قراءة في كتاب

البحر والعرب في التاريخ والأدب.. للمؤرخ الجزائري مولاي بلحميسي

محمد بوفلاقةصـفحات خالدة من تاريخ البحـرية الإسـلامية

لعل أحداً لا يحتاج إلى كبير عناء لكي يدرك تلك العلاقة الوشيجة التي نشأت بين العرب والبحر، منذ العصور التليدة، فقد تأقلم العرب مع البحر بسرعة عجيبة، فشقوا عُبابه، وذللوا أمواجه، واستغلوا كنوزه، وذلك منذ العصر الجاهلي، وبعد ظهور الإسلام ازداد الحماس بغرض نشر الإسلام في مختلف الكور والأصقاع، وفتح مناطق جديدة، فازداد النشاط البحري الإسلامي لمختلف الجهات.

وعلى الرغم من المنزلة الكبيرة التي يحتلها البحر عند العرب، إلا أن هذا الموضوع لم ينل حظاً وافياً من الدرس والتحليل، والعناية به لم تكن بالقدر الذي يكشف عن تلك المنزلة الكبيرة التي اتسمت بها علاقة العرب بالبحر، فهناك الكثير من الجوانب المهمة لم تُسلط عليها الأضواء، ولم تحظ باهتمام كبير من قبل الدارسين، وقد ظل هذا الموضوع مُغيباً، وبعيداً عن التناول لفترة طويلة.

ويجيء كتاب المؤرخ الجزائري الراحل الدكتور مولاي بلحميسي الموسوم ب:«البحر والعرب في التاريخ والأدب»، ليقدم لنا دراسة جادة، ينفض من خلالها الغبار عن علاقة العرب بالبحر عبر التاريخ، ويبرز لنا تجسيده في مآثرهم الأدبية.فالهدف الرئيس الذي يهدف إليه الكتاب –كما جاء في مقدمته- هو الرد على مزاعم البعض الذين رأوا أن العرب مشارقة ومغاربة يشمئزون من هذا المتسع حتى نفروا التعامل معه وهابوه، ولا يركبونه إلا مُكرهين، وقد عبر الكاتب عن هذه القضية بقوله:«قال بعض الغربيين الجاهلين لتاريخ الإسلام فهم(أيّ العرب) بدوٌ، أصحاب خيل وماشية وإبل يبحثون عن الزرع والضرع والكلأ، ويجتازون من أجل ذلك الفيافي، والصحاري، ويتخذون الكثبان المحرقة، والزوابع الخانقة، وسموم الحرّ، ولكنهم لا يرتاحون للبحر العجّاج المتلاطم الأمواج، وسواءً أكانوا رُحلاً أو حضراً، فهم لا يميلون لركوب السفن، وليست لهم مواهب أو مؤهلات للملاحة، ثم ذهب هؤلاء إلى أبعد من ذلك وقالوا إن المؤرِّخين العرب وشعراءهم وقصاصيهم وصفوا المعارك بين القبائل، وتغنوا بجمال البيد، وخلّدوا ذكرى الفرسان والأبطال والأيام، ولكنهم تجاهلوا الأزرق، وما حوى من أساطيل، وما خاضه رجالهم من غزوات، وما جلبوه من غنائم وخيرات.وبقيت هذه الأفكار المسبقة سائرة راسخة رغم غرابتها وعدم صحتها»(1).

ويرى المؤلف أن هؤلاء الكتاب قد جانبوا الصواب عن قصد، أو عن غير قصد في إدراك السرعة العجيبة التي تأقلم بها العرب مع البحر، فالقرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، والرحلات العربية القديمة شرقاً وغرباً، تفند هذه المزاعم الخاطئة، فلا بد من اكتشاف دور الأجداد في صنع الأمجاد، ومعرفة ما عرفته البحرية الإسلامية من نشاطات وبطولات عبر العصور.

وقد أرخ المؤلف للأحداث الهامة التي عرفتها البحرية العربية منذ الفتح الإسلامي إلى غاية سقوط الأندلس سنة:1492م، وما يتميز به المؤلف هو أنه يؤرخ، ويضع بعض التحاليل الثاقبة ، وذلك بطريقة سردية حكائية، وكأنه يكتب لنا قصة تاريخية، وهذا ما أضفى على الكتاب ميزة خاصة.

قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أقسام رئيسة، جاءت متسلسلة تسلسلاً منطقياً، ومرتبطة مع بعضها البعض، من حيث التكامل المعرفي، والتدرج المنهجي، فالمحور الأول خصصه للحديث عن مكانة البحر في الثقافة العربية والإسلامية، كما عرض بإسهاب للكثير من الشهادات والكتابات التي دونها المؤرخون والرحالة، والتجار، بالإضافة إلى ما جادت به قرائح الشعراء.

ومن خلال المحور الثاني ألقى المؤلف الضوء على الفتوحات البحرية الإسلامية، وتعرض لصناعة وبناء السفن المقاتلة، وتدريب البحارة، وتكوينهم بغرض توسعة الانتشار الإسلامي، وقد دعم الباحث هذا القسم بالكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على ركوب البحر.

