تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قراءات نقدية

السعيد بوشلالق: قراءة واقتباسات في رواية: شاهد على شفرة الكنيف

السعيد بوشلالق- أستفتحُ هذه القِراءة بهذا الاقتباس من نفس الرِّواية: (مَنْ لا يَعي القراءة جيداً سينحت الحروف والفواصل بعيداً عن تمثال الحقيقة) ص 62. فلعلّ أزميل القلم ينحت ذلك التمثال..

- الكاتب هو سليم بن اعمارة من مواليد عام 1977 بمدينة بوسعادة، الجزائر

- الرِّواية صدرت عن دار الماهر للطباعة والنَّشر والتَّوزيع. العلمة. سطيف. الجزائر. الطَّبعة الأولى 2019. من الحجم المتوسط بـ 210 صفحة.

- تتوزع الرِّواية عبر أربعة أجزاء هي: - رِيح الرَّماد. - صِراع الاتزان. - جُرعة الألم. - لمسة الكفن.

- سيميائية الغلاف والعنوان: القراءة السِّيميائية تسعى إلى التركيز على الدلالات والعلامات، بدايةً بقراءة الغلاف؛ فالغلاف بلونه الأسود يُحِيل إلى العشرية السَّوداء التي عرفتها الجزائر في تسعينات القرن الماضي، يظهر في السَّواد تشكيل شخص غير واضح الملامح تشي صورته إلى سوداوية المشهد وضبابيته حيث تداخلت الأحداث والمعلومات والبيانات وتأثيراتها على الواقع وأصبح الجميع يشك في الجميع. (.. ما أمْقُتُه في ظِلِّي هو سواده هل هذا أنا..؟ أهذا عالمي..؟) ص 51.

ونقف عند عتبة العنوان باعتباره تعريضاً للنص، ويشكل بنية دلالية كبرى تساعد القارئ على فهم دلالات النَّص. حيث جاءت كتابة العنوان (شاهد على شفرة) بالأبيض و(الكنيف) بالأحمر، لون الدم، فجاء التأثير ملفتاً لنظر القارئ المتطلع إلى قراءة نص حافل ممتلئ يروي شغف القارئ معرفة، فما الرِّواية إلَّا نص ماتع للكاتب والقارئ معاً. يقول السَّارد في ربط واضح بين عمق المتن والعنوان (لعنة الله على مَن سماها السِّلاح الأبيض، إنّه السَّواد بعينه، والله إنّ الرَّصاص مسالم مع حِلكَة سواد الخناجر. لو خيَّروهم قبل قتلهم: أتختارون الموت بسلاح أبيض. لاختاروا كُلَّ الألوان إلَّا الأبيض..) ص 146. وعن معنى (شفرة الكنيف) في الموروث الثَّقافي الشَّعبي في المنطقة التي تدور فيها أحداث الرِّواية في مسعد بولاية الجلفة، فهُم يُسمون الشفرة أو السكين باسم (الكنيف)، أما في اللغة العربية فيقصد به المرحاض أو الساتر أو الترس. طبعاً لفظ (الكنيف) هُنا في الرِّواية لا علاقة له بالمعنى اللُّغوي بل بدلالته في الموروث الشَّعبي للمنطقة التي تدور فيها أحداث السَّرد. يتماهى العنوان مع المتن ليدل على عمليات الذبح الجماعي للمواطنين الأبرياء العزل من الجماعات الإرهابية المسلحة في تلك الفترة المظلمة من تاريخ الجزائر التي تفرق فيها أبناء بعض العائلات بين من كانوا في صفوف رجال الأمن والجيش ومنهم من التحق بالجماعات الإرهابية المسلحة. فبات الأخ يقتل أخيه في هستيريا مرعبة. (الأخوة يأكلون بعضهم بعضاً، أولادنا يقتلون بعضهم بعضاً) ص 47.

