قراءة في كتاب

دين وسياسة للمفكِّر المغربي د.عباس الجراري.. المذاهب المختلفة مدارس فقهية في دين التوحيد الإسلام

ali alqasimiالكتاب ومحتوياته: في هذه الفترة العصيبة من تاريخ الأمة التي تعصف فيها الأزماتُ الحادة والاضطرابات الخطيرة ببلداننا، وتجتاح جماعاتٌ من المرتزقة المشبوهة دولنا، فتقترف ـ باسم الدين ـ جرائم بحق الإنسانية والحضارة، وتعمل على تقسيم المقسم وتجزئة المجزء على أسس عرقية وطائفية وعشائرية وجهوية؛ تتعالى أصوات العقل والحكمة والمعرفة لتعلن أن الدين الإسلامي براء من هذا الإرهاب الذي يُنسَب إليه، ومن الممارسات الوحشية التي تلصق به.

ومن هذه الأصوات كتاب " دين وسياسة " للمفكر الإسلامي الدكتور عباس الجراري، عميد الأدب المغربي، عضو أكاديمية المملكة المغربية. وقد صدر الكتاب عن النادي الجراري بالرباط مؤخراً (هذا العام 2017)، ويقع في 174 صفحة من القطع الكبير، ويضم مقدمة وخمس دراسات بالعربية (116 صفحة). وهذه الدراسات هي: المسلمون والسياسة (أسباب الخلاف وتجلياته)، السيرة النبوية بين الحقائق الموثقة والتأويلات المزيفة (حدث وفاته ومشكل تأسيس الدولة والخلافة)، المغرب وأفريقيا: من التعاون السياسي والتضامن الاقتصادي إلى تقوية الروابط الدينية التاريخية، أهمية المذهب المالكي ودوره في تشكيل هوية المغرب وتثبيت وحدته الوطنية، دور علماء الصحراء المغربية وأدبائها في تثبيت الوحدة الوطنية.

كما يضم الكتاب ترجمة الدراستين الرابعة والخامسة إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية (58 صفحة)، ربما لأنهما قُدِّمتا إلى بعض المؤتمرات الدولية لأكاديمية المملكة المغربية حيث تُستخدَم اللغات الثلاث: العربية والإنجليزية والفرنسية.

أسباب تخلّف بلداننا:

إذا ما علمنا أن المؤلف هو مستشار ثقافي ديني لدى العاهل المغربي، أدركنا سر روح الاعتدال والوسطية التي تطبع هذا الكتاب، وسر اللغة الدبلوماسية التي تغلب على أسلوبه عندما تحدّث عن تخلُّف بلداننا، فالاعتدال والوسطية هما من خصائص الثقافة والسياسة في المملكة المغربية.

 يقول المؤلف:

" يواجه العالم الإسلامي في المرحلة الراهنة تحديات عديدة وأزمات خطيرة تهدد وحدة دوله وأمنها وعقيدتها وفكرها وقيمها وسائر مكونات هويتها ومقومات وجودها، بدعوى مقاومة الإرهاب الذي يُنسَب ظلماً وعدواناً للدين، أو بحجة محاربة التخلُّف الذي تتخبط فيه، والذي تكمن أسبابه الحقيقة، ليس في التمسك بهذا الدين وتراث الأمة الثقافي والحضاري الأصيل، ولكن في عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، وفي سوء تدبير هذه العوامل." (ص 9).

وإذا أردنا أن نفصَّل الإجمال الذي غلب على العبارة الأخيرة، نقول بلغة غير دبلوماسية إن هذا التخلُّف نتج عن السياسات التي اتبعتها بلداننا بعد استقلالها منذ حوالي سبعين عاماً، والتي غلب على إداراتها الفساد والرشوة والمحسوبية واختلاس أموال الشعوب، وركّزت على المقاربات الأمنية وأهملت التعليم والصحة والبنيات التحتية، وغمطت حقوق الإنسان، واعتمدت لغة المستعمِر القديم في الإدارة والتعليم العالي والحياة العامة، فأدت إلى تجهيل شعوبها وإفشاء الأمية فيها، وتعاظم الفروق الطبقية، بحيث أمست أقلية صغيرة تهيمن على ثروات البلاد ومراكز القرار، بفضل إجادتها اللغة الأجنبية المستخدمة لغةَ عملٍ في البلاد والتي أتقنتها في المدارس الأجنبية المحلية، مع وجود شرائح واسعة من الشعب بدون تعليم أو بتعليم متدنٍ لا يستجيب لاحتياجات سوق العمل؛ وتعاني هذه الشرائح الواسعة الفقر والجهل والمرض والبطالة، فيضطر الشباب من أبنائها إلى ركوب قوارب الموت للهجرة الى الغرب بحثاً عن إنسانيتهم، أو الانضمام إلى حركات مشبوهة، فيمسون وقوداً للاضطرابات الاجتماعية والحروب الأهلية التي تجتاح بلداننا.

