قضايا

حوراء ستار جاسم: لعنة النبذ المصاحبة للفلسفة

أول المشاكل التي يجب على الفلسفة التخلص منها أو أيجاد حلا لها هي مسألة النبذ المصاحبة لها، فالفلسفة ما زالت تحيط بها الأحكام الخاطئة التي أطلقت عليها قديما نتيجة محاربة البعض لها حيث لم تكن تخدم مصالحهم الشخصية مما جعلها منبوذة بشكل كبير، ولا يمكن نكران حدوث مواقف رفض الفلسفة ومحاولة التخلص منها ولعل أشهرها هو ما حدث مع ابن رشد الفيلسوف الأندلسي حيث قام بعض المعارضين له بتوجيه الاتهامات نحوه بالإلحاد والكفر فتم حرق كتبه ونفيه مع تلامذته إلى اليسانة ومنع قراءة كتب الفلسفة، الاتهامات التي وجهت إلى ابن رشد كانت بالأحرى موجهة إلى الفلسفة وهي احد أبشع الاتهامات التي تلتصق بها حيث أن الإلحاد والكفر موجود أن وجدت الفلسفة أم لم توجد، الفلسفة ليست شرارة الإلحاد، على العكس فأن الفلسفة هي تأمل وتفكير بالأديان السماوية للتقرب منها وفهمها، وهذا ما يؤكده ظهور فلسفة الدين والفلسفة الإسلامية، كما إن البعض قد ادعى أن الفلسفة تقود إلى الجنون والبعض الأخر يزعم أنها معقدة لا فائدة منها وكثيرا من الاتهامات الأخرى التي وقف عندها الدكتور محمود السيد مراد أستاذ الفلسفة في جامعة سوهاج وشرحها تفصيليا مع الرد عليها.

جميع هذه الإحكام أدت لنبذ الفلسفة والنظر إليها بكونها أخر شيء يلجا إليه الإنسان عندما يصبح غير نافع في مجتمعه أو محبط في حياته وأنها نوع من أنواع الانطواء الذي يتهرب منه العامة حتى لا تصيبهم العدوة، عدوة التعقد، وحتى من يميل إليها فهو أصبح كذلك منبوذ من أقرانه فحواره يطول وإقناعه صعب دون حجة يقينية بل ذهبوا إلى ما هو أسوء فأصبحت المرأة المحبة القارئة للفلسفة متمردة تملك عقلية رجولية ! وكأن الرجل الوجه الأخر للفلسفة، ومن الطبيعي أن نرى هذه الأفكار عبارة عن خزعبلات لا صحة لها لان جميع من يميل للفلسفة امرأة كانت أم رجل فهو يحاول إدراك وجوده وفهمه هو يريد نيل المعرفة ويبحث عن الحكمة اللامتناهية من خلال ممارسة نشاط التفكير والشك للوصول إلى الحقائق المطلقة التي هي مكنونات هذا العالم ولعل السبب وراء أطالت هذه الاتهامات حول الفلسفة هو ما حدث لبعض الفلاسفة، كما حدث لنيتشه حيث كانت نهايته المصحة العقلية وقيل إن الفلسفة هي وراء ما أصابه ألا أن جنون نيتشه كان لمرض وراثي أو بسبب تأثير الأدوية التي تناولها للتخفيف من الصداع النصفي ولا علاقة للفلسفة به بل أن جنون نيتشه قد عرف لأنه فيلسوف ! فلو لم يكن نيتشه فيلسوفا لكان مجرد مجنون كما غيره . غير أن كل حجة تجعل من هذه الاتهامات حقيقة تقابلها حجة أخرى معاكسة لها فكما تتهم الفلسفة بالإلحاد والكفر لان بعض الفلاسفة تدعو إلى ذلك فهناك فلاسفة تؤمن بوجود الخالق وكما تتهم بالجنون فهي أيضا اهتمت بالعقل والفكر المنطقي للحد الذي أصبح هناك فرعا خاص بهذه الدراسة وهو فلسفة العقل كما أنها تدخل في كافة المجلات وتطور الفكر الفردي وبالتالي الاجتماعي، ما نود الإشارة إليه بعد هذا التوضيح هو إننا بحاجة لإزالة هذه الاتهامات من الفلسفة لتكن محببة مثلها كمثل باقي التخصصات مما يدفع الجميع لدراستها وعدم نبذها فذلك يعود على الإنسان بمعرفة قيمة الحياة والمجتمع وحتى الفكر ويتخلص من أوهام العقل والشكوك، نحن بحاجة إلى دراسة الفلسفة والتوعية لها من اجل صنع جيل مفكر ناضج يملك من المعرفة ما يجعله منتج لا مستهلك مقلد دون إدراك وفهم .

***

حوراء ستار

 

في المثقف اليوم