قراءة في كتاب

رحلة في كتاب: الجزائر من خلال رحلات المغاربة

السعيد بوشلالقرحلة في كتاب: الجزائر من خلال رحلات المغاربة في العهد العُثماني) تأليف مُولاي بَالحَميسي

الكتاب صدر عن الشركة الوطنية للنشر والتّوزيع - الجزائر-  1979. في 206 صفحات.

لقد قيل: (ولد الإنسان راحلاً) قول ينطبق على المسلمين إبان ازدهار حضارتهم.

ــ يقول ابن زاكور الفاسي: (إنّ الرِّحلة مِنّةٌ مِن الله نحلة تُكسبُ الغليظ الطِّباع غاية الرِّقة والانطباع وتُعقِبُ مَن كابد لها نصباً عِلماً غزيراً وأدباً...)

- وفيه أن أدب الرِّحلة ينقسم إلى:

- الرِّحلة في طلب العِلم.

- الرِّحلة الاستطلاعية.

- الرِّحلة للسَّفارة.

- الرِّحلة إلى الحجاز. (الحجّ إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة وزيارة مسجد وقبر سيِّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم). ومن ثَمّ زيارة المسجد الأقصى بيت المقدس بالقدس الشَّريف.

ــ لقد جاء هذا الكِتاب القيم ليزود المكتبة الوطنية التّاريخية بالإضافة الجديدة في مجال التّعرف على الجزائر في العهد العثماني من خلال أدب الرحلات. وهو يُقدم كتابات أربع رحالة مغاربة جابوا الجزائر انطلاقا من المغرب الأقصى خلال العهد العثماني. وهُم:

1 – التّمڨروتي؛ في كتابه (النَّفحَةُ المسْكية فِي السَّفارَة التُّركية):

هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي التّمڨروتي (نسبة إلى قرية تمقروت بوادي درعة بالمغرب الأقصى). ولِدَ حوالي 1560م. وتعلم في زاويتها. وتوفي بمراكش سنة 1003هـ / 1595م. ودفن بجوار القاضي عياض.  في سنة 1589م كلفه السُّلطان السّعدي أحمد المنصور التّمڨروتي بسفارة إلى أصطنبول، - هكذا - لتحسين العلاقات مع آل عُثمان، فخرج من مراكش ونزل بتطوان ثم أبحر ماراً أو نازلاً ببعض المدن السَّاحلية الجزائرية، واستمر السَّفر إلى أن عاد إلى تطوان في نوفمبر 1591م. وسجل الرَّحالة السَّفير التّمڨروتي انطباعاته وملاحظاته في كتاب سماه (النَّفحَة المسْكية فِي السَّفارَة التُّركية). وتحدث فيه التّمڨروتي عن الجزائر في ذهابه وإيابه. وفيه نجد معلومات تهُمّ البِلاد من الصّفحة 12 إلى 19 ثُم من الصّفحة 76 إلى 86 من الطّبعة الحجرية. حيث يذكر أحوال بعض هذه المدن التي مرّ أو نزل بها، فيذكر أحوال مدن هنين، وهران، مستغانم، تنس، شرشال، الجزائر المحروسة، دلس، بجاية، القُل، بونة.

وعنيَ التّمڨروتي عناية خاصة عناية خاصّة بأخبار العُلماء، الأحياء منهم والأموات، فكانت رحلته عبارة عن قائمة المشهورين منهم وكان للعاصمة الصّفحات الخالدة إذ مرّ بها التّمڨروتي وأقام مُدّة مكنته من أن يعرفها ويُعجب بها: فهي كثيرة الأسّواق والسِّلع والكتب والطّلبة والسُّفُن والجند ولا حظ تحصين أبراجها وشجاعة رياسها وتفوقهم العسكري حتّى على أتراك القسطنطينية. يقول: (ورياسها موصوفون بالشَّجاعة وفقوة الجأش ونفوذ البصيرة في البحر يقهرون النّصارى في بلادهم. فهُم أفضل من رياس القسطنطينية بكثير وأعظم هيئة وأكثر رُعباً في قلوب العدو. فبلادهُم لذلك أفضل من جميع بلاد أفريقية وأعمر وأكثر تُجاراً وفضلاً وأنفذ أسواقاً وأوجد سلعةً ومتاعاً حتى أنهم يُسمونها «اصطنبول الصُّغرى»... والكتب فيها أوجد من غيرها من بلاد أفريقية وتوجد فيها كتب الأندلس كثيراً).

