قراءة في كتاب

وهم المرجع في المتخيل السردي للناقد عبد علي حسن

من المعروف ومنذ القدم ان المدونات السردية تأخذ مادتها من الواقع ثم تنحرف عنه عبر فعالية الخيال او التخيل وتحول ما هو خيالي بقوة السرد وتقنياته الذي قد يصل الى حدود اللامعقول وتحويله الى معقول جاعلا المحال وغير الممكن واقعيا  وتمنح السرد المقبولية وهذا ما جربه القصاصين والروائيين صيغا جديدة من الواقعية الى اللاواقعية والتي هي ليست جديدة على السرد العربي القديم الذين ارسوا اسسه السردية على الدعائم الخيالية وله اساليبه في السرد غير الواقعي وطرائقه التي يتحول غير الحقيقي واقعيا  بمنطقية التحبيك وبما يمنح الشخصية غير الادمية صفة الانسنة ويضفي على الجمادات حركة دينامية موظفا اللامعقول من الاحداث   وهذا ما يرصده الناقد عبد علي حسن وتقديم رؤيته والبحث في هذه المنطقة .

يشرع الناقد في تقديمه للكتاب والذي اختار له عنوان (وهم المرجع في المتخيل السردي) الصادر عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق في بيان الخطوط العامة لكتابه النقدي

وهم المرجع / مرجعية الكاتب

ابتدأ الناقد في تناصات كاستهلال اقتباس لناتالي ساروت وآيزر ارادها مدخلا لتمرير وتمهيد لمرامي الكتاب الذي جاء بعنونة تنطوي على مفاهيم  جوهرية سردية مهمة تخدم طالب النقد كون المنجز يتطرق الى عدد من المفاهيم السردية وما له من  اهمية كبيرة لكل مهتم بالشأن السردي على مختلف الاجناس السردية:

"هناك واقع يراه كل الناس ويدركونه بشكل فوري ومباشر، هذا الواقع ليس أبدا واقع الكاتب الروائي، فهو مجرد مظهر يوهم بالواقع، الواقع بالنسبة الى الروائي، هو المجهر اللامرئي، هو ما رآه بمفرده" ناتالي ساروت ص7

فمن هذا الاستهلال نلمس  توضيحا للمتلقي الشطر الاول من العنوان

"وهم المرجع " مرجعية الكاتب تجاربه الشخصية والجمعية وما استقر  في مخياله من تجارب وخبرات ثقافية ومعرفية

فهنا السارد يقوم باستدعاء مرجعيات المتخيل الذي شبهه الناقد بصندوق التجارب الحياتية والمعرفية للكاتب (اي ما يرتسم في الذاكرة مما نعيشه ونراه او نقرأه)

ويعزز لنا الناقد باقتباس آخر (فولفغانغ آيزر) " لقد ساد تعريف الادب بأنه نص تخييلي لانحرافه عن الواقع او لاجتثاثه من مرجعه، فيكون النص التخييلي هو النص الذي لا مرجع له الا ذاته "1

باستدعائه لمرجعيات المتخيّل عبر فاعلية الخيال او التخيل ليعيد صياغتها وانتاجها" فالسرد يكون بهذه الحالة منطلق من تلك المرجعيات ومفارق لها فهو لا يستنسخ تلك المرجعيات وانما يدخلها في مختبره التجريبي لينتج نصاً مغايراً عن المرجع المتمثل في المتخيل او الواقع بصيغة فنية"2 او مايسمى بمفهوم السرد غير الواقعي  الذي "يقوم على فكرة عدم استنساخ العالم بشكله المباشر والممكن وانما التعبير عنه على نحو غير ممكن، تحكمه مبادئ لا علاقة لها بالعالم الموضوعي لكن بالفهم الادراكي الذي يعزز الصلة التوليفية بين السرد والعقل"3

ضم الكتاب  بعد التمهيد والمقدمة كمدخل نظري لعدد من المفاهيم السردية المتصلة والمتعالقة مع الموجهات المنهجية التي اتبعها الناقد في دراساته الذي عمد الى نظام الفقرات تسهيلا لمهمة القارئ في تقصي الكشف عن مرامي الكتاب عبر المفاهيم التي تضمنها العنوان الذي يعد العتبة الاولى.

1-1: يسعى السرد بانواعه المختلفة الى توصيل رسالة النص عبر طريقين الاول هو تفعيل اركان السرد من مكان وزمان واحداث وشخصيات بوضع تتضافر فيه هذه الاركان ...

اما الطريق الثاني هو الكيفية تي يتم فيها السرد...

1-2: ان ماينتجه النص السردي من علاقات مع الواقع بشقيها التمثل والانعكاس والمحاكاة والشق الثاني هو الدخول الى منطقة الغرائبية والعجائبية وعدها مدخلا الى الواقع، وفي كلا الشقين فان الهدف واحد وهو الابهام بما يحدث...

ويقول الناقد: لعلاقة النص بالواقع هي علاقة وهمية تتجاوز حدود التوثيق والأرخنة التي هي من اختصاص آخرين ملتزمين بحرفية مايحدث...

1-3: يرتهن النص السردي بالمرجع بعدّه مجموعة العلاقات التي نقيمها مع ما حولنا في الواقع الاجتماعي اي ما نعيشه في الواقع وكذلك مجموعة الخبرات المكتسبة من التجارب المعرفية التي نحصل عليها بفعل تعالقنا الثقافي مع ما ينجز من فعل ثقافي ومعرفي ...

ثم يتطرق الى موضوعة التخييل بما له من مكانة رفيعة ومؤثرة في معاير اكتساب النص لا دبيته الذي يعد القاسم المشترك لكل الفنون والآداب...  

تضمن الكتاب على ثلاث فصول ففي الفصل الاول الذي اختص بالرواية  الذي جاء بعنوان ارتدادات المرجع في الرواية العراقية  الذي تضمن دراسات لعدد من الموضوعات التي شكلت اضافات نوعية في المشهد الروائي العراقي  فيما اختص الفصل الثاني بدراسات للقصة القصيرة لعدد من القصاصين العراقيين اما الفصل الثالث اختص بالقصة القصيرة جدا.

 جاءت اهمية الكتاب بما أمتاز الكتاب، من ذائقة نخبوية، وقيمته تكمن في نخبويته فمن لم يمتلك الولع والاهتمام  المؤصل بالسرد قد لا تستهويه مثل هكذا دراسات.

تناول الناقد  نخبة مميزة في حقل الكتابة السردية بالأجناس السردية المختلف من رواية وقصة قصيرة وقصيرة جدا   سرد يخالف للسياق السردي التقليدي الذي فيه خرق المعتاد ويجعله غير مقبول، " لكنه بمنطقية التحبيك السردي يصبح معتادا هو ليس كذباً ولا خداعاً، بل مجموعة مسببات افضت الى نتائج مقبولة ومعقولة من ناحية منطقية الفواعل السردية"4 .

***

طالب عمران المعموري

................................

المصادر

1-  وهم المرجع في المتخيل السردي، عبد علي حسن،منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، بغداد،2022 .

2- نفس المصدر ص17

3- علم السرد ما بعد الكلاسيكي، نادية هناوي، مؤسسة ابجد للترجمة والنشر والتوزيع،2022 .

4- علم السرد ما بعد الكلاسيكي، نفس المصدر

 

في المثقف اليوم