قراءات نقدية

أيمن عيسى: تصويب أخطاء لغوية شائعة فى كتابة وقراءة الأعداد

ايمن عيسىمنذ اختلاط الحضارة العربية بغيرها من الحضارات الأخرى، ودخول أعداد كبيرة فى الإسلام من أهل هذه الحضارات المتحدثة بلسان غير عربى، نجد أول ظهور للأخطاء اللغوية وشيوعها على الألسن العربية، وهو ما عرفه القدماء بـ "اللحن" حيث انحراف اللسان عن الصواب، وبامتداد العصور فإن المَلـَكة العربية ضعفت على الألسن، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن .

 ولم يقف العلماء إزاء هذه الظاهرة بالموقف السلبى لا فى القديم ولا فى الحديث، بل منذ بدأت هذه الظاهرة تعرف طريقها للسان العربى، وقف العلماء واللغويون فى مواجهتها بكل السبل . وكان الدافع الأول فى ذلك هو تشكيل خط دفاعى يمنع وصول هذا اللحن إلى النص القرآنى، فلا يعنى أن الله عز وجل قد تكفل بحفظ القرآن الكريم، أن يركن المسلمون وأهل اللغة إلى الاطمئنان السلبى، بل فطنوا إلى دورهم جيدا، وعلموا أنهم بعلمهم من الجنود التى سخرها الله وهيأها لحفظ كتابه الكريم .

ومن المعلوم فى القراءة والكتابة أن اليد تابعة للسان، فإن انحرف اللسان قراءة انحرفت اليد كتابة، وإن سلم اللسان أخذ اليد معه إلى السلامة والصواب، من هنا فإننا نركز فى هذه الدراسة الموجزة على تصويب أخطاء شائعة فى كتابة وقراءة الأعداد، ويتمثل ذلك فى:

1- العدد (100)، ينطقه كثيرون بفتح الميم ومد ألف بعدها، وفى الكتابة يكتبونه هكذا "مائة". بينما الصواب هو كسر الميم ولا مد ألف بعدها، فتنطق وتكتب هكذا " مِئـَة "، بكسر الميم وفتح الهمزة .

2- العدد (400)، ينطقه كثيرون ويكتبونه " ربعمائة "، فاجتمع هنا خطأ قراءة وكتابة المئة، وهو على النحو الذى ذكرنا، وخطأ صدر العدد وهو " ربع "، والذى لا يعلمه البعض أن هذا الخطأ فى صدر العدد ينحرف به إلى خطأ آخر فى الدلالة، وهو أنك لو قلت أو كتبت " ربعمائة " أو حتى " ربعمئة "، فإنك بذلك لا تقصد أربع مئات، وإنما ينحرف المقصد إلى ربع المئة، وهو العدد " 25 " . فالصواب إذن هو أن تقرأ وتكتب " أربع مئة " . وأما عن الوصل الكتابى، لماذا لا نكتبها " أربعمئة "، فهذا ما نوضحه فى النقطة التالية .

3- فى كتابة الأعداد من (300 إلى 900)، يـُفصل الجزء الأول عن الثانى، ونسوق فى ذلك قرار مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الصادر فى سنة 1963م، وهذا نصه (نظرا ً إلى أن المجمع أقر حذف ألف مائة، والتزام ذلك مع وصل كلمة " مئة " بثلاث ونحوها، فإنه يزيد صورتها غموضا، فالفصل أقرب إلى الهداية . ونظرا ً إلى أن الفصل مكتوب به بعض النصوص القديمة كما فى الطبرى، ونظرا ً إلى أن الإعراب يقع على ثلاث ونحوها، فيجب الفصل لبيان حركة الإعراب على آخر الكلمة، ونظرا ً إلى أن الفصل فيه تيسير على الناشئين، على أن نفصل الأعداد من ثلاث إلى تسع عن مئة، فتكتب هكذا : ثلاث مئة، أربع مئة ....... إلى تسع مئة) [انظر : مجموعة القرارات العلمية فى خمسين عاما من 1934 إلى 1984 – مجمع اللغة العربية بالقاهرة – ص 316 ] .

وقد يرى بعض المتخصصين جواز الأمرين فيما عرضنا له، فعلى سبيل المثال العدد 100 يـُكتب مائة أو مئة . ولكن الحقيقة والصواب، أنه لا وجه للتجويز، خاصة مع وجود قرار مجمعى ملزم، وما كان القول بجواز الأمرين عند هؤلاء المتخصصين إلا ناشئا عن أحد أمرين : الأول هو عدم الاطلاع على القرار المجمعى . والآخر هو رؤية كثير من الكتابات تسير وفق هذا أو ذاك، كتابات تكتب " مئة " وأخرى تكتب " مائة " وتكون لأسماء مرموقة ومتخصصين كبار، فيخالون أن كلا الأمرين صواب، ولكن لا جدال مع قاعدة مجمعية موجبة العمل .

فإن أردنا مثالا لما يجوز حقا، فمن ذلك قراءة وكتابة الأعداد المركبة مع المئة، فيجوز عطف الأقل على الأكثر نحو إحدى ومئة صفحة، وعطف الأكثر على الأقل نحو مئة وإحدى صفحة، وإن كان الأفضل عطف الأكثر على الأقل . [انظر المصدر السابق – ص 162] .

وختاما نرجو أن تكون الدراسة قد حققت قدرا من المنفعة العلمية، وأسهمت فى الهدى إلى الطريق الصائب لغويا، قراءة وكتابة، وأن تكون بينت الفرق بين ما يمكن أن نقول فيه: يجوز الأمران، وما لا يمكن فيه إلا أن نـُعمل وجها واحدا فقط .

 

د. أيمن عيسى - مصر

 

في المثقف اليوم