قضايا

عبد الجبار العبيدي: ردة الفقهاء ونظريات الوهم واللاقانون

منذ الأزل ظل تاريخ الكون مجهولاً، من خلقهُ؟ وبأي طريقة خُلق؟. نظريات وهمية ليس لها في الرأي العقلي من أصل، الى ان جاءت أرشادات السماء لتدون لنا نظريات الخلق، فبدأ العقل الانساني يفكرفي ربط الظواهر، والتمييز بين الحقيقة والوهَم. ساعتها شعر ا ن لابد من خالقٍ لهذا الكون مدبر له، فمن هو هذا الخالق أذن؟من هنا بدأت قصة الحياة من جديد، لكن الحَيرة ظلت تلازم عقله حتى ادرك المعرفة الكلية لخلق الكون بعد ان اصبح مدركاً للاشياء المحيطة به، رابطا للظواهرالعلمية بعضها ببعض وخاصة ظهورالشمس والقمر وغيابهما، من هنا يحق لنا ان نقول :  ان العقل هوأول مخترعات الأنسان،

وحين بدأ الانسان المدرك يستخدم الذهن استخداما منظماً اصبح التفكير العقلي متناولا دراسة التجربة الانسانية على الارض، فبدأت دراسة الماضي لمعرفة نشأت الحاضر لتستطيع توجيه المستقبل، حتى اصبح يشمل التجربة الانسانية كاملة، وبالتدرج الزمني ظهر الفقه الديني الذي نشأ فيما بعد لتفسير ما غُمض من اسرار الكون حسب النص الذي صار مقدساً عنده، فانتشرت فكرة الاديان في المجتمعات الانسانية حتى اصبحت غريزتها الوهمية تتغلب على العقل وتذلله لرغباتها، "الغريزة اقوى من العقل"عند بعض الشعوب المتخلفة، من هنا بدأت عملية الصراع بين العقل والعاطفة التي استخدمتها السلطة لصالحها، فكانت نظرية الصراع بين العلم والدين، اي بين العقل والنص.

ومن أجل ان نعرف الحقيقة للتخلص من الأخر المجهول، يقول العالم :  فريمان الانجليزي، شعوب أدركت الحقيقة العلمية فتقدمت بعد ان احتاجت لكل جديد في المخترعات فكان اختراع الطباعة في الصين وانتقالها لاوربا فيما بعد. وشعوب غطست في الوهم النصي فتأخرت، فالمسلمون مثلاًفي غالبيتهم اعتقدوا ان الله هو الذي اعطى الانسان العقل والفكر والحكمة، فالفكر هو الذي يخترع واليد هي التي تعمل، وبهذا التوجه انتقل الانسان الى التقدم الحضاري، لكنه بقي زمنا طويلا لم يتمكن من حل معضلة كيفية قيام الحضارات لان الفكر المقيد من الجانب الديني بتفسيراته للنص ظل حجر عثرة في انفتاحية التفكيرعلى كل ما يتعارض معه. من هنا بدأ التعارض والخصام بين العلم والدين،

اذن هل كانت عقيدة الدين من اجل الخصام المستمر بين البشر الانسان، فاذا كانت من اجل الوحدة والعدل كما هو شائع عندهم، اذن لماذا أنفرد الفقهاء بتعدد الأديان والمذاهب التي لاوجود لها في الدين وطبقات المخلوقين، فاين الخطأ في الدين ام في اطروحاتهم الوهمية التي لا اصل لها في الدين؟. وهل كانت شعوب الارض كلها لا تستحق دين المسلمين الا نحن، اذن لماذا هم المتقدمون، ونحن اصبحنا في الركب الاخير، كيف نفسر النظرية، فسروها لنا يا فقهاء الدين، المتعجرفون؟. فقد مللنا منكم الرأي، ومن به تعتقدون؟.

ومادام الاصل مجهولاً فلمَ المبالغة في أختلاف المجهول، واذا كان هو سبب ثبيت المجهول دون القانون، عرفنا سبب اعاقتنا عن التقدم، فنحن لا نريد دينا من هذا القبيل دون قانون وعلم لا يقوم على اساس من الفكر غير المقيد، والعقل دوما متعطشا لكل جديد، واذا كان الدين هو العدالة والحقوق كما أخبرتنا كتب السماء التي وصلتنا بعد ان احتاجت الى وقت طويل، فنحن أول المتدينين، ولكن من حقنا ان نعرف أصل التكو ين وحقوق الآدميين وكيفية التطبيق، حتى ننهي نظريات الاختلاف بين الانسان، والدين، التي يطرحها الفقهاء الوهميين والذين فسروا النص المقدس تفسيرا ترادفيا قبل ان تستكمل اللغة تجريداتها الحسية، فجاؤونا بأفكار لا تتفق وطبيعة الانسان والدين، مذاهب الشيعة والسُنة وما تفرع منها من اللامعقول؟

