تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قراءة في كتاب

السعيد بوشلالق: قراءة واقتباسات في كتاب: حديث في البناء الجديد

السعيد بوشلالقللمفكر الحضاري مالك بن نبي رحمه الله

إنّ الكتاب الذي لا يُغيِّرنا لا يربينا لأننا ننتهي مِن قرأته ونحن على حالنا التي بدأناها به. وإنّا نتغير بالكتاب لأنه جاءنا بجديد فأقنعنا بصلاح المبدأ الذي يدعونا إليه، ووضح لنا السيئ من عاداتنا ووجهات نظرنا لذلك نحن نجد في الكتاب الذي يُغيِّرنا اتجاهاً جديداً في نفوسنا..

هذا الكتاب (حديث في البناء الجديد) رغم أنه كتاب من الحجم المتوسط بـ 160 صفحة. إلّا أن الفكر الحضاري الذي حواه يجعله كتاباً تغيِّرياً قيِّماً..

(حديث في البناء الجديد) يتضمن خمس محاضرات ألقاها الأستاذ مالك بن نبي في لبنان وسوريا عام 1959 وجمعها وترجمها إلى العربية الأستاذ عمر كامل مسقاوي .

المحاضرات هي:

1- الفعالية. وهي تعالج مشكلة الفرد وفعاليته في التّاريخ.

2- الثقافة. وهي تتمم معنى الفعالية التي هي من نتائج الثقافة.

3- كيف نبني مجتمعاً أفضل؟ هي تثبت أن انفصال الفرد عن مجتمعه لا يحقق له الضَّمانات الأساسية لحياته.

4- خواطر في نهضتنا العربية. وهي توضح الأخطاء التي نرتكبها في بناء الحضارة وتضع الوسائل الصحيحة لها.

5- رسالتنا في العالم. تبرز مشكلة اتجاه الحضارة في العالم.

تأتي هذه المحاضرات ضمن سلسلة مشكلات الحضارة، إذ يرى الكاتب أن المشكلة في العالم الإسلامي هي مشكلة أفكار فبعض الأفكار المميتة شكلت نوعاً من الجراثيم أسلمت العالم الإسلامي إلى مرضه وتخلفه .

ويدعو إلى تفعيل مبدأ (غَيِّر نفسك تُغيِّر التاريخ) فإذا تم لنا تغيير نفوسنا فقد واجهنا المشكلات بروح جديدة، روح تجعلنا نتجه نحو فكرة واحدة هي فكرة الحضارة.

وتاريخ الإنسانية اليوم يتجه نحو الحضارة المسيطرة في العالم. إنه يؤرخ لها، لأحداثها جميعاً ...

ومن الأفكار التي يناقشها الكتاب فكرة القابلية للاستعمار، وفكرة الثَّقافة فهو يرى أن الثَّقافة تتركب من المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي والمنطق العملي والعلم.

1 - المحاضرة الأولى: الفعالية.. فعالية الإنسان في التاريخ:

يبدأ الأستاذ مالك بن نبي محاضرته الأولى هذه بالحديث عن ظاهرة المشكلة في النّهضة العربية بالقول بأنه (في كل خطوةٍ من خطواتنا في طريق الحياة نرى أنه تواجهنا مشكلات، وتعلق على رؤوسنا عدداً من نقاط الاستفهام تحثنا للجواب عليها. وأحياناً نجد أنفسنا مضطرين إلى الاعتراف بأننا لا نجيد صياغتها الفكرية ولا نجيد التّصرف بها أو توجيه إمكانياتنا التوجيه المناسب لها. فالمشكلة بالنسبة لكل فرد عربي يعيش هذه المرحلة الخطيرة أن يُحاول فهم الصُّعوبات التي تواجهنا في صورة مشكلات متنوعة سواء في الاقتصاد أو الثقافة. وبعبارة أخرى أن يصوغ حياته صياغة جديدة تُطابق حاجاته وما يحس به.) ص 45. ويذهب إلى اعتبار أن المشكلة حالة نفسية يمكن أن نسميها قلق، فإذا أصبحت نفوسنا تشعر بهذا القلق فذلك هو العلامة الأولى للحياة، وهو علامة الولادة الجديدة. فإن الطِّفل يستبشر أهله بولادته ولادة سليمة حينما يبكي. فنحن إذ يعترينا القلق في حياتنا فإننا نشعر بأننا قد ولدنا ولادة جديدة. إن القلق من المشكلة يؤدي إلى حلها. وهو يُرتب المشكلات في فصلين (المشكلات ترتب في فصلين: مشكلة تهمني كمواطن عربي. ومشكلات أخرى تواجهني كإنسان يعيش في المجتمع الإنساني.. مشكلة المواطن ومشكلة الإنسان. غير أن الحياة لا تخطئ في صياغة المشاكل، لأنها تأتي بالنتائج طبقاً للمسببات.) ص 47.

وهو يرى أن المجتمع العربي واجه مشكلات النّهضة بحلول ضعيفة، ودليل ضعفها (أننا لم نضع المشكلات في وضعها الصّحيح. ولم نتأملها في جوهرها. فإن جوهر المشكلات ليس في حوادث خارجية. فإذا تصورنا المشكلات في إطار اجتماعي فقلنا هي الجهل، أو في إطار اقتصادي فقلنا هي الفقر، أو في إطار سياسي فقلنا هي الاستعمار، فإننا في هذا كله نبحث نتائج لأسباب سابقة أصولها في أنفسنا. ومن هنا كان الضعف في ثمرات أعمالنا.. إذ هي ثمرات ل تقنعنا في النِّهاية.) ص 48.

إنّ ما بِأيدينا ثروة مُعطلة لأن تفكيرنا لم يتصل بجوهر القضية. فالقضية ليست قضية إمكانيات، ليست قضية فقر أو غنى. فما هي القضية إذن؟ (إن القضية سواء كانت في إطار اقتصادي أو إطار اجتماعي أو إطار سياسي تتصل بموقفنا نحن كأفراد، تتصل بموقفي كمواطن أمام المشكلات. فإنني عاجز عن صياغتها فكرياً، وإذا صحت فكرياً بصورة ما فإنني عاجز عن التّصرف في الإمكانيات لحلها فعجزي إذن مزدوج وليس عجزاً بسيطاً.) ص 49. ويأتي الأستاذ مالك بن نبي بمثال واقعي عن ذلك العجز فيقول: (حينما نُعالج مشكلة النَّظافة في الشَّوارع مثلاً فإننا نُرجعها إلى إهمال لمواطنين وتهاونهم. وهذا صحيح ومِن ثمَّ فإنني أشعر بِنصيبي مِن التفريط... أني حينما أعالج هذه المشكلة بزيادة عدد سِلال المُهملات في الشَّوارع فقط، فإنني أشعر بخطئي في حل المشكلة حلاً صحيحاً. فإنّ السِّلال الزَّائدة إذا كانت تصلح لمجتمع معين فإنَّها في مجتمع كالمجتمع العربي مثلاً أرى بعد خبرة دامت ثلاثين عاماً أن هذا الحلّ هو نظري. فهو تكديس لعددٍ آخر مِن سِلال المُهملات. ودليلي على ذلك أني شاهدت في كثير من شوارعنا عدداً كبيراً مِن سِلال المُهملات، ولكنها شبه فارغة ومِن حولها الأرض ملأى بِالمُهملات.) ص 50. فالقضية إذن ليست قضية أدوات ولا إمكانيات. بل إن القضية في أنفسنا نحن. القضية في جوهرها في الإنسان في حد ذاته. ولهذا علينا أن ندرس أولاً وقبل كلِّ شيء الجهاز الاجتماعي الأول في البناء الحضاري وهو الإنسان، وليست السِّلال وغيرها. (فإذا تحرك الإنسان تحرك المجتمع والتَّاريخ، وإذا سكن الإنسان سكن المجتمع والتَّاريخ.) ص 50. أن هذه الحركية للإنسان والتَّاريخ هي التي نسميها (الفعالية). فعالية الإنسان في التَّاريخ. إن فعالية الإنسان في التّاريخ تعني النّظرة الإيجابية التفاعلية للإنسان في صنع التّاريخ كون الإنسان هو المُحرك والصانع للتّاريخ وليس مجرد كائن مستسلم له دون تأثير. يحلل الأستاذ مالك بن نبي الفعالية متسائلاً ومجيباً: (الفعالية. فعالية الإنسان في التَّاريخ. فما هي شروط هذه الفعالية؟ للجواب على هذا السُّؤال لابد أن نوضح ما نعني بالتَّاريخ والإنسان؟. إن نظرتنا إلى التَّاريخ لا تؤدي إلى نتائج نظرية فحسب. بل إلى نتائج تطبيقية تتصل بسلوكنا في الحياة فهي تُحدد مواقفنا أمام الأحداث، وبالتالي أمام المشكلات التي تنجم عنها، ذلك أننا إذا نظرنا إلى التَّاريخ باعتباره مُجرد حوادث تتعاقب دون ما ربط جدلي بينها فإن هذه النّظرة تؤدي إلى نتائج معينة ليست هي التي تنتج عن نظرنا إليه حينما نعتبره سيراً مُطرداً تترتب فيه الحوادث ترتيباً منطقياً كما تترتب عن الأسباب مُسبباتها. فإن النّظرة الأولى تؤدي إلى تسجيل ما يطرأ من حوادث في أنفسنا، وفي مذكراتنا على أنه من حكم القضاء والقدر أي من حكمٍ لا يد للإنسان فيه ولا يسعه أمامه سوى الإذعان ومسايرة الظُّروف أو كما يعبر البعض الاستسلام للواقع. فهذه النّظرة تجعلنا نُطأطئ الرُّؤوس أمام الأحداث لأن جهلنا بأسبابها ونتائجها يُؤدي بنا إلى أن نُحني لِثقلها ظُهورنا فإذا ما وضعتها عن ظُهورنا يدُ الموت ألقتها على كاهل الأجيال من بعدنا) ص 51.

إنّ هذه النّظرة الأولى للتّاريخ هي نظرة سلبية استسلامية يكون فيها الإنسان مستسلماً للتّاريخ باعتباره قدراً لا يُمكنه تغييره.

أما النّظرة التالية وهي النّظرة الثانية للتّاريخ فهي نظرة فعالية إيجابية يُعتبر فيها الإنسان هو الصّانع والمُحرك للتّاريخ. يحلل الأستاذ مالك بن نبي ذلك قائلا: (أما نظرتنا الثانية إليه فإنها بدلاً من أن تُلقي على أكتافنا ثقل الأحداث تجعلنا نُحدد إزاءها مسؤولياتنا. فبقدر ما ندرك من أسبابها ونقيسها بالمقياس الصَّحيح، نرى فيها مُنبِهات لإرادتنا ومُوَجِهات لِنشاطنا. وبقدر ما نكتشف عن أسرارها نُسيطر عليها بدلاً مِن أن تُسيطر علينا. فنوجهها نحن ولا توجهنا لأننا حينئذ نعلم أن الأسباب التّاريخية كلها تصدر من سلوكنا وتنبع من أنفسنا، من مواقفنا حيال الأشياء أعني مِن إرادتنا في تغيير الأشياء تغييراً يُحدد بالضبط وظيفتنا الاجتماعية كما رسمها القرآن في قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ..). والمعروف في أعم صوره والمنكر في أشمل معانيه يُكونان جوهر الأحداث التي تواجهنا يومياً كما يُكونان لُبّ التّاريخ. هذا هو المعنى العام للفعالية. وشرطها الأول: هو الذي يُحدد موقف الإنسان إزاءها كصانع للتّاريخ ومُحرك له. غير أننا إذا راجعنا الفترة الطّويلة التي قضيناها في معركتنا مع الاستعمار منذ قرن مثلاً لوجدنا أننا قد أضعنا وقتاً طويلاً. إذ لم نضع مشكلاتنا خلال هذه الفترة بمنطق الفعالية... إن الشُّعوب العربية الإسلامية قد تصارعت مع الاستعمار صراع الأبطال لتتخلص منه، لكنها كانت في الواقع تتصارع مع ظِلّ وليس مع واقع بالمعنى الصّحيح.) ص 51 و 52. ويضيف مالك بن نبي أنه (في تاريخنا القريب لم نتبع التّحليل المنطقي في مُعالجة مشكلة الاستعمار وإنما صرفنا وقتنا في التعبير بِكُلِّ وسيلة وبِكُلِّ صيغة عن استيائنا من سلوك الاستعمار كأننا نُطالب إبليس أن يُعدل مِن تصرفاته، ويُصبح مَلَكاً كريماً. أما المريض الحقيقي أعني الإنسان المستعمر، الإنسان الذي أصابه داء القابلية للاستعمار، فقد تركناه يستفحل فيه المرض من غير أن نُحاول مُحاولة جدية في فهم حالته المرضية حتى نُعالجه منها. وما ذلك إلّا لأننا خلال صِراعنا مع الاستعمار لم نعبر عن الأشياء بلغة الفعالية ولكن بلغة العاطفة التي أدت بِنا أحياناً إلى تصرفات ومواقف هزلية تتفق تماماً مع الخُطط الاستعمارية في بلادنا. وهذا ناتج على أننا لا نُقدر حوادث التّاريخ كما ينبغي لنا تقديرها. أعني أن نُقدرها كأفعال وردود أفعال بين عوامل اجتماعية ونفسية..) ص 55. ويركز الأستاذ مالك بن نبي على الإنسان كأهم قيمة ومعادلة في البناء الحضاري، قيمته ككائن حي مكرم، وقيمته ككائن اجتماعي فعَّال (إن الملاحظة تُجبرنا على أن نُقدر للإنسان قيمتين. قيمته كإنسان، وقيمته ككائن حيّ. قيمة توهب له في طينته الأولى بما وضع الله فيها مِن تكريم. وقيمة أخرى تُعطى له بعمليات اجتماعية معينة. وبعبارةٍ أخرى إن الإنسان يُمثل معادلتين. معادلة تُمثل جوهره كإنسان صنعه مَن أتقن كلّ شيء صُنعه. ومعادلة ثانية تُمثله ككائن اجتماعي يَصنعه المجتمع. ومن الواضح أن هذه المعادلة الأخيرة هي التي تُحدد فعالية الإنسان. إنسان في جميع أطوار التّاريخ لا يتغير فيه شيء وفقط تتغير فعاليته من طور إلى طور. وهذا يعني أن شخصيته ليس بالبسيطة، وإنما هي مُركبة تشتمل على عُنصر ثابت يُحدد كيانه كإنسان وعُنصر مُتغير يُحدد قيمته ككائن اجتماعي. وهذا يجعلنا نصُوغ مشكلته صِياغةً جديدة  وأن نتساءل: ما هي الظُّروف التي تجعل المجتمع يخلق في الفرد القيمة التي تبعث فيه الفعالية؟. إننا حينما ندرس مجتمعاً ما في حقبة مِن الزَّمن كافية لتُعطينا خبرة بشؤون المجتمعات في مختلف أطوارها. نرى أن المجتمع نفسه يكون أحياناً في حالة ركود وكساد. ولو أننا قد حللنا في مثل هذه الحالة الوضع النّفسي الذي يكون عليه الفرد فإننا نراه يتمتع بصورة واضحة بشعور الاستقرار. فلا يحتويه أي قلق وبالتَّالي  فإنه لا يبذل أي محاولة لتغيير الوضع مِن حوله. إذ تسير الأشياء والحوادث دونما تدخل مِن إرادته. وهنا يُصبح التّاريخ سيلاً يجرفه إلى حيث لا يدري مُستسلماً له الاستسلام المطلق. فإذا ما حدثت في المجتمع حالة جديدة غيرت هذه الأوضاع كُلّها، فإن موقف الإنسان هنا يتغير أمام الحوادث والأشياء وبالتالي يتغير مجرى التّاريخ... وهكذا يسود المجتمع وضع جديد نستطيع تسميته بحالة إنقاذ. وأول ما يكون من أثر هذه الحالة في نفس الفرد أنها تحرمه الشُّعور بالاستقرار بما يعتريه ويُسيطر على مشاعره مِن قلق لا يُمكن دفعه إلّا بتغيير الوضع. بتغيير الأشياء.) ص 57 و 58. ويختم مالك بن نبي محاضرته الأولى (الفعالية) هذه بالقول أنه إن (الشُّروط النَّفسية الاجتماعية التي تُحرك المجتمعات وتفرض على الأفراد الانسجام مع قانون تلك الحركة بِما لديهم منِ المُؤهلات المكتسبة التي تُكَوِّن المعادلة الاجتماعية أي المعادلة التي تُحدد فعاليتهم أمام المُشكلات وتُعطيهم قيمتهم في المجتمع وفي التّاريخ. وهكذا ينطلق الفرد الذي كان مِن قبل مكبلاً بِكساده ينطلق لأنه يشعر فجأةً بانفجار ذاتي في نفسه. انفجار يُطلق طاقاته المكبلة فتغير وجه التّاريخ...) ص 61.

2 - المحاضرة الثّانية: الثَّقافة:

2354 مالك بن نبيجاءت هذه المحاضرة في سياق المحاضرة الأولى (الفعالية) حديث عن العلم والثقافة والفعالية. وفيها يستعرض المفكر مالك بن نبي مفهومه للثقافة ومبادئها:

يبدأ الأستاذ مالك بن نبي محاضرته الثانية (الثَّقافة) بالإشارة إلى أن الحياة الثّقافية في البلاد العربية والإسلامية تفتقر إلى الشُّروط الأولية وهي شبكة العلاقات الثَّقافية التي تحيا فيها الأفكار. كما لا يوجد الدفء الإنساني الذي يشعر فيه الكاتب بالتَّشجيع على المثابرة. وهو يرى أن شبكة العلاقات الثَّقافية لم تتكون بعد في المجتمع الإسلامي، وذلك قياساً بتجربته في الحضارة الغربية.

يتساءل الأستاذ مالك بن نبي عن ماهية الثقافة التي تنشئ الصِّلات الثَّقافية في المجتمع وتخلق الفرد الفعال؟. ويعرض مفهومه للثقافة التي هي ليست مجرد علم يتعلمه الإنسان في المدارس ويُطالعه في الكتب. ويضيف محللاً: (إن الثَّقافة هي الجو المشتمل على أشياء ظاهرة، مثل الأوزان والألحان والحركات. وعلى أشياء باطنة كالأذواق والعادات والتَّقاليد. بمعنى أنها الجو العام الذي يطبع أسلوب الحياة في مجتمع معين وسلوك الفرد فيه بطابع خاص يختلف عن الطَّابع الذي نجده في حياة مجتمع آخر. هذا هو معنى الثَّقافة. غير أن تحديدنا لها على هذه الصُّورة يجعلها في صورة غير مركبة. أعني في صورة لا تُعطي أي فكرة عن تطبيقها في حين أن الغرض من الجهد الذي نبذله في موضوع كهذا ليس هو مجرد المعرفة لمفهوم من المفاهيم ولكن من أجل تحقيقه في مجتمعنا. وإذن فلا بد لنا من أن نُصنف عناصر الثَّقافة التي ذكرناها من عادات، وتقاليد، وأذواق إلخ... تصنيفاً ينتهي إلى تطبيقه، كما يجب أن تنتهي كلّ عملية تحليلية لازمة لفهم الأشياء، إلى عملية تركيبية لازمة لتحقيق هذه الأشياء.)

يحدد الأستاذ مالك بن نبي المبادئ التي تقوم عليها الثَّقافة في أربعة شورط هي: المبدأ الأخلاقي، والذوق الجمالي، ومبدأ المنطق العملي، والعلم.

عن المبدأ الأول يقول: (أن الثَّقافة لا تستطيع أن تكون أسلوب الحياة في مجتمع معين إلّا إذا اشتملت على عنصر يجعل كُلّ فرد مرتبطاً بهذا الأسلوب، فلا يُحدث فيه نشوزاً بسلوكه الخاص. وإذا دققنا النَّظر في هذا العنصر فإننا نرى أن لا بد أن يكون خُلُقِياً. فإذا قررنا وجود هذا العنصر كضرورة منطقية اجتماعية، فإننا نكون بهذا قد حققنا شرطاً أساسياً من شروطها وهو: المبدأ الأخلاقي.) ص 71. (إن شبكة الصِّلات الثَّقافية تختل حتماً في بلد ما، إذا اختل فيه المبدأ الأخلاقي. وإن فعالية المجتمعات تزيد أو تنقص بقدر ما يزيد فيها تأثير المبدأ الأخلاقي أو ينقص.. فالمبدأ الأخلاقي يقوم بالضبط ببناء عالم الأشخاص، الذي لا يُتصور بِدونه عالم الأشياء، ولا عالم المفاهيم.) ص 72.

المبدأ الثاني للثَّقافة هو الذوق الجمالي هو (الأساس الثاني الذي تقوم عليه الثقافة: ذوق الجمال. الذي يطبع الصِّلات الاجتماعية بطابع خاص. فهو يُضفي على الأشياء الصورة التي تتفق مع الحساسية والذوق العام من حيث الألوان والأشكال. فإذا كان المبدأ الأخلاقي يقرر الاتجاه العام للمجتمع بتحديد الدوافع والغايات، فإن ذوق الجمال هو الذي يصوغ صورته.. ومن هذه الناحية يعتبر ذوق الجمال من من أهم العناصر الديناميكية في الثَّقافة لأنه يُحرك الهِمم إلى ما هو أبعد من مجرد مصلحة. وهو في الوقت نفسه يحقق شرطاً مِن أهم شروط الفعالية، حيث يُضيف إلى الواقع الأخلاقي عند الفرد دوافع ايجابية أخرى مِن شأنها أحياناً أن تعدل مِن بعض الدَّوافع السَّلبية التي ربما يخلقها المبدأ الأخلاقي الجاف في سلوك الفرد حينما يصطدم هذا السُّلوك الصَّادر عن مبدأ أخلاقي مجرد من الحساسية الإنسانية والذوق العام.) ص 74.

أما المبدأ الثالث في مفهوم الثَّقافة هو (مبدأ يخص الانتاج الاجتماعي وهو مبدأ المنطق العملي. شرطاً هاماً من شروط الفعالية في الفرد والمجتمع. تطبيقه يتضمن فكرة الوقت والوسائل البيداغوجية لبث هذه الفكرة في سلوك الفرد وفي أسلوب الحياة وفي المجتمع.) ص 75.