وعُنون المحور الأخير من الكتاب ب:«بداية النهاية»، ومن خلال هذا الجزء، تعرض المؤلف للحملات الصليبية التي سعت بشكل رئيس للاستيلاء على الممالك الإسلامية، وتشتيتها، وألقى الضوء على الهجمات الشرسة التي تعرضت لها البحرية الإسلامية، ولم يكتف المؤلف بالتأريخ للوقائع، بل إنه يقدم للقارئ جملة من التحاليل، والرؤى، والأفكار المعمقة عن الأسباب التي أدت إلى تراجع البحرية الإسلامية، وانطفاء شعلتها، وسيطرة الصليبيين وتأخر المسلمين، على الرغم من الكثير من المحاولات التي سعت إلى استرجاع الأيام المشرقة للبحرية الإسلامية.3972 مولاي بالحميسي

من القفار إلى البحار

من خلال القسم الأول من الكتاب عرض المؤلف بطريقة مكثفة الكثير من القضايا الهامة التي تنضوي في مجملها تحت لواء إبراز مكانة البحر في الثقافة العربية و الإسلامية، إذ يرى الباحث أن القدماء قد خصصوا في أسفارهم ودواوينهم مكانة مرموقة للبحر، ولصفاته، وأرزاقه، ومخاطره، فتعرض لمجموعة من التعريفات، والمفاهيم التي تناولت البحر، كما قدم فذلكة تاريخية عن النشاط البحري العربي، فالعرب المستقرون باليمن، وحضرموت والبحرين عُرفوا ببراعتهم في الملاحة بحكم الموقع الجغرافي لبلادهم على البحر الأحمر، والمحيط الهندي، والخليج العربي، وهذا ما سنح لهم بالاحتكاك بمختلف الشعوب، والأخذ منها، وهذا النشاط كانت له أصداء في شعرهم، ونثرهم، وعاداتهم، ولعل من أشهر الأبيات التي جسدت هذا النشاط، بيت عمرو بن كلثوم الشهير:

مَلأنا البَرَّ حتّى ضاقَ عَنّا وظَهْر البحرِ نملؤُه سَفينا

ويشير المؤلف إلى أن السفن العربية إبان العصر الجاهلي لم تكن مقتصرة على السفر لأماكن محدودة وحسب، بل عُرف الرحالة العرب بمغامراتهم، فقد وصلوا إلى السواحل الشرقية بالقارة السمراء، مثل:زنجبار، والمحيط الهندي، وسرنديب، كما خرجت قطائع من عمان والبحرين إلى أن وصلت للهند وكشمير، وفي العصر الإسلامي، وبعد التحولات الجذرية التي شهدتها الحياة العربية تعددت الأسفار، نظراً للوحدة التي تحققت، والرغبة في الازدهار، فزادت المبادلات، وسلكوا الطرق البحرية منطلقين من البصرة، وصيراف، فعبادان، فالخشبات، كما عرض المؤلف للكثير من الأهوال المرعبة التي تعرض لها البحارة العرب، فقد تحدى ركاب البحر الأخطار المحدقة بهم، وتجاهلوا الأهوال العظام، وقد استشهد الكاتب بمجموعة من النصوص التي تجلي هذا الموضوع، وتُبرز معاناة ركاب البحر، للحريري، وابن زاكور الفاسي، والوزير التمقروتي، وابن خلدون، وابن بطوطة، وألقى الضوء على المحاولات العربية لاكتشاف أسرار البحار، ويقصد بذلك رحلات المخاطرة التي قام بها الرحالة العرب، ومن أشهرها رحلة خشخاش بن الأسود، الذي أشاد به كل من البكري والحميري، والذي غامر إلى غاية الوصول إلى أرض واسعة مجهولة عاد منها بكنوز كثيرة، بالإضافة إلى الرحلة الشهيرة التي عُرفت برحلة المغررين، أي المخاطرين.

الصراع البحري

في القسم الثاني، والموسوم ب:«الصراع البحري»، يُقدم لنا الدكتور مولاي بلحميسي متابعة تاريخية لتطورات البحرية الإسلامية، وذلك منذ البدايات الأولى لتشكلها، وقد عدد جُملة من الأسباب التي أسهمت في تأخر ميلاد البحرية الإسلامية، ومن أهمها: معارضة الخلفاء في المراحل الأولى، وندرة المواد الضرورية لبناء المراكب، وفقدان اليد المتخصصة. وقد تحرك المسلمون بحذر في عهد الخلفاء الراشدين، فصمموا على اختراق البحر كغيرهم، غير أن تحفظ الخلفاء أحجمهم، وعطل المغامرات البحرية نسبياً، فقد تميز عهد عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- بالمعارضة لأية محاولة بحرية إسلامية، «وبعد أن انهارت قوى بيزنطة، وانفصل الشام عن جسم الروم ركز معاوية همه على فتح الساحل الفينيقي قبل الشام ومصر، وسمح عمر-بصفة استثنائية- سنة:691م، بالغارة على الحبش رداً على هجومهم على سواحل شبه الجزيرة، وكتب معاوية إلى عمر يسأله الإذن في الغزو البحري، فكتب له:«إني لا أحمل المسلمين على أعواد(مراكب)نجرّها النجار، وجلفطها الجلفاط يحملهم عدوهم إلى عدوهم».

