قضايا

فؤاد لوطة: ضعف الانتقاد في المجتمع العربي

عادة ما تجد الطرف الآخر ينتقد آراءك ومواضيعك كرها فيك، لا ينتقد مبديا رأيه في الموضوع مقدما حججه وبراهينه بأدب وبأسلوب سلس وأخلاقي، قد يردّ بالضحك والاستهزاء، قد يرد ردا مختصرا (أنت على خطأ، من أين لك هذا، أنت مستواك ضعيف، أنت شخص غبي، أنت بلا كفاءة... وهكذا ردود)، فهل ما نعيشه من ضعف في الانتقاد والتعبير عن الرأي دون عصبية ناتج عن ضعف في الشخصية؟ هل هو ناتج عن مشاكل و ظروف وعقد نفسية متراكمة؟ أم هل مدرستنا هي التي لم تعلّمنا ولم تركّز على دعم الطفل ومواكبته نفسيا واجتماعيا؟

وعادة ما تجد المنتقد غير قادر على ما تقوم به، لذلك هو ينتقد بحرقة، إضافة إلى أسباب أخرى سأشير إليها فيما بعد، فهذا ما يسمى بتفريغ عدم الاستطاعة، عقل بلا أفكار ومعلومات، بلا براهين، تواصل بلا أسلوب، بلا أخلاق! تجده فقط عاشقا للمشاداة.

سأطيل الحديث بعض الشيء، لكن في الأخير سنكتشف أنّ المشكل في المدرسة، بل في الذين يضعون المناهج ويركزون على الكم والحفظ، لا على الكيف والتطبيق، أما المدرسة تبقى مجرد مكان لا لوم عليه!

أتساءل، هل الأستاذ عندما يحكم على التلميذ بأنه ضعيف المستوى يصحح معه أخطاءه ويدعّم ضعفه؟ وهل التصريح بضعفه أمام زملائه داخل الفصل في صالحه؟ وهل في صالحه حتى لو كان معه على انفراد؟! لا ننكر أنّنا تعرضنا لهكذا مواقف في المدرسة وأثرت على نفسيتنا، فألا ترى أن هذا يراكم عقدا نفسية تصاحب الإنسان إلى كبره!

الفرق بيننا وبين الغرب، الغرب ينتقدون لكن بأسلوب لائق وبأدب، ويقفون معك على الخطأ ويضيفون آراء منطقية وواقعية وحججا في الصميم، ويدعّمون ما تقوم به ويشجّعونك، ويساعدونك على التصحيح وبالتالي تتولد لك أفكار جديدة. بينما العرب حدّث ولا حرج...

يمكن الإشارة إلى أسباب أخرى لضعف الانتقاد لدى الطرف الآخر، بغض النظر عن الكره الذي يكنّه لك مسبقا، أو حسد وضغينة، أو أنك لم تلج خاطره، لم يعجبه شكلك وما شابه هكذا أمور، هنا يصبح الانتقاد من أجل الانتقاد رغبة دائمة وغاية، هذا النوع سينتقدك مهما فعلت وكيفما كان موضوعك حتى وإن كنت على حق.

ساورتني مجموعة من الأسباب التي تجعل المنتقد ضعيفا، أولا:غياب القراءة والمطالعة، ثانيا: الافتقار لأسلوب التواصل السليم واصطفاف الأفكار وقلة التجربة، ثالثا: غياب دور المدرسة في التركيز على فن الخطابة والمناظرة، رابعا: حاجة مدرستنا إلى مادة الدعم النفسي، فأطفالنا يحتاجون إلى أساتذة مختصين في علم النفس والتنمية الذاتية. وليكن في علمك أن كصيصة من البشر ينتقدون بالسلب فقط لأنهم قضوا يوما سيئا أو يعيشون ظروفا صعبة، فيكون الانتقاد ناتجا عن الأمور السلبية التي يواجهها بحياته. وهذا ما يجعلهم يميلون إلى الانتقاد سلبا بطريقة غير بنّاءة.

أنسلّ من هذا المنعطف وأشير إلى أنّ السؤال يبقى مطروحا حول كيفية التعامل مع المُنتقد، وفي إجابتي نصيحة عن خبراء في التنمية الذاتية تكوّنت على أيديهم، ويعود لهم الفضل الكثير. فما نتعرض له بصورة مستمرة في شتى مجالات العمل من انتقادات سلبية من زملاء العمل، من أصدقاء الدراسة، من مواقع التواصل الاجتماعي... وبالتأكيد إن لم تعرف التعامل مع الانتقادات بذكاء سيؤثر على نفسيتك ويستنزفك فكريا دون شك.

ينبغي عدم التسرع في الرد على المنتقد، فعادة ما ننزعج عندما نتلقى الانتقاد من الوهلة الأولى، لهذا وجب الاسترخاء ومعالجة الرسالة بهدوء، فالحكيم هو من يأخذ الانتقاد كحافز له ودافع يدفعه للأمام، وحاول ألا تدافع عن نفسك، بل استمع إلى الانتقاد وجرّب تنفيده أو إثباث ضده بالحجة.

أما المنتقد الذي ينتقدك طوال الوقت، الذي يغار منك، الذي يكرهك، الذي هدفه تحقيرك لا تطويرك، الحاقد عليك، فهذا النوع لا يستحق الرد أصلا، لأنك لن تغيّر رأيه اتجاهك أو اتجاه موضوعك أبدا، يكفي أن تقول له: "أنت على حق، وأنا أدعّم كلامك".

أقتطف مقتبسا وأشير إلى الفرق بين الناقد والمُنتَقد، فالناقد قد يمارس نقده بذكر الإيجابيات وذكر السلبيات مع إبداء رأيه، أما المنتقد ما يعرفه هو ذكر السلبيات فقط دون تصويب وتبيان للحقيقة، والمنتقد في حدّ ذاته نوعان، قد يكون منتقدا يريد بك خيرا ويريد أن يطوّرك، أو منتقدا يريد تحقيرك والاستهزاء بك متعمّدا ذلك. وعليك أن تحتلجهما معا وتستفيد منهما، وألا تحكم على كل ما تناهى إليك حسب نزعتك، بل عليك أن تكون حكيما.

كي لا تبقى الفكرة قابعة تحت ظلها، إذا كنت لا تريد الانتقاد لا تفعل شيئا، عش حياتك في الظل ولا تظهر أبدا، تجاهل أحلامك وأفكارك واهتم بمسايرة من حولك، كن منافقا واختر من كلامك ما يرضي الطرف الآخر، لا تتحمل مسؤولية أي شيء في الحياة، احرص على أن يكون كل شيء في حياتك كاملا ودقيقا 100٪، فهل الفكرة مازالت قابعة أم وصلتك الرسالة وفهمتها؟

خلاصة القول الانتقاد لا مناص منه، فهو طبع في الأنا لا هروب منه، لكن كان هدفنا من هذا المقال بالخصوص الوقوف على نقط ضعف المنتقد الذي ينتقد دون حجج وبأسلوب غير لائق وبعصبية، والإشارة إلى الأسباب المخلفة لهذا العنف اللفظي مع الإشارة إلى كيفية التعامل مع الطرف المنتقد.

***

بقلم ذ. فؤاد لوطة

 

 

 

في المثقف اليوم