المبدأ الرابع هو العلم (فالمبدأ الأخلاقي وذوق الجمال والمنطق العلمي لا تكون وحدها شيئاً من الأشياء إن لم تكن في أيدينا وسائل معينة لتكوينه. وهو الذي يُعطينا تلك الوسائل. فالعلم يكون عنصراً هاماً في الثَّقافة لا يتم بِدونه تركيبها ومعناها. فهو عنصرها الرابع.) ص 76.

ويختم مالك بن نبي محاضرته عن (الثَّقافة) بأن: (المبادئ الأربعة كفيلة بجمع شروط الفعالية التي هي الشيء الذي نريده من وراء كلمة (ثقافة) ذلك أننا لو حللنا عملاً ما على أنه كائن مركب ومشتمل على دوافع نفسية فإننا نرى أن هذه الدوافع يبعثها المبدأ الأخلاقي في النَّفس حيث لا يُمكن أن يُتصور هذا العمل بدونها كعمل إرادي. وهذا العمل يأتي بصورة معينة يُحددها ذوق الجمال. وبهذا يتم جزء مِن فعاليته. كما أن هذا العمل سنجده يؤدي للمصلحة الاجتماعية بقدر ما فيه من المنطق العملي الذي يُحدد سرعة انجازه، وبه تمام جزء فعاليته الآخر. وهو أخيراً يطلب تطبيق أصول نظرية ووسائل مادية يُقدمها العلم.. فيجب علينا إذن أن نقول إن الثَّقافة تشتمل على أربعة فصول: فصل أخلاق، وفصل جمال، وفصل منطق عملي، وفصل علم.) ص 77.

3 - المحاضرة الثّالثة: كيف نبني مُجتمعاً أفضل؟.

يعتمد الأستاذ مالك بن نبي في مُحاضراته هذه على التساؤل الذي يعقبه الجواب لشد انتباه القارئ ومتابعته واستيعاب الأفكار التي أوردها في هذا الموضوع الهامّ جداً.. فيبدأ المحاضرة بالتساؤل عن حظ العالم من المستقبل؟ وعن مصير وحظ العرب في هذا المستقبل؟.. ويعقب بالقول أن: (الذي ينبغي علينا أن نعلمه ونفكر فيه هو الواجبات التي يُلقيها على كاهلنا بناء النهضة. نهضة مجتمعنا. ذلك المجتمع الذي أصبحنا نشعر بوجوب بنائه وتحريك طاقاته التي عطلها التّاريخ منذ قرون. قرون التّدهور والانحطاط التي كان حظ العالم الإسلامي منها كبيراً بعد ازدهار حضارته. فليس من التّرف الفكري أن يُختار موضوعاً كهذا الموضوع عنوانه: كيف نبني مُجتمعاً أفضل؟) ص 81.

ويضيف (علينا أن نتعلم معنى الحياة الاجتماعية حتى من الحشرات، لأن في حياتها دروساً لنا قيِّمة... والإنسان شأنه في هذا شأن النَّحلة. إنه لا يستطيع أن ينعزل عن المجتمع ويُحاول العيش بجهده الخاص إذ مصيره من غير شك الموت. وإذا سلمنا بهذه البديهة فإن علينا أن نتساءل: هل الفرد يعيش ويحقق قسطه من الحياة ومصلحته فيها بمجرد اتصاله بشيء نسميه المجتمع أي بعدد من الأفراد؟.) ص 82. ويرى مالك بن نبي أن المجتمع ليس تكديساً لمجموعة من الأفراد، بل هو يُركز على وظيفته البنائية. إذ يرى أن (المجتمع الذي يقوم بوظيفته التّاريخية، المجتمع الذي يقوم بوظيفته نحو الفرد ويُحقق راحة الفرد فإنه بنيان وليس تكديس من الأفراد... فقبل أن تتجمع الأفراد تكون هناك فكرة عامة هي التي تؤلف بين أفراد المجتمع. فإذا فُقِدت هذه الفكرة فقد فُقِدت الصِّلات بين الأفراد، وتفكك المجتمع وضاعت المصلحة التي كانت تتمثل فيه... فالقضية إذن ليست قضية تكديس الأفراد. فنسمي كُلّ تكديس مجتمعاً.) ص 83. ويحلل الأستاذ مالك بن نبي معنى التكديس والفرق بينه وبين البناء في المجتمع، قائلاً: (ولسائل أن يسأل: تُرى ما معنى التكديس وما الفرق بينه وبين البناء؟. هناك فروق كبيرة، الفرق بين البناء الذي يحقق النتائج عاجلاً والتكديس الذي ربما يأتي بنتيجة. فلعله يُصادف يوم يخرج من الكدس شيئاً. والتكديس في الحقيقة ظاهرة اجتماعية. فإنه يحصل أن تكدس المجتمعات في مرحلة من مراحلها، ولكنها ليست في مراحل نهضتها، وإنما في عصور انحطاطها، لأنها في هذه المرحلة لا تفكر ولا تنظم أعمالها طبق أفكار وقوانين. وإنما تكديس الأشياء.) ص 94. (وقد يقتضينا هذا أن نفكر في المجتمع تفكير بناء وليس تفكير تكديس، لأن التَّكديس في المجتمع ظاهرة مُضرة، وهي تظهر حتى في الأفكار.) ص 95. ويضيف أن (المجتمع الإنساني يُقرر فكرته في مستوى آخر ليس مستوى البقاء، ولكن مستوى تطور النوع ورُقيِّه. هذه هي حقيقة المجتمع التي ينبني عليها كيانه.) ص 84.

ويتساءل الأستاذ مالك بن نبي عن الأهداف التي من أجلها يتكون المجتمع؟. ويجيب (هنا سأجيب بكل بساطة فأقول: أن الغاية من ذلك كُلّه تحقيق سعادته. فالفرد إذ يتصل بالمجتمع فإنما لتحقيق سعادته، وما أتت الأديان والفلسفات إلّا لتحقيق السّعادة وما خططت السياسات إلّا لهذا الغرض.) ص 85. ويواصل تساؤله الهادف لخدمة الموضوع وتبسيطه (ولكن ما هي هذه السّعادة التي نتطلع إليها؟ وما هو الشيء الذي يُحققها؟ لو أردنا أن نستخدم لغة العصر، هي لغة الاقتصاد الذي يُسيطر اليوم على عقولنا وعلى سير التّاريخ. لو أردنا أن نقبس من هذا المنطق لندخل في موضوعنا فإننا نقول إنه متوسط الدّخل السّنوي للفرد.) ص 85. فهو يركز على المستوى الاقتصادي كزيادة الدخل الفردي وتوفر الضمانات الاجتماعية كتجنيد الطّاقات وحل مشكلة البطالة، وحل مشكلة الأمية.. إن كُلّ هذه المؤشرات تضمن مجتمعاً أفضل ينسجم فيه الفرد كعنصر ذا قيمة بنائية كيفاً وليس كماً. ونستنتج من هذا التحليل أن (الإنسان الذي لا يكون مجتمعه مجتمع حضارة فهو معرض للحرمان من الضمانات الاجتماعية. فأنا حينما أُحاول تحديد مجتمع أفضل فكأنني أُحاول تحديد أسلوب حضارة إذ أنني حينما أُحقق الحضارة، أُحقق جميع شُروط الحضارة، والأسباب التي تأتي بمتوسط الدّخل المرتفع، بمعنى أنني أُحقق الخريطة الاقتصادية ونتائجها الاجتماعية والثقافية.) ص 91. (فإذا أردنا أن نبني مجتمعاً أفضل فهذا يعني أننا نبني مجتمعاً متحضراً.) ص 92. و(إن علينا أن نكون حضارة. أي أن نبني لا أن نكدس. فالبناء وحده هو الذي يأتي بالحضارة لا التكديس ولنا في أمم معاصرة أسوة حسنة.) ص 98. و(إن علينا أن ندرك بأن تكديس منتجات الحضارة الغربية لا يأتي بالحضارة. والاستحالة هنا اقتصادية واجتماعية.) ص 99.

