قراءة في كتاب

محمود محمد علي: غواص في كتاب علم المصطلح لعلي القاسمي (3)

محمود محمد عليفي الفصل الثاني من هذا الكتاب الذي بين أيدينا يحدثنا الدكتور القاسمي عن أصل اللغة، وكيف يمثل موضوع بحث ونقاش ونقاش منذ قرون وإلى الآن الآراء غير متفقة حول الأصل الفعلي أو عمره، فانعدام الدليل الواضح والمباشر سبب صعوبة دراسة هذا الموضوع، حيث يستحيل العثور على اللغات في شكل أحافير كما هو حال الأشياء الملموسة الأخرى، وبناءً على ذلك يجب على كل من ينوي دراسة أصل اللغة أن يستخلص الاستنتاجات من أنواع أخرى من الأدلة كسجل الأحافير والأدلة الأثرية وأيضا من التنوع اللغوي المعاصر ومن دراسات اكتساب اللغة أو المقارنات بين لغات البشر ونظم التواصل بين الحيوانات، خصوصاً الرئيسيات. ولكن ثمة اتفاق عام في نظر الدكتور القاسمي وهو أن أصل اللغة متصل بشكل قوي بأصل سلوك الإنسان الحديث، والاتفاق بسيط حول الآثار المباشرة بشأن هذا الصدد (19) .

ثم ينتقل المؤلف للحديث عن أصل اللغة في التراث العربي الإسلامي، حيث قام الفلاسفة، والأصوليّون، والمُتكلِّمون، واللغويّون بالبحث حول أصول اللغة، ومن الآراء التي طرحوها في ذلك ما يأتي: اللغة توقيفية: وتكون اللغة توقيفيّةً إمّا بالتلقين، أو بالإلهام وقد قال بهذه النظرية ابن فارس في الصاحبي وغيره، ودليل هؤلاء دليل نقلي لا عقلي، وهو قوله تعالى : " وعلّم آدم الأسماء كلها " . (20)، واللغة اصطلاح أي أن اللغة ابتدعت بالتواضع والاتفاق، ومن أنصار هذه النظرية ابن جني وغيره، وليس لهذه النظرية دليل، غير أنهم يشيرون إلى أن كل شيء لا يرتجل ارتجالا بل يتكون بالتدرج والاتفاق  (21)، واللغة محاكاة لأصوات الطبيعة وذلك لكونها نشأت نتيجةً لتطوُّر الانفعالات البشريّة بشكل طبيعيّ مع الأصوات الحيوانيّة، والطبيعيّة، وقد استخدمَ الإنسان في بداية نشأته الإشارات، والحركات في التعبير، ثمّ طوَّر وسائل التعبير حتى استطاع الوصول إلى النُّطق، والكتابة؛ وبالتالي فإنّ تطوُّر اللغة يرتبط بتطوُّر الكائن الحيّ (22). ثم انتقل أبا حيدر بعد ذلك للحديث عن أصل اللغة في الدراسات الغربية الحديثة خلال القرن التاسع عشر، حيث تحدث الدكتور القاسمي عن تحدث بإفاضة عن نظرية الباو  واو وتهب إلى أن أصل اللغة محاكاة أصوات الطبيعة، كأصوات الحيوان وأصوات مظاهر الطبيعة، والتي تحدثها الأفعال عند وقوعها (23)، ونظرية البوه بوه وتذهب إلى أن اللغة الإنسانية بدأت في صورة تعجبية عاطفية، صدرت عن الإنسان بصورة غريزية للتعبير عن انفعالاته من فرح أو وجع أو حزن أو استغراب  (24)، ونظرية الدينغ دونغ وخلاصتها أنّ الإنسان مزوّد بفطرته بالقدرة على صوغ الألفاظ الكاملة، وهو مطبوع على الرّغبة في التّعبير عن أغراضه بأية وسيلة من الوسائل، غير أنّ القدرة على النّطق بالألفاظ لا تظهر آثارها إلّا عند الـحاجة أو في الوقت الـمناسب (25)، ونظرية الغوغو وملخصها أن اللغة الإنسانية بـدأت بالمقـاطع الطبيعية التي يتفـوه بهـا الإنـسان عفويـا، عنـدما يـستعمل أعـضاء جـسمه فـي العمـل اليـدوي، كمـا نسمع إذا وقفنا بقرب رجل يحمل ثقلا أو حداد يعمل (26) .

وبعد ذلك انتقل المؤلف للحديث عن أصل اللغة في القرن العشرين من خلال حديثة عن نظرية أصل اللغة تطور لغة الطفل (27)، ونظرية جورج تريكر والذي خص موضوع أصل اللغة بفقرة عن المادة، وأكد في بدايتها جهل علماء اللغة بأصلها، وعدم اتفاقهم على الفرضيات الموجودة، وتقدم هو نفسه بافتراض يشارك فيه القائلين بالتطور اللغوي على غرار نظرية النشوء والارتقاء لدارون (28)، ونظرية هوكت وآشر واللذان ينطلقان من نظرية التطور، ويتخذانها أساسا لنظريتهما في التطور اللغوي (29)، ونظرية كورباليس كما تجسدت في كتابه " من اليد إلى الفم : أصول اللغة، والذي بسط فيه فرضيته عن تطور لغة الإنسان، وهي لا تختلف من حيث الأساس، عن فرضيات الدارونيين، إلا في زعمه أن لغة الإنسان الأول كانت تعتمد على إشارات كثيرة وأصوات قليلة، وبمرور الزمن وبنمو مخ الإنسان وتطور جهازه الصوتي، ازدادت كمية الأصوات وقل عدد الإشارات (30)، وأخيرا يعقب الدكتور القاسمي علي نظريات تطور اللغة برأيه الشخصي فيقول :" إن هذه النظريات هي مجرد فرضيات تستند إلى الخيال، لأنها لا تعتمد على سند علمي تاريخي ؛ فالتاريخ الذي يوصف بالعلمي هو التاريخ الذي يقوم على مستندات مدونة وما عداه من دراسات تعتمد علي تحليل طبقات الأرض أو قشور جذوع الأشجار أو رسوم كهوف الإنسان القديم أو الجماجم والهياكل العظيمة، فهي دراسات شبه علمية، ولما كانت الكتابة قد اخترعت قبل بضعة آلاف من السنين فقط وأن الكلام سابق على الكتابة بملايين السنين، فإنه من الصعب الاستناد على وثائق مكتوبة حول تطور اللغة، ولهذا تسمي العصور التي سبقت الكتابة بعصور ما قبل التاريخ، فالتاريخ يبدأ مع وجود اللغة، ومع ذلك، فإننا نؤمن بأن التقدم العملي سيتمكن في المستقبل من التوصل إلى معرفة علمية بشأن أصل لغة الإنسان وتطورها، وسيكون الطريق إلى ذلك، في تصورنا، من خلال الكلام نفسه، فقد ثبت علميا أن الأصوات لا تموت، وإنما تبقي معلقة في الهواء، وفي طبقات الجو المختلفة، وقد تمكنت التكنولوجيا الحديثة من اختراع أجهزة تستطيع استجلاب تلك الأصوات من طبقات الجو والاستماع إليها،وقد تكون هذه التقنية هي التي ستزودنا في المستقبل بوسيلة لوضع نظرية علمية من أصل لغة الإنسان وتطورها (31). وقبل أن ينهي الدكتور القاسمي هذا الفصل نجده بلحقه بسؤال مهم وضروري وهو : هل البشرية من سلالة لغوية واحدة؟ .. وهنا يجينا المؤلف بالنفي فيقول :" .. ومن يتأمل أقوال كبار المستشرقين، عن ولادة اللغة العربية مكتملة وأنها لم تعرف طفولة ولا شيخوخة وأنها أقدم من أي تاريخ، قد يميل إلى قبول أن لغة الإنسان الأولى توقيف " (32).

وفي الفصل الثالث من هذا الكتاب وهو بعنوان " لغة الإنسان ولغة الحيوان"، وهنا نجد المؤلف يبدأ هذا الفصل فيتساءل : هل للحيوان لغة؟ .. نظر المؤلف هناك معضلة تتمثل في أن اللغة كنسق من الرموز والإشارات في نظر البعض خاصية إنسانية فقط ولا تتعدى إلى باقي الكائنات الأخرى، ومن ثم تعد اللغة خاصة بالإنسان فقط دون غيره من الكائنات فهي منتوج ثقافي وفكري تميز هوية الإنسان عن غيره من الكائنات أما لغة الحيوان فلن ترقى أن تكون لغة فهي مجرد ردود أفعال انفعالية غرائزية تهدف إلى حفظ البقاء وما يؤكد ذلك هو أن اللغة ليست ذات طابع مادي فقط يعني أنها ليست مجرد اصوات تصدر لتوفر شروط مادية كالحنجرة والشفتين واللسان بل تطلب وجود العقل أي الطابع الذهني وهو الوعي؛  إلا أن البعض الآخر أكد أنها لا ترتبط بالإنسان فقط بل عالم الحيوان، فللحيوان لغة يعبر بها عن حاجياته الضرورية ويتواصل بها مع غيره،وهناك دلائل عديدة تؤكد ذلك منها التجارب التي قام بها العلماء على الحيوان، حيث تبين لهم قيام الحيوانات بسلوكيات معينة وإصدار اصوات للتعبير عن الحاجة .. وينهي الدكتور القاسمي هذا الجدال إلى أنه بالفعل أن اللغة كظاهرة حيوية مرتبطة بالإنسان لكن الواقع يؤكد أن للحيوان لغة يتواصل بها ولها القدرة على إصدار اصوات وكلمات (33).

وجاء الفصل الرابع بعنوان " وظائف اللغة "، حيث بين المؤلف أن وظيفة اللغة الأساسية هي: التعبير عن الاحاسيس وتبليغ الافكار من المتكلم الى المخاطب فهي بهذا الاعتبار وسيلة للتفاهم بين البشر وأداة لا غنى عنها للتعامل بها في حياتهم.. ويمكن تخليص وظائف اللغة على النحو الاتي:-

1-الوظيفه الفكرية:-إن الانسان يمتاز عن سائر الحيوانات بالفكر والقدرة على التصور والتخيل والتحليل والتركيب، واللغة في الحقيقة لا غنى للإنسان عنها فهي الوسيلة لإبراز الفكر من حيز الكتمان الى حيز التصريح. وهي أيضا عماد التفكير الصامت والتأمل ولولاها لما استطاع الانسان أن يسير نحو الحقائق حينما يسلط عليها أضواء فكره (34).

2-الوظيفة الاجتماعية:-أنً اللغة تبلور الخبرات البشرية وتجارب الامم في كلام مفهوم يمكن ان يستفيد منه الاخرون،وتدون التراث الثقافي (35).

3-الوظيفة النفسية: فاللغة خير وسيلة للتحليل فبواسطتها يستطيع الفرد أن يحلل اية فكرة الى أجزائها،فإذا سألك شخص عن وصف حادثة شهدتها فإنك ستجيب عن الأسئلة الاتيه: ماذا وقع؟ ومن هو الشخص الذي وقع له الحادث؟ ومتى؟ وكيف؟ ولماذا؟ وما هي الظروف المرافقة للحادث وملابساته ونتائجه؟ (36)، وأما الفصل الخامس فقد جاء بعنوان " اللغة العامة واللغة الخاصة : خصائص اللغة العلمية"، وفي هذا الفصل يبين لنا أبا حيدر بأن مفهوم اللغة الخاصة يرتبط بالاستعمال اللغوي الخاص بمجال علمي أو تقني أو فني، وأن اللغات الخاصة تتكون من مجموعة من العناصر اللسانية التي تبرز في مقامات معينة إبان التواصل بين المتخصصين في نفس المجال. لذلك فإن ارتباط وحدة معجمية بمجال تقني معين يحدده استعمالها في سياق تواصلي ذو طبيعة تقنية؛ ومن ثم فإن لغات التخصص لا تشكل لغات منعزلة ما دامت تستعمل الموارد اللسانية للغات المشتركة (37) ؛ ثم يعقد المؤلف في هذا الفصل مقارنة بين النص الأدبي والنص العلمي، ويميز الأخير بأنه يتميز بالموضوعية، والدقة، والبساطة والوضوح، والإيجاز (38)، كذلك يناقش المؤلف في هذا الفصل أهم الاعتراضات على معيارية اللغة، فيقول: " وعلى الرغم من وجاهة هذه الاعتراضات، فإن القارئ الذي يطالع نصين، أحدهما أدبي، والآخر علمي، يلحظ وجود فروق بينهما على المستويات اللفظية والتركيبية والدلالية والأسلوبية (40).

وفي الفصل السادس والذي عنوانه " في ألفاظ الحضارة"، وفي هذا الفصل يطرح علينا الدكتور القاسمي مسألة ألفاظ الحضارة أو ألفاظ الحياة اليومية والتي يلتبس الأمر علينا إزائها، فلا ندري إذا كانت هذه ألفاظ عامة فنتركها للغويين، أم هي ألفاظ خاصة يتوجب علينا التعامل معها ومعرفة مفاهيمها وتحديد مواقع هذه المفاهيم في منظوماتها المفهومية، وهذا يتطلب معرفة مفهوم الحضارة نفسها، وهو أمرّ يسبب صداعا أليما حتى للمختصين بالفلسفة وعلم الاجتماع (41)، وفي غمرة الحيرة التي تلف المصطلحيين، يقع بين أيديهم معجم وضعه مجمع اللغة العربية بعنوان (معجم ألفاظ الحضارة ومصطلحات الفنون)، فيسرون به كثيرا لأن مكونات هذا المعجم ستحدد لهم مكونات الحضارة، فلا يحتاجون إلى تعريفها، وسيعرفون الكل عن طريق الاطلاع مسميات أجزائه. وهكذا يستعرضون هذا المعجم فيجدون أنها تتألف من قسمين: القسم الأول، ويشتمل على أسماء، أما القسم الثاني من المعجم فيتألف من ألفاظ الفنون التشكيلية ومصطلحاتها (42)، ومما يطمئن المصطلحيين إلى أن المكونات المذكورة هي المقصود من الحضارة أن مجمعا لغويا عربيا آخر يسعى إلى وضع معجم لألفاظ الحضارة (43)، ثم يتطرق أيضا المؤلف في هذا الفصل للحديث عن  أهداف توحيد ألفاظ الحضارة، حيث يتساءل المصطلحي عن الهدف من وضع مقابل صحيح لألفاظ الحضارة؛ فيجد الجواب في كتابات المرحوم محمود تيمور الذي كان له الفضل في طرح الموضوع على مجمع اللغة العربية في القاهرة، إذ يقول: " إن السعي إلى وضع مقابل صحيح لألفاظ الحضارة أو الحياة العامة ليس مقصودا به فرض ذلك على أفواه العامة في البيوت والأسواق، ولكن نقصد به إسعاف الأقلام الكاتبة بما يسد حاجة التعبير من ألفاظ فصاح لمسميات حضارة شاملة…" وحول سؤال هل المصطلحات الإدارية والاقتصادية من ألفاظ الحضارة؟.. ويجيبنا المؤلف بأنه إذا كانت الغاية من توحيد ألفاظ الحضارة تمكين وحدة اللغة العربية وبالتالي تيسير التواصل بين أبناء الأمة العربية وإرساء الأسس اللغوية لوحدتها، فإن من أكثر ألفاظ الحضارة شيوعا بين الناس أسماء النقود والمؤسسات الإدارية والتربوية، ففي العراق يتعامل الناس بالدينار والفلس، وفي السعودية بالريال والهللة، وفي مصر بالجنيه والمليم، وفي المغرب بالدرهم والسنتيم. وفي الأردن نجد في المؤسسات الإدارية المتصرف والقائم قام، وفي مصر المحافظ والعمدة، وفي المغرب الوالي والعامل. وفي العراق يذهب الأطفال إلى المدرسة فيدخلون الصف، أما في مصر فيدخلون الفصل، وأما في المغرب فيدخلون القسم، وهكذا دواليك (44)، وحول توحيد ألفاظ الحضارة في اللغة العربية يقدم لنا المؤلف ثلاثة ملاحق : الأول ويدور حول مجالات ألفاظ الحياة العامة التي حددها مجمع الغة العربية الأردني (45)، والثاني : حقول "معجم الحضارة الحديثة" للمجمع العملي العراقي (46)، والثالث : بيان من مجمع اللغة العربية الأردني عن معجم ألفاظ الحياة العامة في الأردن (47).