كل الديانات السابقة بقوانينها طبقت على منتسبيها دون اعتراض سوى التعارضات في الرأي والتطبيق، الا الاسلام الذي نتحدث عنه منذ عهد ابراهيم ظل يعيش بيننا بقوة السلاح لا بقناعة المنطق في التطبيق نتيجة انفراد الحاكم به دون الناس. فأبراهيم اراد ان يذبح ابنه قربانا للأخرين، لكن ابنه الانسان رفض الا اذا جاء بأمر من اله السماء (افعل بما تؤمر) فالحياة الانسانية ليست هي ملكا للحاكم دون دليل. وها هي النتيجة اليوم التي اوصلتنا الى العدم في دولة فاشلة تقتل العلماء والمفكرين بلا قانون معتمدة على غيبيات يرفضها الدين، (لوكنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير وما مسني السوء) الفرق، ان الاسلام حمل الوعد والوعيد دون ان يصاحبه قانون التقييس، حتى قانونهم الديني المزيف يعيش في رؤوس الناس دون تطبيق، هنا المصيبة الكبرى التي ظلت تلازم المسلمين حين فقدوا قانون الالزام في التطبيق.؟فأصبح الدين العائق الاول في التقدم وحقوق الأدميين.

أما العلاقة بين الله والناس علاقة عبادية حرة حددها النص لا الفقيه. من هذا المنطلق ندعو الى تعريف الكفر والشرك والاجرام والالحاد فلا زالت الاصطلاحات مبهمة لم تعرف سوى تعريفاً لغويا أحاديا وترادفياً، لعدم قدرة الفقهاء على الحل، فالاسلام توحيد ومثل أنسانية عليا غير قابل للتسييس، وان محاولة البعض تسييس الاسلام، والبعض الاخر أسلمة السياسة، اضاعوا السياسة والاسلام معاً.

من الخطأ ان نسمي الناس من نوح الى محمد بالكافرين، انهم كلهم من المسلمين بدلالة الاية الكريمة (ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، أعد الله لهم مغفرة وأجرأ عظيماً، الاحزاب 35). من هذه الاية نفهم أمرين، الاول ان المسلمين والمسلمات شيء والمؤمنين والمؤمنات شيء اخر، لذا فأن الاسلام يتقدم على الايمان ويسبقه في تنفيذ الشريعة الربانية. اي منذ مجيء آدم وبداية التجريد الانساني، حيث بدا الايمان يرافق الاسلام خدمة في التطبيق، والالزام بضرورة عدم تجاوز النص، لكن ظل بلا قانون، والدين ان لم يرافقه القانون لا نكسب منه الا الضرر، فالدين لا يمكن ان يُكون دولة دون قانون، انظر كيف قامت دعوة المسلمين التي لم تستطع تكوين دولة خلال 656 سنة لانها كانت بلا قانون، بينما اوربا استطاعت ان تلغي دولة الكنيسة التي كانت بلا قانون، وهكذا حصل التقدم، في ظل القانون.

ان الاسلام فطرة، والفطرة تعني الايحاء الفكري للبشرجميعاً بضرورة التدبر في الحياة بالتعاون الجماعي وتطبيق العدالة لتسود المجتمعات الامن والامان والاطمئنان على النفس والمال والعرض، هنا الفطرة احتاجت الى رسالة سماوية انسانية لافهامها للناس بكل حرية، ولم يعطِ الله لرجال الدين صلاحية التصرف بالبشر كما نلاحظه اليوم حتى اماتوا الدين والبشر معاً بلا قانون، وكيف قامت دولة الاوربيين الحضارية عندما قضت على اراء الكنيسة دون قانون. فالاسلام لا يعترف بوكلاء عنه، ولا يخول احد حق الفتوى على الناس ولا يعطيهم حق الافضلية، والنصوص واضحة في ذلك لا تحتاج الى برهان. اذن لا مرجعيات ولا رجال دين، ولا فقيه ولا ولي الفقيه، كلها ألاعيب السلطة لا الدين.

الاديان كلها قوانين ربانية لم يحسن الفقهاء شرحها للناس خدمة لصاحب السلطة الذي ساووه مع الخالق العظيم:  "اطيعوا الله والرسول وآولوا الأمر منكم"وآلوا جمع لا مفردله من جنسه، وآلوا ليس جمعا لولي، فهل ادرك المفسرون الخطأ الذي وقعوا فيه، كفاية تدليس.

اين كتابنا الذين يكتبون ومثقفينا الذي يفلسفون وهم لاهون بابحاث وكتابات سطحية تملأ الخزائن كمعدة البعيربمجلات واطاريح جامعية ما انزل الله بها من سلطان، كالجائع الذي متى ما احتاج للطعام ارجعه منها للاجترار. هنا سر التخلف والانغلاقية والجمود في مجتمعاتنا العربية والانسانية، واليوم همهم الشهادة الجامعية وليس محتواها العلمي في التطبيق، لدرجة بدأوا يجرأون على استبدالة علم الفلسفة بعقيدتهم الدينة الفقهية الخائبة والبعيدة عن ماهية الدين. وحين تزور معارض الكتب وبهرجتها الاعلامية لا تخرج الا بهذه النتيجة الغير النافعة لتظيفها الى خزانة كتبك لتملأها ضعفا لا قوة. وقد ابتلينا في مجتمعاتنا العربية ، بثلاثة مجمعات دمرت عقل الانسان، الازهر في مصر والمرجعيات الدينية في ايران والعراق وجامعة الزيتونة في تونس وكلها غثاء كغثاء البعير.؟؟؟

