قراءة في كتاب

الحرب البيولوجية والإرهاب (3)

4095 الحرب البيولوجيةتأليف: فرانسيس بويل (Francis A. Boyle)

ترجمة: عزام محمد مكي

الحرب البيولوجية الأمريكية ذات الصلة بانتهاكات القانون الدولي

العراق: قانون نورمبرغ للتجارب الطبية

دعونا نعيد التحليل إلى العوامل البيولوجية الخاصة بالتسليح والتي شُحنت إلى صدام حسين بواسطة (American Type Culture Collection) والمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها بناءً على طلب إدارة ريغان والمحافظين الجدد، والذين يعمل العديد منهم الآن تحت إدارة بوش الابن، التي، كما ذُكر أعلاه، انتهكت بالفعل بنود اتفاقية الأسلحة البيولوجية.  في أواخر خريف عام 1990، عندما كانت إدارة بوش الأب تسارع إلى الحرب ضد العراق، أمر وزير "الدفاع" آنذاك ريتشارد تشيني (نائب رئيس بوش الابن الآن وفي نظر الكثيرين، الرئيس الفعلي لـ الولايات المتحدة الأمريكية) بان يتم تلقيح جميع القوات المسلحة الأمريكية المنتشرة في منطقة الأعمال العدائية باللقاحات الطبية التجريبية للجمرة الخبيثة وسم البوتولين*، ليس فقط قبل موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على اللقاح، ولكن دون موافقتهم المسبقة وبالتالي في انتهاك واضح لقانون نورمبرغ**. في ذلك الوقت لم تكن لدينا أي فكرة لماذا كانت اللقاحات ضرورية. وأصبح السبب واضحًا في وقت لاحق، عندما اتضح أن إدارة ريغان قد شحنت خلسة هذه العوامل البيولوجية الخاصة بالأسلحة إلى العراق، وكان هناك شعور بأن صدام حسين قام بتجهيز الاسلحة بالجمرة الخبيثة وسم البوتولين. كانت إدارة بوش الأب تعلم جيدًا أن القوات المسلحة الأمريكية التي ستهاجم العراق ستكون عرضة لعوامل الحرب البيولوجية التي قدمها المحافظون الجدد الريغانيون لصدام حسين لغرض صريح يتمثل في تسليح هذه العوامل البيولوجية واستخدامها ضد إيران. "انتكاسة" بالتأكيد.

كما هو الحال دائمًا، فإن الزلة الأولى غير القانونية تستلزم الثانية، والتي كانت إجرامية. وعلى هذا فما كان آنذاك لقاحات طبية تجريبية فقط، تم استخدامها في تطعيم 500000 من افراد القوات المسلحة الأمريكية والتي تم نشرها في حرب الخليج الأولى من قبل إدارة بوش الأب، وشمل هذا التطعيم كذلك افراد القوات البريطانية المصنفة بالمثل مما أدى إلى تحويل المشروع بأكمله إلى تجربة حية ضخمة، لم يتمكن مجتمع البحث العلمي ولا البنتاغون من التصدي لنتائجها –بسبب مخالفتها ووبالتأكيد لعدم شرعيتها- نظرًا لعدم الاحتفاظ بسجلات تأثيرات اللقاحات بشكل منهجي – وهذا راجع اما لعدم اتاحة الفرصة لعامة الناس وكذلك الجنود من معرفة ذلك مما يسهل إعادة بناء الطبيعة التجريبية للقاحات والتي يتم إعطاؤها بالقوة، أو في الواقع، لحظر تجميع النتائج السلبية لاستخدامها ضد المسؤولين في إدارة بوش الأب.  حتى اليوم، مات أكثر من 11000 جندي أمريكي – ولم يكن هذا كنتيجة مباشرة للقتال - ويعاني معظم الباقون على قيد الحياة من اعراض متلازمة حرب الخليج (GWS). بالطبع، كانت ذخائر اليورانيوم المستنفد (DU) ولا تزال عاملاً مسببًا آخر وراء متلازمة حرب الخليج (GWS). ويواصل البنتاغون إنكار وجود مثل هذه الظاهرة الطبية المصنفة على أنها متلازمة حرب الخليج - حتى أبعد من الحد التي يعرف فيها الجميع أن الإنكار هو مجرد دعاية وتضليل. لن يلتزم البنتاغون وبالتالي لن يتحمل أبدًا العواقب القانونية والاقتصادية والتعسفية والسياسية والجنائية للاعتراف بوجود متلازمة حرب الخليج (GWS). لذا فإن المحاربين القدامى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الذين شاركوا في حرب الخليج الأولى وكذلك أطفالهم بعد الولادة سيستمرون في المعاناة والموت***. وسيثبت الشيء نفسه بالنسبة للمحاربين القدامى - وكذلك لأطفالهم بعد ولادتهم- في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في حرب الخليج الثانية في عهد بوش الابن. لقد اقترف بوش الأب، وتشيني، والجنرال كولن باول (رئيس هيئة الأركان المشتركة ثم وزير خارجية بوش الابن)، والجنرال "ستورمين" نورمان شوارزكوف، وبقية القيادة العليا للجيش الأمريكي، جريمة نورمبرغ (الجرائم التي تم تقديم مقترفيها الى محكمة نورمبرغ) على القوات المسلحة للولايات المتحدة من خلال إجبارها على أخذ هذه اللقاحات الطبية التجريبية في انتهاك لقانون (مدونة) نورمبرغ للتجارب الطبية. لقد جادلت لأول مرة بهذه النقطة في الإجراءات العسكرية للجيش الأمريكي عام 1991 ضد النقيب الطبيب يولاندا هويت فون، الذي تعرض للاضطهاد جزئيًا لرفضه إعطاء هذه اللقاحات الطبية التجريبية للقوات المسلحة الأمريكية التي تم نشرها في حرب الخليج الأولى التي شنها بوش الأب. وفي وقت لاحق عقد السناتور (جاي روكفلر) جلسات استماع علنية حول هذه الفضيحة، وفي ختامها اتهم أيضًا كبار أعضاء إدارة بوش الأب بارتكاب جريمة نورمبرغ ضد القوات الأمريكية.

إدارة كلينتون

تنتهك اتفاقية الأسلحة البيولوجية 

وباعتبارهم أعضاء في النخبة الحاكمة في أمريكا، انخرط الديمقراطيون أيضًا في أعمال إجرامية دولية. قرر الليبراليون الجدد في إدارة كلينتون إعادة تنشيط تمويل البنتاغون الضخم لعقود الحرب البيولوجية للهندسة الجينية ذات الاستخدام المزدوج (الدفاعية-الهجومية) في نفس الوقت، على الرغم من حقيقة أن المحافظين الجدد الريغانيين والمتواطئين معهم من علماء "برنامج أبحاث الدفاع البيولوجي (BDRP)" قد قاموا، وقبل ما يقارب العقد من الزمان ببذل اقصى طاقة في بحوث في العوامل الجرثومية الموجودة بشكل طبيعي.

ثم تأتي صحيفة نيويورك تايمز لتكشف القصة:

* قامت وكالة حكومية أمريكية بتطوير سلالة من الجمرة الخبيثة مقاومة للمناعة عن طريق الهندسة الوراثية للحامض النووي.

* طورت وكالة حكومية أمريكية اسلحة فائقة التطورة للجمرة الخبيثة بكميات و قوة لا يمكن ان يكون لها غرض «دفاعي» مشروع على الإطلاق.

* شيدت وكالة حكومية أمريكية مصنعًا لقنابل الحرب البيولوجية حيث كانوا يختبرون قدرتهم على «إنتاج» أسلحة بيولوجية.

وتضمنت العقود الحكومية الاخرى، والتي سمح بها الليبراليون الجدد لإدارة كلينتون في البنتاغون، دعوة لعلماء-الموت من اجل تحويل العوامل الجرثومية المعدلة وراثيا الى هباب جوي- وهو اعلان واضح، وان لم يكن قاطعا، لبرنامج غير قانوني واجرامي للحرب البيولوجية. ويعتبر تحويل العوامل الجرثومية الى هباء جوي أمرًا بالغ الأهمية لتسليح العوامل البيولوجية لأن معظمها يتم توجيهه إلى البشر عن طريق الجو.

 انتهكت برامج الحرب البيولوجية التي اوجدها الليبراليون الجدد لإدارة كلينتون كلاً من اتفاقية الأسلحة البيولوجية وقانون مكافحة الإرهاب للأسلحة البيولوجية لعام 1989، الذي بادرت به لجنة علم الوراثة المسؤولة.

إدارة جورج دبليو بوش

تتنصل من بروتوكول التحقق الخاص باتفاقية الأسلحة البيولوجية

لم يكن مفاجئًا قيام إدارة بوش الابن الجديدة والمحافظين الجدد الريغانيين المعاد تدويرهم، وفي أول فرصة متاحة في تموز/يوليو من عام 2001، بالتنصل من بروتوكول التحقق من اتفاقية الأسلحة البيولوجية الذي كان قيد التفاوض الدولي لبعض الوقت. إن التقليل من بروتوكول التحقق من اتفاقية الأسلحة البيولوجية، والمماطلة فيه، وتدهوره من قبل الليبراليين الجدد في ادارة كلينتون، والذي أعقبه على الفور تقريبًا الرفض الصريح للاتفاقية من قبل المحافظين الجدد في ادارة بوش الابن، انتهك بوضوح ديباجة اتفاقية الأسلحة البيولوجية التي تنص على اتخاذ تدابير فعالة لإلغاء جميع أسلحة الدمار الشامل (النووية والبيولوجية والكيميائية) بشكل عام، وعوامل الحرب البيولوجية بشكل خاص:

إن الدول االموقعة على هذه الاتفاقية،

عاقدة العزم على العمل من أجل تحقيق

إحراز تقدم فعال نحو تحقيق نزع عام

و كامل للسلاح، بما في ذلك التحريم

والقضاء على جميع أنواع أسلحة الدمار،

الشامل واقتناعا منها بأن تحريم

التطوير والإنتاج والتخزين

للاسلحة الكيميائية والجرثومية (البيولوجية)

وإزالتها، من خلال تدابيرفعالة

سيسهل تحقيق نزع السلاح

 العام والكامل في إطار

رقابة دولية صارمة وفعالة

.........

واقتناعا منها بأهمية وضرورة

تخليص ترسانات الدول، من خلال

تدابير فعالة، من مثل هذه الأسلحة الخطرة

للدمار الشامل كتلك التي تستخدم المواد الكيميائية

أو العوامل الجرثومية (البيولوجية)

بما أن كلا من المحافظين الجدد الجمهوريين و الليبراليين الجدد الديمقراطيين قد اتفقوا مع المبدأ الميكافيلي بأن "أفضل دفاع هو الهجوم الجيد" عندما يتعلق الأمر بالبحوث والتطوير واختبار الأسلحة البيولوجية، فقد اتحدت النخبة الحاكمة الأمريكية في قناعاتها بأنه سيكون من غير المجدي وجود آلية مراقبة وتفتيش دولية صارمة وفعالة لاتفاقية الأسلحة البيولوجية – والذي لايمكن التحقق منها بدونه. في الواقع، لم يكن هناك سبب في تعيين الذئب راعيا لحراسة الخراف عندما كان الذئب يخطط لأكلها. كان بوش الابن يستعد بالفعل لإطلاق كلاب الحرب على أفغانستان والعراق وأماكن أخرى. وهذا هو السبب أيضا في أن إدارة بوش الابن، منذ لحظة إنشائها، بذلت كل ما في وسعها بشريا لتخريب المحكمة الجنائية الدولية.

***

......................

* أحد الأسلحة البيولوجية القاتلة، تُفرزه بكتريا Clostridium botulinum، وتكمن خطورته في تسببه بشلل عام وموت المصاب في حال لم يُعْط المصل المضاد في خلال 24 ساعة

**: Nuremberg Code‏ هو أحد المبادئ الاساسية للاخلاق في التجارب على الإنسان، تم وضعه خلال محاكمة أطباء النظام النازي في مدينة نورمبرغ الألمانية بعد هزيمة الألمان في الحرب العالمية الثانية، ويعتبر حتى اليوم، الأساس في مجال إعداد وتنفيذ التجارب الطبية والنفسية على البشر.

***والشئ نفسه ينطبق على رجال ونساء واطفال العراق الذين تعرضوا لليورانيوم اثناء الحروب الامريكية على العراق

يتبع

الفصل السادس

الإرهاب المحلي: هجمات الجمرة الخبيثة على الكونغرس الأمريكي

 

في المثقف اليوم