قراءة في كتاب

محمود محمد علي: أسرار حركة الحشّاشين بين برنارد لويس ومحمد عثمان الخشت (1)

محمود محمد علي1- تقديم: يعد كل من لويس برنارد ومحمد عثمان الخشت، من كبار الباحثين في الغرب والشرق الذين اهتموا  باطّلاع الباحث العربيّ على هذا الجانب المُغيّب من تاريخ الحضارة العربيّة الإسلاميّة في عصرها الوسيط في الفترة الممتدّة ما بين القرنين الخامس والسابع للهجرة (الموافق للقرنين الحادي عشر والثالث عشرة ميلادي) إبّان تشكّل هذه الطائفة الإسماعيلية الفاطمية النزارية بعد انشقاقها عن الدولة الفاطمية واعتصامها بجبال " آلمـــوت" شمال إيران وبعد دعوتها إلى إمامة نزار بن المستنصر بالله ومن جاء مِن نسله.

وهنا نقول بأن برنارد والخشت في معالجتهما لفرقة الحشاشين لم يعتمدوا على الروايات التي نسجها الخيال، ولم يسردوا سردا نصيا لما قاله المؤرخون، وإنما كان كتابهما عبارة عن مراجعة لمئات المصادر والمراجع، وكذلك تحليل  الحشاشين من وجهة نظر جديدة تختلف عما قدمه السابقون عليهما، حيث طبق "برنارد لويس" المنهج التحليلي النقدي، بينما جاء الخشت ليطبق المنهج التاريخ –التحليلي – المقارن، وإن كان كلاهما يتفقان علي تحليل دور العقل في مناقشة النصوص، كما يتفقان في أن يجمع أسلوبهما في الكتابين بين الأسلوب المباشر والعميق في ذات الوقت، وهو ما يمكن تسميته بالسهل الممتنع في الكتابة الفلسفية والعلمية.، كما اتسمت لغتهما الفلسفية في هذا الكتابين بالصياغة الإشكالية للموضوع، فمن يقرأ لهما مقدمة كتابهما يعيش في إشكالية الموضوع، علاوة علي ما اتسم به أسلوبهما في الكتابين أيضا بالتماسك فهناك ترابط ونسقية محكمة بين أجزاء الموضوع لديهما، فهما لا يميلان إلى المقدمات المطولة التي تصيب القارئ بالملل والضجر.

ويُعدّ مؤلّف الكتاب برنارد لويس Bernard Lewis من أهمّ المستشرقين الذين بحثوا في القضايا السياسيّة والفكريّة التي سادت المشرق العربيّ، ولا سيما في عصوره الوسيطة، إذ نال رسالة الدكتوراه بكتابه عن "جذور الإسماعيليّة"، وكتب عن" العرب في التاريخ"، وعن" ظهور تركيا الحديثة" وعن "اسطنبول وحضارة الإمبراطورية العثمانيّة". أمّا كتابه "الحشّاشون -فرقة ثوريّة في تاريخ الإسلام"، فقد كتبه سنة 1967 في أوج تفجّر أزمة الصراع العربي الإسرائيليّ في الشرق الأوسط. وقد تتبّع فيه تاريخ فرقة ثوريّة مؤثّرة في تاريخ المنطقة هي فرقة الحشّاشين الإسماعيليّة منذ بداياتها الأولى إلى نهاياتها. وبحث خاصّة في ذاك الكمّ الهائل من الخرافات والروايات والأساطير التي نسجت حولها من أعدائها الغربيين خاصّة، إذ بلغت شهرة الحشّاشين أوجها في أوروبا مع بداية القرن الثالث عشر، حتىّ أنّ كلمة "حشّاشين Assasin"  دخلت معظم اللغات الأوروبيّة. بمعنى "القاتل المأجور المحترف" الذي :" يقتل خلسة أو غدرا وغالبا ما تكون ضحيته شخصيّة عامّة وهدفه التعصّب أو الجشع" (1).

أما الدكتور الخشت فكتب كتابا بعنوان " حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي"، وفي هذا الكتاب كان له وجهة نظر مغايرة عن رؤية لويس برنارد، حيث يذكر الخشت في مقدمة كتابه بأن حركة الحشاشين تعد من أخطر حركة سرية شهدها العالم الإسلامي، نظرا لما كان لها من تأثير واسع النطاق في المجتمع الإسلامي إبان فترة بالغة التعقيد .. فترة كان يسيطر عليها الصراع بين مختلف لفرق العقائدية والسياسية، بل بين مختلف دول العالم .. وأول شئ يتحتم علينا أن نؤكد عليه منذ البداية هو بيان الصواب من تسمية هذا الكتاب وهذه الحركة، فقد يطرأ على ذهن القارئ للوهلة الأولى عندما تقع عيناه على عنوان هذا الكتاب أننا نقصد به طائفة من المدمنين الأوباش الذين يضعفون أمام تأثير المخدرات .. بل العكس فإن هذه الحركة بريئة تماما من تناول الحشيش المخدر، والسبب الواقعي لتسميتها بهذه الاسم يرجع في نظر الخشت إلى مواقف صمودية كانت تقفها الحركة في مواجهة ضروب الحصار التي كانت تفرضها عليها الجيوش المضادة لمدد طويلة، فكان يصمد رجال الحركة في قلاعهم حتى بعد نفاذ المؤن والأطعمة، معتمدين في غذائهم فقط على أكل الحشائش (العشب أو الكلأ )، ومن هنا جاءت تسميتهم بالحشاشين (2).

2-التعريف بالمؤلفين:

هناك نمطان من الأساتذة الجامعيين وبالذات الاكاديميين، نمط تقليدي تتوقف مهارته عند تقليد الآخرين والنقل عنهم وضبط الهوامش، والحرص علي أن يكون النقل أميناً، وكلما كان من مصادر ومراجع أجنبية كان أفضل، وكلما قل فيما يقولون فإن ذلك هو الصواب عينه، ونمط مبدع يسخر قراءته لإبداء الرأي أو للتدليل علي صواب الاجتهاد العقلي الشخصي، وبالطبع فإن النمط الثاني هو الأقرب إلي النمط الفلسفي الحق، فالتفلسف ينتج الإبداع ولا يتوقف عند النقل وإثراء الهوامش .

ولا شك في أن لويس برنارد ومحمد عثمان الخشت من كبار المفكرين الذين ينتمون إلي النمط الثاني، فهما من أصحاب الموقف الفلسفية والنقدية الواضح من كل ما يقرأ ولا يكتب إلا في قضايا فلسفية شائكة، وذلك بغرض بلورة موقف مبدع ومستقل عن كل المواقف ومختلف عن كل الآراء المطروحة حول نفس الموضوع سواء قيل من قبل أو لم تعبث به يدي الباحثين.

وللرجوع للسيرة الذاتية للويس برنارد، فنجد أنه من مواليد 31 مايو 1916 بلندن، أستاذ فخري بريطاني أمريكي لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون تخصّص في تاريخ الحضارة العربيّة الإسلاميّة، وقد اشتهرت أعماله حول تاريخ الإمبراطورية العثمانية. وُلد لأسرة يهودية من الطبقة الوسطى في لندن. اجتذبته اللغات والتاريخ منذ سنّ مبكرة، اكتشف عندما كان شابا اهتمامه باللغة العبرية، ثم انتقل إلى دراسة اللغة الآرامية واللغة العربية، ثم درس بعد ذلك اللاتينية واليونانية والفارسية والتركية.

تخرّج برنارد عام 1936 من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (SOAS) في جامعة لندن، في التاريخ مع تخصص في الشرق الأدنى والأوسط. حصل على الدكتوراه بعد ثلاث سنوات، من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية متخصصاً في تاريخ الإسلام. التحق بالدراسات العليا في جامعة باريس، حيث درس مع لويس ماسينيون وحصل على "دبلوم= = =الدراسات السامية" في 1937. أثناء الحرب العالمية الثانية، خدم لويس في الجيش البريطاني في الهيئة الملكية المدرّعة وهيئة الاستخبارات في 1940، ثم أعير إلى وزارة الخارجية. عين أستاذا لكرسي جديد في الشرق الأدنى والأوسط في سن 33 من العمر. انتقل برنارد لويس إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصبح يعمل كأستاذ محاضر بجامعة برنستون وجامعة كورنل في السبعينيات. حصل على الجنسية الأمريكية سنة 1982 كما حاز على العديد من الجوائز من قبل مؤسسات تعليمية أمريكية لكتبه ومقالاته في مجال الإنسانيات.