وسمح عثمان بن عفان-رضي الله عنه- لقطائع بحرية بركوب البحر، وعندما عُيّن الحجاج بن يوسف والياً على العراق من قبل عبد الملك بن مروان ثم الوليد الأول، كان أول من أنزل في الماء سفناً مدهونة بالقار، وقد شجع معاوية على ركوب البحر والجهاد ركوباً على السفن، وذلك بغرض كسب مهارة الروم، وخبراتهم، ودرايتهم، ولذلك فإن الكثير من الدارسين يذهبون إلى أن معاوية هو أول من أسس البحرية الإسلامية، وأنشأ السفن، وأرسل الحملات المظفرة ضد الروم ، وفي المرحلة اللاحقة تطورت البحرية العربية أيما تطور، فأضحت السفن تشق البحار، وترسو بسواحل الجزر والأقطار العربية، ولاسيما بعد أن ظهرت صناعة القطع البحرية بمصر، والشام، وفلسطين، فتطورت البحرية الإسلامية تطوراً سريعاً، وهذا ما أشار إليه العديد من المؤرخين، ممن تتبعوا شؤون البحرية الإسلامية، إذ عبر المستشرق ولهوسان عن هذا الأمر قائلاً:«إن العرب رغم نفورهم من الماء اجتازوا عهد الجمال والقفار إلى عهد السفن والبحار».

وشهدت المرحلة الأموية اهتماماً كبيراً ببلاد المغرب، إذ أوعز عبد الملك بن مروان إلى أخيه عبد العزيز عندما كان والياً على مصر توجيه ألف قبطي بأهلهم، وأولادهم إلى تونس، مؤكداً على أن يحسن معاملتهم وعونهم، كما كتب إلى حسان بن النعمان يأمره بأن يبني لهم داراً للصناعة تكون قوة واعدة للمسلمين، وأن يجلب الخشب لإنشاء المراكب«ولم يختر المسلمون قرطاج المعرّضة دوماً لهجمات الروم، وفضلوا تونس لأنها أكثر أمناً فبادروا بتنفيذ أوامر الخليفة، ثم استعدوا لضرب السواحل النصرانية، وأن يجاهد ابن النعمان الروم في البر والبحر ليشغلهم عن القيروان، وقد شهدت هذه المرحلة نشاطاً بحرياً كبيراً، فتتالت الغزوات، وكان افتتاح طرابلس على يد عمرو بن العاص سنة:642م، ومن أبرز الحملات التي أشار إليها المؤلف، الحملة التي بعثها عبد العزيز بن مروان بقيادة عطاء بن رافع الهذلي إلى سردينية سنة:703م.كما نظم موسى بن نصير حملة«النبلاء»، سنة:704م بقيادة ابنه عبد الله الذي أرسى بالساحل الغربي بصقلية، كما أرسل موسى بن نصير أسطول إفريقية سنة:705م، بقيادة عياش بن أخيال وذلك لضرب جزر العدو، ومهاجمة سيراكوزا، وتكررت الحملة على صقلية الكثير من المرات، ففي سنة:720م، كانت بقيادة موسى بن أوس الأنصاري، وفي سنة:727م بقيادة بشر بن صفوان الكلبي، وفي:728م بقيادة عثمان بن أبي عبيدة بن قبة، وفي السنة التي تلتها بقيادة المستنير بن الحبحب، وفي سنة:730م بقيادة ثابت بن الهيثم، وبعدها بسنتين بقيادة عبد الملك بن قطان، وتكررت الحملة على سردينية سنة:710م، وسنة:732 م بقيادة عبد الله بن زياد، وما يلفت الانتباه هو أن أغلب الأنشطة البحرية، كان الهدف منها كل من جزيرتي صقلية وسردينية بالدرجة الأولى، نظراً لما لهاتين الجزيرتين من أهمية بالنسبة للمسلمين، وفي نفس الوقت فقد تواصلت سياسة الإنشاء والتجهيز في عهد بني أمية من خليفة لآخر، وخاصة عبد الملك بن مروان(685-705م)، وقد وجد عبد الملك في حسان بن النعمان القائد الذي يعول عليه، وفي أيام عبد الله بن الحبحب(731-741م)أحدثت دار الصناعة بتونس، كما عُرف عن موسى بن نصير قبل ذلك الخبرة العالية بشؤون البحر الأبيض المتوسط، وفطن المسلمون منذ البداية لما تشكله جزر الحوض الغربي، وخاصة الجزر الشرقية من خطر على استقرار دعائم الحكم الإسلامي في المغرب، ومن ثمة تم فتح الأندلس(2).