-عتبة النَّص: يستفتح الكاتب سليم بن اعمارة متن الرِّواية باقتباس للرِّوائي الكبير غابريال غارسيا ماركيز نصه: (ضع بعض أحجار ساخنة على تلك الجراح). قد لا يُدرك القارئ المغزى مِن هذه العتبة إلّا بعد أن يغوص في عمق الرِّواية إلى نهايتها. وهو ما يدفعه ليسأل هل يمكن للأحجار السَّاخنة أن تداوي الجراح؟.. إنّ الكاتب أراد بهذا الاستفتاح أن يخدم محتوى ومضمون النَّص. فهو يشير إلى أن آخر العلاج الكي. غير أن الحجارة السَّاخنة تكون كالسِّكِين السَّاخن يمكن أن يُشفي ويمكن أن يقتل.

- أحداث الرِّواية: الشَّاهد في هذه الرِّواية يسرد أحداث حقبة عايشها خلال العشرية السَّوداء والحمراء التي عرفها القُطر الجزائري، وفي الرِّواية بالتحديد قرية سلمانة بمنطقة مسعد بولاية الجلفة بالجزائر، ويروي ما حدث في المنطقة من أعمال إرهابية، ولعلّ القارئ يستشعر أن أحداث الرِّواية واقعية فهي تأخذنا نحو صِدام الذَّاكرة، ونسير معها على شظايا الألم، والحرية، والوطن، والخيانة، والنِّفاق... تتحرك شخوصها وتتقاطع أحداثها في زمن بداية العشرية السَّوداء بالجزائر، لترسم لنا بشاعة الإرهاب ووحشيته.

2484 ابن عمارة سليمتتشابك أحداث الرِّواية ابتداءً من سنة 1994عندما يفترق الأخوين "أحمد" و"عيّاش" "بطل الرواية" من عائلة واحدة، لتتفكك الأسرة ويجدا نفسيهما وجهاً لوجه بالسِّلاح، عندما يلتحق "عيّاش" بالجماعة الإرهابية بعد وفاة والده في المستشفى وما حدث له مع الطَّبيب عبد الباقي هناك (نظراتُ الطّبيب باستِحقار إليه، بينما يحمل والده وهو في آخر لحظاته، ذلك الشُّرطِي يتملَّقُ بهم وهُمْ فِي طريقهم إلى المُستشفى، زواج أُخْتِه، وتِلك الصَّداقات التي تغيِّر وجهتها، كُلُّها أحقادٌ تدفعه لِيكتسي حُلَّة الإنسان الأخر، وتُنير له دربه المُتلاطم، كُلّ لحظة سيدنو أكثر مِن الجماعة ويمحو كُلّ بصمة مِن شخصه.) ص 114، يحاول عيّاش أن يُعوض خساراته، لكنه تعويض بمثابة هروب إلى اللاشيء، فهو حائر ومتناقض، شخصية قلقة مضطربة مشوشة بين العبث والضَّياع. وفي الوسط الدَّموي الجديد الذي انتمى إليه يكتشف حياة "أبا ذر" وهو اسمه الجديد بين الجماعة الإرهابية، حيث يصارع ذاته بما حمله من خير وبما سيحمله من شر، متخبطاً في أفكاره، يتقاطع بأحد أفراد الجماعة الإرهابية في شخص "الرُّوجي" كهل متضارب الأفكار، خلافه مع أفراد الجماعة المسلحة حيث البحث عن القوة والسُّلطة، وحمايته لـ "عيّاش" الذي يرى فيه صورة أخيه الذي تلاعبت به أيادي من الجماعة نفسها.. الكُلّ يشكُ في الكُلّ، والجميع يرتاب في الجميع.. (أترى ظلك.. لا تأمنه، إنه يُلازمك فقط عندما يسطع النُّور) ص 159.

الخيانة حتى عند بعض أفراد مصالح الأمن حيث الوشاية تطمس الحقائق، يُصارع "أحمد" رجل الأمن في مسعد والأخ الأكبر لـ "عيّاش" مفترق طرق أو قد يكون ملتقى طرق، مقتفياً آثار الجماعة الإرهابية في قرية سلمانة، متخفياً بصفة أحد أفراد الدِّفاع الذَّاتي، ليكتشف خيانة ضابط في جهاز الأمن كان له اتصال بالجماعة الإرهابية.

