قراءات نقدية

جواد دولهيمة: مكونات الخطاب الروائي في رواية "عبرات على أخاديد الوطن" للكاتب المغربي محمد الورداشي

تقديم: تتعدد التعاريف والتحديدات لمفهوم الرواية، بتعدد الاتجاهات والقناعات الفكرية والفنية بين النقاد، غير أن كل هذه التعاريف لا تخرج عن كونها تقدم تعريفا ما للرواية.

وعموما، يمكن أن نعتبر الرواية تبعا لما سبق "عبارة عن جنس أدبي نثري خيالي، يعتمد الحكي والسرد، وتجتمع فيه مكونات متداخلة (الشخصيات- الزمان والمكان- الأحداث....)، تختلف درجة أهميتها تبعا لنوعية الرواية ومنظور السارد.

وسنحاول هنا الوقوف عند مكونات الخطاب الرائي في الرواية المذكورة، وذلك بالوقوف عند أهم هذه المكونات ومساءلتها نقديا رغبة في الكشف عن جمالية الأسلوب أو أهمية الشخصيات أو منظور السارد. وسنعمل على ذلك من خلال: الأحداث، وبعض الشخصيات، والزمان والمكان، ثم الرؤية السردية.

1-  الاحداث:

نؤكد هنا أنه من الصعب جدا الفصل بين مكونات الكتابة الروائية، وذلك لكونها تدخل في علاقات وروابط معقدة، غير أن هذا الفصل يأتي بهدف الكشف عن بناء ثان للرواية قد يكون كما أراده الكاتب، أو يخالفه في بعض الأحيان، وليس لشيء سوى لكون العملية النقدية مجرد قراءة أخرى في التصور الجمعي للنقاد واتفاقاتهم في سيرورة الكتابة الروائية.

- سيرورة الحدث الروائي في رواية: "عبرات على أخاديد الوطن":

يخضع الحدث الروائي في تطوره، إلى سيرورة خاصة، تتكون من مجموعة من اللحظات يمكن إجمالها فيما يلي:

- لحظة البدء: جاءت بداية الرواية لدى الكاتب محمد الورداشي عبارة عن لمحة خاطفة، يصف فيها أجواء رحلة عادية للمسافرين الذاهبين لمدينة البيضاء، في جو من الزحام والاختلاف في اللباس والألوان والرؤى.

- لحظة التوتر: وقد كانت لحظة قريبة إلى حد كبير من سابقتها، ولعلها تصريح مسبق من السارد بأن طبيعة الأحداث ستكون متوترة بشكل كبير، حيث اختار صراعا اعتياديا بين الركاب والسائقين، شخصه السائق مع عمر(شخصية رئيسة).

- لحظة التنوير: ويمكن اعتبارها الحلقة الأخيرة في سيرورة الحدث، فهي بمثابة تتويج للصراعات النفسية والفكرية والوجدانية والاجتماعية الناتجة عن تفاعل الشخصيات مع الاحداث بمختلف تفاعلاتها، ويتمظهر هذا البعد في الصمود الذي أبداه عمر رغم كل المحاولات التي قام بها السائق ومساعده لأقناعه بغير ما أراد.

- الحبكة: هي مجموعة من الأحداث متصلة أو منفصلة تسير في اتجاه معين. لابد من الإشارة هنا؛ إلى كون الكاتب محمد الورداشي قد اعتمد حبكة مفككة قدم عبرها شخصيات الرواية ورؤاها، لتشكل بعد ذلك حبكة محكمة تحترم التسلسل النطقي للأحداث وفق سينوريوهات الكاتب، وهكذا يكون التحليل المقدم أعلاه مجرد تحليل لأحد أحداثها وليس للرواية ككل.

2- الشخصيات:

تنقسم الشخصيات في العرف الروائي إلى ثلاثة أنواع،

- شخصيات رئيسة: وتحظى بأهمية كبرى، وتشغل حيزا أكبر من مساحة الرواية وذات حضور مهيمن. ويمثلها في الرواية كل من أحمد وعمر وفاطمة، والتي طرح الكاتب عبرها مجموعة من التصورات والقضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تخص المجتمع المغربي، (العمل وظروفه، الدعارة، التسلط، الصداقة..).