أما الخشت فهو غني عن التعريف فهو من كبار المفكرين المصريين الذين كانت لهم بصمات واضحة في مجال الفلسفة ؛ حيث استطاع ببحوثه ومؤلفاته أن ينقل لنا البحث في فلسفة الدين من مجرد التعريف العام بها، أو الحديث الخطابي عنها – إلي مستوي دراستها دراسة موضوعية، تحليلية – مقارنة . وقد كان في هذا صارماً إلي أبعد حد: فالنص الفلسفي لديه هو مادة التحليل الأولي، ومضمونه هو أساس التقييم، والهدف منه هو الذي يحدد اتجاه صاحبه.

علاوة علي أن محمد الخشت يجمع بين التعمق في التراث الإسلامي والفكر الغربي. وتقدم أعماله رؤية جديدة لتاريخ الفلسفة الغربية تتجاوز الصراع التقليدي منذ بداية العصور الحديثة. وتتميز مُؤلفاته بالجمع بين المنهج العقلي والخلفية الإيمانية ونسج منهجًا جديدًا في فنون التأويل يجمع بين التعمق في العلوم الإنسانية والعلوم الشرعية وتاريخ الأديان والفلسفة.

ولد الدكتور محمد عثمان الخشت  في 1 يناير 1964، ودخل قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، ثم أصبح الخشت مُعيدًا بدايةً من عام 1986، وترقى إلى درجة مُدرس مُساعد بعدها بأربع سنوات عقب حصوله على درجة الماجستير. ثم في عام 1993، نال درجة الدكتوراه وأصبح مُدرسًا بالكلية ذاتها. إلى أن أصبح أستاذًا مُساعدًا عام 2003 عقب قيامه بأبحاث الترقي، إلى أن وصل إلى الأستاذية عام 2008 بعد استيفائه مُتطلبات الدرجة.

وبلغت مُؤلفات الخشت عدد (41) كتابًا منشورًا و(24) كتابا مُحققًا من التراث الإسلامي، مع عدد (28) من الأبحاث العلمية المُحكمة المنشورة، و(12) دراسات منشورة في مجلات عربية؛ ونذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر : روجيه جارودي: نصف قرن من البحث عن الحقيقة، حركة الحشاشين: تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي، مدخل إلى فلسفة الدين، مقارنة الأديان: الفيدية، البرهمية، الهندوسية، الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم، فلسفة العقائد المسيحية، أقنعة ديكارت العقلانية تتساقط، العقل وما بعد الطبيعة بين فلسفتي هيوم وكنط، فقه النساء في ضوء المذاهب الفقهية والاجتهادات المعاصرة، المعقول واللامعقول في الأديان بين العقلانية النقدية والعقلانية المنحازة، الشخصية والحياة الروحية في فلسفة الدين عند برايتمان، تطور الأديان، نحو تأسيس عصر ديني جديد ...الخ. وكان قد صدر أول كتاب منشور له عام 1982، كما صدرت أربعة كتب عن فكره وإسهاماته العلمية باللغة العربية والإنجليزية، كتبها عشرات من أساتذة الجامعات المصرية والعربية ومُحررون أجانب، فيما صدر عنه وحول فكره أكثر من 78 بحثًا علميًا مُحكمًا، وقد تُرجمت بعض أعماله إلى لغات أخرى مثل الألمانية والإنجليزية والإندونيسية. وللحديث بقية ..

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط .

..........................

الهوامش

1- برنارد لويس : الحشاشون، تعريب محمد العزب موسى، دار المشرق العربي الكبير، بيروت، طـ1، 1980، ص 7.

2-  محمد عثمان الخشت : حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي، مكتبة ابن سينا للنشر والتوزيع والتصدير، القاهرة، 2016ـ ص 4.

 

في المثقف اليوم