قراءات نقدية

محمد الأحبابي: التكرار في الشعر العراقي الحديث، شعراء السبعينيات.. دراسة أسلوبية (4)

محمد الاحبابيالتكرار الختامي

لقد اهتم النقاد بالتكرار الختامي، فقد نال أهمية خاصة عند كل من نازك الملائكة ومحمد عبد المطلب ومحمد صابر عبيد وآخرين، فنازك الملائكة تؤكد على أن التكرار الختامي (لا ينجح في القصائد التي تقدم فكرة عامة لا يمكن تقطيعها، لأن البيت المكرر يقوم بما يشبه عمل نقطة في ختام عبارة تم معناها، ومن ثمة فأنه يوقف التسلسل وقفة قصيرة ويهيئ لمقطع، وهذا هو سر نجاح التكرار في القصيدة) (1)

ويرى الدكتور محمد صابر عبيد أن التكرار الختامي (يؤدي دورًا مقاربًا للتكرار الاستهلالي من حيث المدى التأثيري الذي يتركه في صميم تشكيل البنية الشعرية، غير أنه ينحو منحى نتيجيًا في تكثيف إيقاع يتمركز في خاتمة القصيدة)(2). وعَرَفَ علاء الدين رمضان السيد هذا النوع من التكرار هو تشابه طرفي القصيدة، ويضم هذا التعميم تكرار مطلع الجملة في نهايتها، وكذلك إعادة جملة الختام نفسها في تكرار المتلاحق. (3)

تتسع دائرة الوطن عند السماوي لتشمل الحبيبة ويصبح الوطن هو المعشوقة فيقول: (4)

هَوِّنْ عليكَ فإنَّ حَظَّكَ في الهوى   حَظُّ(ابن عَذرَةَ) في هُيام (مَهاةِ)

يا صابراً عِقْدَين إلاّ بضعةً      عن خبز تنّورٍ وكأس فُراتِ

ليلاكَ في حُضْن الغريب يَشِدُّها    لسريره حَبْلٌ من السُـــرُفاتِ

تبكي وَتَسْتَبكي ولكن لا فتـــــى     فيَفــــكَّ أسْــرَ سبـــيئةٍ مُدْماةِ

يا صابراً عِقْــــدَين إلاّ بـضعة     (ليلى) مُكبَّلــةٌ بقيْدِ (غُزاةِ)

ليلاك ما خانَتْ هواكَ وإنـــما    (هُبَلُ الجديدُ) بـزيِّ (دولاراتِ)

إن (المريضة) في العراقِ عراقةٌ  أما الطبيبُ فمِبْضَعُ الشَهَواتِ

في هذا المقطع من القصيدة تكرار ختامي من مجموعة تكرارات أغنت بنية القصيدة وأضافت دلالات لغوية عميقة، حيث جاءت لفظة (الحظ) مرتين الأولى حظ الشاعر والثانية حظ قيس العامري، وكذلك كرر(ليلاك، ليلى) إشارة إلى البيت المشهور: (5)

يقولون ليلى في العراق مريضةٌ    فيا ليتني كنت الطبيبَ المداويا

وهي إشارة إلى عنوان كتاب الدكتور زكي مبارك (ليلى المريضة في العراق) الذي استعمل فيه أسلوبًا غزليًا نثريًا رائعًا، فمن يقرأه يتخيل ان الكاتب يتغزل بليلى العراقية المريضة في العراق، في حين كان يقصد (اللّغة العربية) التي كانت تحتاج إلى معالجتها، فكان الراحل زكي مبارك من الأدباء الكبار الذين هبوا لمداواتها في ثلاثينيات القرن العشرين فدرس في العربية وأدبها في بغداد آنذاك .