وجاء الفصل السابع بعنوان " تخطيط السياسة اللغوية ومكانة المصطلح العملي فيها"، وفي هذا الفصل يؤكد المؤلف بأن :" المجتمعات المعاصرة المتطورة قد أولت تنمية اللغة القومية وتخطيط السياسة اللغوية اهتماما بالغا وعناية خاصة، فشجعت البحوث المتعلقة بها وأقامت المؤسسات المسؤولة عنهما، ونما نتيجة لذلك علم جديد مشترك بين علوم الاجتماع والسياسة واللغة يسمي بـ " علم اللغة الاجتماعي "، موضوعه التنوع اللغوي في المجتمع الواحد وغايته تخطيط السياسة اللغوية بطريقة موضوعية ووسائل منهجية (48) والسياسة اللغوية في نظر الدكتور القاسمي تتمثل في مجمل الخيارات الواعية المتخذة في مجال العلاقات بين اللغة والحياة الاجتماعية، وبالأخص بين اللغة والحياة في الوطن (49)، ثم يؤكد المؤلف بأنه قد واكبت ظهور مصطلح السياسة اللغوية مصطلحات أخرى يشوش بعضها على بعض، وعلى رأسها مصطلح التخطيط اللغوي الأكثر استعمالا اليوم (50)، كذلك في هذا الفصل يناقش المؤلف عدة محاور منها : غياب استراتيجية لغوية (51)، والمقومات السياسية اللغوية الحكيمة ويحددها كالتالي : تعميم استعمال اللغة القومية، ونشر اللغة العربية في العالم، وتعلم اللغات الأجنبية، والترجمة إلى اللغة العربية ومنها، وتنمية اللغات الوطنية، وتوحيد المصطلحات العلمية والتقنية العربية (52)، ويخلص في هذا الفصل إلى نتيجة مهمة وهي كما يقول :" إن الأماني القومية للأمة العربية، والتحديات الجسيمة التي تمتلكها، تتطلب وجود استراتيجية شاملة متكاملة لجوانب السياسة اللغوية المختلفة، يتولي القيام بها جهاز متخصص في جامعة الدول العربية، ويتضافر على وضعها نخبة من علماء السياسة والاقتصاد واللغة والاجتماع، وتحظى بدعم الدول العربية وقبولها والتزامها بها، بنية صادقة مدركة، لتسهم هذه الاستراتيجية اللغوية بصورة فاعلة مؤثرة في تغيير الأوضاع وتطويرها باتجاه التنمية البشرية الشاملة (53).

وننتقل للباب الثاني وهو بعنوان "التعريب والترجمة"، ويضم هذا الفصل ثلاثة فصول : الثامن والتاسع والعاشر ، وفيما يخص الفصل الثامن والذي جاء بعنوان : التعريب : دلالته وضرورته، وفي مقدمته يقول المؤلف :" يتفق الفلاسفة وعلماء الدلالة على عدم وجود رابطة حتمية أو مادية أزلية بين الدال والمدلول، أو بين اللفظ ومعناه، وإنما يكتسب اللفظ معناه من تواضع جماعة الناطقين عليه واستعماله . وقد يغير اللفظ الواحد معناه أو يكتسب عدة معان إضافية بمرور الزمن من جراء الاستعمال، ويستطيع الباحث أن يستخلص معني اللفظ أو معانيه من استقراء الاستعمال، أي من دراسة النصوص المكتوبة أو المنطوقة التي يرد فيها ذلك اللفظ (54)، وبعد استقراء الاستعمال اللغوي الحديث للفظ (التعريب)، يحاول المؤلف أن يوجد لنا أربع دلالات رئيسية للتعريب، مرتبة من الخاص إلى العام : ترجمة كلمة أجنبية إلى العربية، وترجمة نص كامل إلى العربية، واستخدام قطر كامل اللغة العربية، واستعمال العربية لغة للإدارة والتعليم (55)، ثم يتنقل المؤلف للحديث عن حال التعريب في الوطن العربي، وهنا يؤكد على حقيقة هامة وهي كما يقول:" لقد رزحت معظم البلاد العربية لقرون طويلة تحت الحكم العثماني الذي تبني في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلاديين سياسة التتريك، ففرض اللغة التركية على المدارس الرسمية والأهلية على السواء،ودُرست  جميع الدروس بما فيها التربية الإسلامية باللغة التركية، وبعد سقوط الحكم العثماني تقاسمت الدول الاستعمارية الأوربية، بريطانية، وفرنسه، وإيطالية، البلاد العربية وفرضت لغاتها عليها في الإدارة والتعليم . ولكن الوعي الوطني المتنامي في هذه البلاد أدى إلى مكافحة الاستعمار وتحقيق الاستقلال الوطني والعودة إلى اللغة العربية (56) ؛ ولكن هذه العودة كما يري الدكتور القاسمي إلى اللغة العربية في الإدارة والتعليم تفاوتت من بلد عربي إلى آخر تاريخا وكما وكيفا . وبصورة عامة، يمكن القول بأن أقطار المشرق العربي سبقت أقطار المغرب العربي إلى التعريب، وذلك لأسباب عديدة أهمها أن الأقطار العربية في المشرق حازت على استقلالها في النصف الأول من القرن العشرين، في حين نالت الأقطار العربية في المغرب العربي استقلالها في النثف الثاني منه (57).

