قضايا

اسعد عبد الله: شبح الرقيب وقلق الكاتب

عانت الكتابة الابداعية في العراق ازمة حقيقية في زمن حكم القوميين عام 1963، ثم عندما سيطر البعثيين على الحكم عام 1963 ولغاية 2003، وما خاضه البلد من حروب عبثية مرهقة ومتعبة، وقد ادرك النظام خطر الكتابة، لذلك اهتم بمنصب الرقيب، الذي يتابع ما يكتب ويدرك ما يهدف له الكاتب من كلماته، لذلك تكون جيش من الأدباء المقربين للسلطة الذين يمارسون دور الرقيب على باقي ادباء البلد لتمحيص نتاجهم وشرح بواطن ما يقصدون من رسائلهم الادبية، فكان خير اسلوب للتضييق على الادباء، بل انهم استغلوا قربهم من الأدباء الوشاية بهم، حتى دفع بالعديد الى مقصلة البعث.

فكان الرقيب الاديب المقرب من السلطة يجتهد في كشف دلالات النص، في سعي لحماية النظام من أي معارضة ممكنة حتى لو كانت مجرد نص أدبي.

مع هذا فإن هنالك العديد من نصوص نشرت خارج العراق، ولم يكن للرقيب اي سلطة، ولم يكن في مقدرته إصدار احكام بحقها، لأنه إذا فعل ذلك اصبح مكشوفا من دون قناع، وتلصق به تهمة (شرطي الثقافة).

شبح الرقيب المخيف

كان شبح الرقيب يلاحق الادباء، لذلك كانوا يقومون بمراجعة نصوصهم مرارا خوفا أن يفهم من كلمة ما انها ضد سلطة صدام! ويذهب بالاديب الى السجون السرية حيث التعذيب الذي لم يعرفه تاريخ الاجرام يبدأ بخلع الأظافر والأسنان وتنتهي باغتصاب الأدباء ليقضوا على فحولتهم ويتحولون الى شيء نكرة لا معنى من وجوده.

وقد سعى بعض الكتاب للتحايل على الرقيب بما يملكونه من شجاعة وفطنة، فنشرت ومرت من دون أن ينتبه لها الرقيب.

اتذكر احد الكتاب كنت قصة قصيرة عن الديناصور وعائلته القذرة بسرد أدبي ممتع، ونشرت في الصحف الرسمية للسلطة، وفاتها ان الكاتب كان يقصد راس السلطة وعائلته القذرة، لكنه التحايل والاسقاطات التي جعلت النقد ممكن ويمر وينشر، لكنها كانت مجازفة قد تدفع بالكاتب الى حبل المشنقة، وليس وحده بل هو وعائلته وكل من يعرفه بتهمة محاولة قلب النظام.

البعث وثقافة الرعب

يمكن القول أنه لم يكن هناك كيان رقابي واضح المعالم كمؤسسة ، لكن كان هنالك امور تجري بالخفاء، واخبار الاعتقالات والاعدامات لا تتوقف بحق كل من يكتب ضد السلطة، حتى أصبح الكاتب هو الرقيب على نفسه من شدة الهلع الذي يعيشه البلد تحت سطوة الطاغية صدام وزبانيته.

بل حتى التحايل الذي كان يظنه الكاتب نوع من المجازفة، أصبح أسلوبا يخدم النظام، حتى اختفى النقد الواضح والحديث عن مشاكل الامة، فتحول بعض الكاتب الى مسخ، لان اهم مهام الكاتب ان يعبر عن مجتمعه وهموم الناس لا ان يكتب عن عوالم خيالية وعن مناطق بعيد هربا من ملاحقة الرقيب! 

الكتابة الحرة

كان بعض الكتاب يمارسون العمل السري، حيث تتم طباعة نصوصهم بشكل محدود وبمطابع بدائية وعن طريق استنساخ الكتابة، ويتم توزيعه بالسر على أهل الثقة، كان عملا بطوليا في زمن الحديد والنار، القلة من الكتاب من فعلها، مع ان الهلع من الرقيب كان يطاردهم، لكنهم ينشرون خارج نطاق  مؤسسات الدولة من صحف ومجلات، أي نتاجهم في نطاق محدود.

وقد يسأل سائل: في ظل نظام قمعي رهيب ما جدوى الكتابة؟ والجواب أن الكتابة نوع من المقاومة، وبث روح الشجاعة في الامة، وتوثيق جرائم الطغاة، وكشف أساليبهم في تقييد الأمة ومنع الحرية.

ويجب ان نوثق لكل كاتب ضحى بروحه في سبيل ايصال الحقيقة للامة، ان يتم تكريم الكتاب الشهداء، الذين لم يسكتوا وحاولوا فضح النظام بكتابات واضحة وصريحة، ولم يرهبهم الرقيب ولا اجهزة النظام القمعية، بل كان كل همهم ان تصل رسائلهم للجماهير.

محنة الكاتب المهاجر

الكثير من الكتاب المهاجرين في زمن النظام البعثي كانوا يخشون الرقيب! مع انهم بعدين عن اسوار الوطن، لان الكاتب يخاف أن يكتب نقدا للنظام الحاكم، ليكون السبب في  اذى اهله واقاربه واصدقائه، لذلك يلتزم الكاتب المهاجر في عدم المساس بالنظام الدكتاتوري لحماية احبته داخل اسوار الوطن، فهنا شبح الرقيب يلاحق الكاتب حتى وهو بعيد عن الوطن.

بالاضافة الى ان النظام اشترى عديد المؤسسات الاعلامية العربية ووضع لائحة الممنوعين من النشر، فلا يجد الكاتب المهاجر من ينشر له او يهتم به.

فاصبح الكاتب المهاجر وهو في أرض الغربة ويعاني من الرقيب الحكومي.

شبح الرقيب ما بعد 2003

الان هاجس الرقيب مازال يلاحق الكتاب، والرقيب اليوم يمثل الديناصورات التي نمت وكبرت وتحولت إلى اله تعبد، فأي مساس بها يعتبر من الذنوب الكبيرة، و مصير من يتجاوز اي خط احمر القتل، لذلك الكاتب عاد لمحاولات التحايل على الرقيب، والكتابة عن اي شيء بعيد عن جنة الديناصورات، لذلك مازال الكاتب العراقي (داخل الوطن وخارجه) يعيش نفس المحنة، ولا يمكنه الخروج من الشرنقة، الرقيب الذي يتابع ما يكتب، والجيوش التي تلاحق كل متجاوز على ذات الالة المصطنعة.

ولا نعلم متى يتحرر الكاتب العراقي من شبح الرقيب ليكتب كل شيء بحرية تامة بعيدا من الخوف والقلق الذي يعيشه.

***

الكاتب: اسعد عبدالله عبدعلي

في المثقف اليوم