قراءة في كتاب

عزاء الفلسفة

اعتُبركتاب عزاء الفلسفة للفيلسوف الروماني بوثيوس آخر عمل فلسفي عظيم للعصر الكلاسيكي وأحد النصوص التأسيسية للفكر المسيحي في القرون الوسطى. كان بوثيوس (477-524م) رجل دولة وفيلسوف في عصور روما الأخيرة، وعمل كمستشار للملك كوثك . وفي حوالي 523 اتُهم بالتآمر وعوقب بالموت. وبينما كان في السجن وقبل تنفيذ العقوبة به، كتب عزاء الفلسفة الذي يأخذ شكل حوار بينه وبين الفلسفة التي اشير اليها كأمرأة. في عمله استعمل الشعر الى جانب النثر ونُظم في خمسة كتب تفرعت الى فصول. المحادثة بين بوثيوس والفلسفة جرت بلغة النثر، بينما القصائد القصيرة توضح او تعلق على موضوع الحوار بطريقة تشبه كثيرا اسلوب الكورال او الجوقة اليونانية القديمة .

حوار بوثيوس مع الفلسفة يجلب له الراحة في مأزقه، ويقوده رجوعا الى المسار الفلسفي الذي ضل عنه. هو ذكّر بان الحظ والمجد الانساني عابر وسريع الزوال، وان جميع طاعة الله تنظم كل شؤون الانسان. السعادة الحقيقية تأتي ليس من الاشياء الخارجية كالنقود والسلطة والشهرة والشرف والمتعة وانما من حب الله وعيش الحياة الفاضلة. ورغم انه بدا له في حياته ان الخيّر يعاني من المصائب بينما الشرير يعيش الرفاه، لكن هذا مجرد وهم. من منظور الله، كل شيء يحدث لسبب، اما كعقاب للعاصي او مكافأة للعادل.

بوثيوس والفلسفة ايضا ينشغلان بهذه الاسئلة كالقدر والمصير والرغبة الحرة. هل يستطيع الانسان ان يختار أفعاله بحرية، او هل الله يأمر بكل ما سيحدث من أشياء؟ الفلسفة تقنع بوثيوس انه حتى الاشياء التي تبدو ناتجة عن الحظ، انما تجري تحت اشراف الخطة العقلانية لله، لكن،الانسان لايزال لديه حرية الارادة.

رغم ان بوثيوس كان مسيحيا، لكن عزاء الفلسفة لا تحتوي على أي  ذكر ليسوع او المذهب المسيحي. بدلا من ذلك، يطور بوثيوس جداله على اساس فلسفي صارم مستعملا مبادئ فكرية مشتقة من افلاطون وارسطو والفلاسفة الرواقيين. الاقسام الشعرية تحتوي ايضا على اشارات لهوميروس وفرجل والميثولوجيا اليونانية، بما يجعل من ربط بوثيوس مع الماضي الكلاسيكي اكثر وضوحا.

وبسبب الفترة الانتقالية لبوثيوس في تاريخ الفكر، فان الباحثين الحديثين وصفوا بوثيوس كـ "آخر روماني وأول المدرسيين". وبسبب جاذبيته العالية كاسلوب لاتيني، اصبح عزاء الفلسفة الكتاب الاكثر انتشارا في العصور الوسطى بعد الانجيل ، محدثاً تأثيرا كبيرا على مفكرين مثل توما الاكويني. الكتاب استمر يستقطب الاعجاب الواسع اثناء مرحلة النهضة وبعدها بوقت طويل، مع المؤرخ الانجليزي ادوارد جيبون واصفا اياه كـ "نسخة ذهبية". عزاء الفلسفة تُرجم عدة مرات الى الانجليزية من جانب الشاعر تشوسر والملكة اليزابيث عام 1593.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم