قراءة في كتاب

محمود محمد علي: إسرائيل في أرض الحرمين.. قراءة نقدية لكتاب "العودة إلي مكة" لآفي ليبكن

محمود محمد عليواهم من يعتقد الأطماع الإسرائيلية بالتوسع والاستعمار تقف عند حدود المسجد الأقصى وفلسطين، فالحلم اليهودي المزعوم يمتد أبعد من ذلك بكثير، إذ ترنو أنظار الإسرائيليين نحو قبلة المسلمين والأرض التي احتضنت تاريخ الرسالة الإسلامية .

وهذا ما يجسده لنا هذا الكتاب الذي بين أيدينا وهو بعنوان "العودة إلى مكّة" والذي ألّفه المؤرخ اليهودي “دنيس آفي ليبكن” Dennis Avi Lipkin، وهذا الكتاب يدور حول فكرة مفادها أن بني إسرائيل استوطنوا قديما في جزيرة العرب، ليبرهن أنه من حق اليهود العودة إلى مكة .. أرض الميعاد، ويعتمد الطرح الدي يقدمه " ليبكن" على بحث تاريخي، يزعم أن بني إسرائيل لما تاهوا لأربعين عاما في البلاد كانوا في منطقة شبه الجزيرة العربية، مضيفا إلى أن جبل الطور الذي كلم الله موسي فيه، إنما هو جبل اللوز في تبوك السعودية، وليس جبل موسي المعروف في سيناء

والكتاب يمثّل تطوّرا لافتا في الأحلام الصّهيونيّة التي تراود صهاينة اليهود ومتديّنيهم، وتغريهم بالاستحواذ على أرض الميعاد التي تحدّثت عنها نصوص التّوراة المحرّفة، ويسمّيها الصّهاينة “مملكة إسرائيل الكبرى” أو “مملكة داود”، وتضمّ بزعمهم فلسطين وأجزاء كبيرة من مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية.

يأتي هذا الكتاب القنبلة في وقت كشف العرب العاربة والمستعربة على حد سواء،عن عوراتهم وأسقطوا حتى ورقة التوت التي كانت تستر عوراتهم، بخصوص العلاقة الخفية بينهم وبين مستدمرة إسرائيل الخزرية، بإعلانهم التحالف الاستراتيجي معها،تحت ستار الخوف من إيران ؛ يقول ليبكن “… أصرّح يا إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بأنّ مكّة المكرّمة حرم الله الآمن يحتلها شرذمة أشدّ من اليهود، لأنّهم في هذا البلد الحرام وفي هذا الشّهر الحرام ذي القعدة الماضي هجموا على التكارنة السّود المسلمين رجالا ونساءً وأطفالا حتى يسفروهم ويخرجوهم عن مكّة المكرّمة”، كما نشرت مجلة الشهيد الإيراني (لسان حال علماء الشيعة في قم بإيران) في عددها 46 الصادر في 16 شوال 1400هـ صورة للكعبة المشرفة وإلى جانبها صورة للمسجد الأقصى المبارك وبينهما يد قابضة على بندقية وتحتها تعليق “سنحرّر القبلتين”!

وأرض الميعاد التي يسميها الصهاينة مملكة إسرائيل أو مملكة داوود،تحدثت عنها التوراة المزيفة،وهذا ما خاض فيه المؤرخ الصهيوني الإنجيلي ليبكين،،وحمل غلافه صورة المسجد النبوي الشريف يتوسطه "التيفلين اليهودي" مكان الكعبة المشرفة،وهو مكعب أسود يشبه الكعبة المشرفة مربوط بخيط أو حزام يضعه متدينو اليهود على جباههم.

هذا الكتاب يرسم حدودًا جديدة للدولة اليهودية وفق “ليبكن”، انطلاقًا من مبدأ “استعادة أرض بني اسرائيل الذين يعتبرون انفسهم السكان الاصليين لجزيرة العرب”، فتصبح بزعمه “العودة إلى مكة، أرض الميعاد”، حقًا لهم.

وأكد " ليبكن " بنبرة تشي بأطماع اليهود: إن السعودية والجزيرة العربية ما هي إلا جزء من الأرض الموعودة لبني اسرائيل”، مستشهداً بما تقوله التوراة المزعومة لدى اليهود:" أن الله يقول أنه سيمدد حدود أراضيكم الموعودة من لبنان إلى أرض العرب ولكن الله لم يقل أرض العرب بل قال الصحراء ومن البحر الأبيض المتوسط إلى الفرات".

والجدير بالذكر أن غلاف كتاب “العودة إلى مكة” تضمن صورة للكعبة المشرفة -قبلة المسلمين- وحولها انشوطتان سوداويتان وعلى جانبها وضع الشمعدان اليهودي، وفي وسطه “التفيلين” اليهوديّ مكان الكعبة المشرّفة، والتّفيلين مكعّب أسود يشبه في شكله الكعبة، مربوط بخيط أو حزام، يضعه متديّنو اليهود على جباههم.

ويدعي مؤلف كتاب العودة إلى مكة أن الله لم يكلم موسى عليه السلام في جبل طور سيناء،بل تم ذلك في جبل اللوز الواقع بمحافظة تبوك السعودية،ويدعو لتحالف مسيحي – صهيوني لتحريره من المسلمين، كما يدعي أن أرض الميعاد تمتد إلى مكة المكرمة،ويدعو أيضا إلى تشكيل حلف مسيحي- صهيوني لتقسيم السعودية واحتلال الكعبة ومنع المسلمين منها.

واللاّفت في أمر هذا الكتاب أنّ مؤلّفه لا يكتفي في مقابلاته الصحفية بزعمه أنّ جبل الطّور الحقيقيّ الذي كلّم الله فيه نبيّه موسى عليه السّلام وأنزل عليه الوصايا العشر هو جبل اللّوز الموجود في محافظة تبوك على الأراضي السّعوديّة مقابل أرض سيناء، وليس هو جبل موسى المعروف في سيناء مصر! وأنّ فيه الكهف الذي استقرّ فيه إيليا (إلياس)، وبدعوته اليهود والنّصارى لأن يتّحدوا لتحريره من المسلمين؛ لا يكتفي هذا الصّهيونيّ بهذا الزّعم، بل يذهب بعيدا ليدّعي أنّ أرض الميعاد تصل إلى مكّة المكرّمة وفق ما فهمه من نصوص التّوراة التي تتحدّث عن صحراء العرب ولا تتحدّث عن أرض العرب فحسب!

وأضاف ليبكن بأن على المسيحيين واليهود أن يتّحدوا ليحرروا جبل اللوز" جبل سيناء"، وينتزعوه من حوزة المسلمين، متابعاً أن "الجوف وتبوك الواردة في اقتباس بن لادن لا تبعد سوى 100 أو 200 كم من إيلات على الحدود الجنوبية لإسرائيل".

وأشار "ليكن" إلى أن أطماع ايران مرتبطة بوقوع مكة في منطقة قريبة جداً من الساحل، ومن يتمكن من السيطرة على مكة سيمتلك زمام الحرب بين الشيعة والسنة"، مستدركاً أن "الأيام القادمة ستشهد مواجهة حاسمة" معرباً عن اعتقاده بأن "الحوثيين والإيرانيين سيقومون باحتلال السعودية من الجنوب والغرب".

وأردف ليبكن أن “السعودية ستطلب العون من مصر وربما من إسرائيل ولكن داعش ستأتيهم من الشمال أيضاً”، مستطرداً أن “حرب السنة والشيعة المستمرة منذ 1400 سنة ستنتهي عندما يسيطر أحد الطرفين على مكة”. وبذلك يدعو “ليبكن”، معتمدًا على نُبوءات “الكتاب المقدس”، المسيحيين واليهود للتوحد من أجل استعادة مكة، التي تعد أرضًا مقدسة للديانتين معًا.