- شخصيات ثانوية: وهي ذات حضور أقل وتعمل على تكميل مهام سابقتها وتساعدها في إبراز ذاتها وحالاتها. وتتمظهر بشكل كبير في مدير الشركة الذي كان عنصرا مهما في تنامي أحداث الرواية وتغير مسارها نحو قضايا اجتماعية أخرى (الانتقام، الانتحار، الهروب، المطابة بالحقوق ..).

- شخصيات عابرة: وتظهر بشكل عرضي لإنارة بعض المواقف وتسهيل دور الشخصيات الرئيسة ثم تختفي بشكل نهائي. ويمكن تركيز الضوء على قصة الطالب الذي ضاع مستقبله بسبب أمه و"الشوافة"، كاشفا عن ظواهر اجتماعية أخرى (الاعتقاد، الحظ الشعوذة ..).

3- الفضاء الروائي: الزمان والمكان:

من أجل تحسيس القارئ بالتشابه المكاني والزماني بين الرواية والواقع، وإدماج المتلقي في النص لتحقيق تفاعل كبير له مع النص، وكذلك رغبة في الوصول إلى تماسك واتساق داخلي بين مختلف العناصر الروائية، وجعل النص قابلا للإدراك والاستيعاب؛ فقد وظف الورداشي حيزا زمانيا ومكانيا للأحداث من أجل تأطيرها وجعلها في متناول القارئ مؤثرة فيه، تتكلم بلسانه حينا، وتعبر عنه حينا آخر.

- الزمان: يغلب على الروايات زمن الماضي، إن نحن نظرنا إليها من حيث زمنُها الداخلي، حيث إنها أحداث وقعت وانتهت، ولا يعطيها حق الوجود سوى هدف الكاتب من تذكرها واسترجاعها (ذاتية كانت أم غيرية)، ويمكن القول هنا إن الهدف يكمن في التعبير عن رؤى الكاتب وتوجهاته ومن أجل أخذ عبرة من الماضي.

- المكان: للمكان أهمية كبيرة في الرواية، باعتباره الحيز الذي تتحرك فيه الشخصيات، وتدور في فلكه الأحداث والوقائع. ويعرف حضورا كبيرا في النص الروائي، وقد لعب دورا كبير ا في إبراز الانتماءات الاجتماعية للشخصيات: الحافلة (لا يستقلها إلا أبناء الطبقة الكادحة) غرفة الكراء: (الكراء المشترك يلجأ إليه الفقراء). كما أن المكان يظهر التركيبة النفسية للشخصيات (عدم ارتياح عمر في بيت عمه رغم ترف العيش، وارتياحه فبيت كراء أصدقائه)، غرفة فاطمة (الشعور بالرضا والراحة مع أحمد، ثم العجز والتذمر وقت دفع الايجار) المقهى (الهروب من أعين المارة، الإحساس بالراحة، تغيير الفضاء ..)

4- الرؤية من الخلف:

إن معرفة السارد في الرواية تفوق معرفة الشخصيات، حيث يبدو محيطا بكل التفاصيل، متحكما في سيرورة الأحداث، وفضاءاتها الروائية، حيث ينسج ويرسم ويحرك الشخصيات كما يريد، إلا في التنامي الاعتيادي للأحداث التي يخلقها، فهو يحرص على عدم ظهوره بشكل مباشر، مما يجعل البعد الجمالي والفني حاضرا في عمله. وهذا يجعل السرد إخباريا محضا مما يعطي للسارد القدرة على توجيه الاحداث والشخصيات من جهة، والتحكم في قدر المعلومات والأفكار التي يريد إيصالها للمتلقي.

غير أنه يمكن القول إن الكاتب قد لجأ إلى الرؤية مع المصاحبة في بعض سطور الرواية، مما أعطى فرصة للشخصيات للكشف عن أفكارها وتوجهاتها.

وختاما، إننا نعتبر هذه القراءة المتواضعة مجرد دعوة للقارئ العربي لتذوق العمل الروائي، في انتظار دراسة أعمق تكشف عن البعد الاجتماعي للشخصيات داخل الرواية.

 

إعداد: جواد دولهيمة

 

في المثقف اليوم