قراءة في كتاب

الرسول الأعظم كما لم تعرفه

مجدي ابراهيمهذا كتابُ تدور فكرته حول درس جوانب الشخصية النبويّة في بعديها الإنساني والحضاري بوجه خاص، ويتضمّن بدايةً نسبه ومولده وطفولته وشبابه ثم خلقه وخُلقه، مع وافر البيان في سياق متصل وعبارة ناصعة عن الجانب الخُلقي في شخصه الشريف، وإن كان المؤلف لا يقتصر على هذا الجانب فقط؛ بل يتعدّاه إلى الحياة  الأسرية والجانب الاجتماعي، ثم السياسي والحربي، وتأسيس الدولة الإسلامية، وانتهاءً بوفاته صلوات الله وسلامه عليه؛ ليكشف المؤلف بذلك عن مجمل خصائص العظمة الإنسانيّة في شخصه الشريف.

إذا كانت هذه هى فكرة الكتاب الذي كتبه الأستاذ الدكتور زكريا هيبة، أستاذ أصول التربية بجامعة العريش وجامعة طيبة بالمدينة المنورة، فهو أولا ًكتاب أروع ما يكون دلالة على وعي كاتبه وتميّزه العلمي، فضلاً عن ظهور محبته الضافية للحبيب الأعظم، صلوات الله وسلامه عليه، ظهوراً بادياً بين كلماته، تجلّيها عباراته وتكشف نصوصه عن سعة إطلاعه وسعة مراجعاته.

آصرة القربى للقلم الذي يجري في رحاب خصاله الشريفة ومناقبه الكريمة هى آصرة الروح الباقية توجّهت بالاختيار والاصطفاء، ولم تكن لتتوجّه عبثاً من غير إمارة أو علامة، فلا يكتب عنه سوى مُجتبى ولا يركض في بحار نوره سوى سبّاح ماهر مدعوُّ منه للركض في بحار الأنوار النبويّة. الذين تهجموا على مناقبه  الشريفة ممّن لم يؤمنوا به وبرسالته كثيرون، لكنهم ليسوا بأكثر من الذين انصفوه وعرفوا خصاله وأخلاقه وهم من غير المؤمنين برسالته، وهؤلاء وهؤلاء ليسوا بشيء أمام القادر الحكيم الذي أطلعه بالإختصاص على آيات ربّه الكبرى.

كان شاعر فرنسا الكبير "لامارتين" يعتبر أن أعظم حدث في حياته هو أنه درس حياة رسول الله صلوات الله عليه، وأدرك ما فيها من عظمة وخلود. ومن هنا؛ فإنّ المؤلف يستفتح مقدّمة كتابه بحديث عذب عن عظمة الإنسان العظيم في الثقافات والحضارات المختلفة، ويعقبها  بخصائص العظمة النبويّة التي جمعت ما تفرّق من شمائل العظماء وافية غير منقوصة، ويرى أن الإنسان العظيم كما المحيط الواسع في أية ناحية تنظر إليه تراه يعانق السماء ويتسع نظره للمطلق غير المحدود، ويوحي هذا العناق بالسمو بكل مضامين الرفعة المعنويّة والماديّة معاً، لأنك في كل ناحية ترسل البصر فيها تجد جمالاً وفضلاً، وتقنع على الفور، بأن العين لم تحظ بعدُ بكل الجمال الذي فيه، ولم يدرك العقل بعدُ كل الخير الذي احتواه".

وإذا وُجد في العاصمة الإندونيسية جاكرتا متحفاً للسيرة النبوية به أكثر من مائتين ألف مصنّف في سيرة النبيّ العربي، فماذا عساه يقدّم كتاب عن شخصية الرسول عليه السلام؟ يرى المؤلف أنّه إذا كان ثمّة جديد يُقدّم، إن كان هنالك جديد، ففي طريقة المعالجة والطرح والاستنباطات، للوقوف، على بعض المعاني الإنسانية والحضاريّة من سيرته العطرة.

لكنني أرى غير ما يراه المؤلف، أرى أن عاطفة الكاتب سبقت القلم وسكنت القلب؛ فكانت سبباً في هذا التميز العلمي والضبطية المنهجية؛ ليحدثنا قائلاً : وماذا أصنع فيما لا أملك وقد سكن الحبيب، صلوات الله وسلامه عليه، ضميري؟

هي هذه؛ فلئن تكن هنالك بقيّة في نفس الكاتب أهلته للكتابة في هذا الميدان، فلا أقلّ من تكون آصرة المحبّة الجارفة، لها من وقائع نفسه دلالة وعلامة، ومن طوايا ضميره إشارة إلى كوامن حبّه عليه السلام.

فإنّ الجديد الذي يُضاف إلى مئات الألوف التي كتبت عن تفاصيل حياته الشريفة، إنما هو في شخوصنا نحن ممّا نقتبسه من نوره قبسات، وممّا ينعكس فينا من محبّته، وقد ظهر هذا في مقدّمة الكتاب الذي ألفه الدكتور زكريا هيبة، مضافاً إليه كتابات أخرى صنّفها، تتعلق بقصة الغرانيق المشهورة، وكتاب آخر في أخلاقيات الحرب للنبيّ صلوات الله عليه: ثلاثية معرفيّة وإنسانية أخرجتها قريحة المؤلف وظهر فيها عطفه ومحبته قبساً من نور النبوة. وليس بمانِعٍ لهذا القبس أن يظهر في كل محبّ صادق أخلص للمحبّة النبويّة وأحسن العمل على منهاجها في نفسه أولاً قبل أن ينشرها في آخرين.

وفي فصل بعنوان : الإنساني والحضاري في دعوته عليه السلام، ركز المؤلف على شواهد وأدلة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك إنسانيته الكبرى عليه السلام، ودعوته الحضاريّة الراسخة بين أعماق الأرض وأجواز السماء : عالج النزعات العرقية العالقة من أدران الجاهلية بقوة وحسم، ورفض العصبية المقيتة التي تتعارض مع التحضر والرقي، وأشاد بأوصال الأخوّة بين المسلمين، وركز على قيمة العلم، وقضى على الأصنام القديمة والمتجددة في سائر العصور، ومحى الوثنية بكل أطيافها الظاهرة والباطنة، ودعى إلى تحرير العقل البشري من رق الأغيار، من هذا الانعتاق المرذول، فجاءت دعوته عليه السلام، في ظلال القيم الكبرى، أسمى القيم الحضاريّة والإنسانيّة بإطلاق.

***

بقلم : د. مجدي إبراهيم

 

في المثقف اليوم