الكاتب "ليبكن" الذي دأب على الظّهور في كثير من الفضائيات الدينية التابعة للمسيحية الصهيونية في أمريكا، داعيا إلى تشكيل حلف مسيحي صهيوني لتقسيم السعودية واحتلال الكعبة، يوصي بالاستفادة من الحركة الحوثية التي تستهدف الأراضي السّعوديّة، وتضع عينها على مكّة والمدينة، وإلى توظيف العقائد الشيعيّة التي تغري أتباعها بضرورة استعادة مكّة والمدينة من أهل السنّة، وهو الحلم الذي لا يزال بعض المسلمين يتجاهلونه رغم توارد دلائل كثيرة تشي بأنّ الشّيعة يسعون سعيا حثيثا لتحويله إلى واقع؛ دلائل كثيرة ربّما لن يكون آخرها تصريحات بعض معمّمي الشّيعة وقادة مليشياتهم بأنّ انتصار حلب سيمهّد لتحرير مكّة والمدينة!

ويدعي ليبكن أن الله لم يكلم موسى عليه السلام في جبل طور سيناء، بل تم ذلك في جبل اللوز الواقع بمحافظة تبوك السعودية،ويدعو لتحالف مسيحي – صهيوني لتحريره من المسلمين، كما يدعي أن أرض الميعاد تمتد إلى مكة المكرمة، ويدعو أيضا إلى تشكيل حلف مسيحي- صهيوني لتقسيم السعودية واحتلال الكعبة ومنع المسلمين منها.

يعترف ليبكن ذاته علانية بنية مستدمرة إسرائيل الخزرية احتلال مكة المكرمة،ويؤكد أن الصهيونية ما تزال قائمة على الأساطير التي وضعها حاخامات السبي البابلي، ويعرب عن أمله بأن يصل الربيع العربي إلى السعودية،كي تطلب النجدة من أمريكا وإسرائيل،وبالتالي يصبح احتلال مكة المكرمة تحصيل حاصل، وهذا ما يفسر تزيين الصهاينة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان جرائمه بحق المواطنين السعوديين من ناشطين وعلماء وأثرياء حتى أن أذاه شمل أبناء عمومته الأثرياء والأقوياء.

ويأتي الهدف من هذا التزيين تسريع الإنفجار في السعودية، ليتسنى لأمريكا ومستدمرة إسرائيل إحتلال مكة رسميا وبطلب سعودي،بحجة أن الشيعة يدعون للهيمنة على مكة والمدينة،ويبدو أن المخطط الصهيو-مسيحي"الإنجليي " سينجح بسبب غباء البعض أو إتقانهم لدورهم وتفانيهم في خدمة أصولهم .

ويعتبر “ليبكن” أنّ التحركات المعارضة داخل السعودية تعدّ من الأمور التي على “اسرائيل” استغلالها في سبيل تحقيق هدفها. ويوضّح كلامه في أكثر من مقابلة، إذ يؤكد أن الربيع العربي لا بدّ أن يصل إلى السعودية التي ستطلب الحماية من الولايات المتحدة و”اسرائيل”، ما يقدم لليهود فرصة للسيطرة على مكة. في حين يظهر الكيان نفسه بصورة البطل الذي أنقذ آل سعود.

وفي سياق طرحه يدعو " ليبكن" المسيحيين واليهود للتوحد من أجل استعادة مكة، على اعتبارها أرضا مقدسة للديانتين معا مستشهدا بأقوال من الإنجيل والتوراة، وزاعما أن العهد الجديد حدد مكتن جبل سيناء على اعتباره في جزيرة العرب، وقد أكد ليبكن مرارا خلال مقابلات عدة له أن ما عرف بالربيع العربي لا بد سيصل يوما إلى السعودية، التي ستطلب بدورها الحماية من الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يوفر لليهود فرصة عظيمة للاستيلاء على مكة، بعد تقديم الكيان الغاضب نفسه على أنه المنقذ لآل سعود بعد إشاعة الفوضى، فهل ستنبه قادة العرب والمسلمون إلى هذا المخطط، أم أنهم أكلوا يوم أكل الثور الأبيض

واختتم ليبكن كتابه داعياً إلى اتحاد «المسيحيين واليهود» لاحتلال السعودية والإستيلاء على مكة موظفاً نصوص التوراة والأسفار المحرفة كما في كتبه، وزاعماً أن “نهاية مجد الإسلام باتت قريبة جداً” وهي النغمة النشاز التي دأب الكثير من قساوسة الدين المسيحي وحاخامات اليهود على ترديدها في كل المحافل.

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم