قراءة في كتاب

معاذ محمد رمضان: مع الناقد علي حرب.. تلخيص لِعدّته المفهومية

نقد النص، هو الجزء الأول من "النص والحقيقة" للناقد الأستاذ علي حرب. كانت مقدمة الكتاب مُقَدّمِةً تعريفية غنية وإستعراض "مُحكَمٍ" للقواعد والأدوات المفهومية للباحث "الناقد".

قبل أن أدخل لعالم علي حرب "المنهجي"، لا بُدَ من إيضاح ما يمكن أن نُسميه ب"الثوابت" عنده:

1ـ لا يعتصم علي حرب بأفكاره ومقولاته (لا مجال لأن أعتصم بكتابي أو أن أتمسَكَ بأفكاري ومقولاتي بوصفها حقائق ثابتة أو أصولاً مقررة)، فكتابه أصبح مُلكاً للقُراء الذين سيجعلوه مداراً للنقاش والتعليق.

2ـ مُمارسة الحرية في البحث بعيداً عن الإكراهات المادية والضغوط المعنوية، أمرٌ ثابتُ يقف عنده حرب، والحرية عنده، هي إمكانية التفكير في كل أمر بصورة نقدية تُفَكِكُ ما يستوطن عقل المرء من البُنى والنماذج التي تَحول دون فهم الأحداث.

لندخل الآن لعالم الناقد المنهجي:

يعترف علي حرب في البداية بأن كتابه لا يُعدُ مؤلفاً بالمعنى التقليدي للكلمة، لأنه لا يعالج موضوعةً مألوفة ولا يتألف من فصول مترابطة، وإنما مقالات مختلفة كإختلاف الإسلامي محمد عمارة عن الماركسي صادق العظم. فهل من مُسَوغٍ للجمع إذن؟ نعم، فَوراء الفوضى البادية نظام جامع شامل.

يمكن أن أُلَخِصَ العِدة المفهومية لحرب بما يلي:

1ـ (لا ينبغي الوثوق بالكلام ثقة مفرطة، فالخطاب حجاب)، فخطاب العقل غير برىء، نعم هو مُمثل، لكن للتمثيل حقيقة ودور لا يُستهان بهما، والحجب يكون "مضاعفاً" عند النص، والأمثلة عديدة: الخطاب الإلهي، الخطاب الماركسي، خطاب الحقيقة نفسه. لنتوسع قليلاً في الخطاب الإلهي:

(مثال ذلك الخطاب الإلهي، أي القول بأن الله هو الحكم، فإن مثل هذا القول يحجب أولاً طبيعة السلطة أي ناسوتيتها. ويحجب ثانياً رغبة القائل به في ممارسة سلطته على من يتوجه إليهم بالخطاب. ويحجب ثالثاً ذاته وحَجبه، أي كون النص نفسه يمارس سلطته على السامع أو القارىء. وهذا شأن الدعاة وذوي العقائد).

2ـ النصوص سواءٌ عند الناقد (لا يهم إختلاف النصوص وتباعدها، ما دامت المسألة تتعلق بالإشتغال على النص بغية العلم به. بل إنه من المُستحسن أن تتنوع الأمثلة وتختلف الشواهد).

3ـ للنص كينونته الخاصة، فننظر له دون أن نُحيله الى مؤلفه ولا الى الواقع الخارجي.

4ـ النقد هو إنتقال من "نص الحقيقة" الى "حقيقة النص"، ولا مجال للحديث عن الخطأ والصواب في أي نصٍ من النصوص (فالتخطئة أو التصويب يصحان إذا كنا نتعامل مع النص بوصفه يعكس أو يتطابق مع حقيقة ذهنية أو خارجية قائمة بمعزل عنه .. أما إذا كان النص يخلق حقيقته ويمتلك وقائعيته، فعلينا أن نتعامل معه كما نتعامل مع الحدث، أي نحاول إستكشاف أبعاده أو رصد إحتمالاته، نعالجه ونسعى الى التحرر من وطأته أو نفكر بإستثماره وتوظيفه)، لكن، هل يقول النص الحقيقة؟ (أن تكون للنص حقيقته، معناه أن النص لا ينص على الحقيقة ... النص لا يقول الحقيقة بل يفتح علاقة مع الحقيقة).

5ـ يجب الإلتفات الى ما يخفيه النص، فلا نكتفي بما يُصَرح به، بل نعمل على إستنطاقه وتحليله وتفكيكه.

وقد ضرب حرب مثالاً عن فوكو وإبن عربي:

فقد كشف فوكو عن "اللاعقلانية" الثاوية في الخطاب الديكارتي، وتعامل حرب مع نصوص إبن عربي، فكشف عن عقلانية مركبة واسعة جداً.

6ـ تكمن قوة النص في حجبه ومخاتلته، لا في إفصاحه وبيانه.

7ـ القراءة التي تقول ما يريد المؤلف قوله، هي قراءة لا مبرر لها أصلاً.

8ـ مهمة القارىء الناقد ان لا يؤخذ بما يقوله النص، بل يجب أن يتحرر من النص ويقرأ ما لا يقوله النص، إنطلاقاً مما يقوله النص نفسه وبسبب ما يقوله.

9ـ يُسفر نقد الحقيقة عن وجه السفسطة في خطاب الحقيقة.

وهذا ما قاد حرب لطرح السؤال (هل هذا ضرب من السفسطة كما يحلو للبعض أن يرى في النقد الذي يمارسه المشتغلون على النصوص؟) فيجيب حرب:

(إن نقد الحقيقة لا يعني تَبَني الموقف السوفسطائي، وإنما يعني أن اليقين لا يمكن أن يكون إلا مغلقاً، ولهذا فهو يُؤول في المنتهى الى الدوغمائية .. وفضلاً عن ذلك، فالدوغمائية والوثوقية واليقينية، كل هذه ليست نقيض الريبية والسفسطة، إنها سفسطة مضاعفة). والسؤال الذي يُطرح على علي حرب الآن:

كيف تكون "الوثوقية واليقينية" سفسطة مضاعفة؟ الجواب (ذلك أن خطاب اليقين والوثوق والإحكام يُموه الحقائق بقدر ما يحجب حقيقته، أي آلياته في التمويه والتضليل). وعليه فالذين إدّعوا أنهم يعلمون بالأمور علم اليقين، لم يفعلوا سوى أن مارسوا "سفسطة مُغَلفَة".

لكن، هل ينجو "خطاب النقد" هذا الذي يتبناه حرب من النقد نفسه؟ يبقى هذا السؤال قائماً بنظر حرب، فالكلام لا ينتهي أساساً، ولأن النقد سيستدعي النقد ونقد النقد الى ما لانهاية.

ولا بُد من تثبيت "حقيقة" مهمة ذكرها حرب عن النقد الذي يمارسه، فالنقد الذي يتبناه ويستخدمه ليس "نقضاً"، بل هو محاولة "إستكشاف" للنصوص مبني على الإعتراف بحقيقتها، ذكر حرب ذلك في سياق المثال النقدي الذي تعرض فيه للغزالي خاصة، وللخطاب الكلامي عامةً.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

..................

يُنظَر: علي حرب: النص والحقيقة 1 / نقد النص، المركز الثقافي العربي، المغرب الدار البيضاء الطبعة الرابعة 2005 من ص5 الى ص25

في المثقف اليوم