"أحمد" رجل الأمن في مسعد والأخ الأكبر لـ "عيّاش" يلوم نفسه على أنّه لم يتقرب من أخيه مما كان يمكن أن يساعد على إبعاده عن الانخراط في هذه الجماعة المسلحة يقول: (كنتُ بعيداً عن أخي.. لا أستمع منه إلَّا الأخبار التي تسُوء. ولا أُحاوره إلَّا لِعِتَابٍ.. لم أقرأ صفحته كاملةً يوماً.. كُنتُ أقرأ إلَّا بعض السُّطُور.) ص 181.

"بختة" أخت "عيّاش" يجمعها القدر بالزواج بـ "عيسى" مصور القرية، وهو أخ الطبيب "عبد الباقي"، هذا الطَّبيب الذي يفاجئ الجميع في النِّهاية كونه هو أمير الجماعة التي يحركها من بعيد، "الزّردي"، "الباز"، "الأزرق"، و"الجزار" مجموعة دموية تتصارع فيما بينها وهي تتحرك بعدة أوجه. ليكتب في النِّهاية أن تسقط الأقنعة وتتشابك الأحداث في موقف واحد حيث لا نهاية لشرٍ صنعه الإنسان، إنه الإرهاب لثام لا يؤمن بالمكان ولا الزمان.

تختتم الرِّواية بنصب حاجز مزيف، كانت الحافلة تَقِلُ أخته "بختة" وزوجها "عيسى"، يُعتدى بالضَّرب والتهديد بالذَّبح على أخته وزوجها، وذلك كُلُّه على مرأى من "أبو ذر" الذي لم يستطع الدفاع عن أخته وزوجها وهو بين الإرهابيين، وعلى مرأى أيضاً مِن بعيد من أخيها "أحمد" الذي كان هو ودوريته التي تتبعت الإرهابيين تنتظر الإذن بالهجوم عليهم.. وفجأةً تصل سيارة مِن بعيد ويصيح أحدهم: الأمير وصل الأمير.. وصل الأمير. لم يكن أحد يعلم بأن "عيسى" زوج "بختة" هو أخ الأمير. وفي هذه اللَّحظة (يُدرك - الأمير- أن مُعظمهم قد اكتشف حقيقته، فَهُمْ يعرِفونه كَطَبيب في مستشفى المدينة، أما اليوم فهو مُدبِّر الحاجز المُزيف. فهذا سِرُّه ولا بُد أن يموت معهُم.... - اِقْضِ عليهم.. وتأكد مِن موتهم.) ص 204. في نفس تلك اللحظة تشن دورية الأمن الهجوم على الإرهابيين ويتم القضاء عليهم. واعتقال "عيَّاش - أبو ذر" بعد أن باءت طريقه بالفشل. (حدَّق عيَّاش إلى أخيه أحمد ثُم قال: إنه الإرهاب.. يختفي ورائنا لِيُلبس كُلّ واحدٍ مِنا ريحه التي يعبق بها المكان، لكن في جوفه آلة لحصد الأرواح، إنه لا لون له فهو يحمل كُلّ الأقلام، ولا طعم له فهو يحمل كُلّ الأذواق، ولا رائحة له فهو يحمل كل الأنفاس. الفرق بينه وبين الماء، أن الماء خُلِق للحياة، والإرهاب خُلِق للموت.) ص 208.

وفي رمزية وإيحاء إلى ألم وحزن الوطن الذي جمع فيه كُلَّ الأطراف المتناحرة من أبنائه، يقول السَّارِد: (منذ غياب عيَّاش وبعد زواج بختة، ساءت الأحوال.. البيت الذي كان يجمعهم ضربه طنين الفراغ، لم تعُد فيه روح.. السُّكون يملأ جُدرانه.. كآبةٌ ترسبت في زوايا البيت.. كُلّ شيء ملمسه بارد. إنّه الكدر الذي يُلازمنا. لم يعُد للأفقِ قيمة. فنظراتُنا بالكاد تعلو. تحطَّمتْ الأُم وهي تشهد فرقة أبنائها. لقد وُلِدُوا في حُضنها وتغذَّوا من شريانها.. ما ذنبها. لقد ذكرتهم دوماً بحبِّها لهم. ألمْ تمنحهُم جَمَال سُهُولِها..ألمْ تُهديهم صفاء مائها.. ألمْ تُغرقهم في عشق بحرها.. ألمْ تُلهمهم بِسُفوح جبالها.. ألمْ تذكر لهم تاريخها لوحدهم.. كونها أبنائها الأقحاح.. عندما تشُدُّ بأيديهم لتأخذهم خِلسة، لِيَشْتَّمُوا ذلك الثَّرى الذي يُغطي أجدادهم.. للذين وحدهم مَن منحوها الحُبَّ دون مُقابل.. وقد تغنوا لحياتها قبل موتهم.) ص 172.

- نقاط على هامش الرواية: هذه مجموعة من النِّقاط سجلتها على هامش الرِّواية أثناء قراءتها:

- الرِّواية تُعري ذلك الواقع الذي طالما زجَّ الدِّين بالإرهاب، وإن كان الدِّين مطلقاً بريئاً مما نُسب إليه من تشويه وسوء فهم لنصوصه وحملها على غير محملها الصَّحيح.

- الرِّواية كُتبت للجيل الذي عاش تلك الفترة وللأجيال التي أتت وتأتي بعده. فهي ذاكرة مزجت بين الشّخص والشخصية؛ بين الحقيقة والتَّخيل. لأحداث حقبة حمراء انتكست فيها البلاد ولا يمكن أبداً نسيانها لانعكاساتها الماضية والحاضرة.

- الرِّواية تفسح مجالاً لاستقراء الماضي، لا من أجل الماضي نفسه، ولكن ليكون رؤية استشرافية للحاضر والمستقبل.

- الكاتب مكن النَّص باقتدار من ممارسة سلطته وهيمنته على القارئ، فأدخله في أجواء الرِّواية وشغفها من بدايتها إلى نهايتها.

- إن شخصية "عيَّاش" بطل الرِّواية، تمثل نتاجاً طبيعياً لذلك الواقع الذي عايشه في عشرية الإرهاب، في مراحل القهر والفقر والظلم، وبعد أن فقد والده في المستشفى، مع ما حدث له من صدام مع الطبيب هناك. ففي واقع الحال فإن "عيّاش" استسلم للواقع وقَبِلَ به، وهو يعاني من وجع نفسي سيطر على سلوكه ونمط تفكيره، وقاده إلى حالة اضطراب وارتياب، وشعور بفقد الثِّقة بالنَّاس، والرِّيبة منهم. كل هذا الكم من الارتدادات ارتدت على شخصية "عيَّاش" أو " أبو ذر" بطريقة تجعل حياته محطمة ومحبطة يسودها (الخوف والتَّرقب والشَّك..)

- (شاهد على شفرة الكنيف) نصٌ يخاطب الضَّمير ويُسلط الضَّوء على حقبة صعبة وقاسية من تاريخ الجزائر المُعاصِر، أراد الكاتب سليم بن اعمارة من خِلاله أن يُبين حجم المأساة التي عاشها المجتمع الجزائري، في محنة الإرهاب من قتل وخطف ونهب وحرق ودمار وفوضى وخوف وفساد بكل أنواعه وأشكاله.

- بدا لي أن الكاتب اعتمد نظرية الفهم، وهي نظرية القراءة التي يشارك فيها المُتخيل في صُنع المعنى والصُّورة والمشهد الرِّوائي. فرواية (شاهد على الكنيف) مرتوية بالتَّخييل قادرة على التَّواصل.

- إنَّ أهم ما استوقفني كقارئ له سلطته على النَّصِ أيضاً في رواية (شاهدٌ على شفرة الكنيف) هو الصَّلابة والوضوح في الرؤية والموقف بثبات واستقامة، لعالم يشتد فيه الصِّراع من أجل الانتماء والهوية.

