قراءة في كتاب

دور الخطاب الديني المعتدل في إنقاذ الأمّة من التطرف والإنحرافات

الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ازدهار ام انحدار؟

يؤكد مفكرون أن انحدار الأمة الإسلامية وراء عدم التزام أهلها وخاصة العلماء والفقهاء بالخطاب الديني في مواجهة "الفكر الغربي" و"العولمة" التي عمقت جذورها حتى دخلت الأسرة ثم المدرسة وهذا راجع لإنقسام المسلمين وصراعاتهم من أجل التموقع والوصول إلى الحكم، حيث أهملوا جانبا مهما من القضايا التي لا تنهض الأمة بدونهما فكانوا سببا في عزل روح الأمة وشرفها وكيانها، حتى أصبحت هذه القضايا تشكل خطورة على حياة المجتمع الإسلامي، وقد سمحت للفكر الغربي أن يتسلل داخل المجتمع عن طريق علمنة المنظومة الأسرية والتربوية وضربهما في العمق وبواسطة الإنفتاح المفرط، هي دعوات الإصلاح المسمومة الوافدة على منطقة الشرق لإخراج الإنسان المسلم عن نهجه الربّاني فتجده يبحث عن ملذات الحياة باسم الخصوصية

لم يكن التناقض الرئيسي في الإسلام قائما بين إيمان وإلحاد، بل بين إسلام روحي وإسلام زمني (مرحلي) وبين تيار عقلاني وآخر إشراقي، الأول ينطلق من مفهوم خاص للإسلام يجد في ابن رشد ذروته الفكرية مارا بالمعتزلة والفرابي والغزالي والتيار الثاني ينطلق من مفهوم آخر للإسلام ويمر بالحلاج والسهروردي، لكن من نعم الله على البشرية في العصر الحديث تلك النهضة العلمية والتكنولوجيا التي طالت كل مظاهر الحياة والتي منها هذا التقدم الهائل في وسائل الإتصالات الحديثة المتمثلة في الفضائيات والإنترنت، إلا أن هذه الوسائل سلاح ذو حدين، فكما نجد المواقع الهادفة، هناك مواقع هدامة، فالعولمة عن طريق الإنترنت جعلت المجتمع المسلم أكثر ابتعادا عن المنهج الرباني لأن الخطاب الديني في البلدان الإسلامية ابتعد عن جوهره، فكم من الخطباء أصبحوا موالون للسلطة، وأهملوا الرسالة التي أوكلت إليهم في تنوير المجتمع وتهذيب النفس البشرية وإصلاحها، فبعضهم فرطوا في الإلتزام بقواعد الخطاب الديني وآخرون أفرطوا فيه إلى درجة التعصب والمغالاة وإطلاق فتاوى لا يقبلها عاقل، لذا كان من الضروري المطالبة بإعادة النظر في الخطاب الديني وتجديده.

ومن الذين دعوا إلى مراجعة الخطاب الديني ما ذهب إليه الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الأمريكية المفتوحة الذي دعا إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني داخل المساجد والتركيز على قضايا الأسرة وما يهددها من مخاطر فيجد لها من الخطاب ما يناسبها ويتفاعل معها، ففي كتابه بعنوان: "الخطاب الديني بين تحديث الدخلاء وتجديد العلماء" الصادر عن دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ينتقد الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي الخطاب الديني المعاصر، كون هذا الخطاب مرتبط بالمرجعية الدينية للمجتمع الإسلامي، وهذه المرجعية كما يُلاحظ منقسمة وغير موحدة ومختلفة من مجتمع لآخر، فالخطاب الديني كما جاء في الكتاب له صفات وهي الشمولية والواقعية، معايشة الأمة وقضايا الساعة ومن صفاته كذلك الأمانة والصدق والنزاهة والحكمة، وقال أن الخطاب الديني له ثوابت وأصول، وقد خص الكاتب لهذه الصفات بالشرح والتفصيل (من الصفحة 72 حتى الصفحة 76)، ليوضح أنه لابد للخطاب الديني أن يرتب أولويات خطابه والأولويات في نظره هي تلك القضايا التي تشد حاجة الجمهور من الناس سماعها او معرفة حكم الشرع فيها، ولا يقف عند حدود شرح طريقة الوضوء ونواقضه في خطبة الجمعة.

وقال أن الخطاب الديني يشترط مراعاة الأحداث والأزمان والظروف لكي يعطي لكل ذي حق حقه، كما على الخطاب الديني أن يراعي نوع الجمهور ووجهته وزمان خطابه، لأن الجمهور يختلف من حيث المستوى والطبقة، حتى أن البشر انواع وأمزجة وطبائع واستعدادات مختلفة، فهناك الروحاني والعقلاني والعاطفي والعصبيّ (من العصبية) وهناك حادُّ الطبع، إذ لا يجوز لكل من هبّ ودبّ أن يلقي خطابا دينيا أو يصدر فتوى أو يناظر ويباحث في مسألة دينية، فالمفتي والفقيه والعالم والداعية والإمام والخطيب يجب عليه أن يكون حاملا لرسالة الأنبياء وشرف نقلها إلى الناس وأن يلتزم بأخلاق الأنبياء وسندهم، والسند هو التلقي عن العلماء الراسخين في حلقاتهم العلمية في كل موقع ( المساجد، النوادي، المدرسة والجامعة )، وقد أشار الكاتب في العنوان الفرعي ( ص 87) الذي جاء بالصيغة التالية: عالِمٌ رَخِيصٌ وقارئٌ سفيهٌ يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، لخطورة الوضع، كما قدم الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي عينة من المشكلات التي يغرق فيها المجتمع المسلم عندما تحدث في الصفحات ( 215،216، 217، 218) عن العلاقات بين الناس وبالأخص مسألة الزواج وتعدد الزوجات ومشروعيته وما جاءت به أحكام الإسلام ومقاصده، نعرض هنا بعض الملاحظات حول الخطاب الديني الحالي وما يحدث في الحياة اليومية للمجتمع المسلم.

الملاحظة الأولى: تتعلق بما يحدث في المؤتمرات التي تنظمها الأحزاب السياسية، حيث عادة ما تفتح مؤتمرها بآيات من ذكر الله الحكيم، والنشيد الوطني ثم فجأة يتحول المؤتمر إلى حلبة صراعات من أجل التموقع، هذه الصراعات ترافقها بعض السلوكات اللاأخلاقية تصل إلى حد سب الله والطعن في الدين فضلا عن سماع الكلمات البذيئة التي يخجل الإنسان من سماعها أمام رفيقه في النضال أو امرأة تقف في مكان قريبا منه، فلا هم احترموا القرآن الذي كان يتلى على مسامعهم، ولا هم احترموا النشيد الوطني، ألا يمكن القول أن هذا الإمام الذي افتتح المؤتمر أساء للخطاب الديني، لأنه حضر مَجْمَعِ لا تراع فيه الحرمات.

الملاحظة الثانية: الجدل القائم حول الحديث الشريف في قوله صلعم: "خيركم.. خيركم لأهله" أخرجها الترمذي عن عائشة بسند صحيح، أريد بها أنه إذا كان المتحدث باسم الدين خارج بيته كريما فميزان الرسول يقتضي أن يكون لأهل بيته أكرم، وإذ كان خارج بيته متأدبا لبقا فالواجب ان يكون داخل بيته أكثر لباقة وأدبا، إذا كان مع الناس حليما صبورا فالميزان النبوي يقتضي أن يكون مع أهله أكثر حلما واشد صبرا وهكذا، فهذا الحديث أعطيت له عدة تفسيرات، منهم من قال أن كل من يستعمل خطابا مزدوجا ومختلفا أي ان ما يقوله خارج بيته لا ينبغي ان يقوله داخل بيته، اي أنه حر يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء خارج بيته وكأن الشارع ليس له حرمة، فهناك من انتقد الدعاة ووضعوهم فوق المشرحة ووقفوا على مظاهر الإزدواجية والإنفصام لدى الدعاة والعاملين في مجالات الدعوة إلى الله، فهو أمام الناس شيئ وبينه وبين نفسه شيئ مناقض، يعيش صراعا بين متطلبات الدعوة وخصائص واحتياجات المرحلة العمرية كون البعض يعاني من مشكلات العلاقة مع الجنس الآخر وغيرها من الأمثلة، المشكلة أن هناك من فهم الحديث خطأ، بحيث فسره بأن خيركم لأهله أي أنه يصون أهل بيته ويحافظ على كرامتهم وشرفهم أما باقي الناس خارج البيت فهو غير ملزم بذلك وغير مسؤول عنهم.

الملاحظة الثالثة: وهي تتعلق بالممارسات السياسية التي تقوم بها بعض الجماعات الإسلامية إذ يلاحظ أن بعض المتطرفين استغلوا الجهاد في سبيل الله من أجل إغراء النساء والإيقاع بهن، ففي الجزائر مثلا وعلى غرار البلدان التي عاشت الحروب الأهلية، فقد حوّل هؤلاء المرأة المسلمة إلى "انتحارية"، وأخريات تحوّلن إلى "جواري"، الطامة أن الفئة الثانية أنجبن أطفالا، فيما أطلق عليهم اسم: " أبناء الجبل" والسلطات العمومية الآن تبحث لهم عن حلول لإدماجهم وسط المجتمع، في حين نجد بعض الأزواج الراغب في ربط علاقة بامرأة أخرى باسم الخصوصية، ولتحقيق هدفه يلجأ إلى الطرق اليسيرة وهو الزواج "العرفي" أو كما يسمونه بزواج المسيار عند أهل الجماعة والسنة، وزواج المتعة عند فرق الشيعة.

وكما يقول المنظرون في حقل الأسرة والتربية:" لكل شيئ أصل يُبْنَى عليه ولكل بناءِ قواعدٌ وأسسٌ، ولئن ذهب أصل الشيئ وأساسه فقد ذهب الشيئ كله"، وبالرغم من أن الزواج العرفي شرعيٌّ فالسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا: هل يرضى رجل عاقل أن تتزوج ابنته أو أخته زواجا عرفيا؟ ثم إن كان هذا الرجل يكن ولو بشيئ قليل لهذه المرأة/الفتاة من المودة والإحترام ألا يحق له أن يمنحها لقبه ويصبح زواجهما كاملا وهذا من باب صون كرامتها وكبريائها، كانت السلطات الجزائرية ( كعينة) في فترة ما، قد اتخذت بعض الإجراءات القانونية فيما يخص الأحوال الشخصية، حيث اشترطت على من يرغب في الزواج بثانية موافقة الزوجة الأولى وتكون حاضرة أمام القاضي لتوقع على زواجه بأخرى ثم ألغيت هذه الإجراءات، ثم أنه من يخفي زواجه عن زوجته الأولى وأهله فكيف يكون خيرا لأهله؟ وكيف له أن يقتدي بالرسول الصادق الأمين الذي امر بالصدق والأمانة والعدل والإحسان قبل نزول عليه الوحي؟.

الخطاب الديني وظاهرة التطرف والإرهاب

كان هذا عنوان فرعي ضمنه صاحب الكتاب في الصفحة 155 من كتابه، ففقدان المرجعية الدينية أو تغييبها عمدا تفتقت عنها عقليات بعض من كانوا محسوبين على الحركات الإسلامية أو ممن تأثروا بها وبعض من لا صلة لهم بحركة أو جماعة، حيث تبنوا كما يقول المؤلف فكرا ساذجا غريبا أو فهما شاذا وتولدت عن هذا الفكر الساذج تيارات متطرفة واتجاهات حديثة مغالية، فالتعددية الفكرية الدينية والإنقسامات جعلت الأصوات مشتتة والمواقف متناقضة، حيث لم يجد هؤلاء من وسيلة التعبير عن فكرهم ورأيهم أقوى من القتل والتفجير وإرهاق الأرواح وسفك الدماء والعبث بالمصالح والمرافق العامة والخاصة لأن ساحة الخطاب الديني المعتدل غائبة فكان الخطاب الديني المتطرف هو البديل، لدرجة أن أصبح لكل جماعة مرجعيتها الدينية، فنقرأ عن شيعة ابن تيمية والألباني وشيعة البنّا وقطب في مصر، وشيعة محمد عبد الوهاب في السعودية وبعض الأقطار العربية، والشنقيطي في السودان، أما في الجزائر فهم متعددوا المرجعيات، فمنهم من جعل الشيخ محمد الغزالي والبوطي مرجعيته الدينية، وهناك شيعة علي بن أبي طالب وابنه الحسين، وتقابلها الوهابية وبدأنا نسمع عن شيعة علي بن حاج وهم أنصار الفيس الذين لا زالوا يحلمون بالعودة، الغريب أن علي بن حاج له مؤيدوه ومناصروه وهم كثر يضعون فيه ثقتهم، دون الحديث عن المذاهب الحديثة الظهور التي كانت تنشط في الخفاء كالمدخلية والأحمدية وغيرها..

لم يكن الغرب غافلا عما يحدث في الشارع الشرقي والمشكلات التي يغرق فيها المجتمع الإسلامي وتغيير الخطاب الديني الذي امتد إلى حد التحريض فتعامل معه على أنه حقيقة ولاعب أساسي لا يمكن الإستخفاف به أو تجاهله لأن بعض الذين انزووا على المنابر يفتقرون إلى لغة الخطاب الديني المعتدل، إن أولئك كما قال عنهم صاحب الكتاب لا يصلحون أن يكلمون أنفسهم فكيف يصلحون لخطابة الجمهور وعظته إذ يقول: " إنما يرتقي المنبر من يمثل أعلى مراكز البيان (الخطاب الديني) أما الهواة فلا يجوز لهم ذلك، فكم نقل هؤلاء وأشباههم معلومة خاطئة أو حديثا ضعيفا لا يصح لحال وكم أحدث بعضهم فتنة أو قلاقل..الخ"، لدرجة أنهم كانوا لعبة بين ايدي الغرب الذي استغل الأحداث وجعلها سلاحا يضرب به الأسرة المسلمة هذا عن طريق علمنة التعليم، أي عزل التاريخ والتربية الإسلامية من قاعات الدرس فلا يجوز أن يفهم الطالب المسلم (الشرقي) أن الحصانة الأخلاقية والحماية الإجتماعية لا تأتي عن طريق الدين والأعراف والمبادئ والأخلاق وإنما تأتي عن طريق الإنفتاح، هي دعوة الإصلاح المسمومة لإخراج المسلم عن نهجه الرباني.

الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين ازدهار أم انحدار؟

و لذا نجد المؤلف يُحَمِّلُ المجتمع المسلم المسؤولية في إفراز هذه الظواهر الخطيرة مثلما جاء في الصفحة 156 من الكتاب عندما قال: إن أبواق الباطل مسموعة مشروعة وأصوات الحق متهمة ممنوعة، ولعل هذا ينطبق على الإخوان في مصر والنهضة في تونس، والجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر التي منعت من حقها في المشاركة السياسية رغم تدابير المصالحة الوطنية والقوانين التي صدرت في هذا الشأن، إنها كما يقول دوّامة من المتناقضات وأمواج متلاطمة من الأضداد والمتعارضات وهذا هو التطرف والإرهاب بعينه، وللفصل في هذه المشكلات وما يواجه المسلمين من مظاهر العنف والتطرف والمغالاة في إطلاق الفتاوى اضطر علماء الأمة وفقهائها إنشاء هيئة عامة أو مجمع ينظم أمورهم وهو اتحاد رابطة العلماء المسلمين فلا يحق لأيّ كان أن يفتي في مسألة من المسائل سواء كان عالما أو فقيها إلا بموافقة تلك الهيئة، بحيث يخرج العلماء والفقهاء الموثوق فيهم على الجمهور من المسلمين وعامتهم برأي موحد ولو وجد من يعارض من داخل تلك الهيئة، لكن أين هي رابطة العلماء المسلمين اليوم؟؟، فهي تتأرجح بين الازدهار والانحدار، والدليل الصراع القائم حاليا بين علماء متخصصين نشأوا في احضان العالم الإسلامي (قضية أحمد الريسوني رئيس الاتحاد وتهجمه على الجزائر بسبب الصراع الدائر بينها وبين المغرب وهذا ما يؤكد على الغياب الكلي للخطاب الديني وثقافة الحوار حتى بين العلماء الذين كان من المفروض أن يكونوا وسطاء بين الحكام والحكومات لفض النزاعات القديمة والتي لم يتم الفصل فيها إلى الآن، فالصراع بين حكومات لها قاسم مشترك في اللغة والدين والثقافة.

الملاحظة الرابعة: وهنا تجدر بنا لأن نفتح قوسا صغيرا بالرجوع إلى المرجعية الدينية التي تمت إليها الإشارة للوقوف فيما يحدث الآن والحال الذي وصلت إليه الأمة بسبب تعدد الفتاوى وكثرة المفتين، بحيث أصبح كل من هب ودب يقول أنا مفتي وسمحت لهم أنفسهم إطلاق فتاوى دون سند شرعي أو دون حوار ونقاش في المسائل المنازع فيها، إن غياب ملتقيات الفكر الإسلامي وحوار الأديان والثقافات وتوقف المناظرات العلمية الدينية أخلطت كل الأوراق، بعد غلق باب الإجتهاد، فكل واحد يُكَفِّرُ الآخر لمجرد أن هذا الأخير اجتهد وأبدى رأيه في مسألة تتعلق بالفكر الديني في ظل الصراع بين الأصوليين والحداثيين، وكأن هؤلاء أرادوا أن يكونوا شركاء مع الله في الحكم أو نواب عنه وخلفاء، وقد كانوا بسبب تعصبهم وتشددهم سببا في تنفير المسلمين من دينهم، لأنه لم يكن لديهم كما يقول الكاتب تصورٌ للقضايا الكبرى في الإسلام، يقول الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي في الصفحة 169 من الكتاب: "إن دور العلماء هو تفنيد الأفكار الباطلة والنحل الفاسدة والآراء الشاذة في حالة قيام شبهة من الشبهات وذلك بدافع من الغيرة الدينية والشعور بالمسؤولية.

فما أحوج الأمة اليوم إلى إحياء دينها ومعالم عزها ومجدها وتجديد خطابها الديني عن طريق علمائها وحكامها لا عن طريق مراهقين اطلعوا على بعض الكتيبات أو المطويات وادّعوا أنها فقها وفتوى يغسلون بها عقول الجهلة والسذج، وكم من المتعصبين من جعلوا من الشباب انتحاريين باسم الجهاد في سبيل الله (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر - الآية 104 من سورة آل عمران)، الحقيقة فقد أثارت في نفسي جرأة المؤلف وهو ينتقد بعض العلماء والفقهاء، إذ نقرأ قوله في الصفحة 174: " سقى الله أياما كانت لفتوى العالم فيها هيبة تهزّ لها عروشٌ وممالكٌ، ثم استدار الزمان وانقلبت الأيام فإذا بفتوى العلماء تتخذ من دور الإفتاء سكنا لا تغادره أو قبرا لا تفارقه قد أكل عليها الدهر وشرب، لا نرى نورا ولا هواءً ولا شمسا ولا ضياء"، فمنصب الإفتاء كما يقول لا يأتي من خلال تحزب يتحزبه أو جماعة أو حركة سياسية يتعلق باسمها، فهيبة المفتي تأتي من خلال قلبه ولسانه، فلا يبقى الدين حبيس المنابر في المساجد،بل عليهم أن ينزلوا إلى الساحة ومعانقة الجماهير.

ما جاء في كتاب الدكتور محمد نعيم محمد هاني ساعي كان تشخيصا دقيقا لواقع الخطاب الديني الإسلامي وشخصية الدعاة والفقهاء، وقد تعرض باحثون آخرون إلى هذه الإشكالية ومن بينهم رمضان فوزي محرر بالنطاق الدعوي بشبكة إسلام أون لاين عندما نقل اعترافات بعض الخطباء في كتاب له بعنوان سكيزوفرينيا الدعاة ومظاهر الإزدواجية والإنفصام لدى الدعاة والعاملين في مجالات الدعوة إلى الله، من أجل الوقوف على الحقيقة، حيث اشار إلى وجود مشاكل في التطبيق وأن افتقاد القدوة هو سبب التدين المغشوش، يقول رمضان فوزي: هناك داعية يريد الدنيا وهناك داعية عصبيّ وهناك داعية عنيف حتى في خطابه مع الآخر وهناك دعاة ضيقي الأفق، وقد اعتمد رمضان فوزي في تشخيص شخصية الدعاة على الأسئلة والإستشارات التي يطرحها العامة وطريقة معاملة الدعاة للجمهور، خاصة وأن هناك دعاة يعانون من انفصام في الشخصية حاول رمضان فوزي تبسيطها ووضع لها بعض الحلول، فالدعاة والعلماء والفقهاء قبل كل شيئ بشر ومعرضون للخطأ والنسيان، وقد دعا المهتمون بالخطاب الديني في الإسلام وضرورة تجديده الجماعات الإسلامية أن تعيد النظر في افكارها وفلسفتها وبرامجها وأن تنتقد ذاتها وقبولها مبدأ الإعتراف بالآخر (المعارض) والإستماع إليه، أي أن لا تكون جماعة ضغط وتهديد ووعيد، تُكَفِّرُ وتقتلُ وتنفر الناس من الدين بتعصبها، فالإسلام كما يقال كلما تزمنن كلما انحاز إلى الطبقات المسيطرة، وإذا تزمنن فهو قد تمأسس وخرج عن دوره الريادي.

***

علجية عيش مع ملاحظات

في المثقف اليوم