قراءة في كتاب

عبد الرضا حمد جاسم: قراءة في كتاب: علي الوردي والمشروع العراقي (3)

عبد الرضا حمد جاسمورد في ص16 التالي: [ونخلص الى ان من وصل بر الجهد العلمي قبل غيره فاز بلذاته ومن قرأه بتاني ورجاحة فقد فتحت له طاقات ليلة القدر وبذلك أضاع العراقيون جهد الوردي مثلما ضاع جهود غيره من المفكرين] انتهى

* تعليق: العراقيين والنخبة المحسوبة منهم وقتها وبعضهم حتى اليوم كما يظهر من بعض المساهمين في هذا الكتاب لم يقرأوا الوردي بدقة وبالذات وقت ضجيجه العالي علمياً واجتماعياً وذهبوا خلف دغدغاته التي لا نفعت ولم ولن تنفع والدليل ما نحن عليه الان أي بعد انطلاقته بأكثر من سبعة عقود وبعد وفاته له الرحمة بأكثر من ربع قرن وبعد ان ترك العشرات من الكتب والمئات من الدراسات والالاف من صفحات المقالات والتحقيقات الصحفية... البعض منهم ومن مؤلفي هذا الكتاب لا يعرفون حتى اسمه الكامل. 

كان الراحل الوردي واعظاً كما وعاظ السلاطين الذي انتقدهم وحرَّض عليهم والدليل انه لا قدم بديل ولا اقترح مشروع ولا اقترح حل لأي من تلك التشخيصات التي شخصها في وعلى وعن المجتمع العراقي حيث فكرته او ما يؤمن به هو عن عالم الاجتماع كتبها في ص54 من كراسة الاخلاق/1958 التالي: [أني قد خصصت بحثي في وصف الداء دون أن أصف الدواء وفي رأيي أننا ما دمنا قد عرفنا على وجه التقريب الأسباب التي أدت الى ظهور الداء من المسؤولية في هذا الصدد يقع على عاتق الحكومة إذ هي تستطيع أن تضع الخطة الرصينة التي تجعل الناس ينسون تراثهم البدوي وينهمكون في اقتباس القيم الجديدة التي تقوم عليها اليوم الحضارة العالمية]انتهى.

هذا الطرح يتطابق مع ما قام به ويقوم به وعاظ السلاطين.

ما فائدة ان ينتقد ويُشخص ويهرب دون ان يقدم حل او يشارك بتقديم حل او يؤسس لحل والظروف كانت مؤاتيه له ولغيره وبالذات في مرحلة الحكم الملكي؟ هل هناك اكثر من وعاظ السلاطين تشخيصاً للعلل؟

الكثير من الذين قرأوا الوردي له الرحمة لم يقرئوه بتأني وبالذات الرعيل الأول وذهبوا خلف تعظيمه والتصفيق له والاستماع لما يقول وهم شاردي البال مصدومين ببدعة الوردي اي بازدواجية الفرد العراقي او الوقوف بالضد منه وتقريعه او حتى تهديده لأسباب لا تخص المجتمع العراقي.

أغلب ما طرحه الراحل الوردي لا جديد فيه ومطروح حتى من قبل ان يطرحه ابن خلدونُ ومطروح حتى من السقطة والشقاوات الذين التقاهم الوردي في بعض مقاهي ازقة بغداد والذين كتب عنهم في ص363 من كتابه [دراسة في طبيعة المجتمع العراقي]/1965: [لكي نفهم طبيعة التوازن الاجتماعي في المدن العراقية ندرس شخصية "الاشقياء" فهؤلاء كانوا يمثلون القيم الاجتماعية السائدة المحمودة منها والمذمومة] انتهى

لم يسأله احد عن عدد الاشقياء في الناصرية او الحلة او النجف او الموصل انه يدرس شخصية شقاوات ازقة بغداد ويبني عليها تصوراته عن مجتمع مثل المجتمع العراقي. 

الراحل الوردي شغل الناس بعناوين كتبه والعبارات ولااصطلاحات التي صدمت وتصدم وأربكت تربك فأخرست وتُخْرِسْ حيث كانت جديدة عجيبة عند بعض النخب والكثير من المتعلمين مثل التناشز والعائنية والخارقية والازدواجية وهذه ال"الصفنة" مستمرة لليوم والكثير منها في هذا الكتاب رغم ان بعض من ساهم فيه تجاوزوا موقع الوردي العلمي وتجاوزوا عدد الكتب التي أصدرها والمقالات التي كتبها ونشرها وتجاوزوا عدد اللقاءات الصحفية والتلفزيونية التي اجراها وتجاوزوا عدد الدراسات التي اجروها.