- اقتباسات من الرِّواية (شاهد على شفرة الكنيف):

- (الأجسام كالدُّموع متشابهة لك آلامها مُختلفة.كُلّها خِضَّم. فالحزن والفرح يشتركان في دمعة ويختلفان في ضبط أوتار الفؤاد) ص 16

- (لستَ مُجبراً لاختيار ذوق الماء كونك تمتلك البئر نفسه) ص 20

- (إذا لم تسمع صدى صوتِك فاعلم أنه لم يصل) ص 24

- (العِطر الذي أخفى لبعضهم رائحة خيانتهم، وزيف دناءة أفعالهم. تتغير نظرتنا إليهم مثلما تتغير عندما يُخاطبك سيئ الخُلُق بطيب الخَلق. حتماً سترتاح له، وطيبة كلامه وأفعاله ستمنحه نوراً يحجب عنك حقيقة خُلُقه) ص 37

- (امتدت الحِمم وتناثرت الشَّظايا، لِتُصِيب البعيد والقريب. لا بُد وأن هذا الزمن سيعيد نفسه يوماً ما، فذاكرتنا دائماً ما تصدح لومضات لا نعي زمانها ولا مكانها، لكننا متأكدون وبلا شك بأنها قد مضت علينا. أحياناً ندرك بأن الأمور لا تسير على الطَّريق الصَّحيح. ونعلم بأن خطواتنا تسير بلا دليل، نتكبد جُلّ المآسي والمحن ونحن عاجزون عن فهم السّبب. ولا نعلم حتى مصدر تلك الأيادي الآثمة.) ص 45

- (اقتنع في الأخير أن موته على تُراب أرضه أهون من أن يتلذذوا في انتهاك كل ذرة منه، ليس من السَّهلِ عليهم أن يُخرجوه مِن أرضه فقد يفتديها بِكُلِّ ما يملك، وأقسم بِأنهم لن يُزيحوه إلّا على روحه التي سيزكيها لِتُرابِهِ. على الأقلِّ ستشهد لهم الأرض بنضاله، وترتوي جراحها بدمائه، ويوماً ما سينبت زرع لهذه الأرض لِتحيا مِن جديد) ص 48

- (لن يتذوق الأمل من يختفي وراء فشله، لأنه سيبحث عن ذرائع يَطمس بها الحقائق ليغير مبادئه ويبسُط لها قواعد، حينها لن ينهزم. ومن يعرف طعم الهزيمة قد يعتريه الفشل، ولن يختفي وراءه بل سيقاتل ليّحي الأمل) ص 49

- (إنه يحمل المرآة ليُشاهد من خلفه النُّبل كلها ضده وَوِجهة الأسهم كلها نحوه، فجأةً وهو يُلاحظ ظِلّه وهو يَتموَّج ، يتلاشى أحياناً. يتحرك لِيُغير خلاخل فِكره. أهذا ظِلِّي..؟ ليتأكد خيانة ظِلِّه، ركز على تفاصيله. جُبّة وسِلاح بيده وحذاء عسكري. قال في نفسه: إنه يعكس حقيقتي. إنه يلبس وِجداني. ما أمْقُتُه في ظِلِّي هو سواده هل هذا أنا..؟ أهذا عالمي..؟) ص 51

- (الهدوء لا يعكس حقيقة الحال. لعله كبت الحِمم. أو حشوة للشجرة التي طالما غطت غابتنا. حتى أننا لم نعُد نأمن بعده.عندما تسقط إحدى أوراقك لا يهمك ستتوالى كُلّ الأوراق، ولن يتظلل أحد منك سوى الحطَّاب) ص 52

- (الفرق بيني وبينهم أني أستيقظ لأسعد بالشُّروق باكراً، وهم يبحثون ويسعَدون دائماً للغروب) ص 54

- (الحياة كالوردة اختر مَمسكها، وابحث عن رائحتها، وفكر قبل قَطفها، مُرادك تجارة لِمِسكِها أو حَصادٍ لِعبقِها، ربما في النِّهاية ستذكر أن مُعظم حقلك قد قُطفت منه بعض الورود، والباقي كُلّه وخز للأغصان) ص 56

