قضايا

أزمة العقل العربي بين الاستماع والتفكير

أن الثقافة والمعرفة للإنسان هي عملية اكتساب للعقل من خلال ما يسمعه الإنسان أو يقرأه ويدرسه ليصل إلى حد يستطيع فيها إدراك وتقييم ما يدور من حوله ويعيش في مجتمعه شرا كان أو خيرا وهذا يفرضه تطور المجتمع الإنساني وطرق المعرفة ونوعها والتطور الذهني للإنسان فكلما اكتسب من معلومات يومية وصل إلى حدا من المعرفة والإدراك الفكري السلبي والإيجابي وما يهمنا هنا هو العقل العربي وأزمته الحالية في عصر التطور التكنولوجي ووسائل التقنية الحديثة وتطور العقل والفكر بعد عصر التدوين العربي للقرن الأول من الهجرة النبوية الشريفة حيث نُقلت لنا الثقافة والمعرفة عن طريق المشافهة والسمع والنقل بين المسلمين من قبل رواة يُديرون عجلة الفهم في تربية المسلم العربي وظلت الساحة الفكرية حصرا وحكرا على بعض الرواة والمؤلفين والكتاب مع هالة من القداسة وعدم المساس بتراثهم ضمن عصرهم وطريقة تفكيرهم التي استمرت طوال عصر التدوين في بداية الحكم العباسي حيث ظهرت طبقة من المفكرين والرواة وكتاب اغنوا عصرهم بأفكارهم ومؤلفاتهم نقلا للتراث الإسلامي وتفسيرات مبادئ العقيدة الإسلامية تحت إشراف الحكومة والسلطة آنذاك التي كانت تشدد على عدم الخروج من نسق التفكير والمنهج السلطوي للدولة وباتت هذه الآراء هي المهيمنة على الفكر العربي المقدسة لدى الأعم الأغلب إلا بعض المحاولات التي أرادت الخروج عن هذا الإطار الفكري حينها لاقت الصدود والمعارضة والمحاربة من الكثير واتهمت بالفئة المارقة والزندقة والإلحاد لأنها اصطدمت بالعقول والأفكار المسيطرة على الساحة الفكرية آنذاك ولكن هذا لن يمنع من ظهور بعض الحركات التحررية التي اتخذت الطريق الشاق وشقت طريقها نحو عصر التنوير والتغير للخروج من بودقة الموروث السلفي الذي أصبحت آرائه بعيدة عن خط سير التحضر للحياة المتطورة ومنها المسيئة للتراث الإسلامي والعقيدة وبرزت على الساحة العربية الإسلامية كوكبة من رجال الفكر بعد القرن التاسع عشر ميلادي أخذت على عاتقها إعادة صيغة الموروث الإسلامي والتأريخ والعقيدة وتفسير كتابها المقدس القرآن الكريم بطريقة تلاءم العصر الحديث الذي نعيش فيه وأنجبت لنا الأمة العربية رموزا أدبية وثقافية متنورة تتطابق مع حداثة عقلية الجيل الجديد وفهمه وإدراكه وفق المحيط الذي يعيش وسطه والتي لم تخرج عن الخط الفكري المقدس للعقيدة الموحدة وبالرغم من ذلك نرى أن هناك حملة شعواء منذ زمن بعيد تُقاد ضد حملة الفكر المجدد للقديم من قبل رجال الدين وكثيرا من المؤسسات الدينية التي لا يروق لها هذا التجديد كونه يهز عروشها ومصالحها ومناصبها الدنيوية ولإبقاء الناس حيارى بين التفكير والمعلومة السماعية الشفاهية المتداولة على المنابر المدونة بين سطور الكتب التي عفا عليها الزمن والتي لا تجاري الفكر المتطور للإنسان الجديد في زمن العولمة والتقنية والتكنولوجيا والتطور العلمي علما أن كل الرواة المتقدمين في نقل الأحاديث النبوية ودراسة مبادئ العقيدة الإسلامية والتراث الإسلامي لم نجد للكثير منهم مخطوطة بخط اليد وخصوصا الجيل الأول من صدر الإسلام من الصحابة والتابعين ولم نعرف أو نجد نسخة مخطوطة معروفة للقران الكريم فقد فُرض علينا أن نتبع كتب السنة والتراث والعقيدة من الرعيل الأول من المؤلفين والرواة شفاهية وعن طريق النقل والاستماع من الإخباريين والأصوليين بدون نقاش أو جدال لطريقة تفكيرهم ومنهجهم وفهمهم للعقيدة والدين والتأريخ الإسلامي العربي فمن حقنا كجيل جديد في زماننا هذا أن يكون لنا رجالا مفكرين ومتنورين وكتابا نحترم عقولهم وآرائهم وطريقة تفكيرهم والنقاش معهم على أصول العقيدة وفهمها على شرط مطابقة لمفهوم النظرية الإلهية والسنة النبوية وأخلاقيات وقيم القرآن والإسلام وأن تكون لنا وقفة عقلانية صحيحة صحية وسطية بين الماضي والحاضر واكتساب المعرفة بعد تحرير العقل من التبعية للغير بطريقة عمياء مجردة من البحث والتنقيب للخروج من أزمة خطيرة في نقل المعلومة عن طريق السماع والنقل بعيدا عن النمط التقليدي السلفي لكتابنا وعلمائنا الأفاضل البعيدين عن التجديد الفقهي والديني والعقائدي العقلاني المتطور المواكب لتطورات العصر الحديث.

***

ضياء محسن الاسدي

في المثقف اليوم