تقول الروائية المغربية الفرنسية ليلى سليمان صاحبة رواية " أغنية هادئة" الحائزة جائزة الغونكور الأخيرة، بلغة غير دبلوماسية: " إن فشل البلدان العربية يُفسَّر بغياب التعليم، لأن الدكتاتوريين العرب يدركون أن التعليم الجيد يعرّض سلطتهم للخطر." (جريدة أخبار اليوم العدد 2235 في 1/4/2017). وقد وضعت يدها على الجرح، لأن التعليم الجيد هو حجر الإساس في كل نهضة وتقدم. ومصداق هذا القول إن بلداناً كثيرة كانت أكثر تخلّفاً من بلداننا، واستقلت إبان استقلال بلداننا، مثل فنلندا، وكوريا، وماليزيا، والصين وغيرها، وحققت تقدماً هائلاً بفضل تكفّلها بتعليمٍ جيد باللغة الوطنية المشتركة لجميع أبناء البلاد على حساب الدولة، في حين أن دولنا تخلت عن التعليم والصحة وتركتها للقطاع الخاص والدول الأجنبية (تُنظر تقارير التنمية البشرية للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وتقارير التنمية الإنسانية العربية).

الإسلام وتعدد المذاهب:

في هذا الوقت الذي تتردد فيه أقوالٌ عن قيام أحلاف طائفية واحتمال نشوب حرب إقليمية مذهبية في منطقتنا، يؤكد العلماء والمفكرون الإسلاميون أن الإسلام واحد في مصادره الأساسية، وما المذاهب إلا اجتهادات فقهاء في الفروع وليس في الأصول، وأحصى بعضهم، في تاريخ الفقه الإسلامي، ثمانين مذهباً تنسب إلى ثمانين فقيهاً، وقد انقرض أو تقلص معظمها لأسباب مختلفة، مثلما حدث للمذهب الأوزاعي، نسبة إلى الإمام عبد الرحمن الأوزاعي (88 ـ 157 هـ) الذي كان منتشراً في بدايته في الشام، والمغرب، والإندلس. وهكذا فقد تقلص عددها، في الوقت الحاضر، إلى بضعة مذاهب في ضوء أهميتها، وسعة أتباعها، واستمرار وجودها حتى اليوم. وهذا التنوع قوة للإسلام، ودليل على حيويته، وملائمته لكل العصور.

ويصف الدكتور الجراري الإسلام بأنه " الجامع لكل المذاهب والتيارات السنية والشيعية وغيرها، لا مجال فيه للتعدد والتنوع، إذ هو واحد في مرجعياته ومصادره الأساسية، أي في ثوابته التي أجمعت عليها الأمة، والتي أتاحت للمتكلمين والأصوليين والفقهاء إمكانية الاجتهاد في بعض المسائل التي كانت ـ وما زالت ـ تستوجب هذا الاجتهاد. وما أنتج من مذاهب."( ص 10).

وهذا الرأي يتبناه جميع علماء الإسلام منذ الإمام أبو الحسن الأشعري (260 ـ 324 هـ) الذي وصف جميع المسلمين باختلاف مذاهبهم بـ " أهل القبلة"، لأنهم يعبدون رباً واحدا، ويتبعون نبياً واحداً نزل عليه قرآن واحد، ويؤدون صلاتهم وهم يتوجهون إلى قبلة واحدة هي الكعبة المكرمة. فالإسلام دين التوحيد.

ومعروفٌ أن شيخ الأزهر الأسبق الإمام محمود شلتوت أفتى بـ " ان مذهب الجعفرية، المعروف بمذهب الإمامية الاثني عشرية، مذهب يجوز التعبّد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة." ودعا المسلمين إلى أن " يتخلصوا من العصبية بغير حق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب..." (فتوى شيخ الأزهر الصادرة عن مكتبه بتاريخ17 ربيع الأول 1378هـ/ 1959م.)

. كما أن شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب ما فتئ يردد شعاره: " الشيعة والسنة جناحا الأمة الإسلامية."

ولكنَّ تعليمنا المتدني لا يعلِّم أبناءنا هذه الآراء المستنيرة، ولا يغرس في نفوسهم روح التسامح والتعاون وقبول الآخر، ولا يدرّبهم على تفهُّم وجهة النظر الأخرى، ولا الاحتفاء بالتنوُّع والتعدد. كما أن الأُمّية المتفشية التي تطال حوالي 35 بالمائة من العرب لا تسمح لمعظم الأميّين بالاطلاع على هذه الآراء العلمية الموضوعية، فيظل عالقاً في انطباعاتهم ما رسب من عصر تدهور الثقافة العربية الإسلامية، الذي حصل في العصور الوسطى وتعرضت خلالها الأمة الإسلامية لهجمات متواصلة متزامنة، جاءت من الشرق على يد المغول وأدت إلى سقوط بغداد، عاصمة الخلافة العباسية سنة 1258م، ومن الغرب على يد الصليبيين أدت إلى سقوط القدس، وسواحل الشام، والأندلس إمارة إمارة آخرها غرناطة سنة 1492م. وفي فترة ضعف الدول وانحطاط الثقافة العربية الإسلامية تلك، تفشّى فكرٌ طائفي متخلّف، وراح الأفراد يحتمون بالطائفة والعشيرة والجهة والمدينة وليس الدولة. ولهذا دعا بعض المفكرين المعاصرين ـ كمحمد عابد الجابري في كتابه " تكوين العقل العربي" ـ الى القطيعة مع تراث تلك الفترة التي ساد فيها فكر بعض فقهاء الظلام التكفيريين ووعاظ السلاطين، الذين يدعون إلى طاعة السلطان مهما كان ظالماً لأنه ظل الله في الأرض، ولا يحتفون بفكر الفاروق عمر بن الخطاب الذي قال: " أصابت امرأة وأخطأ عمر." والذي صرخ في وجه المتسلطين: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!"، ولا بفكر الإمام علي بن أبي طالب الذي وجّه عامله على مصر بالعدل والمساواة بين الناس ـ مهما كانت ديانتهم ـ قائلاً: " الناس إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخَلق."

المذاهب الإسلامية مدارس فقهية:

ويشير المؤلِّف إلى أن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم الثقافة (الإيسيسكو) التي تتخذ من الرباط مقراً لها، وضعت إستراتيجيةً للتقريب بين المذاهب الإسلامية التي ذكرت منها سبعة. وأذكر أن المدير العام السابق المفكر عبد الهادي بوطالب الذي أطلق برنامج التقريب بين المذاهب في المنظَّمة بُعيد تأسيسها سنة 1982، كان يسمّي المذاهب بـ " المدارس الفقهية" أسوة بالمدارس النحوية والمدارس الكلامية التي ظهرت إبان ازدهار الثقافة العربية الإسلامية خلال صدر الإسلام والعصر العباسي الأول.

وقد شارك المؤلِّف، الدكتور الجراري، مع اثنين آخرين من العلماء، في وضع مشروع هذه الإستراتيجية التي اعتمدها مؤتمر القمة الإسلامي في دورته العاشرة بماليزيا سنة 2003، ونشرتها المنظمة سنة 2010. ويستند هذا العمل الفكري إلى الدليل الشرعي من الكتاب والسنة المبني على أصول أقرّها العلماء والفقهاء من جميع المذاهب التي اعتبرتها الإيسيسكو سبعة، كما يقول المؤلِّف الفاضل، وهي:

1) المذهب الإباضي، الذي تعود أصوله الى الإمام المحدّث جابر بن زيد ( 21ـ93 هـ) الذي أخذ العلم عن ابن عباس وغيره من الصحابة. وكان أتباع المذهب يسمون أنفسهم أهل الإسلام، وأهل الحق، وجماعة المسلمين . بيدَ أن المذهب نُسب فيما بعد إلى تلميذه عبد الله بن إباض التميمي، الذي عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبد الملك بن مروان، وكان من دعاة الأباضية. وينتشر المذهب الإباضي اليوم في سلطة عمان، وفي جبل نفوسة وفي زوارة في ليبيا، ووادي مزاب في الجزائر، وجربة في تونس، وبعض مناطق شمال إفريقيا، وزنجبار.