2 – العياشي؛ في كتابه (مَاءُ المَوائِد):

3684 رحلات الجزائرهو أبو سليم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي المالكي ولِدَ بقبيلة آيت عيَّاش قرب تافلالت في شعبان 1037هـ / ماي 1628م. وتوفي العياشي بالمغرب الأقصى سنة 1090هـ / 1679م. كان العياشي محدِثاً وصُوفياً وعالِماً وشاعِراً. ولكنه اشتهر أكثر برحلته الضَّخمة التي سمّاها (مَاءُ المَوائِد) التي  دوَّن فيها رحلته إلى المشرق والعودة منه عبر الجزائر. وقد أورد فيه العياشي مجموعة من الأخبار الهامّة التي تُساعد على معرفة أوضاع الجنوب الجزائري في القرن الـ 17 ميلادي، سياسياً واقتصادياً وثقافياً. كما ضمّن رحلته (مَاءُ المَوائِد) أخباراً وحوادث مختلفة شهدها أو سمعها أثناء أسفاره، ووصف فيه طريق الصّحراء والسُّكان والعوائد وأحوال المعاش والأمن والحديث عن العُلماء والدِّين وأتعاب المسافرين. فيذكر أن خروجه من سجلماسة بالمغرب الأقصى كان يوم 11 نوفمبر 1662م. ويسير ركب الرِّحلة عبر الطَّريق الصَّحراوي يجوب قصور وادي ڨير والسَّاورة وبني عباس وواحات توات وقرية والن والقليعة وفيها يذكر أولاد سيدي الشِّيخ في الجهة الجنوبية الغربية من القطر الجزائري، وجدّهُم هو الشَّيخ الولي الصَّالح سيدي عبد القادر بن محمد بن سليمان بن بوسماحة المتوفي سنة 1615م. ثمّ تتواصل الرِّحلة إلى ورڨلة حيث يذكر حالها العجيب، ومڨوسا وتماسن وتُڨرت. وفي طريق العودة يصف حال وأحوال وعادات سُكان مدن نفطة، وزريبة حامد، وسيدي عقبة، وبسكرة، وعن بسكرة يقول العياشي في رحلته (مَاءُ المَوائِد): (وبالجملة فما رأيت في البلاد التي سلكتها شرقاً وغرباً أحسن منها ولا أحصن ولا أجمع لأسباب المعاش إلاّ أنها أُبتُليت بتخالف التُّرك عليها وعساكر الأعراب يستولي عليها هؤلاء تارة وهؤلاء تارة إلى أن بنى التُّركُ عليها حصناً حصيناً على رأس الماء الذي يأتي إليها فتملّكوا البلاد.) وتمر الرِّحلة بقرية امليلي ثم بزاوية سيدي الشّيخ عبد الرَّحمن الأخضري، وسيدي خالد، حيث يوجد ضريح قبر النّبي خالد بن سنان وهو عبسي. والذي تقول الرِّوايات أنه كان بين سيدنا عيسى بن مريم عليهما السّلام، وسيدنا محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. ثُم يواصل إلى أولاد جلّال، ويذكر أنهم كانوا في قوة ومنعة من العرب. ثُم مرّ الرّكب إلى أولاد سيدي مخلوف ومنه إلى الأغواط (جمع غوطة: وهي الدُّور التي تُحيط بها البساتين). ثُم توجه الرّكب إلى الغسول وإلى بوسمغون ووادي النّاموس وأخيراً إلى فڨيڨ وهي أشهر واحة بوادي ڨير بجنوب شرق المغرب الأقصى.

والعياشي مِن أدرى النّاس بصحراء المغرب الأوسط لأنه حجَّ ثلاث مرات واخترقها ذهاباً وإياباً وخَبِرَ ما فيها وما عليها.

وفي الجانب السِّياسي، يظهر من رحلة العياشي أن أجزاءً كبيرة من البلاد في الصّحراء كانت مستقلّة لا تخضع للوجود العثماني، وهي تحت تصرف أمراء محليين، وذكر منها السّاورة وورڨلة وتڨرت وتماسين. وبناءً على هذه المعلومات فإننا نلاحظ أن المدّ التُّركي قد وصل عسكرياً إلى بسكرة وروحياً إلى ورڨلة.

