قراءة في كتاب

بؤس الفلسفة لكارل ماركس.. لماذا اختلف الرفاق؟

علي حسينتلقى اول صفعة على وحهه عندما كان في العاشرة من عمره. كان الأب يحاول أن يقنع ابنه الدخول الى مدرسة اللاهوت. لكن " بيير جوزيف برودون " لم يكن يفكر سوى بالبؤس الذي تعيش فيه عائلته. الاب يعمل صانعا للبراميل والام طباخة في مطعم صغير، فيما كان الصبي يعمل راعيا، وفي اوقات الفراغ يحاول تعلم اللغة اللاتينية لكن من دون الاستعانة بقاموس، فلم تكن العائلة تملك المال اللازم لشراء كتب لابنها المتفوق في الدراسة.كان ينظر الى وجه أبيه ويتساءل هل الفقر يجعل الانسان قاسيا؟. كتب في دفتر يومياته: " اني اعلم ما هو البؤس، فقد عشت فيه. وانا مدين بكل ما اعلم لليأس".

الاب الذي ادمن على الخمر، لا يعرف القراءة والكتابة، لكنه كان دائم الحضور الى الكنيسة مع زوجته واولاده، امنيته الوحيده ان يجد ابنه " بيير" ذات يوم واقفا مكان القس يلقي موعظة الاحد، وكان بالامكان ان تصنع الحياة البائسة من هذا الصبي رجلا ساخطا على الحياة، لكن شغفه بالقراءة ومتابعة احوال الناس وذكاءه العجيب جعلت منه فيلسوفا مشاغبا، او كما سيسميه الناقد الفرنسي الشهير سانت بوف بـ" رجل الفكر والنضال والجراة "، فقد اقسم على ان يكرس حياته لتحرير " اخوته ورفاقه " وهو يكتب في احدى رسائله: " انا ثائر ولست بهدام ". وعندما صار شابا، قرر ان يثور على "البؤس". لم يكن والده معنيا بالثورة، كان يطمح ان يساعده في تحمل مسؤولية العائلة. هكذا فقد هدد ابنه بان يصفعه ان لم يترك هذه الكتب التي لعبت بعقله. وفي المدرسة لم تكن الامور احسن حالا، فقد اضطر بسبب الحاجة ان يقطع دراسته.

كانت الفترة الاولى من حياة برودون اشبه بالضربات المتتالية، ومع كل ضربة كان يشعر بحقيقة البؤس والظلم الذي تعيشه الطبقات الفقيرة: لا بد من حل. انها الثورة: " رأيت من واجبي التذكير.بان هناك احوالا تصبح فيها الثورة حتما وواجبا معا.. انا ادفع للثورة بجميع الوسائل.. بالكلام والكتابة والصحافة والعمل وضرب المثل".

ولد " بيير جوزيف برودون " في الخامس عشر من كانون الثاني عام 1809 في بيزانسون الفرنسية القريبة من الحدود السويسرية، الابن الثالثة لعائلة تتكون من خمسة ابناء، توفي اثنان منهم في سن مبكرة.

لم يتلق برودون أي تعليم عندما كان طفلاً، لكن والدته تكفلت بتعليمه القراءة في سن الثالثة. عندما بلغ الثانية عشر من عمره دخل المدرسة. كان شغوفا بالتعليم يقضي معظم وقته في مكتبة المدرسة ليستكشف العالم جيدا.عمل في احدى المطابع التي تتولى طباعة الكتب الدينية، فكان يقضي الساعات في قراءة كتب الفكر المسيحي، سيخبرنا فيما بعد أن رحلته الدينية بدأت بالبروتستانتية وانتهت بكونه مسيحيا جديدا. يتحول للعمل في الصحافة، في هذه الفترة يتعرف على المفكر الفرنسي شارل فورييه تدور بينهما حوارات حول مجموعة متنوعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية الفلسفية.. وقد تركت هذه المناقشات انطباعا قويا عند برودون وأثرت عليه طوال حياته. في هذه الفترة يتفرغ لقراءة اعمال مونتاني وروسو وفولتير وديدرو، لكن من بين هؤلاء سيغرم بمونتسكيو وكتابه " روح الشرائع " ويتمنى ذات يوم ان يكتب كتابا مثله. عام 1830 يحصل على منحة لاكمال دراسته، يصدر له اول كتبه " ابحاث حول المقولات القواعدية ". كان في التاسعة والعشرين عندما تقدم للحصول على شهادة البكلوريا. وفي خريف عام 1938 قرر ان يسافر الى باريس لاكمال دراسته الجامعية . في العام 1839 سيلفت الانظار اليه حيث اصدر كتابا " حول الاحتفال بيوم الاحد "، لكنه سيضطر لترك باريس اثر الضجة التي اثارها كتابه " ما هي الملكية؟ " وهو الكتاب الذي اثار اهتمام ماركس فخصص له صفحات في كتابه العائلة المقدسة: " ان كتاب برودون ما هي الملكية؟ هو البيان العلمي الناطق باسم البروليتاريا " – العائلة المقدسة ترجمة حنا عبود -.4126 بؤس الفلسفة

سيواصل برودون اثارة الضجيج حول اعماله. العام 1841 يصدر عددا من الكتابات اشبه برسائل كانت واحدة منها بعنوان " تحذير الى المالكين "، يقدم للمحكمة التي ستبرأه. وبسبب مواقفه ورفعه شعار " الملكية = سرقة " تم التضييق عليه ويفصل من عمله، إلا ان صداقته مع الشاعر تيوفيل غوتيه ستنقذه من وضعه المادي البائس، حيث وجد له عملا في احدى شركات النقل، مما اتاح له دخلا شهريا ثابتا..خلال السنوات الخمسة التي امضاها برودون في هذه الوظيفة نشر كتابين هما " اقامة النظام لدى البشرية " وكتاب " نظام التناقضات الاقتصادية " الذي اشتهر باسمه الثاني " فلسفة البؤس " وهو الكتاب الذي اثار حفيظة كارل ماركس فكتب ردا عنيفا عليه في كتاب بعنوان " فلسفة البؤس " نشر عام 1847.

يسعى لتأسيس مصرف تعاوني لكنه يفشل، عام 1849 يتزوج من عاملة شابة، وينشر كتاب " اعترافات ثوري " وهو مؤلف يسرد فيه الأحداث التي شهدتها فرنسا، وبعد ذلك نشر كتابا بعنوان " الفكرة العامة للثورة في القرن العشرين " قدم فيه نظرة عامة شاملة عن مفهوماته السياسية والاقتصادية.

يتيسر لتجربته أن تؤتي ثمارها، ولم يحل هذا بينه وبين الزواج في العام 1849م نفسه من عاملة شابة باريسية، ولا أن ينشر في العام نفسه «اعترافات ثوري» وهو مؤلف يسرد فيه الأحداث التي شهدتها فرنسة، واتخذ مواقف مناوئة للوحدة الإيطالية والثورة البولندية، وبعد ذلك بثلاث سنوات نشر مؤلفاً هو «الفكرة العامة للثورة في القرن العشرين» يقدم فيه نظرة عامة شاملة عن مفهوماته السياسية والاقتصادية.

 ولم يتيسر لتجربته أن تؤتي ثمارها، ولم يحل هذا بينه وبين الزواج في العام 1849م نفسه من عاملة شابة باريسية، ولا أن ينشر في العام نفسه «اعترافات ثوري» وهو مؤلف يسرد فيه الأحداث التي شهدتها فرنسة، واتخذ مواقف مناوئة للوحدة الإيطالية والثورة البولندية، وبعد ذلك بثلاث سنوات نشر مؤلفاً هو «الفكرة العامة للثورة في القرن العشرين» يقدم فيه نظرة عامة شاملة عن مفهوماته السياسية والاقتصادية.

يمارس برودون العمل السياسي من خلال صحيفة يومية اطلق عليها اسم " ممثل الشعب "، ينتخب نائبا في الجمعية الوطنية، ويعلن داخل الجمعية: " انني في صف العمال ضد راس المال " مؤكدا ان البروليتاريا هي الوحيدة القادرة على انجاز الثورة الاقتصادية.. يواجه هجمة شرسة من اعضاء الجمعية الوطنية حيث يصدر قرار بادانته، وسيتذكر ماركس في تأبينه لبرودون من: " ان موقفه في الجمعية الوطنية لا يستحق سوى كل اطراء وتقدير.. فلقد كان هذا الموقف يعبر عن شجاعة فائقة ". بعد تنصيب نابليون الثالث امبراطورا عام 1851 بدأ برودون يخوض مواجهات جديدة ضد الامبراطور، كتب عددا من المقالات هاجم فيها نابليون: " ان الامبر ما هو سوى مغامر سافل، انتخب في جو من الوهم الشعبي ليهيمن على مقدرات الجمهورية "، يصدر عليه حكم بالسجن ثلاث سنوات، يهرب الى بلجيكا.. إلا ان مغامرته بالعودة الى باريس مكنت السلطات من القبض عليه ليقضي سنوات في السجن، يخرج بعدها ليبدأ مواجهة جديدة وهذه المرة مع الكنيسة بعد ان صدر كتابه الضخم " حول العدالة في الثورة وفي الكنيسة " تمت مصادرة الكتاب ومن جديد يجد نفسه هاربا ليقضي اربع سنوات في بلجيكا يعود منها عام 1862 بعد صدور عفو عنه.. وكانت الامراض قد حاصرته ليتوفي في التاسع عشر من كانون الثاني عام 1865 ويدفي في مقبرة مونبارناس في باريس.

قيل عن برودون بانه واحد من اشد محطمي اصنام القرن التاسع عشر "، ويضعه البعض الى جانب كارل ماركس باعتباره اقتصادي ومفكر وثائر وسياسي وفيلسوف كبير، فهو يوصف بانه " جد " النقابية، والاب الشرعي للاشتراكية العلمية – قالها ماركس قبل ان يشتد الخصام بينهما –، والاب المغذي للماركسية وواحد من اهم مؤسسي علم الاجتماع. وقد جعلت منه كتاباته رجل الطليعة في الاشتراكية الاوربية.. وفي روسيا مارس تاثيرا كبيرا على دوستويفسكي وتورجنيف وفوضوية باكونين وعلى تولستوي الذي الذي كان يصفه بـ" الرجل القوي جدا ". ظل ماركس حتى عام 1846 يشيد بدور برودون في تنمية اسس الاشتراكية العلمية ونجده يكتب في الاييولوجية الالمانية: " ان اهم ما في كتاب برودون ( في خلق النظام عند البشر ) هو جدله،ومحاولته ايجاد طريقة تبدل بها الفكرة المستقلة بعملية التفكير " – الايديولوجية الالمانية ترجمة فؤاد ايوب-.

يخبرنا كارل ماركس انه التقى برودون اثناء اقامته في باريس عام 1844 وستدور بينهما حوارات حول هيغل، وفي واحدة من رسائلة الى انجلز يكتب ماركس: " امضينا مناقشات طوية كثيرا ما كانت تمتد ليلة باكملها، كنت احقنه حقنا هيغيلية كبيرة " – المراسلات ترجمة فؤاد ايوب –

كان ماركس يحمل تقديرا خاصا لبرودون الذي كان يراه افضل اشتراكي فرنسي، ويقدر موقفه من الدين، فقد كان برودون يعتبر الدين عقبة امام التقدم العلمي والاجتماعي، لكنه لم يطالب بازالته نهائيا، وايضا كان ماركس معجبا بنقد برودون للاقتصاد السياسي البرجوازي. اثناء اقامته في باريس يجد ماركس عند برودون عناصر عديدة تؤيد تصوراته، ليس فقط نقده المعمق للملكية الخاصة، بل ايضا تاكيده ان الاقتصاد السياسي يؤلف قاعدة التاريخ وضبط التطور الاجتماعي.

عام 1844 يطرد ماركس من باريس، ليستقر في بروكسل مع أسرته، لينضم إليه إنجلز. وقررا وضع خطط لإنشاء لجنة مراسلات شيوعية، و قد طلب من برودون أن يكون مراسلا له في فرنسا، غير أن هذا الأخير رفض ذلك رفضا قاطعا. كان برودون منزعجا من تأسيس مذهب فلسفي وفي واحدة من رسائله يعلن: " ليس لي مذهب وارفض رفضا صريحا التفكير في المذاهب. لن يعرف للانسانية مذهب إلا نهاية البشرية.. ان الامر الذي اهتم به هو ان اجد للانسانية طريقها او افتح لها الطريق ان استطعت " –برودون مؤبفات مختارة ترجمة عمر شخاشيرو -. ونجده يرد على احدى رسائل ماركس يلبقول: " عزيزي السيد ماركس.إني ارضى عن طيب خاطر ان اصبح طرفا من اطراف مراسللتك التي تبدو لي ذات هدف وتنظيم في غاية الفائدة.

لنبحث معا إذا سمحت عن قوانين المجتمع وعن الصيغة التي تتحقق فيها هذه القوانين وعن مدى التقدم الذي نتوصل بموجبه لاكتشافها. ولكن بالله عليك يجب ان لا نفكر بعد ان دمرنا كل العقائد القبلية بأن نخضع الشعب بدورنا الى عملية تبشير.لنتجنب الوقوع في التناقض الذي وقع فيه مواطنك مارتن لوثر الذي شرع في الحال بعد ان اسقط المذهب الكاثوليكي في تأسيس المذهب البروتستاني مستعينا بالحروم واللعنات. علينا ان لا نجعل من انفسنا ونحن على رأس الحركة رؤساء لتعصب جديد، وان لا نضع انفسنا موضع الرسل لديانة جديدة ولو كانت هذه الديانة دين المنطق ودين العقل. علينا ان نصغي لجميع الاحتجاجات وان نشجعها. لنندد بكل حرمان وبكل صوفية. علينا ان لا ننظر مطلقا إلى اية مسألة على انها منتهية. بهذا الشرط ادخل مسرورا في شركتك وإلا فلا ".

صدر كتاب كارل ماركس " بؤس الفلسفة " في صيف عام 1848. وكان قد تفرغ لكتابته طيلة شتاء عام 1846 اثناء اقامته في بروكسل وقد كتبه بالفرنسية.وفي مراسلاته مع انجلز نعرف ان الكتاب تأخر طبعه بسبب مصاعب الحصول على ناشر له. في الكتاب يحاول ماركس ان يكشف عن تناقضات برودون: " ان طبيعة برودون تدفعه الى الجدل، لكنه ان لم يفهم الجدل حقا فإنه لم يمض الى ابعد من السفسطة ". ويذهب ماركس ابعد من ذلك حين يصنف برودون بانه برجوازي صغير يريد الاشتراكية لكن بدون الثورة: " انه يريد ان يحلق – كرجل من رجال العلم – فوق البرجوازيين والبروليتاريين، وهو ليس إلا البرجوازي الصغير، الذي يتارجح بين راس المال والعمل، بين الاقتصاد السياسي والشيوعية " – بؤس الفلسفة ترجمة حنا عبود –

كان ماركس قد قرأ كتاب برودون " نظام التناقضات الاقتصادية " او فلسفة البؤس فور صدوره. وقد ادرك، ان برودون وضع كتابه انطلاقاً من المناقشات والرسائل التي كانت تدور بينهما حول الفلسفة والاقتصاد وقد رأى في كتاب برودون محاولة الي ايجاد دواء مؤقت للمعاناة الاجتماعية التي تعيشها الطبقات المسحوقة، وان هذه المحاولة جزء من مجتمع برجوازي يحاول ان يحول هذه المعاناة إلى جمعيات خيرية ومنظمات مهنية .. انها الاشتراكية البرجوازية التي تريد ان تكون بديلا عن الاشتراكية الثورية. كان ماركس يرى ان برودون مثل جميع المصلحين، المدافعين عن مصالح الطبقات الوسطى، مدفوع بالرغبة في حماية الملكية الصغيرة الخاصة. فبرودون من وجهة نظر ماركس يقف في آن واحد ضد حق الملكية المطلق الذي يعزز الراسمال الكبير وضد الشيوعية التي كان يعتبرها خطرا اكبر بالنسبة للطبقات المتوسطة ما دامت تتعرض لمبدأ الملكية الخاصة.

في كتابه " فلسفة البؤس " يوجه برودون اللوم الى الشيوعية التي تنادي بحق الملكية المطلق لانه يقود الى الاحتكار، ويدافع عن الملكية الصغيرة التي يعتبرها كفيلة بتامين استقلال الانسان العامل. ولهذا يتهمه ماركس بانه يتخذ موقع وسيط بين الراسمالية والاشتراكية.

يحاول ماركس في كتابه " يؤس الفلسفة " ان يضع تحليلاً علمياً لنمط الإنتاج الرأسمالي، وقواعد لاسس الاقتصاد السياسي الماركسي، فنجده يدرس بعمق الوضع الاقتصادي والدور التاريخي للبروليتاريا في الصراع الطبقي فيكتب: " ان الشرط لانعتاق الطبقة العاملة هو القضاء علي كل طبقة. وفي الوقت نفسه ان التطاحن بين البروليتاريا والبورجوازية هو صراع طبقة ضد طبقة، صراع يكون تعبيره الأقصي ثورة كلية. وفي نظام الأشياء حيث لا توجد طبقات وتطاحنات طبقية اخري، تكف الانتفاضات الاجتماعية عن ان تكون ثورات سياسية. وإلي أن يحين ذلك الوقت، وفي عشية كل تغير للمجتمع، تكون الكلمة الأخيرة دائماً للعلم الاجتماعي " – بؤس الفلسفة -.

ويبدو ان ماركس اراد تصفية حسابه مع برودون ونظريته الاقتصادية وجداله حول هيغل فيكتب: " إن من سوء حظ السيد برودون ان يكون مجهولاً في اوروبا. ففي فرنسا، قد يكون من حقه ان يعتبر اقتصادياً سيئاً، لأنه يمكن ان يعتبر فيلسوفاً ألمانياً. وفي ألمانيا، قد يكون من حقه ان يعتبر فيلسوفاً سيئاً، لأنه يمكن ان يعتبر اقتصادياً فرنسياً قوياً. أما نحن فإننا، بصفتنا ألماناً واقتصاديين في الوقت نفسه، نجد ان من حقنا ان نشجب هذا الخطأ المزدوج ". بالنسبة الي ماركس فإن برودون لا يرى في البؤس سوي البؤس، وقد فاته ان يرى فيه جانبه الثوري الهدام الذي سيتمكن من القضاء علي المجتمعات القديمة. اما برودون فقد كان يرى ان خطيئة ماركس الكبيرة انه يتجاهل ان واقع ان الاقتصاد ليس سوى جزء من علم الاجتماع. فهو يرى ان علم الاجتماع هو الوحيد القادرعلى الكشف عن المعنى الحقيقي لكل التناقضات الاقتصادية عن طريق وضعها ضمن اطرها الاجتماعية.. ولهذا نجده ياخذ على ماركس وجماعة الماديين عدم اهتمامهم بالثنائيات الماثلة في حياتنا: " لا سيما ثنائية الخير والشر." ويسخر ماركس من برودون الذي يجده يستهدي بنظرية هيغل من دون ان يكون قد فهمها جيدا. فهو يكتب تاريخاً للبشرية لا يقسم هذا التاريخ الى مراحل زمنية بل الى مراحل فكرية.

في رسالته الى ماركس يرفض برودون فكرة الثورة والتي: " ليست سوى اهتزاز. لا ينبغي علينا ان نطرح العمل الثوري كوسيلة للاصلاح الاجتماعي، لان تلك الوسيلة المزعومة يمكن ان تكون مجرد دعوة للجوء الى القوة والاستبداد.. يجب ان ندخل الى المجتمع، بواسطة تركيبة اقتصادية اخرى. وانني على يقين من امتلاكي وسيلة حل تلك المعظلة في المدى القصير ".. وكانت الوسيلة هي كتابه "فلسفة البؤس" الذي سيسميه ماركس بدستور البرجوازية الصغيرة: " كان برودون هذا نفسه يعتبر ثوريا متطرفا سواء من جانب رجال الاقتصاد السياسي او الاشتراكيين، وهذا هو السبب في انني لم اشارك فيما بعد اولئك الذين اطلقوا الصرخات من خيانته للثولرة فليس خطأه انه، لم يحقق الآمال التي لم يكن لها ما يبررها ".

ظل برودون طوال حياته يؤمن انه مصلح مهمته أن يهدي العالم: " كل مصلح صانع للمعجزات أو يتمنى على الاقل ان يكون كذلك.. اما انا فاستقبح المعجزات كما اكره انواع السيطرة ولا اهدف إلا الى المنطق ".

***

علي حسين – كاتب

رئرئيس تحرير صحية المدى البغدادية

 

في المثقف اليوم