2) المذهب الزيدي، نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( 76ـ 122هـ )، الذي أخذ العلم عن أبيه الإمام زين العابدين، وأخيه الإمام الباقر. وهذا المذهب منتشرٌ حالياً في اليمن. وقد تواجد الزيدية سابقاً في نجد، وشمال إفريقيا، وحول بحر قزوين. وقد عمل تلاميذ الإمام زيد على جمع فتاويه وأفكاره في كتاب " المجموع" وفي كتب أخرى.

3) المذهب الجعفري، نسبة إلى الإمام جعفر الصادق (80 ـ 148هـ) بن الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والخليفة أبو بكر الصديق جدّه لأمه. وقد أخذ العلم عن أبيه الإمام الباقر وعمه الإمام زيد..ويقوم منهجه الفقهي على القرآن والسنة والاجماع والاجتهاد. ويسمّى أتباعه كذلك بالإمامية أو الاثني عشرية. وهذا المذهب منتشر في كثير من البلاد الإسلامية مثل إيران وأذربيجان والعراق والشام وبلدان الخليج وتركيا وبعض مناطق إندونيسيا، وغيرها.

4) المذهب الحنفي، نسبة إلى الإمام أبو حنيفة النعمان (80 ـ 150هـ)، الذي أخذ عن الإمام الباقر والإمام زيد والإمام جعفر الصادق وغيرهم. ويوصف في منهجه الفقهي بأنه من أهل الرأي، الذي يعتمد على القرآن والقياس. وهذا المذهب منتشر في مصر وتركيا والعراق والبلدان التي سيطرت عليها الإمبراطورية العثمانية سابقاً. وقد اعتنى تلاميذه بخدمة مدرسته الفقهية، وفي مقدمتهم أبو يوسف صاحب كتاب " الخراج".

5) المذهب المالكي، نسبة إلى الإمام مالك بن أنس (93 ـ 179هـ)، الذي درس على الإمام الباقر وولده الإمام جعفر الصادق وغيرهما، وهو فقية المدينة المشهور الذي يضرب به المثل " لا يفتى ومالك في المدينة". وتسمّى مدرسته الفقهية بـ " أهل الحديث"، لأنه يعتمد فيها على الكتاب والسنة وعمل أهل المدينة، ثم على القياس والمصالح المرسلة. وكتابه " الموطأ" أول كتاب مدوّن في السنة النبوية الشريفة. وهذا المذهب منتشر في المغرب العربي، وفي مصر وبعض بلدان الخليج، وإفريقيا الغربية.

6) المذهب الشافعي، نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150 ـ 204 هـ)، هاجر من موطنه الأصلي (فلسطين أو اليمن، على اختلاف الروايات) إلى مكة المكرمة، وتلقى علومه فيها، وعلى يد الإمام مالك في المدينة المنورة، وأشتهر مذهبه في العراق أولاً، ثم أنتقل به إلى مصر وفيها توفّي. وعُرف في منهجيته الفقهية بالتوفيق بين مدرسة أهل الرأي ومدرسة أهل الحديث، وله كتابان في الفقه هما " الرسالة " و " الأم"، وله ديوان شعر في الحكمة والأخلاق. ومذهبه منتشر في كثير من البلدان الآسيوية مثل ماليزيا وإندونيسيا، وشمال العراق.

7) المذهب الحنبلي، الذي يُنسَب إلى الإمام أحمد بن حنبل (164 ـ 241هـ) الذي ولد في بغداد ودرس على فقهائها مثل أبي يوسف، ورحل في طلب العلم إلى الكوفة والبصرة والحجاز واليمن والشام. ويميل في مدرسته الفقهية إلى أهل الحديث، ولهذا اعتنى عناية كبيرة بجمع الأحاديث في كتابه "المسند" الذي جمع فيه ثلاثين ألفاً من الأحاديث الصحيحة. وقد تعرّض لمحنة في حياته، حينما أراد الخليفة العباسي المأمون أن يفرض عليه فكره الاعتزالي فأبى الإمام أحمد، فسُجِن. وينتشر المذهب الحنبلي في المملكة العربية السعودية.

وفي تقديري أن المنظَّمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم قد اقتصرت في مؤتمرات التقريب بين المذاهب على هذه المذاهب السبعة، لأنها منظَّمة حكومات، فهي توجِّه دعواتها للمشاركة في مؤتمرات التقريب بين المذاهب إلى الحكومات الأعضاء فيها، التي تنتدب أحد علمائها المنتسبين الى المذهب الرسمي او الفعلي للدولة. ولهذا لم يكن المذهب الإسماعيلي ممثلاً في تلك المؤتمرات، فأتباعه أقليات موجودة في باكستان وأفغانستان وطاجاكستان وسوريا ومنطقة نجران في السعودية، وفي شرق إفريقيا.

وينتسب المذهب الإسماعيلي، إلى الإمام إسماعيل بن الأمام جعفر الصادق، بوصفه فرقة شيعية ترى أن الإمامة انتقلت من الإمام جعفر الصادق إلى ولده الأكبر إسماعيل، في حين ترى الإمامية أنها انتقلت إلى ولده الكاظم. ويمثل المذهب الإسماعيلي الجانب العرفاني والصوفي في الفكر الشيعي، وفيما عدا ذلك فإن الإسماعيلين، كبقية جميع المسلمين من مختلف المذاهب من حيث اعتقادهم بأركان الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن أستطاع سبيلا، وكذلك من حيث إيمانهم بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.

أسباب الخلاف:

هنا يُطرَح السؤال: إذا كان الإسلام واحدا وأن المذاهب الإسلامية جميعها واحدة من حيث اعتقادها بأركان الإسلام وأركان الإيمان، فلماذا هذا الخلاف، ولماذا " هذا الواقع المطبوع بالتمزقات والانقسامات والأزمات والحروب المدمرة"؟

يتصدّى المؤلف للإجابة على هذا السؤال بالقول القاطع بأن السبب يكمن في المسلمين وليس في الإسلام، ويخصّص دراستين من الكتاب لشرح ذلك: " لأنهم هم الذين اختلفوا، وهم الذين وقعوا في ما وصلوا إليه. أما الإسلام فهو دين ودنيا، أي أنه عقيدة وشريعة ومنهاج حياة، لإصلاح أحوال الناس." (ص 15).

إذن فسبب الخلاف سياسي وليس ديني، " والسياسة كلّها مؤمرات ومناورات" كما يقول المؤلِّف. ومن المحتمل أن يستعمل الزعماء السياسيون الدين وسيلة لتحقيق مآربهم والوصول إلى الحكم.

وكان الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري ( 363 ـ 449 هـ) قد طرح الرأي نفسه قبل حوالي ألف عام حين قال:

  إنما هذه المذاهبُ أسبا  بٌ لجذب الدنيا إلى الرؤساءِ

ولكي يدلّل المؤلِّف الفاضل على وجهة نظره، يتحدّث بالتفصيل عن خلاف المسلمين على الخلافة بعد وفاة الرسول (ص)، خلال اجتماع الصحابة في سقيفة بني ساعدة، " ولم يكن معهم سيدنا علي (ر) لأنه كان مشغولاً بدفن النبي (ص) وكان معه الزبير وطلحة والعباس رضوان الله عليهم." وكان الخلاف بين الأنصار والمهاجرين على هوية الخليفة، وتعددت الاقتراحات مثل " امير منا، وأمير منكم"، وأخيراً وقع الاتفاق على مبايعة أبي بكر الصديق (ر).

ويرى المؤلف أن مرحلة خلافة ذي النورين عثمان بن عفان والإمام علي بن أبي طالب، شهدت اضطرابات ومشاكل وخلافات حادة، خاصة بعد استبداد معاوية بالأمر في الشام، وخروج طلحة والزبير مع أم المؤمنين السيدة عائشة على الخليفة الإمام علي، وظهور الخوارج الذين خرجوا على الإمام علي، لأنهم كانوا ضد مبدأ التحكيم الذي كان في نظرهم مجرد مناورة من معاوية، وكفّروا كل من كان في هذا التحكيم، ثم ظهور المعتزلة الذين اعتزلوا الرأي، ولم يذهبوا مع أي من الفريقين. ثم ظهور فرقة المرجئة الذين أرجئوا الأمر لله في مسألة العمل وأخرجوه من دائرة الإيمان. "أما الأمويون، فاعتبروا ما قاله الجبرية لصالحهم وبدأوا يقولون للمسلمين: نحن قضاء الله وقدره".

