قراءات نقدية

محمد المحسن: تجليات الإبداع في شعر الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي

محمد المحسنلعل من أبرز الخصائص المميزة للعمل الفني عموما والملفوظ الشعري خصوصا انه عمل يستفز المتلقي ويحمله على التفكير والتامل في كل حرف وكل كلمة بل يجعله يبحث عما خلف السطور وخلف الكلمات.

ومن هنا يمكننا القول أن الجمالية في الشعر جماليتان : هما جمالية الكتابة وجمالية التلقي .

فالطاقة الشعرية تتسع كلما اتسعت دائرة القرّاء لان كل واحد سيتناول النص من منظوره الخاص ويرى فيه ما لا يرى غيره .

ولا يفوتنا الإشارة الى أنه من شروط جمالية النص الشعري أن تكون المعاني والصور متمنعة مستفزة لا تسلم نفسها للمتلقي بيسر بل تحمله على أعمال فكره وقراءة القصيدة بترو،وبذلك يمكننا الإقرار بكثير من الإطمئنان أن النص الشعري نصان: نص مكتوب على ضوء رؤية صاحبه،ونص مقروء حسب رؤية المتلقي .

وهنا نستحضر قول تودوروف ”ان النظرة إلى الحدث الواحد من زاويتين مختلفتين يجعله حدثين منفصلين"

وقد لا أجانب الصواب إذا قلت للشعرية أساليبها البليغة،ومؤثراتها المهمة في تفعيل الرؤية الشعرية في القصائد الحداثية المعاصرة،لاسيما حين تمتلك قوة الدلالة المكتسبة من شعرية الأساليب وتنوعها وغناها الجمالي بالتقنيات الفنية المعاصرة،فالشعرية -بالتأكيد- تثيرها الأساليب الشعرية المتطورة،ومحفزاتها الإبداعية الفاعلة في تكثيف الرؤية الشعرية،وتعميق منتوجها الإيحائي المؤثر.

في هذا السياق بالتحديد،تتجلى الرؤيا الإبداعية الخلاقة التي ترتقي بالنسق الشعري،وترقى بمستويات مؤشراته الجمالية للشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي ،الذي -ينجت-نصوصه الشعرية بحبر الروح ودم الفصيدة..

وهنا أقول للقارئات الفضليات والقراء الأفاضل: لا ترتقي الرؤيا الجمالية إلا بمنتوج جمالي،وشكل جمالي جذاب؛وهذا التفاعل والتضافر بين الإحساس الجمالي والشكل الجمالي هو الذي يرقى بالحدث الشعري،ومثيراته الجمالية..

وهذا ما تجلى بوضوح لا تخطئ العين نوره وإشعاعه في جل قصائد د-طاهر مشي.

وهذه واحدة من قصائده المدهشة.. فأضبطوا أنفاسكم قليلا :

حِينَ تَعْشَق الرُّوح

حِينَ تَعْشَق الرُّوح …

يَبُوح القَلَم ..

تتوارى الآلام

في طَيَّاتِ الصَدر

سَكِيـــــــــــــــنةً

قَلبا مَجْرُوحا ..

فتولَد لَحَظَاتُ سَعَادة

نَكْتُب فِيها الحَياة ..

نَخُط وصْفَة دَوَاء

لتَنْدَملٓ جُرُوحٌ

و تُولد آلاَمٌ جديدةٌ

وَ أَوْجَاعٌ فِي صَمِيمنا

تَنْحَت نَدَبَاتٍ مِن الزَّمَن.

هَكَذا هِي الرُّوحُ العَاشِقة.

مِنْها حُبٌ فِي الوُجُود

وُمِنهَا حُب للحَياة

يَتَغَير الحَالُ وَلَا يَدُوم.

يَوم ألَمٌ وَ يَوم أَمَلٌ

وَ يَومٌ يَأْتينَا بالسَّعَادَة

ولَو كَانت تِلك اللحَظَات قَليلة

فَإنهَا تُسَجل في َدفَاتِرنا

نَعِيشُها فَتَكُون زادَنا للوُجُود

تَمُر وَلاَ تَمْضِي

تُصَاحِبنَا عَلى الدَّوام

وَ تَأخُذ مِنا نَصِيباً مِن العُمر .

طاهر مشي

***

أترك للسادة القراء حرية التفاعل مع هذه اللوحة الإبداعية التي نحتتها بمهارة واقتدار أنامل الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي

  

محمد المحسن-ناقد تونسي

 

في المثقف اليوم