفة الأخرى هي السبب في خلق الأزمات مع ان طائفته شريك فيها.. فانه اوصل العراقيين الى حرب حصدت عشرات الألاف من الضحايا الأبرياء بين عامي (2006- 2008).. وكان احد الأسباب العنصرية لهذا الاحتراب.. في منتهى السخافة، ان العراقي يقتل اخاه العراقي لمجرد ان اسمه حيدر او عمر او رزكار!

ولقد سألني مندوب راديو سوا (حسين الشمري) عن العلاج.. وبالصريح اقول:

ان كل المؤتمرات والندوات الثقافية وتوعية رجال الدين والاعلام، لا تقضي على هذا النوع من التمييز العنصري القائم على المعتقد، الانتماء الطائفي، القومي، العشائري، او الجغرافي. وان العلاج يكون باشاعة وعي ثقافي انتخابي بين الجماهير ليأتوا بممثلين الى البرلمان غير مصابين بهذه العقدة السيكولوجية وبهذا الحول العقلي المصابة بهما معظم من حكموا العراق في العشرين سنة الماضية. والأشكالية ليست في عنصريين حكموا العراقيين واذلوا الملايين.. بل في الذين يعيدون انتخابهم ويعرفون انهم.. عنصريون!

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في المثقف اليوم