فعلى سبيل المثال لم ارَ كتاباً عالج لنا مسألة التبني وملك اليمن سوى كلمة (حرام) التي تتصدر كل فكر ظلامي منغلق، فالتبني عملية انسانية ليس فيها ضيرأ، اما غيرنا من المستشرقين فقد أسهبوا في الصح والخطأ حتى كونوا لنا دائرة معارف فكرية في هذا المجال مطروحة للمناقشة والحوار، فلماذا نحن بعيدون؟. هنا نحتاج لحاكم متفتح جريء يؤمن ويقول وينفذ، وهذا الحاكم الجريء لم يظهر فينا الى اليوم. بينما هم وجد عندهم هذا الحاكم الجريء المنفذ لكل رأي صحيح، فتقدموا.

هناك امورا كثيرة بحاجة الى تعريف حقيقي وواقعي غير تعريف الفقهاء الذين حولوا الاسلام من اسلام آلهي الى اسلا مهم المقيت، كالفريضة والوصية والموعظة والذنب والسيئة والعبد والعبيد والمواثيق وقوانين الزواج والطلاق وضرورة ايجاد فقه موحد عند المسلمين وترك خرافة المذهبية والتفريق والدك واللطم والبكاء على السالفين، وفي الاراء والمعتقدات التي اشبعتنا فرقة وتخلفا وهي من صنع العباسيين ومن جاء بعدهم من الترادفيين. والتي هي ليست من الاسلام في شيء ابداً، لكن غالبيتها من صنع المنتفعين فقهاء الأحاديث المزورة كمسلم والبخاري وابن ماجة وبحار الانوار. فاين حاكمنا الفذ الذي نرى فيه صدق القول ومعرفة اليقين؟فأذا بقيتم على ما أنتم فيه أتركوا الدين لحاله واعبدوا ما به تعتقدون.

نحن بحاجة ماسة الى تصحيح المفاهيم وخاصة ما يتعلق بالعقيدة ونزعها من المحتكرين الذين اماتوا عقولنا وافكارنا وجعلوها مقفلة لا ترى النور، فالعقيدة تتناقض مع البندقة والسيف، وتتوافق مع الرحمة والسلام ومن يقرأ ويتمعن يرى ان لادولة اسلامية ولا دولة علمانية، ولا حزب اسلامي، بل دولة الحق والقانون. وهذا هو الاسلام الذي جاء به محمد(ص) وكتب له الوثيقة المغيبة اليوم من فقهاء الدين، ونحن ندعوا للكشف عنها وهم الذين يستميتون من اجل عدم تطبيقه أو أظهاره للناس أجمعين، لانه بأظهاره هم ينتهون، فهل من حاكم عربي مسلم يتبنى نظرية الاسلام الصحيح لينقذه من برائن الطارئين، لمَ لا تكون لنا سابقة المجددين المصلحين، ام نبقى نزور بما قاله الامام جعفر الصادق(ع) والامام ابو حنيفة النعمان(رض) والذي ابتكر منهما مذهب الشيعة والسنُة المزورين والامامين براء منهما؟

الدولة الدستورية ملزمة بالقانون الى وضع منهج جديد في أصول التشريع الاسلامي وملزمة بتعيين الكفاءات العالية في مناصب الدولة العليا وليس من هب ودب من المتخلفين كما حصل بعد التغيير في 2003، وبسلطة منتخبة شرعا وقانونا من المواطنين، مستقلة نظيفة أمينة على الدستور والقانون، لا خاضعة لفقهاء التخريف، ومنهج قائم على البينات المادية واجماع أكثرية الناس، وان حرية التعبير عن الراي وحرية الاختيار، هما أساس الحياة الانسانية في الاسلام، وترك تعاليم الأزهر والمرجعيات الدينية الميتة في ايران والعراق وجامع الزيتونة في تونس وغيرها كثير،

وهذا ليست مِنَة من أحد، بل واجب مقدس ملزم بحدود الايات القرآنية الحدية، ملزمة التنفيذ. هم يمنحون الامتيازات لمن لا يستحقون ويحجبونها عن الاخرين من المواطنين بحجة القبيلة والدين، نعم والف نعم هم الكافرون المجرمون الذين لا يستحقون، يقول الحق: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، الفتح 28). والعاقبة للمتقين. كفاية كتب واطاريح ومقالات التخريف.

واخيراً نسئل من يدعون بدولة الاسلام الفقهي، لماذا هم وابناؤهم يهرولون ويركعون من اجل الوصول الى دولة الكافرين في اوربا وغيرها من اجل الامان والقانون، لو يؤمنون لعاشوا في دولهم الخائبة بلا قانون. كفاية تدليسا ايها المنافقون. نحن نحترم شجاعة من يقول الحقيقة او بعضها وينشرها بين الناس، فأطلب الحق وان قل.

***

د. عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم