قراءة في كتاب

الإسلام والهوية الإسبانية.. نحو تاريخ ثقافي جديد لأوروبا الغربية

ترجمة عن اللغة الألمانية:

رضوان ضاوي

***

خلال ما يقرب من ثمانية قرون من الحكم العربي في إسبانيا، برز مركز إسلامي للازدهار الثقافي والعلمي في الأندلس، لكن هذا التراث الثقافي العربي اختفى من التاريخ. لذلك قامت الباحثة مونيكا فالتر بتتبع مسارات هذا الإرث الإنساني.

أطلق الباحثون الإسبان والفرنسيون صفة "التاريخ المقلق" أو "التاريخ تحت البساط" وهم يكتبون عن الحكم العربي في شبه الجزيرة الأيبيرية. لقد استمرت "الأندلس" العربية الإسلامية ما يقرب من ثمانمائة عام، أي تقريباً ما بين 711م و1492م، وشهدت عصرًا ذهبيًا في القرن الحادي عشر الميلادي، الموافق للخامس الهجري في خلافة قرطبة الإسلامية: فقد أصبحت المدينة في هذه الفترة مركزاً إسلامياً، وعرفت ازدهاراً ثقافياً وعلمياً، على أرض أوروبية، في شمال البحر الأبيض المتوسط.

فهل ينتمي الإسلام بعد كل هذا التاريخ المشرف إلى أوروبا؟ بطبيعة الحال! ولكن كيف وقع التراث الثقافي العربي في أوروبا ضحية لنسيان شبه مؤسسي؟ ولماذا يعتبر الغرب فكرة "أوروبا المسلمة" تقريباً تدنيساً للمقدسات؟

خمسمائة صفحة تحليلية عن تاريخ الأدب:

قدمت المتخصصة في اللغات والدراسات الرومانسية مونيكا فالتر(1) تحليلاً في أكثر من خمسمائة صفحة، تتعقب فيها الآثار العربية في تاريخ الأدب الإسباني والفرنسي. وعلى سبيل المثال، فقد تتبعت الكاتبة الشخصية الخيالية للموريسكي ريكوت Ricoteفي رواية "دون كيخوتي" لميغل سيرفانتيس(2)، والذي تم تحويله قسرًا إلى المسيحية، وهو بذلك يحيل على خلفية تاريخية حقيقية، تتعلق بالعربي الذي طرد بموجب مرسوم ملكي، مرسوم عام 1609، وعاد سراً وهو متحسر على فقدان وطنه، الذي عاش فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون في تسامح كبير.

حقيقة إن كتابة ميغيل دي سرفانتس، بصفته الشاعر الوطني لإسبانيا، عن موضوعات طرد الموريسكيين، وإعرابه عن تعاطفه مع شخصية ريكوت المطرود، تُظهر إلى أي مدى تقف الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط أيضًا في منطقة اتصال تاريخية، يتفرع فيها عالمان: عالم المسلمين، وعالم المسيحيين. ورغم ذلك فقد ظلت محاولات الاشتغال على المساهمة العربية في التاريخ الوطني الاسباني، محدودة جداً حتى الآن.(3)

كانت أوروبا ملتزمة بمبادئ التنوير:

يختلف الأمر في فرنسا عما هو عليه في إسبانيا: ففي عام 2006، نشر الفيلسوف الجزائري الفرنسي محمد أركون Mohammed Arkoun بحثا شاملاً عن "تاريخ الإسلام والخلال ما يقرب من ثمانية قرون من الحكم العربي في إسبانيا، برز مركز إسلامي للازدهار الثقافي والعلمي في الأندلس، لكن هذا التراث الثقافي العربي اختفى من التاريخ. لذلك قامت الباحثة مونيكا فالتر بتتبع مسارات هذا الإرث الإنساني.

أطلق الباحثون الإسبان والفرنسيون صفة "التاريخ المقلق" أو "التاريخ تحت البساط" وهم يكتبون عن الحكم العربي في شبه الجزيرة الأيبيرية. لقد استمرت "الأندلس" العربية الإسلامية ما يقرب من ثمانمائة عام، أي تقريباً ما بين 711م و1492م، وشهدت عصرًا ذهبيًا في القرن الحادي عشر الميلادي، الموافق للخامس الهجري في خلافة قرطبة الإسلامية: فقد أصبحت المدينة في هذه الفترة مركزاً إسلامياً، وعرفت ازدهاراً ثقافياً وعلمياً، على أرض أوروبية، في شمال البحر الأبيض المتوسط.

فهل ينتمي الإسلام بعد كل هذا التاريخ المشرف إلى أوروبا؟ بطبيعة الحال! ولكن كيف وقع التراث الثقافي العربي في أوروبا ضحية لنسيان شبه مؤسسي؟ ولماذا يعتبر الغرب فكرة "أوروبا المسلمة" تقريباً تدنيساً للمقدسات؟

خمسمائة صفحة تحليلية عن تاريخ الأدب:

قدمت المتخصصة في اللغات والدراسات الرومانسية مونيكا فالتر(1) تحليلاً في أكثر من خمسمائة صفحة، تتعقب فيها الآثار العربية في تاريخ الأدب الإسباني والفرنسي. وعلى سبيل المثال، فقد تتبعت الكاتبة الشخصية الخيالية للموريسكي ريكوت Ricote في رواية"دون كيخوتي" لميغل سيرفانتيس(2)، والذي تم تحويله قسرًا إلى المسيحية، وهو بذلك يحيل على خلفية تاريخية حقيقية، تتعلق بالعربي الذي طرد بموجب مرسوم ملكي، مرسوم عام 1609، وعاد سراً وهو متحسر على فقدان وطنه، الذي عاش فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون في تسامح كبير.

حقيقة إن كتابة ميغيل دي سرفانتس، بصفته الشاعر الوطني لإسبانيا، عن موضوعات طرد الموريسكيين، وإعرابه عن تعاطفه مع شخصية ريكوت المطرود، تُظهر إلى أي مدى تقف الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط أيضًا في منطقة اتصال تاريخية، يتفرع فيها عالمان: عالم المسلمين، وعالم المسيحيين. ورغم ذلك فقد ظلت محاولات الاشتغال على المساهمة العربية في التاريخ الوطني الاسباني، محدودة جداً حتى الآن.(3)

كانت أوروبا ملتزمة بمبادئ التنوير:

يختلف الأمر في فرنسا عما هو عليه في إسبانيا: ففي عام 2006، نشر الفيلسوف الجزائري الفرنسي محمد أركون Mohammed Arkoun بحثا شاملاً عن "تاريخ الإسلام والمسلمين في فرنسا"، وأشار المؤرخ جاك لو غوف  Jacques le Goff في المقدمة الغيرية للكتاب، إلى احتكار أوروبا الغربية للتأريخ الذي يتحدد عبر تمثلات "الآخر".(4)

في الترسيم التاريخي، كان دور "الآخر" مُسندًا للمسلمين: فبينما نسبت أوروبا التفكير التقدمي لها، تم تعريف العالم العربي على أنه متخلف ويقف خارج التاريخ؛ بالتالي إذا كانت أوروبا ملتزمة بمبادئ التنوير والعقل، فإنها بحاجة إلى نظراء دينيين قروسطيين.(5) وهكذا أصبح المفهومان "إسلام" و "أوروبا" نقيضين منفصلين عن بعضهما.

اجتهاد وعمل فكري مفصّل:

يجب تقدير أهمية الاجتهاد المفصّل، والعمل الفكري الدقيق والواضح في كتاب مونيكا فالتر(6): واليوم، إن تأجيج الهجمات الإرهابية وتعقيد التوجهات الإسلاموية وارتفاع المشاعر المعادية للمسلمين في أوروبا، يهدد التراث المترابط، بالزوال مرة أخرى.

من ناحية أخرى، تدعو مونيكا فالتر في كتابها إلى بناء نسخة جديدة من "الهوية الأوروبية" تأخذ في الاعتبار البعد الإسلامي بالإضافة إلى البعد اليهودي المسيحي. وقد كشفت فالتر في كتابها عن قدرة كبيرة في تفكيك، ليس فقط الأساطير الفرنسية والإسبانية، بل أيضاً الأوروبية، وقد أفضى ذلك إلى استنتاج سياسي للغاية.

قراءة إجبارية للأوروبيين!

***

...........................

مصدر النص المترجم:

Tabea Grzeszyk, Monika Walter: „Der verschwundene Islam?“ Verleugnetes Kulturerbe.

ملاحظات وتعليق المترجم:

 (1) دراسات الرومانسية تشتمل دراسات اللغة الإسبانية، واللغة الفرنسية، واللغة الإيطالية، واللغة البرتغالية، إضافة إلى  اللغة الكاتالونية واللغة الرومانية، ولغات أخرى و.نظرًا لكون معظم الأماكن في أمريكا اللاتينية تتحدث اللغات الرومانسية، تتم دراسة أمريكا اللاتينية كذلك ضمن مقررات أقسام الدراسات الرومانسية.

(2) تطرقت مونيكا فالتر أيضا في تحليلها ل"دون كيخوطه" لميغيل دي سيرفانتيس، واعتمدت على الطبعة الأولى من النص الإيطالي الذي يعود لعام 1605.

(3) قدمت البروفيسورة مونيكا فالتر عرضاً باللغة الألمانية في 2013 بعنوان "سيرفانتيس بوصفه صديقاً للموريسكيين؟ إرث ثقافي إسباني في النقاشات الحالية

"Cervantes als Freund der Morisken? Ein spanisches Kulturerbe in den heutigen Islamdebatten

وأكدت فيه أن مع سقوط غرناطة العرب عام 1492، خضع المسلمون لحكم إسبانيا المسيحية، ثم تحولوا قسراً إلى مسيحيين جدد، وأطلق عليهم اسم"الموريسكيون". ثم اندلع جدال عنيف حول اندماجهم في المجتمع الإسباني، حتى تم طردهم جميعًا تقريبًا عام 1609، وفي كتاب "الدون كيخوطي"، لفت ميغيل دي سرفانتس الانتباه إلى مصيرهم وثقافتهم الإسلامية المسيحية المختلطة. ومع ذلك، يجد العديد من الباحثين في الدراسات الرومانسية صعوبة في تضمين أبحاثهم حول ما يسميه المؤرخون الفرنسيون والإسبان بـ"التاريخ المقلق" "historyiaincómoda" في النقاش حول الهوية الوطنية للإسبان.

(4) نادى المفكر محمد أركون مراراً بأنوار جديدة أو بتنوير للتنوير، وما يتضمنه ذلك من مراجعة لانحرافات الحداثة وأحكامها المسبقة.

(5) يمثل هذا الكتاب قطيعة مع طريقة التعامل مع الإسلام في القرون الوسطى. وبلغة أخرى هو كتاب نسقي متأثر بحركة التنوير والحداثة، ويفكك منطق "الشبيه" أو "النظير"، والذي يقول: إذا كان لا بد من إدماج المسلمين، فعلى الأقل يجب أن نجعل منهم شبيهين لنا، ولن يتم ذلك إلا إذا ربطنا الثقافة الإسلامية والدين الإسلامي بالمسيحية واليهودية، أو منطق "يجب أن تتماهى مع منطقي، حتى أقبل بك".

(6) أستاذة الدراسات الرومانسية البروفيسور د. مونيكا فالتر (جامعة برلين التقنية) درست أسباب هذا القمع وإزاحة الثقافة الإسلامية من تاريخ إسبانيا في سياق النقاش الحالي حول توافق القيم الأوروبية مع الإسلام.

 

في المثقف اليوم