وقد أشار الوردي دون ان يقصد الى نفسه عندما كتب في ص 19 من كتاب مهزلة العقل البشري التالي: [على الواعظين أن يفحصوا قوة التيار قبل محاولتهم أن يقاوموه إن عليهم بعبارة اخرى أن يفهموا أو يسكتوا]. لكنه لم يفحص قوة التيار قبل محاولته مقاومته...ولم يفهم فسكت واُسكت؟ 

ورد في ص13 من التقديم/ المقدمة التالي: [لقد تبارت الكتب بعدد ونوع من يقرؤها فكانت الغلبة لكتب الوردي ليس لكونه عراقياً قحاً وقريب من هواجس الناس او من طبيعة أسلوبه السردي الممتع ولغته المبسطة المفهومة الممتعة. لكنه كان دقيق الرصد عميق التحليل ومتسقط العلة قبل المعلول والمضمون قبل الشكل والوسائل قبل الغايات كل ذلك جعله  مقروء من قبل جل الطبقات والاطياف الفكرية وبالرغم من منهجه البحثي ومن عدم مداهنته او موالاته لأي قوى متسلطة في تلك الحقبة من محافظة ملكية ودينية طائفية ومثقفة كما قومية عروبية او يسارية او ليبرالية] انتهى

أسأل كاتب التقديم/ المقدمة: كم عدد من كان بأستطاعته شراء الكتب او عدد من يستطيعون استعارتها من المكتبات العامة ان وجدت حتى تقول:""تبارت الكتب""؟ وحتى اليوم كم عدد من يقرأ ما يشتري من الكتب وان قرأ قرأه بتمعن وروية؟ هل قرأت هذا الكتاب الذي كتبت له التقديم/ المقدمة؟ الجواب كلا وانا أتوقع انه في مكتبتك البيتية وربما التقطت معه صورة عند صدوره...انا استطيع ان أقول انك لم تقرأهُ وان طلبت مني بيان ذلك فأنا على استعداد لذلك.

ما معنى عراقي قح التي وردت ومَنْ هُمْ العراقيين الاقحاح؟ انا لا اشكك بعراقية الوردي لاعتبارات كثيرة لكن كيف عرفت انه عراقي قُحْ؟

قد يكون الراحل الوردي دقيق الرصد لكن آتني ببعض الحالات التي كان فيها دقيق الرصد عميق التحليل ومتسقط العلة قبل المعلول ومتسقط المضمون قبل الشكل او متسقط الوسائل قبل الغايات؟ 

وانا سأعرض عليك وعلى القراء الكرام ما يشير الى عكس ما تقول.

تقول: (كل ذلك جعله مقروء من جل الطبقات والاطياف الفكرية)...وانت من كتبَ في ص16 التالي: [لقد كان الوردي جريئا بنقده المجتمع العراقي وتداعى الامر ان يتحالف ضده الجميع من طرف اليمين حتى طرف اليسار وتحالف الشيوعي والعروبي والاخواني ورجال الدين وحتى الليبراليين ضده وهكذا كثر خصومه وضعفت قواه ثم خارت وانحسر وافل وترك الحلبة لمن صال وجال من مدعي الفكر مثل عبد العزيز الدوري الذي أعاد بعث فكرة الشعوبية خير الله طلفاح المروج لعروبة الجعيفر وتكريت والاعظمية دون العراق...] انتهى

وفق هذا النص أسألك هنا: إذن من قرأ الوردي اذا كانت كل تلك الجماعات والمسميات وجماهيرها التي تعني المجتمع العراقي بالكامل تقريباً تحالفوا ضد الوردي؟

لماذا ضعفت قواه ثم خارت وانحسر وافل وترك الحلبة لمن صال وجال...؟ الا يعني ذلك ان الوردي وما طرح وفق قولك هذا من الهشاشة بحيث لم يجد له نصير او معين وكل ما طرحه مسحت به الأرض؟ وينطبق عليه قوله الذي ورد أعلاه وهو: [على الواعظين أن يفحصوا قوة التيار قبل محاولتهم أن يقاوموه إن عليهم بعبارة اخرى أن يفهموا أو يسكتوا].

وقوله في وعاظ السلاطين/ المقدمة ص5/6 التالي: [انهم يحسبون النفس البشرية كالثوب الذي يغسل بالماء والصابون فيزول عنه ما اعتراه من وسخ طارئ وتراهم بذلك يهتفون بملء افواههم: هذبوا اخلاقكم أيها الناس ونظفوا قلوبكم فإذا وجدوا الناس لا يتأثرون بمنطقهم هذا انهالوا عليهم بوابل من الخطب الشعواء وصبوا على رؤوسهم الويل والثبور واني اعتقد بان هذا اسخف راي واخبثه من ناحية الإصلاح الاجتماعي فنحن لو بقينا مئات السنين نفعل ما فعل اجدادنا من قبل نصرخ بالناس ونهيب بهم ان يغيروا من طباعهم لما وصلنا الى نتيجة مجدية ولعلنا بهذا نسيء الى مجتمعنا من حيث لا ندري] انتهى

وهنا ينطبق على الراحل الوردي الوردي قولك: [وتداعى الامر ان يتحالف ضده الجميع من طرف اليمين حتى طرف اليسار وتحالف الشيوعي والعروبي والاخواني ورجال الدين وحتى الليبراليين ضده وهكذا كثر خصومه وضعفت قواه ثم خارت وانحسر وافل وترك الحلبة لمن صال وجال من مدعي الفكر]

  وورد في ص6 وعاظ السلاطين التالي: [لقد جرى مفكرونا اليوم على اسلوب اسلافهم القدماء لا فرق في ذلك بين من تثقف منهم ثقافة حديثة أو قديمة كلهم تقريباً يحاولون أن يُغَّيروا بالكلام طبيعة الانسان. وكثيراً ما نراهم يطالبون الناس بمواعظهم ان يغيروا من نفوسهم اشياء لا يمكن تغييرها. فهم بذلك يطلبون المستحيل. وقد أدى هذا بالناس الى أن يعتادوا سماع المواعظ من غير أن يعيروا لها أذناً صاغية] انتهى

وهذا ينطبق على الراحل الوردي فرغم انه تثقف ثقافة حديثة فقد رغب/ حاول ان يغير طبيعة الانسان بالكلام وطالب الناس ان يغيروا ما بأنفسهم من خلال ما القى وكتب ونشر وتشعب بين خوارق اللاشعور والاحلام و واسطورة الادب الرفيع وهو يعرف وهو ايضاً من الناس الذين يقرأون المواعظ "الكتب" من غير ان يعيروا للدقة اهتمامهم او انهم لا يحسنوا النقل ولا يُصْدِقوا فيه تعمداً كما الوردي او اهمالاً كما الاخرين...حتى محبيه وممن اسماهم ب(البه به تشيه) لم يعرفوا اسمه الصحيح فأخرجوا وفي هذا الكتاب اسمين له كما اشرنا سابقاً وسنشير اليه في قادمات.

ثم لماذا هذا النفس الطائفي المقيت في طرحك أسمَّي عبد العزيز الدوري وخير الله طلفاح رغم عدم توافقي مع طروحات الأول وعدم احترامي للثاني...الاول صاحب رأي كما الوردي وكما جنابك الكريم اما كيف عَّبَرَ او يعبر عن رأيه فالشجاعة تكون في الرد عليه وفضحه وليس التهجم بهذه الطريقة العنصرية...اما الخرف خير الله طلفاح ...فهل الجعيفر وعروبتها وتكريت وعروبتها والاعظمية وعروبتها تحتاج ان يدافع عنها مثل هذا الشخص المعتوه؟ او ان عروبة المناطق الأخرى يمسها مثل هذا المعتوه.

ثم من قال لك ان العراق عربي؟ في العراق خليط وانت من كتب في ص19 التالي: [يمكث قصدنا في هذا الكتاب احياء اثر علي الوردي من باب حث النفوس على قراءة متأنية لللاإنتماء التشرذمي ويأتي الامر من ايماننا بان العراق البشري وليس الجغرافي بلد فسيفسائي الأصول والفصول فلا تفاضل ولا امتياز لأصل ولون عن اخر الا بالولاء والانحياز الإيجابي للبلد وأهله ومصلحته وتراثه ولا ضير في هكذا اختلاف فموقع تلك الواحة الغناء والانثى الغنجاء المترفة وسط هضاب ووهاد لبدو اجلاف شبقين جعل افئدتهم تهفوا اليها متطلعة للانقضاض او الهجرة او خطب الود وامسى من جانب اخر ساحة وغى للمتناطحين المتنافسين والجبابرة فاتوها من الصين واسيا  وفارس واليونان والجزيرة واليمن وأخيرا من بريطانيا وأمريكا النائية وهو امر طبيعي في السلوك الإنساني فلا يمكن ان يهرب العراق من محيطه البدوي العربي والفارسي والتركي والكردي والمغولي او يمنع عنه من يطمع به حتى من اخر الدنيا ولا بد من الإقرار بان سكان العراق هجين جميل وبوتقة زجاجية مرهفة لتصاعد النوع الاجناسي بين تلك الارومات البشرية التي يحتمل ان تتهشم في لحظة دعة او عفن او ترهل يصيب بنيتها او تاجيج لمتربص بالشر او صب للزيت على النار من يد طامع  تحت الرماد لكن وبالرغم من كل مناخات التاريخ وكثرة الانتصارات والاحتلالات نقر دون مواربة نصاب ان العراق يمكث منتصبا ومقبرة نموذجية للبداوة الهمجية...] انتهى

وتخص الدكتور عبد العزيز الدوري بالقول: [ومن المفارقات ان سحنة الرجل شقراء وعيونه ملونة وكأنه من شعوب الشمال والصقالبة ولا استطيع ان افسر شغفه بأصول عدنان وقحطان في اليمن والحجاز ونحن نعلم ماهي سحنتهم واشكالهم...] انتهى

اليس وصف لون عيون الدكتور عبد العزيز وسحنته  ينطبق على قولك العجيب الغريب: [هجين جميل وبوتقة زجاجية مرهفة لتصاعد النوع الاجناسي بين تلك الارومات البشرية!!!!] وانت من كتب في نفس المقطع: [ويأتي الامر من ايماننا بان العراق البشري وليس الجغرافي بلد فسيفسائي الأصول والفصول فلا تفاضل ولا امتياز لأصل ولون عن اخرإلا بالولاء والانحياز الإيجابي للبلد وأهله ومصلحته وتراثه ولا ضير في هكذا اختلاف...الخ]

اسألك موقفك عن اشكال الكثير من أهالي الموصل الكرام او الكورد الكرام او أهالي عانه وراوة الكرام هل لديك القدرة على الإشارة اليهم كما اشرت الى دكتور عبد العزيز الدوري؟ كم من أهالي بعض المحافظات الجنوبية عيونهم ملونة وسحنتهم لا تقترب من سحنة اهل اليمن؟...هل فكرت يوماً بأن قحطان وعدنان يشبهون أهالي الهند؟ هل سألت نفسك عن بلال الحبشي؟ هل سألت نفسك عن السحنات في البصرة أنك هنا لا تختلف عمن قال عن أهل الاهوار انهم جاء بهم محمد القاسم مع دوابهم؟ هل قرأت ما ذكره علي الوردي عن المعدان؟

كتبتَ في ص19: [وهكذا مكثت النخب تجسد مفهوم "ثقافة الصفوة" التي تقع على النقيض من ثقافتنا المسترسلة من سومر حتى الإسلام وتميزت دائما بمشاعيتها (جماهيريتها)  وهو ما أدى الى قطيعة جعلت النخب تندب حضها العاثر وتشق جيبها على تخلي الناس عنها فقد تركتهم الجموع عند ساعة الحقيقة والانقلابات التاريخية الكبرى وتبعوا "روزخون" او شيخ جامع لا يفقه بشيء او سياسي يقول ما لا يفعل ...]

وهذا حال الراحل علي الوردي بالضبط كما احسنت وصفه عندما كتبت في ص 16 التالي: [لقد كان الوردي جريئا بنقده المجتمع العراقي وتداعى الامر ان يتحالف ضده الجميع من طرف اليمين حتى طرف اليسار وتحالف الشيوعي والعروبي والاخواني ورجال الدين وحتى الليبراليين ضده وهكذا كثر خصومه وضعفت قواه ثم خارت وانحسر وافل وترك الحلبة...الخ]

 يتبع لطفاً

 

عبد الرضا حمد جاسم

 

في المثقف اليوم