(ثُم إن هناك مُغالطة منطقية. فالحضارة هي التي تُكون مُنتجاتها وليست المنتجات هي التي تُكون حضارة. إذ من البديهي أن الأسباب هي التي تكون النتائج وليس العكس. فالغلط منطقي ثُم هو تاريخي لأننا لو حاولنا هذه المحاولة، فإننا سنبقى ألف سنة ونحن نُكدس ثُم لا نَخرُج بشيء.) ص 99.

ثم (يجب أن نتساءل: مِن أي شيء يبتدئ بناء الحضارة؟ وهذا السؤال يفرضه المنطق. فأنا إذا فكرت في بناءٍ فإن عليّ أن أعلم بأي شيء ابتدئ. إن أول ما يجب علينا أ نفكر فيه حينما نريد أن نبني حضارة، أن نفكر في عناصرها... فإننا نجدها تتكون من عناصر ثلاثة: - فالعنصر الأول هو الإنسان، فهو الذي ولدها وصنعها. أما العنصر الثاني فهو التُّراب. إذ من التُّراب كُلّ شيء على الأرض وفي باطنها. وأما العنصر الثالث فهو الزمن (الوقت).) ص 100. وهكذا يصل بنا المفكر الحضاري مالك بن نبي إلى المعادلة الحضارية التالية لبناء أسي حضارة وهي: (الحضارة = الإنسان + التُّراب + الوقت) ص 102.

وفي الأخير يختم محاضرته بالقول: (فأنا إذن حينما أُحاول التّخطيط لحضارة فليس عليّ أن أُفكر في مُنتجاتها، وإنما في أشياء ثلاثة. في الإنسان والتُّراب والوقت. فحينما أُحلُّ هذه المشاكل الثلاثة حلاً علمياً. بأن أبني الإنسان بناءً مُتكاملاً، واعتني بالتُّراب، والزَّمن، فحينئذٍ قد كونتُ المجتمع الأفضل. كونتُ الحضارة التي هي الإطار الذي فيه تتم للفرد سعادته، لأنه يُقدم له الضَّمانات الكافية الاجتماعية.) ص 102.

4 - المحاضرة الرَّابِعة: خواطر عن نهضتنا العربية.

حول تجربة الوحدة العربية بين مصر وسوريا في إطار (الجمهورية العربية المُتحدة). ألقاها الأستاذ مالك بن نبي في جامعة دمشق عام 1959م.

بدأها بالقول (لا شك أن التّجربة التي تقوم بها الأمة العربية اليوم تأخذ معناها أولاً من الاعتبارات الخاصّة النّاتجة من صميم حياة العرب المتّصلة باطراد تاريخهم ثم أنها تأخذ أيضاً معناها من اعتبارات أخرى تتّصل بالاطّراد العام الذي يُكوِّن الإنسانية ويربط أطوارها بعضها ببعض. لأن هذا الاطّراد وذاك يلتقيان اليوم في نُقطةٍ أصبحت تُمثل قُطب التّاريخ.) ص 106. ويُضيف (أن التّجربة العربية تأخذ أيضاً معناها من الوسائل الفنية الضّخمة التي أصبحت اليوم في تصرف الإنسانية تفتح أمامها عهداً جديداً وتعلق في وقتٍ واحد على مصيرها كُلّ التّوقعات.) ص 106. (فالعالم اليوم يختصر الطّريق ويختزل التّاريخ ويعيش تحت قانون اجتماعي وتاريخي جديد هو قانون السُّرعة في جميع وجوه النّشاط، ولا يظهر أثره في عالم الأشياء والاعتبارات العسكرية فقط بل يظهر أثره في عالم النُّفوس التي بدأت تشعر به شُعوراً واضحاً.) ص 107.

ويرى مالك بن نبي بأن هذا الاتجاه التّاريخي السريع في تطور العالم ليس إلّا ضرورة تُعبر عن وحدة المصير التي يتجه إليه التّاريخ. لأن (التّاريخ يعزل مَن لا يسير في اتجاهه، وكُلّ مَن عزله التّاريخ فإنه يدخل حتماً في حظيرة الشُّعوب البدائية أو في حظيرة العدم.) ص 109.

وهكذا (يجب علينا حينما نضع قضية النّهضة العربية نصب أعيننا أن نعتبر مُقتضياتها من جانبين. بنظرةٍ إلى الخارج لِنُحدد واجباتها نحو العالم أي لِنُحدد شروط انسجامها مع ضرورات السّير العام. ثُم بنظرةٍ إلى الدّاخِل لِنُحدد الطّاقات التي يُمكن توظيفها مِن أجل المُحافظة على البقاء في الدّاخل والمُحافظة على الاتجاه الصّحيح في الخارج.) ص 109. و(إنه يجب أن لا ننسى أن الإنسان لا يدخل العمليات الاجتماعية كمادة خام بل يدخل في صورة معادلة شخصية صاغها التَّاريخ وأودع فيها خُلاصة تجارب سابقة وعادات ثابتة تُحدِّد موقف الفرد أمام المشكلات بما يكون هذا الموقف من القوة أو الوهن، من الاهتمام أو التّهاون، من الضَّبط أو عدم الضَّبط إلخ...) ص 113. و(يجب أن يكون - هذا الإنسان - من النوع الديناميكي ، ويجب أن نختبره في حركاته وفي سكناته، وإذا اعتبرنا أن التّاريخ إنما هو تسجيل لحركات مجتمعٍ مُعين فأي قطعةٍ منه نُحللها نجد في نهاية التّحليل إمَّا الصُّورة الحقيقية لِحالةِ الفرد بالنسبة إلى ضرورات المجتمع. وإمَّا على الأقل بعض المعلومات عن معادلته الشّخصية أي عن مدى صلاحيته في العمليات الاجتماعية، كما يُمكننا في نِهاية التّحليل أن نُقرر ما يجب تعديله في تلك المعادلة حتى تُصبح منسجمة مع ضرورات الخارج وحاجات الدّاخل.) ص 114.

وفي مقاربته الّتحليلية للنّهضة العربية يتساءل الأستاذ مالك بن نبي عن مواطن الضّعف في مجتمعاتنا العربية؟. ويذهب إلى أن التّاريخ العربي قد تحرك من جديد بين سنوات (1868 - 1905) ليسجل بدايات النّهضة العربية. ويقارن بينها وبين النّهضة في اليابان (عهد الميجي) في نفس الفترة ليتساءل أيضاً لماذا حققتْ النَّهضة اليابانية في نفس الفترة ما لم تحققه النّهضة العربية؟. ليجيب (أن اليابان وقف من الحضارة الغربية موقف التّلميذ ووقفنا منها موقف الزّبون. انه استورد منها الأفكار بوجه خاص ونحن استوردنا منها الأشياء بوجه خاص. إنه كان خلال سنوات (1868 - 1905) يُنشئ حضارة، وكنا نشتري بضاعة حضارة، فكان البون بيننا شاسعاً والخلاف جوهرياً، يؤدي حتماً إلى ترجيح كفة اليابان.) ص 119. ويردف (أن هذه النّظرة إلى الماضي أفادتنا شيئين: أن حركة النّهضة العربية كانت تسير على بطء ثُم أنها لم تكن تتجه نحو إنشاء حضارة. أو على الأقل أنها لم تنظم اتجاهها نحو الحضارة. ومن الطّبيعي إذن أن نفترض فيها أولاً وجود عوامل تعطيل نفسية أثّرَتْ في سيرها خلال الحقبة التي جعلناها موضوع البحث. وثانياً وجود عوامل أخرى فكرية أثّرت في اتجاهها تأثيراً سلبياً.) ص 119. ويتساءل مالك بن نبي إن كانت العوامل المعوقة للنهضة قد زال مفعولها أم لا؟ ويرى أن لا جواب على هذا السؤال لأنه لا يملك شيئاً يتيح له الجواب عليه جواباً يُقنع لأن ذلك يتطلب دراسة موضوعية لم يقم بها أحد على حد علمه. حيث أنه لم يقم في العالم الإسلامي والعربي ما يسميه علماء النّفس عملية تصفية الرواسب. وهو (يعتقد أن العلاج يتصل بالثّقافة والتّوجيهات الثقافية في البلاد العربية على شرط أن نُعطي لكلمة ثقافة معناها الصّحيح لتقوم بالدور الخلاق للإنسان العربي الجديد الذي يتواءم مع ضروريات النّهضة في الخارج وفي الدّاخل. هذا من جانب الاعتبارات التي تمس ضعف النّهضة من حيث النّفس. وأما الاعتبارات التي تمس ضعفها من حيث الفكر، فإننا نقدر جملة من الضّعف الذي نشاهده في اتجاه النّهضة العربية من الجانب الفكري خلال الفترة التّاريخية التي اخترناها للمقارنة أي فترة (1868 - 1905) إنما يرجع إلى أسباب منطقية معينة. ويمكن أن نرتب هذه الأسباب كما يأتي:

1 – عدم تشخيص غاية النّهضة بصورة واضحة.

2 – عدم تشخيص المشكلات الاجتماعية تشخيصاً صحيحاً.

3 – عدم تحديد الوسائل تحديداً يُناسب الغاية المنشودة والإمكانيات.) ص 121.

ويحلل الأستاذ مالك بن نبي هذه الأسباب تحليلاً منطقياً:

1 - (فأما عن السَّبب الأول فالضّعف يتصل بقانون الحركة بصفة عامة. أن كلّ حركة تفقد غايتها، ولم تحدد غايتها بوضوح، فإنّ شأنها التّيه في السّبيل والتّبذير في الوسائل والخطأ في الهدف، وبالتالي فإنها حركة تخضع لقانون الصّدفة أي أنها لا تأتي بنتيجة في اتجاه معين وفي وقت معين.) ص 122. إن النّهضة هي حركة من نوع خاص تُحدد غايتها طبقاً لنوعيتها. فهل الحضارة هي تلك الغاية لكل سير في التّاريخ؟. إن الجواب على هذا السؤال يستوجب أولاً اعتبار التّاريخ عملية اجتماعية محددة الأسباب والنتائج ومرتبطة بالإنسان تقدر حظه أو تلقيه في الحضيض. وليس مجرد تسلسل حوادث على شاشة الزمن. (أن النّهضة العربية من الضّروري أن تُحدد غاية سيرها كمحركة في التّاريخ. وأن تتخذ كعملية اجتماعية الحضارة غاية لها. وبقدر ما يصح هذا التّشخيص في ضوء الاعتبارات الاجتماعية والتّاريخية نكون قد تداركنا جانباً من عوامل التّعطيل الذي كشفته المقارنة مع نهضة اليابان.) ص 124.

2 - (وأما بالنسبة للسبب الثاني أي تشخيص المشكلات فإن الضّعف يتسرب في تقدير مشكلات النّهضة من حيث ضرورات الدّاخل وضرورات الخارج تقديراً سليماً. حسب طبيعة الأشياء لا حسب عادات فكرية توجه فكرنا في اتجاه معين، سواء أكان هذا الاتجاه صالحاً يُناسب ما تقتضي المشكلات من حلولٍ أم لا يُناسب. هذه العادات الفكرية تعمل مفعولها أحياناً في صورة البديهيات التي تُطبق دون أي تحفظ، والبديهيات في التّاريخ كثيراً ما قامت بدور سلبي كعوامل تعطيل.) ص 125.

(إن حاجتنا الأولى هي الإنسان الجديد. الإنسان المتحضر. الذي يعود إلى التّاريخ الذي خرجت منه حضارتنا منذ عهد بعيد. وصياغة هذا الإنسان لا تتم بمجرد إضافة معلومات جديدة إلى معلوماته القديمة لأنه سيبقى هو قديماً في عاداته الفكرية وفي مواقفه أمام المشكلات الاجتماعية وفي فعاليته إزاءها.) ص 127. (فيجب إذن أن نحترز قدر الإمكان في معالجة المشكلات الاجتماعية، من الطّريقة التي تضع أمام كلّ داء نقيضه كدواء، فنضع مثلاً العلم أمام الجهل دون قيدٍ أو شرط، ونجد أنفسنا أحياناً وبالتالي أمام عالم نفعي غير نافع، يعيش على جسم المجتمع مثل النّبات الطُّفيلي على الأشجار. فقضية الجهل لا تعالج بمجرد وضع البرامج التعليمية. والتّعليم لا ينفع كمجرد إضافة معلومات. بل يجب أن يكون أولاً عملية تصفية نفسية. وتعديل معادلة شخصية زيفتها عهود الكساد. وبكلمة واحدة أن يكون التّعليم بناء الشّخصية الجديدة في الإنسان العربي المتجدد طبقاً لضرورات النّهضة في الدّاخل والخارج. وهذا يعني أن لا توضع برامج التّعليم لما يُسمى (العلم) ولكن طبقاً لشيء أعم بكثير هو: الثّقافة. أي أن توضع برامج تتصل بعالم النّفس والدّوافع الأساسية ثُم بعالم العقل والمفهومات، وبعالم الأشياء والحاجات.) ص 129.

3 – وأما بالنّسبة لمشكلة تحديد الوسائل تحديداً يُناسب الغاية المنشودة والإمكانيات. (فإن النّهضة العربية كانت تحاول تحقيق غايتها بالأشياء التي تستوردها من الحضارة الغربية. فالخطأ يتصل هذه المرة بقضية الوسائل، والسؤال: هل يصح أن تكون الأشياء التي نستوردها من الخارج وسائل لتشييد حضارة دون قيد أو شرط؟. إن الشيء الذي نستورده يكون منتوجاً من منتوجات حضارة معينة، أو منتوجاً حضارياً بصفة مطلقة. فأما من حيث أنه منتوج حضارة معينة فإنه يتفق مع مصلحة البلاد التي استوردته أو لا يتفق معها أحياناً من الجانب الاقتصادي وأحياناً من الجانب النفساني أيضاً.) ص 130. فلا بأس أن نستورد من الشيء ما نسدُّ به حاجاتنا الأساسية مؤقتاً (لأنه لا يمكن لحضارة أن تنشأ في أنبوبةٍ مغلقة لا يأتيها شيءٌ مِن الخارج.) ص 135.

(إن مشكلة الحضارة لا تُحل باستيراد منتوجات حضارية موجودة. لكنها تستوجب حلّ ثلاث مشكلات جزئية:

1- مشكلة الإنسان وتحديد الشُّروط لانسجامه مع سير التّاريخ.

2- مشكلة التُّراب وشروط استغلاله في العملية الاجتماعية.

3- مشكلة الوقت وبث معناه في روح المجتمع ونفسية الفرد.) ص 140.

ويختم الأستاذ المفكر الحضاري مالك بن نبي محاضرته هذه بترتيب منطقي هام ليضع (الإنسان) في أعلى عناصر بناء الحضارة، بقوله (إنني أرى أن توضع (مشكلة الإنسان) في المرتبة الأولى لأنه هو الذي يوجه الأشياء ويصنع الحضارة.) ص 141.

5 - المحاضرة الخامسة: رسالتنا في العالم.

وتضمنت حديث حول الدِّيمقراطية والاشتراكية والسّلام، والدّعوة إلى خيرية الأمة العربية والإسلامية.

(النصيحة لا تنفع إن لم تكن مستمدة من صميم الواقع. فما هو الواقع الذي يواجهنا؟.) ص 144. بهذه العبارة وهذا التساؤل يبدأ الأستاذ مالك بن نبي محاضرته الخامسة والأخيرة في هذا الكتاب. إن هذا الواقع يُشير إلى أننا (نعيش اليوم في عالم أصبح وكأنه عمارة واحدة تسكنها الشُّعوب. ترى كيف توزّع السُّكنى في هذا المبنى على الشُّعوب؟.) ص 145. ويذكر أن الخريطة الإيديولوجية للعالم تتوزع إلى دول دِيمقراطية ودول اشتراكية ودول السِّلام. وأن هذه الحاجات الإنسانية قد قُننت في دساتيرها إذ أن (الإنسانية أصبحت تشعر بحاجات تعبر عنها في الدّساتير المختلفة التي تبني عليها حياتها السِّياسية.) ص 147. وأن (الدِّيمقراطية أصبحت وكأنها قطب يتجه إليه تاريخ الإنسانية على مختلف أصنافها بما فيها من تنوع من حيث التّقدم والتّخلف.) ص 148. (وليست الدِّيمقراطية غير تطبيق للحريات في النُّظُم الاجتماعية وفي المنظمات السِّياسية وفي دستور الحكم.) ص 149. أما الاشتراكية فهي تعبر عن حاجة إنسانية في القرن العشرين. فشعور الإنسانية بهذه الحاجة لا يقلّ عن شعورها بالدِّيمقراطية. ويضيف (ثم نرى من ناحية أخرى أن فكرة ثالثة بدأت تلعب دوراً كبيراً لا تنقُص أهميتها عن دور الدِّيمقراطية والاشتراكية في العالم. فنحن نرى فكرة السّلام قد دخلت في المجال القومي والدّولي. وأصبحت في كُلّ مكان شعاراً للسياسة ومُنبِهاً للأفكار في مختلف البلدان.. وقد باتت اليوم كُلّ سياسة ترفع لواء السِّلم مهما كانت النّوايا وراء الكلمات والمواقف الظّاهرة.. ولا يقوم من يُهدد السّلم بتصرفاته إلّا باسم السّلم في أقواله. هذا هو واقع العالم اليوم. الواقع الجبّار الذي يجذب إليه طاقات الإنسانية وقوى التّاريخ إلى مستقر لا يعلمه إلّا الله.) ص 151.

وبأسلوبه المعهود يتساءل الأستاذ مالك بن نبي عن موقف العالم العربي والإسلامي من هذا الواقع، ليعلم مركزه وما سوف يكون عليه في هذا العالم. وفي هذا الشأن هو يرى أن عالمنا العربي والإسلامي لا يُمثل حاجةً مِن حاجات الإنسانية الكبرى في القرن العشرين. (فنحن في حالة تغيّب عن العالم الجديد لأننا لا نرى لوناً على الخريطة يدل على وجودنا فيها.. لأننا لا نُمثل مصلحة ذات أهمية عالمية.) ص 153. ويتساءل هل كان هناك مخرج من هذا المأزق؟ أم أنه لا بُد من أن نستسلم لليأس فنُطأطئ الرأس أمام هذا الواقع؟ ويجيب (أنه من اللائق أن نُفكر في الأسباب التي أدخلتنا إلى هذا المأزق قبل أن نُفكر التي يُمكننا بها الخروج منه. إن دوافع الحياة هي التي ورطتنا في الأزمة التي نُحاول لخروج منها. منذ أكثر من نصف قرن حينما استيقظت الشُّعوب العربية الإسلامية على خطر الاستعمار، كانت يقظتنا الفجائية دافعاً من دوافع الحياة وفي الوقت نفسه دافعاً من دوافع الخطأ.. فنحن قد ألقينا بأنفسنا من حيث لا نُريد في هُوة التّقليد حتى ننجو من الاستعمار. إننا لم نُفكر في الخلاص تفكيراً مُعقداً. وإنما دفعتنا دوافع لا شعورية لتقليد حضارة الاستعمار حتى نعصم أنفسنا منه. وقد دعانا هذا إلى السّير في الطّريق التي شقته الشُّعوب الغربية أمامنا على أنه يوصلنا إلى ما وصلوا إليه. ولا شك أن هذا مُمكناً لو أننا نسير جميعاً دون دخل للوقت والتّطور في حياتنا. ولكننا نتطور نحن وَمَنْ نُقلِّده. وعليه فإذا سِرنا على مبدأ تقليده فسوف نُقلِّده إلى ما لا نهاية. وهكذا كان الدّافع الذي دفعنا في مطلع هذا القرن إلى الحياة قد دفعنا في نفس الوقت إلى الخطأ. فبِتنا نسير في هذا الطّريق إلى أهداف لم نُقررها لأنفسنا وإنَّما يُقررها لنا ضِمناً الاستعمار. فنحن نسير بالضّبط إلى أهداف حضارة مادية. ولذلك فإنه لم يعد في وسعنا أن نُحقق مِن وراء هذا حاجة من حاجات الإنسانية تكفل لنا مكاناً لائقاً بنا في المجمع العالمي. فما دُمنا نسير هكذا فإن المنطق البسيط يُشير إلى أن من نُقلده هو أولى بهذه الحاجة التي يُمكن أن تكون في النِّهاية هدف هذا الطّريق. لأن السّابق إلى الشيء دائماً أولى به. ومِن المُسَلم به أن مَن نُقلده أسبق مِنا  في هذا المضمار.) ص 155. (وعلى ضوء هذه الاعتبارات، علينا أن نُراجع أنفسنا ونتساءل: ما هو المخرج؟ إنّه في أن يكون في نشاطنا الرُّوحي ما تعترف به الإنسانية كحاجة مثل الدِّيمقراطية والاشتراكية والسِّلم. حاجة لا بُد مِن إشباعها... يجب أن يكون في نشاطنا شيء تعترف به الإنسانية كحاجة من حاجاتها . شيء يضمن لنا مركزاً كريماً في المجمع العالمي... إن الإنسانية في حاجة إلى صوت يُناديها إلى الخير وإلى الكف عن جميع الشُّرور وإنها لحاجة أكثر إلحاحاً مِن سواها لأن الإنسان تَوَّاق إلى الخيٍر بِفِطرته. وإنّما تحرمه معوقات مختلفة تكونها الظُّروف الاجتماعية والسِّياسية والاقتصادية.) ص 157. (إن الإنسان لا يفقد من نفسه معنى الخير كلّه مهما أحاطت به دوافع الشّر. لأن الأصل في قلبه الخير. والشّر عارض.) ص 159.

ويضيف في الختام (أن الدّوافع النّفسية التي تُعبر عنها فكرة الدِّيمقراطية أو فكرة الاشتراكية أو فكرة السّلام، إنّما هو في الواقع دوافع واحدة في صور مختلفة: إنّها دوافع الخير في نُفوس مختلفة. وأن هذا يعني أن في النّفس مجالاً لِفِكرة الخير. وأن مَن يرفع راية الخير قد يسد حاجة تشعر بها الإنسانية في أعماقها. ويُحقق لنفسه مكاناً كريماً في المجمع العالمي. وهذا المجال يُمكن أن يكون مجالنا إذا حققنا في سلوكنا معنى الآية الكريمة: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران: 104. فإذا ما تحققت هذه الآية في سلوكنا العام، كتخصص لمجتمعنا بالنِّسبة لحاجة الإنسانية، فسوف نكون قد لقينا على الخريطة الإيديولوجية لوناً يجعلنا مِن أكرم سُكان المجمع العالمي.) ص 159. وهذا ما يجعل الأمة الإسلامية تتميز بميزة الخيرية التي ذكرها القرآن الكريم في قول الله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) آل عمران: 110.

 

- نقاط على هامش كتاب: حديث في البناء الجديد للمفكر الحضاري مالك بن نبي

- لاستيعاب ما طرحه المفكر مالك بن نبي في هذا الكتاب ينبغي قراءة هذه المحاضرات في سياقها التاريخي الزَّمني الذي قدمت فيه عام 1959 وعدم فصلها عنه.

- المحاضرات الخمس جاءت في وحدة موضوعية واحدة تتعلق بمشكلات الحضارة التي اشتغل بها المفكر الحضاري مالك بن نبي رحمه الله.

- بدا لي مِن خلال قراءة هذه المحاضرات أن الأستاذ مالك بن نبي كان مؤمناً أشد الإيمان بمشروع الوحدة العربية من خلال الجمهورية العربية المتحدة التي قامت بين مصر وسوريا في عهد جمال عبد النّاصر وقد ظهر ذلك جلياً في المحاضرة الرّابعة (خواطر عن نهضتنا العربية). وأذكر أن الجمهورية العربية المتحدة تتكون من الإقليم الجنوبي مصر والإقليم الشَّمالي سوريا، هو الاسم الرَّسمي للكيان السِّياسي المتشكل إثر الوحدة بين مصر وسوريا، أعلنت الوحدة في 22 فبراير 1958م. بتوقيع ميثاق الجمهورية العربية المتحدة من قبل الرَّئيسين المصري جمال عبد النّاصر والسُّوري شكري القوتلي واختير عبد النَّاصر رئيسًا لها. غير أن الوحدة أنهيت بانقلاب عسكري في دمشق في 28 سبتمبر 1961م وإعلان قيام الجمهورية العربية السُّورية.

- اقتباسات في كتاب: حديث في البناء الجديد للمفكر الحضاري مالك بن نبي

- (إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها هي مشكلة حضارته، ولا يمكن لشعب أن يفهم مشكلته ما لم يرتفع بفكره إلى مستوى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها) ص 14

- (غيِّر نفسك تغيِّر التّاريخ) ص 15

- (إن الحضارة ليست في أجزاءٍ مبعثرة ملفقة، ولا مظاهر خلابة، وليست الشيء الوحيد، بل هي جوهر ينتظم جميع أشيائها وأفكارها وروحها ومظاهرها، وقطب يتجه نحو تاريخ الإنسانية) ص 15

- (إن الثقافة تتركب من المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي والمنطق العملي) ص 25

- (إذا تحرك الإنسان تحرك المجتمع والتَّاريخ، وإذا سكن الإنسان سكن المجتمع والتَّاريخ.) ص 50

- (إن الثَّقافة لا تستطيع أن تكون أسلوب الحياة في مجتمع معين إلّا إذا اشتملت على عنصر يجعل كُلّ فرد مرتبطاً بهذا الأسلوب، فلا يحدث فيه نشوزاً بسلوكه الخاص. وإذا دققنا النَّظر في هذا العنصر فإننا نرى أن لا بد أن يكون خُلُقِياً. فإذا قررنا وجود هذا العنصر كضرورة منطقية اجتماعية، فإننا نكون بهذا قد حققنا شرطاً أساسياً من شروطها وهو: المبدأ الأخلاقي.) ص 71.

(إن شبكة الصِّلات الثَّقافية تختل حتماً في بلد ما، إذا اختل فيه المبدأ الأخلاقي. وإن فعالية المجتمعات تزيد أو تنقص بقدر ما يزيد فيها تأثير المبدأ الأخلاقي أو ينقص.. فالمبدأ الأخلاقي يقوم بالضّبط بِبناء عالم الأشخاص، الذي لا يُتصور بِدونه عالم الأشياء، ولا عالم المفاهيم.) ص 72.

- (إن ارتباط الفرد بالمجتمع هو الذي يُحقق السَّعادة.) ص 88.

- (إن بناء المجتمع يتطلب تنمية اقتصادية وطاقات روحية.) ص 91.

- (أن نُكوِّن حضارة أي أن نبني لا أن نُكدس فالبناء وحده هو الذي يأتي بالحضارة لا التكديس.) ص 98.

- (إن علينا أن ندرك بأن تكديس منتجات الحضارة الغربية لا يأتي بالحضارة. والاستحالة هنا اقتصادية واجتماعية.) ص 99.

- (الحضارة هي التي تُكوِّن مُنتجاتها وليست المنتجات هي التي تُكوِّن حضارة. إذ من البديهي أن الأسباب هي التي تكوِّن النتائج وليس العكس.) ص 99.

- (التّاريخ يعزل مَن لا يسير في اتجاهه، وكُلّ مَن عزله التّاريخ فإنه يدخل حتماً في حظيرة الشُّعوب البدائية أو في حظيرة العدم.) ص 109.

- (موقف الضّعيف المُتكبر أمام القوي المُتجبر) ص 117.

- (أن كلّ حركة تفقد غايتها، أولم تحددها بوضوح، فإنّ شأنها التّيه في السّبيل والتّبذير في الوسائل والخطأ في الهدف، وبالتالي فإنها حركة تخضع لقانون الصّدفة أي أنها لا تأتي بنتيجة في اتجاه معين وفي وقت معين.) ص 122.

- (إن حاجتنا الأولى هي الإنسان الجديد. الإنسان المتحضر. الذي يعود إلى التّاريخ الذي خرجت منه حضارتنا منذ عهد بعيد. وصياغة هذا الإنسان لا تتم بمجرد إضافة معلومات جديدة إلى معلوماته القديمة لأنه سيبقى هو قديماً في عاداته الفكرية وفي مواقفه أمام المشكلات الاجتماعية وفي فعاليته إزاءها.) ص 127.

- (قضية الجهل لا تعالج بمجرد وضع البرامج التعليمية. والتّعليم لا ينفع كمجرد إضافة معلومات. بل يجب أن يكون عملية تصفية نفسية. وأن يكون التّعليم بناء الشّخصية الجديدة في الإنسان المتجدد. وهذا يعني أن لا توضع برامج التّعليم لما يُسمى (العلم) ولكن طبقاً لشيء أعم بكثير هو: الثّقافة. أي أن توضع برامج تتصل بعالم النّفس والدّوافع الأساسية ثُم بعالم العقل والمفهومات، وبعالم الأشياء والحاجات.) ص 129.

 

قراءة: أ. السعيد بوشلالق

 

 

في المثقف اليوم