أما في الجانب الاقتصادي، فيذكر العياشي أن الصَّحراء في عهده عبارة عن سوق مكتظة بالقوافل المتّجهة كُلّ الاتجاهات المتنقلة بأنواع البضائع والسِّلع. ومنتوجات الصحراء لا تنحصر في التّمر وحده. فبسكرة زاخرة بِكُلِّ ما تشتهي الأنفس من تمر وزيتون وكتان وحناء وفواكه وخُضر وبقول ولحوم وسمن.

أما في الحياة الثّقافية فيذكر أنه قد ازدهرت بالصّحراء سلسلة من الزَّوايا وعظم شأنها وزاد نفوذها حتى تحول بعضها إلى مدن مثل عين ماضي وتماسين وطولڨة. وذكر العياشي ما اشتهر منها مثل زاوية سيدي أحمد بن موسى، وسيدي عبد الله بن طمطم، وعمر بن محمد صالح الأنصاري الخزرجي، وزاوية الأخضري وكلها دور علم وتعليم وإشعاع فكري. ويُضاف إلى الزَّوايا، أضرحة العُلماء والصُّلحاء مثل عريان الرّأس وأبي الفضل والنّبي خالد والتي أصبحت مزارات. أما العُلماء الأحياء فميلهم الوحيد الفقه وتطبيقاته فيما قد يحدث مثل بيع الماء والهروب من الوباء قبل أن يحلّ ومحاربة طائفة لطائفة. ويحتفظ رجال العلم بالكتب أكثر مما يحتفظون بغيرها.

3 – ابن زاكور؛ في كتابه (نشر أزاهير البُستان في من أجازني بالجزائر وتطوان):

هو أبو عبد الله محمد بن القاسم بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد ابن زاكور الفاسي. ولِدَ بفاس سنة 1075هـ، وتوفي بها في 20 محرم 1120هـ / 1708م. وكان ابن زاكور أديباً وشاعراً ورحَّالة.

دوَّن رحلته إلى الجزائر المحروسة في كتابه (نشر أزاهير البُستان في مَن أجازني بالجزائر وتطوان)، وهي رحلة قصيرة (69 صفحة) طُبِعت في الجزائر سنة 1902م. قدم ابن زاكور إلى الجزائر بحراً سنة 1093هـ / 1683م، للاجتماع بعددٍ مِن عُلماء المدينة والأخذِ عنهم واستجازتهم. ونجد في رحلة ابن زاكور (نشر أزاهير البُستان في مَن أجازني بالجزائر وتطوان) صورة حيّة ومفصلة للحياة العلمية في الجزائر العاصمة التي كانت قِبلة علم تُشدُّ إليها الرِّحال. وتحدث فيها على نخبة العلماء في العاصمة وعددهم الكثير وطُرُقِ التّدريس بها. وذكر من العُلماء الذين أخذ عنهم العِلم وأجازوه في الجزائر: أبو حفص عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الجزائري المانجلاني توفي سنة 1693م، والشّيخ سعيد قدورة بن الحاج إبراهيم الجزائري توفي سنة 1030م، والشّيخ أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن الحسني الجزائري توفي سنة 1689م، والشّيخ أبو عبد الله محمد بن سعيد قدورة الجزائري، وأبو عبد الله بن خليفة.

كما ذكر الكتب التي كانت تُدرس فيها والتي عرفت رواجاً منقطع النّظير، وهي: ألفية العراقي في المصطلح، صحيح البُخاري، ومُختصر خليل في الفقه، نظم ابن عاصم في الأحكام، شفاء القاضي عياض، ولامية ابن مالك في الصَّرف، جمع الجوامع للسبكي، وشروح المحلي، ومختصر ابن حاجب، وتلخيص المفتاح في البيان، والجمل للخونجي، ونظم عبد الرحمان الأخضري، ونظم أبي اسحاق التّلمساني في الفرائض. وهذه الكتب تمثل معظم جوانب الثّقافة الإسلامية وقسطاً كبيراً من العلوم العقلية والنّقلية من منطق وحسابي ونحو وعروض وصرف وتوحيد وحديث وتفسير وفقه وكل فن كان شرطاً مطلوباً في العالم.

وذكر ابن زاكور أن طريقة التَّدريس في الجزائر كانت أن يُلازم فيها الطّالب شيوخه سنوات طويلة أو شهوراً عديدة يحضر الجلسات ويُشارك في الحلقات ويجمع الشّارد والوارد ويُبرهن على الطّاعة والإعجاب، وينال بعدها الإجازات، وهي ما يُقابل اليوم الشّهادات الجامعية وشهادات الكفاءة التي تؤهل حاملها لتدريس الفقه أو المنطق أو علم من العلوم الكثيرة أو تُخوله حق الرِّواية وتلقين المعارف على الصُّورة التي تلقاها بها.

وشهد ابن زاكور غارة فرنسا على الجزائر المحروسة بقيادة (دوكسين (Duquesne سنة 1683 التي كانت في عهد الملك لويس الرّابع عشر الذي صرح أكثر من مرة أنه يُدمر مدينة الجزائر.

وخلاصة القول فإن كان الغربيون قد ركزوا في كُتُبِهم عن الجزائر على الحديث حول الحُكام الأتراك وسياستهم، فإن ابن زاكور وأمثاله وصفوا وقيدوا استمرارية العروبة في هذا البلد.

4 – الزَّياني؛ في كتابه (التُّرجُمَانة الكُبرى):

هو أبو القاسم بن احمد بن علي الزَّياني، رحّالة وأديب ووزير مغربي، ولِدَ بِفاس سنة 1147هـ / 1743م، وتوفي في رجب 1249هـ / نوفمبر 1833م. وبعد أن تولى عدة مناصب في بلده المغرب الأقصى، كان آخرها والي على وجدة، وبسبب ما شهده البلد من فوضى وفتن دامية، لجأ إلى المغرب الأوسط، فنزل الزَّياني بوهران ضيفاً على الباي محمد الكبير. ثم اِلّتحق الزّياني بتلمسان وأقام بها سنة ونصف. ثم خرج منها فراراً من الوباء الذي حلّ بها قاصِداً مدينة الجزائر فأقام فيها أربعة وعشرين يوماً، وأكرمه أهلها وحُكامها.

ومن الجزائر توجه إلى قسنطينة حيث أقام فيها خمسة عشر يوماً، كان له فيها الاجتماع بعلمائها فلقي إمام مسجدها العتيق الولي الصَّالح أبو البركات مبارك بن الفقيه العلّامة عمر الصَّائغي، والفقيه العلّامة الصُّوفي أبو الحسن علي بن مسعود الونيسي، والفقيه القاضي أبو عبد الله الحفصي العلمي، ولقي بها مفتيها الفقيه العلّامة أبو القاسم المحتالي، ومفتيها الثّاني العلّامة أحمد بن المبارك العلمي، والفقيه الأديب الكاتب محمد المجاري الخوجة، والفقيه الأديب ونيس البوزنياري، والكاتب الأديب الخوجة الكبير محمد بن كشك علي كرغلي، وكان له فيها الاجتماع بالباي حسن باشا بعد عودته من حركته.

ومن قسنطينة توجه الزّياني إلى تونس التي بلغها بعد عشرة أيام.

وفي طريق عودته من الحجِّ من تونس إلى الجزائر، دخل قسنطينة فأقام عند خليفة صاحبها حسن باشا المتقدم الذكر لغيابه عشرة أيام. ومنها توجه إلى الجزائر العاصمة فأقام فيها سبعة أشهر وشهد فيها الصّلاة في جامع كتشاوة بعد أن جدد بنائه حسن باشا سنة 1794م، وأُعجب ببنائه وهندسته وألوانه وترك فيه وصفاً لم يسبق لكاتب أن خصصه لمسجد.

- أخيراً يُمكن القول أن الكِتاب قيم مفيد للقراءة والمعرفة والثّقافة والتاريخ لما ورد فيه من معلومات هامّة عن الجزائر خلال العهد العُثماني من وجهة رأي الرّحالة المغاربة الأربعة المذكورون أعلاه.

***

أ. السّعيد بوشلالق

 

في المثقف اليوم