قضايا

علي أسعد وطفة: أكاديميو الاستبداد!؟

لو كان الاستبداد رجلا، وأراد أن ينتسب، لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وإبني الفقر، وابنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة. عبد الرحمن الكواكبي

لا أحد يستطيع اليوم أن ينكر الدور الخجول للجامعات العربية طلابا وأساتذة في الممارسة الاجتماعية النقدية لقضايا مجتمعاتهم وتحدياته المصيرية. وقد لا نجد حضورا قوي الشكيمة واضح المعالم للمجتمع الأكاديمي العربي في أحداث الحياة الاجتماعية العربية نقدا أو تحليلا أو رفضا أو مقاومة لأوضاع القهر والاستلاب. وهذا لا يعني أبدا أننا نتنكر لبعض الجهود المميزة التي قام بها بعض الطلاب والأساتذة الجامعيين للمشاركة في حركات الاحتجاج ضد مظالم أنظمتهم السياسية كما حدث في تونس ومصر وسورية ولا سيما في بداية ما يسمى بالربيع العربي. ومما لا شك فيه أن هذا الغياب الكبير للفعل الاحتجاجي الجامعي في البلدان المنكوبة بالاستبداد يدل على جملة من الشروط التاريخية القائمة على الاستبداد التي مارستها الأنظمة السياسية في الجامعات فحولها إلى ترسانات أمنية مدمرة للعقول والقيم الأخلاقية والثورية.

وإزاء هذا الغياب الكبير للممارسة النقدية الجامعية في مستوى الطلاب فإن المؤرخين سيذهلون تماما للدور السلبي الكبير لأعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات العربية (سوريا مصر السودان اليمن ليبيا العراق) الذين سجلوا أكبر درجة من التخاذل التاريخي والتواطؤ خلال موجة الانتفاضات الجماهيرية منذ بداية انطلاقها. وإذا كان الطلاب لا يستطيعون في ظل جامعات مخطوفة أمنيا أن يمارسوا حقهم التاريخي في الانتفاضة ضد أنظمة القهر والاستبداد فإن التخاذل بلغ حدوده القصوى لدى أساتذة الجامعات العربية وهم الذين يمتلكون القدرة (ربما) على إبداء الرأي فيما يحدث وفيما يجري من أحداث جسام على الساحة العربية بصورة أخلاقية وموضوعية.

لقد وقفت نخبة كبيرة من أعضاء الهيئة التدريسية في مختلف الجامعات العربية موقفا سلبيا من الثورة وغيرها من الأحداث الجسام وسجلوا أنفسهم في دوائر العداء للمجتمع وقضاياه المصيرية، وفي المقابل سجلت الأكثرية الساحقة من هؤلاء حضورهم في دوائر الصمت السلبي القاتل من مختلف القضايا الاجتماعية القائمة على الفساد والجريمة السياسية المنظمة.

وعلى خلاف الدور النقدي المتوقع من هذه الفئة الأكاديمية بدا واضحا أنهم كانوا أكثر وفاء للظلم والقهر. وعلى خلاف الدور الإنساني الذي يفترض بأساتذة الجامعات أن يقوموا به من نقد للظلم والعنف والاستبداد عمل فريق كبير منهم على تمجيد الاستبداد وتبرير البطش الذي يقوم به الطغاة ضد شعوبهم.  ومن الواضح أن أنظمة الاستبداد وجدت في هذه الطبقة من أساتذة الجامعة طليعة آثمة متوحشة انبرت للدفاع عن القهر السياسي وتمجيد القمع الاجتماعي الذي تمارسه هذه الأنظمة السياسية ضد شعوبها.

ومن المحزن والمذهل اليوم أن يكون أساتذة الجامعات العربية أوفياء لأنظمتهم الاستبدادية بدلا من أن يكونوا أوفياء لشعوبهم وأمتهم وقضايا مجتمعاتهم المصيرية. ومن المؤلم جدا أن يقوم كثير من هؤلاء الأكاديميين الأشاوس أن يستووا على منابر الأنظمة الشمولية لتبرير العنف وتمجيد التوحش والوحشية والإعلاء من شأن الظلم والقهر الذي تمارسه أنظمتهم القمعية ضد شعوبهم بلا رحمة أو شفقة. وإنك في حقيقة الأمر لتصاب بالصدمة والذهول تماما للكيفية التي يتدافع فيها أساتذة الجامعة من أجل الظهور الإعلامي في إعلام قاصر موتور تمجيدا بأنظمتهم الشمولية التي تمارس الظلم والقهر في مختلف أصقاع العالم العربي المنكوب بأنظمته الوحشية! وقد تصاب في حالة ذهول أكبر عندما ترى هذا الاستبسال الكبير لدى فريق من هؤلاء الأساتذة الأكاديميين للدفاع عن الظلم والقهر والاستبداد، وهم فوق ذلك كله يطالبون أنظمتهم الوحشية من على منابرها الإعلامية أن تكون أكثر شراسة وتدميرا وقتلا وسفكا للدماء في أوطانها!!!

ومن المؤسف والمأساوي أيضا أني يكون ينبع هذا التوحش من لدن الأكاديميين في كليات العلوم الإنسانية ولاسيما في كليات الحقوق الذين كان لهم الحضور الأكبر في مختلف المحافل الإعلامية والسياسية تمجيدا لأنظمة الاستبداد وتبريرا لبطشها. والغريب في الأمر أن يمارس هؤلاء الحقوقيون دورا مضادا لدورهم التاريخي الذي يتمثل في الدفاع عن الحق والكرامة والإنسانية والعدل والقانون. وعلى خلاف هذه الوظيفة الإنسانية الحقوقية مارس أساتذة الحقوق وما زالوا كل أشكال القمع الفكري والتزييف الأخلاقي والتبرير القانوني والدجل السياسي في مواجهة الإنسان والمقهورين في مجتمعاتهم متنكرين لأبسط القيم الأخلاقية والإنسانية.

والمخيف في هذا كله أن هؤلاء الأكاديميين يقومون بتدريس الأجيال نظريات الحق وحقوق الإنسان! والغريب حقا أن يقوم هؤلاء الأكاديميين الطغاة بتعليم الحقوق وهم الذين وقفوا ضد الحق والحقيقة والقانون والأخلاق أن يقوموا بتعليم الأجيال على قيم الحق والقانون والأخلاق؟

وليس غريبا أن تجد بين هذه الطليعة المخجلة تاريخيا أساتذة من كليات الآداب والطب والهندسة الذين تاجروا بدماء الشهداء والثوار من أجل لحظات خاطفة من الظهور الأكاديمي انتصار للاستكبار الظلامي والجبروت الوحشي للأنظمة السياسية القائمة على أبشع مقومات القمع والإكراه السياسي.

وكما أن الحرب تنتج أبطالا وقادة ومغامرين فهي تنتج جبناء ومراوغين ودجالين ومنافقين ومزاودين،  وهكذا أفرزت الأوضاع الكارثية العربية - القائمة على الظلم والقهر والاستبداد - هؤلاء الأكاديميين الجبناء المداهنين والمتاجرين بخبز الناس وكرامتهم.

وفي الختام نقول مع القائل إنه منذ أن اشتغل هامان لصالح فرعون وقارون وحتى هذه اللحظة هناك مثقفون.. وعلماء.. ورجال دين.. وفنانون" من مختلف الأحجام والمستويات والأيديولوجيات والجنسيات والطبقات والأديان والمذاهب والعشائر والطوائف والأسر.. يلمّعون أحذية من يدوس على البشر!!.. 

وسلام الله عليكم .

***

علي أسعد وطفة

في المثقف اليوم