وهكذا، فإن الخلاف السياسي بين المسلمين، لم يبق سياسياً، فقد أصبح عقدياً دخلت فيه قضية الإيمان والكفر، وقضية الإيمان والعمل...

ما الحل لتخلُّفنا: العلمانية أم الديمقراطية؟

يدرك المؤلف وجود دعوات ملحِّة لتبني العلمانية في بلداننا بحيث تُفصَل السلطة السياسية عن السلطة الدينية أو أحزابها الطائفية أو شخصياتها المرجعية. ويبقى الدين صلة بين الفرد وربه، أما الدولة فتتعامل مع جميع الأفراد بوصفهم مواطنين متساووين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو السياسية أو العشائرية. وتضيف هذه الدعوات أن الغرب لم يتقدّم إلا بعد أن نحّى الدين عن شؤون الدولة.

 ويقول المؤلف: "والحقيقة أنه [الغرب] نهض بإقراره الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والتعليم النافع والبحث العلمي المتطور واعتماد فكر إصلاحي مؤسَّس على حرّية العقل."

إذن المؤلف يدعو إلى الديمقراطية، فهل في الإسلام ديمقراطية؟

في علم المصطلح، الذي يدرس العلاقة بين المفاهيم والألفاظ التي تعبّر عنها، قد يوجد المفهوم ولا يوجد اللفظ الذي يعبّر عنه، أو يوجد هذا اللفظ ولكنه يتغير مع مرور الزمن. وطبقاً للمؤلف، فإن مفهوم الديمقراطية موجود في الإسلام، لأن الخصائص الرئيسة لمفهوم الديمقراطية، (هما المساواة والعدالة، والحرّية وخاصّة حرّية التعبير) منصوص عليها في الإسلام، وتكفلها جميع المبادئ والقواعد السياسية التي تنطلق من التوحيد.

فالتوحيد يعني أن الله تعالى هو الحاكم، وهو صاحب الأمر. فقد ورد في القرآن الكريم (ليس لك من الأمر شيء) ـ سورة آل عمران: 128 ـ، والأمر هنا تعني الحكم، و (إن الحكم إلا لله) ـ سورة النساء: 59 ـ (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) ـ سورة المائدة: 45 ـ، فالإسلام يحرّم الدكتاتورية أو الاستبداد في الحكم أو السلطة أو السياسة.

والمبدأ الآخر هو العدل، وهو مبدأ مشتق من مبدأ التوحيد. فما الإنسان إلا مستخلف في الدنيا لتحقيق إرادة الله. والقرآن واضح في نصه على العدل: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) ـ سورة النحل: 30).

أما مبدا الشورى فهو مبدأ أساسي في تسيير الشؤون السياسية والاجتماعية. وقد ورد في القرآن (وشاورهم في الأمر) ـ سورة آل عمران: 158 ـ (وأمرهم شورى بينهم) ـ سورة الشورى: 38.

إضافة إلى ذلك فإن القرآن الكريم تحدّث عن بيعتيْن: بيعة النساء اللواتي أردن أن يهاجرن مع النبي (ًص) من مكة إلى المدينة: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك...) ـ سورة الممتحنة: 12ـ ؛ وبيعة الشجرة: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم...) ـ سورة الفتح: 10 ـ.

وهكذا يخلص المؤلف إلى " أن المكونات السياسية ومقومات قيام الدولة الديمقراطية موجودة في القرآن . لكن هذه المبادئ وهذه الأسس تحتاج إلى من يعي حقيقتها ويدرك أبعادها، وإلى من يطبقها ويسهر على هذا التطبيق."

فالمؤلف مع الديمقراطية، وليس مع العلمانية، لأن الإسلام دين ودنيا. ويرى في الديمقراطية الملتزمة بالمبادئ والقيم الإسلامية حلاً لمشكلاتنا وتخلّفنا.

 

في المثقف اليوم