قضايا

علجية عيش: مجتمعنا مُركّبٌ من ذهنيات

قل لي من تعاشر أقول لك من أنت؟

حكمة قالها من سبقونا، بعد تجربة خاضوها ونقلوها للأجيال، لمعرفة نمط الحياة التي ينبغي أن يعيشها الإنسان في بلد مليء بالتناقضات، تختلف فيه الذهنيات وتتغير كلما حظرت المصلحة، أصبح العيش مستحيلا ويحتاج إلى تغيير جذري وشامل، فهذه الحكمة لها ارتباط وثيق الصلة بماهية العلاقات الإجتماعية بين الناس ومدى تفهمهم لهده العلاقة، أراد قائلوها أن يعرف لإنسان كيف يختار الجماعة التي ينبغي أن ينتمي إليها ويرافقها، أو حتى اختياره الصديق ومعرفة كيف يفكر وماهي المواقف التي تجعلك جاهزا للتيبس في أفكار جامدة لا تقبل النقاش، إن كان من تحاوره شخص مزاجي كثير التقلبات إلى درجة العدائية، فكل الفساد ينشأ من الكراهية والعنف الفكري، والتغيير يجب أن يبدأ بالتخلص من هذه الشحنة التي تختبئ في حنايا بعض الناس، الذين عماهم التعصب عن رؤية الحق وأهله، فتسقط معه كل المبادئ كقشور يابسة.

إن مجتمعنا مركب من ذهنيات (سياسية، عسكرية، دينية)، ولاختلافهما ظل الناس في مفتقر الطرق ولم يصلوا الى نقطة الفصل في الموضوعات التي يراها البعض تقليدية، أو أنها لم تعد صالحة في الزمن الحاضر، كقضية العودة إلى الأصل، والتخلي عما زرعته الحضارات الغربية الزائفة والفصل في السلطات وغيرها من القضايا التي تتطلب على الجميع أن يقدموا للجيل الحاضر أشكالا فورية للأحداث التي يعيشونها، الأيام أثبتت أنه على الإنسان أن يختار الجماعة التي لا تشكل بينه وبينها حاجزا، بل تجعلك تبني جدارا سميكا لا يمكن اختراقه، مهما كانت الظروف، فالذهنية المتعصبة التي تريد أن تفرض فكرها على الآخر، وتحدد له ماذا يقول وما لا ينبغي قوله، هي (أي الذهنية) لا تريد فهمك أو حتى الإصغاء إليك، بل تتعمد استفزازك لغاية ما، لأنها تعادي الحق وترى الباطل على أنه حق، لدرجة أنها قد تلصق تهما باطلة بجماعات كانت ضحية نظام مستبد وانتزعت منها شرعيتها بالغصب، إنهم المتعصبون الذين تدور فلسفتهم حول تحقيق الإنسان وجوده وذاته فقط، يرون أنها هي من تسببت في العنف وجرت البلاد الى حرب أهلية، ويناضلون من أجل إقصاء أصحابها بل تدميرهم.

هو ما نلاحظه على الحكام المترفين ومن اتبعوهم من الطفيليات الانتهازية يستميتون على بقاء الأمور على حالها دون تغيير أو تبديل، لأنهم يخشون عواقب ذلك، بل إنهم مع الأيام يمنحون لأنفسهم صلاحيات وحقوق لا حصر لها ولا حدود، منها التفكير نيابة عن الأمّة، لاشك أن الحياة تعطينا دروسا تعلمنا كيف نتعامل مع الآخر ونتواصل معه، من خلال معرفة الناس الذين نعاشرهم، من هم أصدقاؤهم ورفاقهم، والنظر إلى أسلوبهم في التعبير للوقوف على نوعية تفكيرهم، في ظل التطور التكنولوجي الذي جعلت العالم قرية صغيرة وظهور مواقع التواصل الاجتماعي، (الفيسبوك) وتوسع العلاقات حتى مع الذين لا نعرفهم، فنجد البعض قبل الموافقة على طلب الصداقة مثلا يبحث عن أصدقائه من هم؟ وما هو مستواهم الفكري؟ وما هو المجال الذي يخضون فيه بالنقاش، فنحن نعيش في مجتمع نصفه مقنع وكان لابد من انتهاج كل السبل لمعرفة الناس،و لذا يجب ن يكون للإنسان هدف يسعى ويتطلع إليه في حياته، واختيار الإنسان من يشاركه افكاره واهتماماته يجب ان يكون مدروسا، حتى لا يبقى يدور حول بعض القضايا مثل الحمار (اكرمكم الله) في الرحى أو الثور في الساقية، يدور ويدور وينتهي للمكان الذي بدأ منه ونقف مع قول الفيلسوف الفرنسي جوستاف لوبون: (نحن إذا بحثنا في الأسباب التي أدت بالتتابع إلى انهيار الأمم وجدنا العامل الأساسي في سقوطها هو تغيير مزاجها النفسي تغييرا نشأ عن انحطاط أخلاقها ولم أر أمة واحدة زالت بفعل انحطاط ذكائها) وجمعة مباركة للجميع..

***

علجية عيش

في المثقف اليوم