وثمة نقطة جديرة بالإشارة يؤكد عليها المؤلف هنا، وهو أن الاستعمار الفرنسي كان استعمارا استيطانيا في أقطار المغرب العربي، فنظر إلي تلك الأقطار، كما لو كانت جزء من فرنسا، وحاول طمس الثقافة العربية وإحلال الثقافة الفرنسية محلها بشتي الطرق ومختلف الوسائل، فحارب العربية وبذل جهودا جبارة في نشر الفرنسية وترسيخها في تلك البقاع، علاوة على أنه كانت أقطار المشرق العربي أسبق إلى النهضة التربوية الحديثة، فتوفرت لها أطر وطنية أكثر مما توفرت لأقطار المغرب العربي، فقد بدأت البعثات المصرية والسورية تتجه إلى أوربا للدراسة منذ مطلع النصف الثاني من القرن التاسع عشر ـ وتبع ذلك فتح المدارس والكليات على نطاق واسع (58) ... وللحديث بقية..

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

أستاذ فلسفة المنطق واللغة بكلية الآداب - جامعة أسيوط.

.............................

الهوامش:

19-علي القاسمي : علم المصطلح، ص 53.

20- المصدر نفسه، ص 54.

21- المصدر نفسه، ص 55.

22- المصدر نفسه، ص 56.

23- المصدر نفسه، ص 60.

24- المصدر نفسه،  والصفحة نفسها.

25- المصدر نفسه، ص 61.

26- المصدر نفسه، ص 62.

27- المصدر نفسه، ص 63.

28- المصدر نفسه، ص 64.

29- المصدر نفسه، ص 65.

30- المصدر نفسه، ص 66.

31- المصدر نفسه، ص 67.

32- المصدر نفسه، ص 68.

33- المصدر نفسه، ص 66-80.

34- المصدر نفسه، ص 86.

35- المصدر نفسه، ص 87.

36- المصدر نفسه، ص 88.

37- المصدر نفسه، ص ص 93-95

38- المصدر نفسه، من 96-99

39-  المصدر نفسه، ص 100.

40-المصدر نفسه، ص 104.

41- المصدر نفسه، ص 105.

42- المصدر نفسه، ص 106.

43- المصدر نفسه، ص 107-111.

44- المصدر نفسه، ص 119.

45- المصدر نفسه، ص 122.

46- المصدر نفسه، ص 129.

47- المصدر نفسه، ص 132.

49- المصدر نفسه، ص 136.

50- المصدر نفسه، ص 138.

51- المصدر نفسه، ص 139.

52- المصدر نفسه، ص ص 136- 140.

53- المصدر نفسه، ص 143.

54- المصدر نفسه، ص 145.

55- المصدر نفسه، ص 146.

56- المصدر نفسه، ص 147.

57- المصدر نفسه، ص 148.

58- المصدر نفسه، ص 149.

 

في المثقف اليوم