الصراع البحري ببلاد المغرب والأندلس

وكصنوتها بالمشرق العربي، بادرت دول المغرب العربي آنذاك بالتصدي لأطماع الروم بالاستيلاء على البلاد الإسلامية، من خلال البحر، وقد كان الوقوف في وجههم بوساطة بني الأغلب، أو الدولة الأغلبية(800-909م). والتي أسست بالمغرب الأدنى إبان حكم بني العباس، وقد كانت عاصمتها في البدء بالقيروان، ثم انتقلوا إلى رقادة، ومن أهم الإنجازات البحرية التي حُققت في هذه المرحلة دخول المسلمين لبلرمو سنة:827م، وعندما فُتحت هذه القاعدة الهامة مهدت الطريق للسيطرة على الجزيرة ككُل، ومن ثمة كان فتح قوصرة، ولم يتوقف الزحف الإسلامي عند هذا الحد، ففي سنة:842م، وقعت في أيديهم مدينة ميسين، وفي عهد إبراهيم الثاني كانت السيطرة على سرقوسة، ومما يُذكر لبني الأغلب أسبقيتهم في إنشاء أسطول حول المغرب الأدنى(تونس) ، وقد كان هذا الأسطول بمثابة دولة بحرية، لعبت دوراً بارزاً في البحر المتوسط، وبعد المرحلة الأغلبية جاءت المرحلة الفاطمية(909-1171م)، فبدأ نشاط الفاطميين بالمغرب الأدنى، فقدموا خدمات جليلة، وكان لهم دور كبير في تطور البحرية الإسلامية، فما إن أسست الدولة حتى تم الانتقال من رقادة إلى المهدية ، بعد أن قرر أبو محمد عبيد الله الإقامة على الساحل، ابتداءً من سنة:921م، نظراً لموقعها المتميز الذي يحيط به البحر من ثلاث جهات، «وقد كان لإنشاء المهدية أعظم الأثر في تدعيم الأسطول الفاطمي في إفريقية (المغرب الأدنى). ولتأمين المرسى من الأخطار قام المهدي بضم هذا المكان بسلسلة من حديد يرفع أحد طرفيها عند دخول السفن، ثم تُعاد كما كانت تحصيناً للمرسى من دخول مراكب الروم.أما دار الصناعة فكانت بشرقي قصر عبيد الله، وتسع أكثر من مأتي مركب، وفيها قبوان كبيران طويلان لآلات المراكب، وعُددها لئلا ينالها شمس أو مطر، وسرعان ما أصبح المرسى، زيادة عن دوره التجاري، قاعدة عسكرية تخوض المعارك البحرية، فتعددت الفتوحات، وغزا الفاطميون جنوب فرنسا، ومدينة جنوة ثم مدينة بيزا(1011-1014م)، وفاقوا الأغالبة في الجهاد البحري، كما نافسوا بني أمية في الأندلس. وقد بلغت بحريتهم المستوى العالي قبل أن يلتحقوا بمصر(316هـ/936م).وكانوا يسمون من ركب البحر للجهاد"غازي البحر".وقد أعجب الشعراء أيما إعجاب بهذا المكسب الجليل المرعب للأعداء، فقال الشاعر علي بن محمد الأيادي التونسي يصف هذه الوحدات في عهد الخليفة محمد القائم(322هـ/934م) قائلاً:

أَعجِب بأسّطول الإمام محمد وبحُسنِهِ وزمانِهِ المستغرب

لبِست بِهِ الأمواجُ أحسن منظر يبدو لعين الناظر المتعجب

وعلى جوانبها أسودُ خلافة تختال في عدد السلاح المُذهب

وقد لعب الصقالبة أيام الفاطميين دوراً في البحرية انطلاقاً من المغرب، وكان صابر قائد الأسطول الذي أقلع من الشاطئ التونسي سنة:928م، وأغار على سواحل إيطاليا، واستولى على مدينة طارنة، قبل أن يغير على نابلي. وفي سنة:929م حاصر الأسطول اليوناني، ولم يكن الصقلبي الوحيد في خدمة الفاطميين، فجعفر بن عبيد الله قاد الأسطول الفاطمي، وذهب سنة:924م لمهاجمة صقلية وكلابرا»(3).

ويرى المؤلف أن من بين الأسباب التي أدت إلى ضعف القوة الفاطمية :التنافس الشديد بين دولة بني أمية في الأندلس، ودولة الفاطميين، فكثرت الصدامات بينهما، والتي سرعان ما قضت على هذه القوة، وسرعان ما انتفع منها أعداء المسلمين، وفي أواخر القرن السادس تراجعت البحرية الإسلامية، وضعف أمرها عندما انتقل العبديون إلى مصر.وما فتئت أن عادت قوتها وسطوتها في أواخر هذا القرن، وقد ظلت المهدية في زمن الموحدين هي الهدف الرئيس للنصارى يريدون غزوها، والاستيلاء عليها.

وتحت عنوان:«الأندلس مهد البحرية الإسلامية»، يتوقف الدكتور مولاي بلحميسي مع تلك الصفحات المشرقة من تاريخ البحرية بالبلاد الأندلسية، فبعد أن قدم توطئة عن أهم المراحل السياسية التي مرت بها الأندلس منذ الفتح الإسلامي(711م)، أشار الكاتب إلى أن الأحقاب السياسية التي مرت بها الأندلس، انعكست انعكاساً مباشراً على البحرية، ففي زمن القوة، والاستقرار، والتماسك تميزت بالنظام، والهيبة، والإشعاع، وبعد مرحلة القوة، جاء زمن الفتور والضعف والتفريط بما شيده الأوائل، فانعكس الوضع السياسي على البحرية.

كانت انطلاقة البحرية الإسلامية بالأندلس مبنية على رؤية حضارية، فقد شعروا منذ البداية بضرورة تشييد أسطول بحري للربط بين العدوتين، فقد كانوا يرون أن البحر هو همزة وصل لا حاجز فصل، ولا يمكن أن يستطيع أهل البلاد العيش بدون اتصال بأرض الإسلام إلا عن طريق الماء، فأدركوا أهمية امتلاك السفن، ونظراً للحاجة إلى المراكب لحراسة الشواطئ ، والاتصال الدائم بالجزر الشرقية(الباليار)، وقد كانت المهام في تزايد مستمر لعبور المضيق، والصيد البحري، والمبادلات التجارية وغيرها.

وأغلب الأحداث والوقائع التي شهدتها البحرية الأندلسية دارت على الواجهة المتوسطية، مثل:المشاركة في فتح صقلية، واقريطش، وتطور بجانة، بالإضافة إلى الهجومات على الجزر الشرقية، وقد قام الكاتب بتفصيل أهم الأحداث التي عرفتها البحرية الأندلسية، ابتداءً من هجومات المجوس التي استمرت لسنوات طويلة، ومرت بمراحل ، فقد كان الهجوم الأول للمجوس سنة:844م، وامتدت المرحلة الثانية ما بين سنوات:858 إلى غاية861م، والمرحلة الأخيرة ما بين سنوات:966إلى971م.

وقد كان لغارات المجوس على الأندلس أيام عبد الرحمن الثاني عدة انعكاسات، فقد استخلص عبد الرحمن الدرس، وبادر ببناء الحصون، وإنشاء دور الصناعة بإشبيلية، ووضع مراكز للمراقبة وذلك على طول الساحل الأطلسي، كما سارع إلى إنشاء عدد كبير من السفن الحربية، بالإضافة إلى الاهتمام بتطوير العتاد، والآليات، وتقديم أجور مشجعة لرجال البحر.

وفي فترة حكم عبد الرحمن الثالث(912-961م) أصبح مقر القوات البحرية ابتداءً من سنة:933م بالمرية، وقد استخدم الخليفة جماعات من الملاحين الموجودين ببجانة، وقد أضحت الاهتمامات مركزة على البحرية، فانتظمت في هذه الفترة، وعُززت إلى جانب وحدات المراقبة التي تهدف إلى دحر العدو بمراكب تجارية ضخمة طفقت تشق البحار في مختلف الاتجاهات، وأحدثت الكثير من الورش، ودور الصناعة بغرض تغطية المبادلات التجارية في البحر الأبيض المتوسط، وفي السواحل الشرقية كان الملاحون ذوو الخبرة يقطنون الشواطئ منذ عهد محمد الأول، وقد تجلت فعالية هذه التدابير، وظهرت فوائدها الجمة أثناء القرن الرابع عشر الميلادي، ففي سنة:966م انتشر خبر قدوم المجوس في ثمانية وعشرين مركباً فأمر الحكم الثاني محمد بن روماحس بضرورة التصدي للعدو، فغادرت الأساطيل إشبيلية، ولاحقت العدو، وهزمتهم في مياه شلب، وفكّت من أيديهم الأسرى المسلمين.

وقد ألقى المؤلف الضوء على الصراع الفاطمي الأموي، والذي كان متعلقاً بشكل كبير بالبحرية، فالمنافسة الميدانية كانت على المضيق، وهذا ما دفع عبد الرحمن الثالث لاتخاذ مجموعة من التدابير، إذ أرسل مجموعة من القطع البحرية السريعة إلى المضيق، وذلك لمراقبة تدخلات الفاطميين، وقطع الإمدادات عن الثائر ابن حفصون، الذي اعترف بخلافة الفاطميين ببلاد المغرب، ورغم الاحتياطات الكبيرة التي اتخذها الخليفة، بيد أنه لم يهنأ له بال، وقد ظل حذِراً يخشى قوة الفاطميين، نظراً لما عُرفوا به من روح قتالية عالية، وظل يعزز البحرية دون هوادة، وقد أخذ الأمويون المبادرة، واستولوا على مليلة وسبتة في سنة:927م، وقد توترت العلاقات، وكثرت الصدامات، ومن أبرز النتائج التي نجمت عن هذا الصراع تراجع شأن البحريتين، وانتفاع الأعداء بهذا التراجع، فازدادت التحرشات بالبحرية الإسلامية في القرن السادس الهجري، ولاسيما بعد انتقال العبديين إلى مصر.

وبعد أن استولى المنصور بن أبي عامر على السلطة(976-1009م)، اعتنى بالمسائل العسكرية، وقدم خدمات جليلة يشهد بها جميع من أرخوا للبحرية الإسلامية، فقد أحدث أسطولاً رفيع المستوى عدداً وعُدة، كما عُرف بشجاعته، وقدرته العالية في الحرب والتنظيم، وقد وصفه عبد الواحد المراكشي قائلاً:«ولم يزل محمد بن أبي عامر طوال أيام مملكته مواصلاً لغزو الروم مفرطاً في ذلك، لا يشغله عنه شيء، وبلغ في إفراطه حب الغزو أنه ربما خرج للمصلى يوم العيد فحدثت له نية في ذلك فلا يرجع إلى قصره بل يخرج بعد انصرافه من المصلى كما هو من فوره إلى الجهاد فتتبعه عساكره.غزا في أيام مملكته نيفاً وخمسين غزوةً(981-1002م)ذكرها أبو مروان بن حيان في كتابه"المآثر العامرية". وفتح فتوحاً كثيرة، ووصل إلى معاقل قد كانت امتنعت على من كان قبله وملأ الأندلس مغانم وسبياً».

وبعد المنصور بن أبي عامر ظهر مجاهد العامري(1044م)، والذي لا تقل شخصيته شجاعة، وقوة، وسلطة ، ونفوذاً عن ابن أبي عامر، نظراً لاحتكاكه بالمنصور، فقد تربى في أحضانه، ودخل في خدمة العامريين، وما يُذكر لمجاهد مشروعه الضخم الذي سعى من خلاله إلى احتلال جزيرة سردينية، « ومن أجل هذا الهدف أقدم مجاهد على تجديد دار الصناعة القديمة التي كانت بالمرية، فتضاعفت طاقتها، وأمدته بالسفن المقاتلة والنقالة من مختلف الأحجام، وكانت مراكبه ترابط في مياه دانية في زمانه، وزمان ابنه علي أعظم مركز لأساطيل الأندلس، وتضاعفت طاقتها يومئذ، وزودته بالمعدات الحربية من كل حجم واختصاص، وقد أقلع أسطوله من دانية والجزر الشرقية في ربيع:406هـ، أغسطس1015م، وقد بلغ عدد السفن120سفينة، ولم يتمكن مجاهد من تحقيق مشروعاته، إلا أنه خلق نشاطاً بحرياً إسلامياً في زمن الانقسامات، وقد كانت طموحاته أكبر من مقدرة أمير من أمراء الطوائف، وقد عبر ابن خلدون عن هذه الصحوة، وهذا المجهود قائلاً:«إن أساطيل إفريقية والأندلس في القرن الرابع بلغت منزلة كبيرة»(4).

واحتلت البحرية مكانة خاصة عند المرابطين، فاستعانوا في البدء بسفن اشبيلية، ووجدوا بني ميمون يتولون قيادة البحرية، وذلك قبل إنشاء دار خاصة للصناعة بالقصر الصغير، كما اهتموا أيما اهتمام بالتسليح، وقد تبدى اهتمامهم من خلال تشييدهم للكثير من الورشات، ومن بينها:ورشة وهران، والريف، وورشة سبتة وطنجة، كما تم إنشاء العديد من المراسي، وسعوا إلى تحصينها تحصيناً دقيقاً، وبعد أن نزل يوسف بن تاشفين بالجزيرة الخضراء، وقام بتحويلها إلى قاعدة منيعة، انطلق إلى مواجهة العدو ألفونسو السادس وهزمه، فحميت الثغور ودانت له مختلف الممالك، وقد أدرك يوسف بن تاشفين ضرورة تغطية العجز في السفن، فاهتم بصناعة الوحدات، وبعد الاستيلاء على طنجة سنة:470هـ، أخذ ما تبقى من أسطول الحموديين.

ويرى المؤلف أن الموحدين يختلفون عمّن سبقهم، من خلال تطبيقهم لاستراتيجية فريدة من نوعها على العدو، فقد كانت لديهم آراء جديدة، وهذا ما أحدث تطورات كبيرة في البحرية الإسلامية، وقد قاموا بتسليحها، وتزويدها بعدد كبير من الرجال، إضافة إلى بناء الحصون الدفاعية، وإنشاء أجهزة المراقبة، وقد عمل عبد المؤمن بن علي على النهوض بالبحرية فطهر الساحل التونسي(548هـ/1153م) ثم المهدية، ثم سوسة، وسفاقس، وبونة(عنابة)سنة:548هـ/1153م.

وشن عبد المؤمن بن علي«الحملات الكبرى على نصارى الأندلس بعد أن ضايقوا المسلمين في عقر دارهم، وقد تكررت ضغوطات ألفونسو الثامن، مما دفع المسلمين للاستنجاد بالخليفة فلبى الدعوة، وعبر المضيق، ودخل الأندلس سنة:539هـ/1444م، واستولى على قادس سنة:1161م، وعلى إشبيلية سنة:541هـ، وعلى المرية سنة:547هـ/1152م.وقد اهتم ببناء السفن، وفي سنة:1162م، تم إنشاء أسطول يحتوي على مائة مركب بأرزيو، مما جعل هذا النشاط يحول المدينة الساحلية إلى أكبر دار للصناعة في الناحية»(5).

وتحت عنوان:«فترة القوة والشموخ» ختم الكاتب حديثه عن مرحلة الازدهار، فقد توقف من خلال هذا العنصر مُقدماً رؤية تحليلية منهجية عن العصر الذهبي للبحرية الإسلامية، والذي امتد من فجر الإسلام إلى غاية انطفاء شمعة الأندلس، وسقوط غرناطة سنة:1492م.وقد أرجع المؤلف أسباب ازدهار البحرية الإسلامية وتطورها السريع إلى روح الجهاد في فجر الإسلام، وتحمس الحكام في بداية الملحمة، فلم يُقصروا، وانفقوا بدون حساب، واتخذوا الإجراءات اللازمة التي أوصلتهم إلى بعيد، بالإضافة إلى التضامن و روح المسؤولية الجماعية التي طبعت شخصياتهم، وضرب مثالاً بعهد دولة المرابطين والموحدين، فقد كانوا عندما ينادي حاكم للنجدة نتيجة لمضايقة النصارى يأتي الجميع، ومثال ذلك نداء صلاح الدين واستنجاده ببحرية المغرب.

ضمور التوهج وبداية النهاية

بعد العصر الذهبي للبحرية الإسلامية، وعهد الفتوحات في البحر الأبيض المتوسط، وبعد أن«صال المسلمون، وجالوا عبر البحار المعروفة آنذاك، والمحيطات وحققوا ما كانوا يصبون إليه، مالت شمسهم إلى المغيب، وأفل نجمهم فتقلص نفوذهم، وتضعضع بنيانهم، فاستصغرهم من كان يهابهم، وافترس ممالكهم، وانتهك أعراضهم، وهدد أمنهم فطويت صفحات مشرقة، وأقبلت أيام الأرق والتحسر والعجز على رد أي فعل»(6).

وقد بدأت المأساة، وانطلقت رحلة الضنى والشجن التي مرت بها البحرية العربية من المشرق، عندما اغتنم الروم تردي الأوضاع الداخلية، فاستولوا على شواطئ الشام، ثم مصر دون أن يجدوا مقاومة فاعلة، وهذا ما عبر عنه ابن حوقل بعد أن شاهد مصير هذين البلدين قائلاً:«فمصير قنسرين يغني عن بقية المدن، كانت فيما مضى عامرة وغاصة بأهلها، فاكتسحها العدو، وكأنها لم تكن، رغم سورها الحجري فخربوا جامعها، وسبوا ذراريتها، وقتلوا أهلها ثم أحرقوا المدينة».

وكان مصير الثغور لا يختلف عن مصير المدن، فكل ما وُجد على السواحل أو قريباً منها سيطر عليه الغزاة، وأقدم الروم على احتلال أنطاكية سنة:359هـ، كما أهلكوا الكثير من الحصون كحصن الاسكندرية(اسكندرون) الذي كان بمثابة روضة غناء عُرفت ببساتينها العامرة، وكذلك الشأن بالنسبة لحصن التيبات على شاطئ البحر، كان فيه مقلع خشب الصنوبر، الذي ينقل إلى الشام ومصر.

وفي المغرب الأدنى اغتنم الروم فرصة انتقال الفاطميين إلى مصر سنة:966م، فاعتدوا عليها، واستعد الزيريون للمقاومة، وعندما جاء تميم بن المعز إلى الحكم(453-501هـ)، وبعد أن اتخذ المهدية مقراً له، لم يكن تحت سلطته إلا ساحل البحر الممتد من سوسة إلى قابس، وعندما وقعت هجمات الغزاة تمكنوا لكثرة عددهم، وقوة عتادهم من النزول إلى البر، واستقروا بجانب المهدية، وعاثوا فيها فساداً، وأحرقوا الغلال، وسبوا السكان، ولم يجد تميم من حل سوى مصالحتهم على المال الذي أخذوه، وفي عصر يحيى بن تميم(501-509هـ)أنشأ أسطولاً بحرياً غزا به بلاد النصارى ووصل إلى جنوة وسردينية، وفي عهد الحسن بن علي(515-543هـ) هاجم النورمان الشواطئ التونسية سنة:517هـ، وذلك بقيادة الأميرال جرجي الأنطاكي، ونزلوا بجزيرة الديماس، فقاتلهم جيش الحسن، وأعاد روجر الكرة فهجم على المهدية، ولم يجد مقاومة كبيرة نظراً لانشغال الأمير بمحاربة الأعراب، فاستولوا عليها، وسكنوا قصورها، وغنموا ما فيها، وقد مكثوا بالساحل إلى غاية سنة:1159م، عندما قرر عبد المؤمن بن علي تحرير سواحل المغرب الأدنى.

وأما سواحل الأندلس التي كانت عامرة، وآهلة بالسكان، فقد اشتد تكالب الصليبيين عليها، وراحوا يقتلعون تلك الأمصار من أيادي المسلمين، وقد شجعهم على ذلك الأوضاع السياسية المتردية«إذ كانت شمس دولة عبد المؤمن في طريقها إلى الغروب، فُضربت السواحل الشرقية، والمحيطية، والمضيق، وانتهت بسواحل المغرب الأقصى والأدنى، وعانت المدن الساحلية ما عانت من الغارات والحصارات، وكل أنواع المضايقات منذ القرن الخامس عشر، وانهزم المسلمون بعد وقعة بطرنة قرب بلنسية سنة:455هـ/1063م، وتلتها وقعة بارباسترو سنة:456هـ/1067م، ثم تكرر الضغط على بلنسية حتى افتكها العدو، وامتلكها سنة:636هـ/1238م، فكانت الفاجعة الكبرى»(7).

وقد قدم المؤلف متابعة تاريخية شاملة لسقوط السواحل الأندلسية، فحدد استيلاء النصارى عليها على النحو الآتي:

كان احتلال جبل طارق-ويسمونه جبل الفتح، أو البحر الزقاق-سنة:660هـ، 1262م.

واستولى جاك الأول على الجزيرة الخضراء سنة:641هـ/1244م.

بلنسية استولى عليها ملك أرقون سنة:636هـ/1238م.

مرسية استولى القشتاليون عليها سنة:640هـ/1243م.

وقد استولى المجوس على الجزيرة الخضراء سنة:245هـ/859م.

وبعد أن صفا الجو للصليبيين خططوا للسيطرة على السواحل المغربية، وذلك بعد زوال دولة المرابطين، والموحدين، فسيطر البرتغاليون على المدن الساحلية الجنوبية، مثل:أصيلة، وأغادير، وطنجة سنة:1471م دون أن يجدوا أية مقاومة تذكر فواصلوا رحلتهم، وسيطروا على سبتة، والقصر الصغير، وكان للقشتاليين جنوب ساحل المغرب المقابل لجزر الخالدات، كما استولوا على مليلية سنة:1497م، وصخرة باديس سنة:1508م، وبعد ذلك انتقل الصراع إلى الجزر المتوسطية، وقد استولى الروم مسبقاً على قبرص، وذلك بعد حرب ضارية امتدت ما بين سنوات:(1061-1086م)، وتمت السيطرة على صقلية بعد الخلاف الذي حدث بين طوائف الجزيرة، وسقطت في أيديهم سنة:484هـ.وكانت الفاجعة الكبرى بسقوط طليطلة سنة:1085م، بعد حصارها مدة ما يزيد عن تسعة أشهر من قبل القشتاليين.

فذلكة

إن هذا الكتاب يمكن أن ندرجه ضمن واحد من الدراسات الهامة التي أرخت لعلاقة العرب بالبحر، وتتبعت تحولات البحرية الإسلامية، منذ توطد هذه العلاقة، إلى غاية سقوط الأندلس وتراجع مكانة البحرية الإسلامية، وقد أرخ المؤلف لهذه الحقبة الواسعة بطريقة سردية حكائية، مما أضفى على الكتاب ميزة خاصة، بالإضافة إلى أن الباحث يُقدم تحاليل ثاقبة، وقد استشهد في تحاليله بالكثير من النصوص التي تثبت هذا الأمر، والتي تنقسم إلى نصوص لقدامى المؤرخين العرب، ونصوص شعرية كثيرة صورت البحر، وكشفت عن تلك العلاقة الوشيجة التي نشأت بين البحر والعرب.

وتجدر الإشارة إلى الميزة المهمة التي نلفيها في هذا السفر القيم، وهي أن الباحث يذكر الإحالات والهوامش بكل دقة، عقب كل بحث من الأبحاث، إذ يجد القارئ في الفصل الواحد من الكتاب عدداً كبيراً من القوائم التي تشير إلى المصادر والمراجع التي استقى منها المؤلف معلوماته، وهذا ما يمكن القارئ من الاستزادة والتعمق أكثر في الموضوع، ويكشف عن الجهود الكبيرة التي بذلها المؤلف في سبيل تأليف هذا السفر، و يدل على حرصه الكبير الذي يرمي من ورائه إلى خلق وعي ثقافي وفكري لدى المتلقي، وما يمكن قوله إن هذا الكتاب صالح سواء لعامة القراء، أو للباحثين المتخصصين.

***

الدكتور محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة

كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر

..................

الهـوامـش:

(1) د.مولاي بلحميسي:البحر والعرب في التاريخ والأدب، منشوراتANEP، 2005م، ص:5.

(2) د.مولاي بلحميسي:البحر والعرب في التاريخ والأدب، ص:69وما بعدها.

(3) د. مولاي بلحميسي:المصدر نفسه، ص:73 وما بعدها.

(4) المصدر نفسه، ص:84، و87.

(5) المصدر نفسه، ص:95.

(6) المصدر نفسه، ص:127.

(7) المصدر نفسه، ص:127، و129.

في المثقف اليوم