وقد تكررت عبارة (يا صابراً عقدين) مرتين، وهذا المعيار الزمني بمعنى طول الانتظار والصبر، فالشاعر يحاور الذات بصيغة النداء المقصود الذي أجج مشاعر وأثار كوامن أحزانه العميقة، وهو يسدل قائمة التكرار بحرفي الروي (الألف، والتاء) مما جعل للقصيدة إيقاعًا جميلاً، إننا ندرك بوضوح عمق هيامه بوطنه، وصدق تعلقه به وفي ظل هذا التلازم العميق بين الوطن والشاعر تشكلت نصوصه الشعرية، وتوهجت شعلته وهو يؤدي لحن العاشق للوطن، إنه الحب والانتماء الذي يضرب بجذوره في أعماق هذه الأرض، حيث تتفجر من كيان السماوي هذه المعاني لتجسد أجمل معاني الانتماء والحب.

ونرى التكرار الختامي في قصيدة الشاعر يحيى السماوي (إلى من لا يهمهم الأمر) حيث يقول:(6)

سأبقى خائفا على وطني

طالما بقي في " قصر الخلافة "

سياسي فاسد واحد

انتهازي واحد

تاجر دين واحد

إرهابي واحد

عميل واحد

ولصّ واحد

هؤلاء كالطحالب

سريعو الانتشار مثل بثور الجدري

يقف الشاعر منبهرًا من إبداء تساؤله المندهش من تعطّل رد فعلنا تجاه هؤلاء الذين يتعلمون البطولة بأطفالنا والفحولة بأعراضنا كما يقول عنهم: (سياسي فاسد، انتهازي، تاجر دين، إرهابي، عميل، لص) وهي دهشة مشروعة حتى لو كانت شديدة الفوران لأن دافعها المحبة والحرص على حاضرنا ومستقبلنا، كما وظف الشاعر التكرار الختامي بلفظة (واحد) ست مرات، وهذا الشكل التكراري يحدث نسقاً إيقاعياً مركّزاً، ترتاح له الأذن، ويشد المتلقي نحو المعنى الذي يريد الشاعر التعبير عنه، فهو يبرز الواقع الأخطر عندما يتخاذل أبناء الوطن عن الانتفاضة ضد اللصوص والغاصبين، أو أنهم يستمرؤون العيش تحت ظل الخيانة بعد رحيل الاحتلال، فهؤلاء الفاسدون كالطحالب سريعو الانتشار، لذلك يطالب الشاعر بأجراء عملية استئصال كاملة خوفاً من انتشارهم مرة أخرى .

ويتفجر يحيى السماوي وطنية صادقة وغضبًا مقدسًا على الظالمين، وتجسيدًا للمظالم والمجازر البشعة التي شهدتها المدن العراقية والتي يندى لها جبين الإنسانية خجلا، ويتفجّع الشاعر على ما آلت إليه بغداد في قصيدة (هل هذه بغداد( التي يجسد فيها التكرار الختامي ودلالاته العميقة في النص بقوله: (7)

أغمضْـتُ عن شجر الهوى أحداقي

فاسكبْ طلاك على الثرى يا ساقي

غرسوا الظلامَ بمقلتي فتعطـّلتْ

شمسي ونافذتي عن الإشراق ِ

فإذا بتحرير العـراق ِ ولـيمَـة ٌ

حفلتْ بما في الأرض من سُـرّاق ِ

المطلقون حمائمي من أسـرها

شدوا الفضاءَ وروضها بوثاق ِ

ما العجبُ لو خان الفؤادُ ضلوعه؟

إنّ الذي خان العراقَ عراقي

فإذا النضالُ نخاسة ٌ مفضوحة ٌ

فاحتْ عفونتها بسوق ِ نفاقِ

أبدع وأحسن وأجاد السماوي في هذه المقطوعة، لأنه عاد الى أصول الشعر العربي القديم الموزون والمقفى، وبأسلوب راق شفاف عبر عن معاناة وطنه، فإذا تحرر هذا الوطن من نير المستعمر الغازي المستبد، وقع للأسف بأيدي السراق والعملاء من أبنائه الذين اشتركوا في ذبحه وخيانته، وقد عبّر الشاعر يحيى السماوي بتكرار ختامي مبدع، حيث كرر اسم(العراق) مرتين دلالة على حبه لوطنه، كما كانت لغة الدموع ظاهرة في متن القصيدة (اغمض، أحداق، مقلتي) تعبر عن معاناته بشعر راقٍ وموهبة متألقة ومشاعر عفوية ورؤية عميقة صادقة، لواقع وطنه الذبيح وحمامات الدم اليومية التي تغسل أرض العراق الطاهرة، ونجد في هذه الأبيات القدرة الفائقة على صياغة الأفكار والمفاهيم وطرحها في إطار شعري عبر الجمل المتناسقة والتعابير السليمة، فالبنية التي يقوم عليها النص تقوم على مبدأ استخلاص العبرة والموعظة وحسن التبصر من خلال إظهار التناقض والتضاد في الماضي والحاضر.

إن التكرار الختامي في هذا المقطع أعطى جرسًا موسيقيًا يشد المتلقي من خلال حروف الروي (الألف، القاف، الياء) مما زاد جمالاً في الإيقاع الكلي، فالشاعر مهتم بالماضي ويتطلع إلى المستقبل الذي يصبو إليه، وإن المستحيل يمكن أن يتحقق من خلال الانبعاث والتخلص من الواقع الجاثم والتطلع لما هو جديد ومشرق.

تكرار اللازمة

يُعدَّ تكرار اللازمة من أهم التكرارات التي لجأ إليها شعراؤنا المعاصرون، ويعمل هذا النوع من التكرار على تحقيق الوحدة النصية في انسياب وتدفق تجمع بين أجزائه اللازمة بشكل تواتري، وترى نازك الملائكة أن التكرار اللزومي يحتاج (إلى مهارة ودقة، بحيث يعرف الشاعر أين يضعه، فيجيء في مكانه اللائق، وأن تلمس يد الشاعر تلك اللمسة السحرية التي تبعث الحياة في الكلمات، لأنه يمتلك طبيعة مخادعة، فهو بسهولته وقدرته على ملء البيت وإحداث موسيقى ظاهرية يستطيع أن يُضِل الشاعر ويوقعه في منزلق تعبيري)(8)

وتشترط نازك الدقة والمهارة في اختيار اللازمة لتحقيق التوافق والإيقاع داخل القصيدة، واللازمة الشعرية التي تعود في حقيقتها إلى التكرار الرأسي أو الأبنية اللفظية المتكررة على المستوى العمودي للنص الشعري، والتي تخلق نظامًا بنائيًا توازنيًا ومفصليًا بين الوحدات النصية؛ ذلك لأن الصيغة المتكررة عبارة عن معاودة كلمة أو جملة ثابتة أو محررة بعض الشيء، وهذا ما نجده في تعريف الدكتور محمد صابر عبيد: (يقوم تكرار اللازمة على انتخاب سطر شعري أو جملة شعرية، تشكل بمستوييها الإيقاعي والدلالي محوراً أساسياً ومركزياً من محاور القصيدة، يتكرر هذا السطر أو الجملة من فترة وأخرى على شكل فواصل تخضع في طولها وقصرها إلى طبيعة تجربة القصيدة من جهة، وإلى تأثير اللازمة في بنية القصيدة من جهة أخرى، وقد تتعدد وظائف هذا التكرار حسب الحاجة إليها وحسب قدرتها على الأداء والتأثير)(9).

يأتي يحيى السماوي حيث يستخدم تكرار اللازمة لرفض الواقع المادي الجديد فيقول:(10)

جلالة الدولارْ

حاكمنا الجديدُ ..ظِلُ اللهِ فوقَ الأرضِ

مبعوثُ إلهِ الحربِ والتحريرِ والبناءِ والإعمارْ

له يقامُ الذكرُ ..

تُنحر القرابينُ ..

وتقرع الطبولُ ..

ترفعُ الأستارْ

وباسمِهِ تكشفُ عن أسرارِها الأسرارْ

جلالة الدولارْ

من خلال هذا المقطع يكرر الشاعر(جلالة الدولار) وهو تكرار اللازمة ويبرز الواقع المادي الذي سيطر على القيم والاخلاق وحتى الدين كان غطاء للوصول الى غايات بعيدة عن عقيدة الدين، بحيث أصبح كل شيء يباع ويشترى، وقد كرر الشاعر أفعال المضارع (يقام، تنحر، تقرع، ترفع ، تكشف) دلالة على الخضوع للسلطان الأمريكي الجائر، كما كرر الشاعر حرفي الروي ( الألف، الراء) في معظم أبيات المقطع مما أسهم في تحقيق التوافق الصوتي.

وفي تكرار اللازمة تشغل القدس زهرة المدائن إحساس يحيى السماوي وضميره بعد وقوعها في أسـر الصهاينة قراصنة العصر، فنراه يخاطبها في قصيدته (المتاهة) مكررا اسمها ثلاث مرات فيقول: (11)

يا قدسُ قد رخص النضـالُ وأرخـَصَتْ

شـُهُـبُ الـمناصب ِ باسـمـك ِ الأسـعـارا

يا قـدسُ قــد باعـوك ِ سِــرّا ً فاســألـي

طابا " عـسـاها تـكـشـف ُ الأسـرارا

يا قـدسُ مــا خان الـجـهـادُ .. وإنـّمـا

خـان الــذي بـاسـم الجـهــاد تــَبـارى

فهو يشجب إتـِّجار الساسة بهذه المدينة العربية الإسلامية التي يقع فيها بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين، وكأنهم النخاسون الذين يقيمون مزاداً لبيع العبيد وشرائهم، ففي نداء متكرر للشاعر (يا قدس) ثلاث مرات، فالتكرار إشعاع أسلوبي يؤدي وظيفة دلالية وايقاعية، ولعل رسوخ المبدأ من العوامل التي تفضي إلى الشاعر بأسلوبية التكرار، ويكرر كلمة (الجهاد) مرتين في القصيدة، وتكرار حرفي الروي (الراء و الألف) فالتكرار جاء كالسيل تبعًا لقوة العاطفة المتوهجة في ذات الشاعر الذي يعبر عن موقف عاطفي مشحون بالتوتر الانفعالي، مما أسهم في تحقيق تجانس إيقاعي بين إيقاع المقدمة وفاصلة الختام وكأن هذا التكرار يجعل من القدس بؤرة النضال، لتشكل محورا دلاليا في هذه القصيدة .

والسماوي يتوحد مع الأرض من فرط حبه لها وعشقه وهيامه بها وهذا دليل على الرابطة القوية التي تربط بين الشاعر والأرض ونباتاتها، وهناك دلالات مختلفة ارتبطت بمجموعة من هذه النباتات، فالنخل يصبح معادلاً للأهل ويشارك في المقاومة حيث يقول: (12)

فاخرجوا من وطني ...

وامنحونا فرصة الدَّفن لموتانا

وأنْ نُخْرجَ من تحتِ الركامْ

جثثاً ما بلغَتْ عمرَ الفِطامْ

فاخرجوا

من قبل أنْ ينتفضَ النخلُ العراقيُّ

ويستلُّ سيوفَ الانتقامْ

ارتبطت نباتات الوطن بالشموخ والإباء فهي كإنسان هذا الوطن، يشارك النخل العراقي في المقاومة وطرد المحتل ويلتقي مع الأبطال في صموده ومقاومته، ويذكر الشاعر النخيل في كثير من قصائده الذي يتميز بالصمود والشموخ والعطاء، ورمزيته للطبيعة العراقية هي استمرار التعلق بالوطن ومشاركته في آلامه، فقد كرر الشاعر فعل الأمر (فاخرجوا) مرتين فجاء التكرار: الفاء + اخرج + الواو + من +الوطن . وكرر حرف العطف (الواو) ثلاث مرات، كما كرر حرف الجر(من) مرتين، وكرر حرف الروي في (الركام، الفطام، الانتقام) كذلك كرر الشاعر: أن + الفعل المضارع (نخرج، ينتفض) فشكل هذا التكرار ترابطاً قوياً وانسجاماً عالياً في هذا المقطع .

التكرار التراكمي

تنوعت رؤى التكرار التراكمي وتشعبت اتجاهاته ووظائفه في النقد الحديث والمعاصر، تبعًا للمدارس النقدية والأسلوبية الحديثة التي انبثق منها، فمنها رؤى تناولته من زوايا جمالية، ومنها رؤى تناولته من زوايا نفسية.(13)

ويعرفه الدكتور محمد صابر عبيد بقوله (يتحدد التكرار التراكمي في القصيدة الحديثة بفكرة خضوع لغة القصيدة بواقعها الملفوظ إلى تكرار مجموعة من المفردات سواء على مستوى الحروف أم الأفعال أم الأسماء، تكرارًا غير منظم، لا يخضع لقاعدة معينة سوى لوظيفة كل تكرار وأثره في صياغة مستوى دلالي وإيقاعي محدد، ودرجة اتساقه وتفاعله مع التكرارات الأخرى التي تتراكم في القصيدة بخطوط تتباين في طولها وقصرها) (14) .

أمّا عصام شرتح فيعرفه بأنه (طغيان صيغ أسلوبية تتكرر بكثرة عند الشاعر وبشكل عشوائي دون ضوابط أو فواصل محددة داخل النص الشعري) (15) ومعناه تكرار المفردات أو العبارات بطرق غير منظمة داخل القصيدة، و(تقوم القصيدة على تقنية التراكم الدلالي التي تحيل النص إلى متواليات صوتية أو تراكمات جميلة، حيث يراكم الشاعر عدة حروف وجمل بشكل عشوائي للتعبير عن الحالة النفسية التي يعيشها)(16) .

وفيها يسعى الشاعر إلى تكرار مفردة معينة في القصيدة ويكون هذا التكرار ناتجًا عن أهمية هذه المفردة وأثرها في إيصال المعنى، وتأتي مرة للتأكيد أو التحريض ولكشف اللبس، فضلا عما تقوم به من إيقاع صوتي داخل النص الشعري، والتكرار التراكمي لبعض الصيغ اللغوية على شكل ثوابت، في فواصل مختلفة من النص، يقول الناقد عمر العسري (إذا كانت الوظيفة الأولى للتكرار مقرونة بترديد النص على ضوء التفصيل، فإن الوظيفة الثانية مرتبطة بتجسير المقاطع الشعرية، وتتناثر محققة تراكماً مشهدياً يغني العمل الشعري لكنه في جوهره ينظم الخطاب الذي تحكمه علاقة العام بالخاص)(17)

وفي مقطع للشاعر يحيى السماوي يدعو أبناء العراق للجهاد والمقاومة والوقوف في وجه الخصم المحتل، وإجباره على مغادرة الوطن، وقد برّز هذا التحدي وبث الحماس بوضوح عند الشاعر في تكرار تراكمي واضح حينما يقول: (18)

باسم الدار تَطْحَنُها خيولُ الاحتلالْ

باسم الغدِ المأمول

باسم طفولةٍ سُفِحَتْ

وباسم عُراةِ كهفِ الإعتقالْ

باسم الفراتِ المستباح

وباسم نخلٍ مُثكلٍ بالسَعْفِ والعرجونِ

حتى باتَ مذبوحَ الظِلالْ

فاكنسْ بمجرفةِ الجهادِ الوحلَ

واسْتَأْصِلْ جذورَ (أبي رُغالْ)

(لا يسلم الشرفُ الرفيعُ من الأذى)

حتى يُزالَ الإحتلالْ

حانت صلاةُ الذودِ

حيَّ على النزال .. على النزال على النزالْ

نجد أن معجم النص يشع بالتحدي والصمود، ويبدو أن روح المعارضة دفعت الشاعر إلى توظيف هذه الألفاظ فقد كرر الشاعر حرف (اللام) ثلاث عشرة مرة غطى مساحة المقطع مما جعل المقطع منسجمًا من حيث الجرس الإيقاعي ومحكمًا في بنائه، وكرر لفظة (باسم) ست مرات (الدار، الغد، طفولة، عراة الكهف، الفرات، نخل) بهذه المبررات يقتل الشعب، لذلك يريد الشاعر من أبناء الوطن مواجهة العدو حتى ينالوا حريتهم من المحتلين، حيث استدعى الشاعر شخصية تاريخية (أبو رغال) (19) رمز الخيانة والعمالة للمحتلين، كما وظف بيت الشاعر(المتنبي) بما يتناسب مع رؤيته الشعرية:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ـــــــ حتى يُراقَ على جوانبه الدمُ  (20)

فهو يريد من أبناء العراق أن يستمروا في نضالهم وجهادهم حتى ينالوا حريتهم من الغزاة الأمريكان الطامعين، ففي خطابه يذكر أنّ الجهاد، هو فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، فيقول:(حانت صلاةُ الذودِ حيَّ على النزال .. على النزال .. على النزالْ ) ولعل تكرار هذه العبارة في المقطع، لإثارة المتلقي، وتحفيزه على رفض الواقع المرّ، فالتكرار أفاد في توكيد المعنى الذي ألّح الشاعر على إظهاره فضلاً عن تأثيره على الجانب الإيقاعي.

" يتبع "

 

د . محمد الأحبابي

............................

(*) من البحث الذي حاز به الباحث شهادة الدكتوراه في النقد الحديث .

 (1) قضايا الشعر المعاصر: نازك الملائكة، ص 268.

(2) القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية: محمد صابر عبيد، ص 199_200.

(3) انظر، ظواهر فنية في لغة الشعر العربي الحديث: علاء الدين رمضان السيد، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1996م، (د-ط)، ص66-84.

(4)  ديوان (نقوش على جذع نخلة)، يحيى السماوي، ص 74 – 75 .

(5) ديوان قيس بن الملوح مجنون ليلى، رواية أبي بكر الوالبي، دراسة وتعليق يسري عبد الغني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1999م، ص38 .

(6) ديوان (شاهدة قبر من رخام الكلمات)، يحيى السماوي، ص85.

(7) ديوان (نقوش على جذع نخلة )، يحيى السماوي،ص161.

(8) قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة، ص163.

(9) القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية، محمد صابر عبيد، ص204.

(10) ديوان (نقوش على جذع نخلة)، يحيى السماوي، ص62- 63 .

(11) ديوان (هذه خيمتي فاين الوطن)، يحيى السماوي، ص53 .

(12)  ديوان (هذه خيمتي فاين الوطن)، يحيى السماوي، ص 11 .

(13) انظر: جماليات التكرار في الشعر السوري المعاصر، عصام شرتح، ص 334.

(14) القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية، محمد صابر عبيد،ص 219.

(15) أنظر: جماليات التكرار في الشعر السوري المعاصر، عصام شرتح، ص338.

(16) المرجع نفسه: ص338.

(17) بلاغة التكرار في ديوان (دون مرآة ولا قفص): عمر العسري، مجلة عمان، ع147، ص64.

(18)  ديوان ( نقوش على جذع نخلة)، يحيى السماوي، ص 128 -129 .

(19) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، د. جواد علي، دار العلم للملايين، بيروت، (د-ط)، 1968م، ص28.

(20) ديوان المتنبي، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1983م، ص571.

 

 

في المثقف اليوم