- (قد نتلذذ بأحلامنا لأنه لا وقت يُقيدنا، سنخسر التّلذذ والسّعادة عندما نتقيّد) ص 57

- (قد تغدو الكلمات سلاحاً للبقاء، لكنها في الأصل تُغير المعاني الحقيقية، ويمكن للصّمت أن يرسُم لوحة أوسع) ص 78

- (الواجهة النّقية لا تعكس حقيقتك، فمظهرك الواقعي لن يعكسه النّهر النّقي، فالكُلُّ يختفي وراء نقائه المُزيف، وعندما تُهز أو تُحرك مشاعرك سيعكس حقيقتك المُرّة) ص 84

- (تلك الصُّورة التي نراها تُدمينا عزاءً، يوماً ما سندرك أنّها تُخفي لنا وميضاً لحقيقةٍ أسعد) ص 88

- (إذا فقدنا حُريتنا سنتأمل السَّعادة بعيداً عن أحاسيسنا وسنخسر الفُرصة لأننا مُجبرون على الجُثوِّ على واقِعنا) ص 90

- (عندما ينخرنا الألم عدة مرات يُمكننا أن نفقد الشُّعور به. ولن نُميِّز بين الصُّور فتأمُلُنا يفتقد الإحساس) ص 98

- (عندما ينبض قلبك أقوى وأنت تغمرك الابتسامة، تحلّى بالتّوازن لعلّك ستقبَل الجمود ولن تتقدم. فَعُقدك لن يَحُلَّها المدح وإنَّما النَّقد الذي يفكُ عنكَ عوائق الطّريق) ص 106

- (لم يعُدْ للغد قيمة فنحن نتشبث باليوم وكفى، كونه الأفضل مِمَا مضى فيه رُغم مآسينا، سنذكر كُلّ لحظة أمنٍ مرتْ علينا، سنقصُها على أولادنا قبل النَّوم، أو نُحدث بها أحفادنا عندما يكون للغد قيمة، أو نُتمتم بها ونحن نحرك مهد ذلك الطِّفل الذي ولد في خِضَّمِ السُّكون، فصرخته وحدها، لا ابتسامة، لا فرحة، وإنّما حُضنٌ دِفْئه حارٌ سيروي له لا محالة الحقيقة) ص 135

- (هُناك من يعيشون ليُساوموا، يبحثون عن مربط فرسٍ للآخرين، كالّذي يُساوم على خِدْمةٍ لِينتشل بها كرامة الآخر، إنَّهُم يُسْقِطونكَ في فِخاخِهم، فهُناك مَنْ يُساوم بركعةٍ، وهُناك مَنْ يُساوم بِقطرةِ دم، الفرق بينهما أنّ الأول يُساوم الإله، والثاني يُساوم الوطن) ص 138

- (السُّور الذي تبنيه ليحمي قلعتك سيأتي يوم وتجده صعب التَّسلُّق لتنجو مِن كلابك.) ص 152

- (البعد يُقاس بقرب القلوب ولا يُقاس بقرب القريب، أحياناً تجتمع أرواح الأحياء بأحبابهم الّذين رحلوا، وأحياناً تنفر القلوب مِن بعضها ولو كانت تلتقي في كُلِّ لحظة) ص 168

- (عندما يشتد الألم رُبما في تلك اللحظة قد لفظت العِلَّة فيها آخر أنفاسها. فالسَّماء لا تُمطر إلّا بعد ظلمة سحاب، حياتنا كمياه الوادي العابر تمر بلا عودة، فلنحرص أن نتذوق القطرة التي نختار فالأيام تنتهي عند عبورها) ص 189

- (لا يُمكن أن نبني جداراً في لحظة، لكن بإمكاننا أن نحتمي به طوال العمر.) ص 195

- (لا شيء يدوم سنهزل كَكُلِّ الأسود عندما يَلفظنا العرين) ص 199

 

أ. السعيد بوشلالق

 

في المثقف اليوم